الأبعاد الإستراتيجية لاتفاقية الدفاع المشترك مع باكستان

https://rasanah-iiis.org/?p=38093

في خطوة جديدة لتتويج مسيرة طويلة من التعاون العسكري والدفاعي، تمتد لعقود تاريخية بين الدولتين الكبيرتين والمؤثرتين في مجريات الشؤون الشرق أوسطية والجنوب آسيوية، وقَّعت كلٌ من المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية على اتفاق تاريخي: “اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك” مساء يوم الأربعاء الموافق السابع عشر من سبتمبر 2025م، بعد جلسة مباحثات بالعاصمة الرياض بين سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف؛ ليتحوَّل مسار العلاقة بين البلدين من تعاون ثنائي عسكري، إلى دفاع مشترك عنوانه الرئيسي: أي تهديد لأحد الطرفين لن يُنظر إليه بأنه هجوم على بلدٍ واحدٍ فقط، بل على تحالف ثنائي يستوجب الرد المشترك.

يطرحُ توقيت الاتفاق وفحواه وأطرافه تساؤلات مهمة، أبرزها: ما أهمية الاتفاق وأبعاده الإستراتيجية؟ وما الدوافع الرئيسية للجانبين لتوقيع الاتفاق الدفاعي المشترك؟ وما هي تداعيات الاتفاق على موازين القوى وحسابات الدول في الشرق الأوسط وجنوب آسيا؟ وكيف تنظُر لها بعض القوى الدولية وثيقة الصلة مثل الهند وإيران وإسرائيل والصين والولايات المتحدة؟ وما آثار ذلك على العلاقات بين كل طرف من الطرفين وتلك الدول؟ وما أبرز مكاسب كل طرف من توقيع الاتفاق التاريخي بكل المقاييس.

أولاً. مضمون الاتفاق وأبعاده الإستراتيجية

جاء اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين السعودية وباكستان في توقيت حساس تمرُ به منطقة الشرق الأوسط، حيث حمل مضامين جوهرية وأبعادًا إستراتيجية يتوقَّع أن يكون لها انعكاسات إيجابية على أمن المملكة وباكستان واستقرار المنطقة، وتتمثَّل هذه المضامين والأبعاد في التالي:

1. توسيع التعاون العسكري بين البلدين: اتفاق الشراكة الدفاعية بين السعودية وباكستان، وسَّـع من اتفاقيات التعاون السابقة الموقعة بين البلدين؛ فوفقًا للبيان المشرك، فإن الاتفاق يأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، عبر تطوير جوانب التعاون الدفاعي، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء. أما البند المهم هو “أنَّ أيَّ اعتداءٍ على أيٍ من البلدين هو اعتداءٌ على كليهما”، ويشير مضمون هذه النقطة إلى أنَّ باكستان والمملكة لما لهما من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري وموقع إستراتيجي، ما سيوفر لهما معًا مكانةً وقوةَ ردعٍ إضافية في ظل التحولات الجارية في النظام الدولي، والتوترات التي تشهدها دول المنطقة.

2. تعزيز مكانة المملكة وباكستان: هذه الاتفاقية تُعزز من موقع المملكة كقوة إقليمية مهمة، تتبنى سياسات مسؤولة للدفاع عن أمن واستقرار المنطقة، فيما تمنحُ باكستان شريكًا إستراتيجيًا يُمكنُها من تعزيز قدراتها الدفاعية، ليُشكِّلا بذلك شبكةَ أمان جماعية تُعزز أمن دول الخليج العربي وجنوب آسيا.

3. تحولٌ جذري في العقيدة الدفاعية والأمنية: عقيدة دول الخليج هي عقيدة دفاعية وليست هجومية؛ ما يقوي موقفَ السعودية ويعطيها خيارات متعددة ويرسل رسائل إلى القوى الكبرى، بأن هنالك تحولًا جذريًا تشهدُه دول الخليج العربي نتيجةً للمهددات والمخاطر الأمنية التي تتعرَّض لها، وأن الاتفاق السعودي-الباكستاني قد يمثل رافعةً قويةً لبقية دول الخليج التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع المملكة، للدخول في شراكات دفاعية مشابهة.

4.الاتفاق ليس بديلًا للشراكات التقليدية: لا تمثل الاتفاقية بديلاً عن أي تعاون أو شراكات قائمة مع دول أخرى، بل تُعد مكملةً لتلك الشراكات والتعاون؛ بهدف ضمان أمن واستقرار المملكة وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء مستقبلي يتعرَّض له البلدان، فضلًا عن مواجهة التحديات العسكرية وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم.

5. قدرة المملكة على الدخول في تحالفات أمنية جديدة: يُشير الاتفاق إلى أن المملكة قادرة على بناء شبكة علاقات عسكرية معقدة مع قوى نووية مثل باكستان، ما يمنحها ويمنح أمن الخليج والمنطقة ثقلًا إضافيًا، كما يشير إلى استقلالية القرار السعودي، ويُعد مؤشرًا على توجه المملكة نحو إدارة أمنها الإقليمي ذاتيًا، وأنها لن ترهن أمنها على قوة واحدة أو قوى بعينها. فضلًا عن أنها تبني تحالفاتها وفقًا لمصالحها الوطنية، وليس بناءً على حسابات الآخرين.

6. الاتفاق ثمرةٌ لمباحثات طويلة بين البلدين: رغم التوترات التي تشهدها دول المنطقة، وما تعرَّضت له قطر مؤخرًا من قصف استهدف قيادات حماس بالدوحة، لكن الأبعاد الإستراتيجية للاتفاق السعودي-الباكستاني، وما تضمَّنه من بنود متعددة، يُشير إلى أن الاتفاق لم يأتِ كرد فعلٍ على ما تعرَّضت له قطر من قصف وتهديدات إسرائيلية، بل كان ثمرةً لمفاوضات ومشاورات عميقة وطويلة بين البلدين.

ثانيًا. بيئة ودوافع الطرفين لتوقيع الاتفاق

وقَّع الطرفان على الاتفاق في ظل بيئة أمنية شديدة الاضطراب والتوتر، على خلفية التوجهات الجيوسياسية الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في الشرق الأوسط؛ مما يفاقم من معدلات ومستويات الصراع نحو انفجار إقليمي شامل لا تُحمد عقباه على كافة الدول في المنطقة والعالم؛ وفيما يلي بيئةُ ودوافع توقيع الطرفين للاتفاق:

1. تنامي المخاطر والتهديدات الإسرائيلية: تُدرك المملكة العربية السعودية منذ انفجار الحرب في غزة، مساعيَ الحكومة الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية ضمنَ مخطط إسرائيلي أوسع لتنفيذ ما يسمى بإسرائيل الكبرى، والتي تضمُ أراضٍ من الدول العربية والخليجية، وتفاقم الإدراك للخطر بعد ترديد رئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بنيامين نتنياهو “تغيير وجه الشرق الأوسط”، ومؤخرًا توجيههُ ضربةً عسكريةً لدولة خليجية وسيطة في إنهاء الصراع وعودة الرهائن الإسرائيليين، بل وترديد نتنياهو “إمكانيةَ تسديد ضربات جديدة لقطر أو لأي دولة عربية تؤوي عناصر تابعة لحركة حماس”، ما آثار موجة استنكار عربية وإسلامية واسعة، وشكَّل دافعًا للمملكة لتعزيز شراكاتها الدفاعية لحفظ الأمن والاستقرار الخليجي، أما باكستان فلا تجدُ نفسها كدولة إسلامية بعيدةً عن الشرق الأوسط عند تنامي التهديدات الإسرائيلية، لا سيما في ظل موقف باكستان من الدعم الإسرائيلي للهند في الحرب الأخيرة معها؛ ومن هنا تناغمت المواقف السعودية-الباكستانية في ضرورة تعزيز الدفاع المشترك، لا سيما على ضوء الشراكة التاريخية الممتدة لعقود بين البلدين.

2. ضعف الضمانة الأمريكية الأمنية: رغم توقيع العديد من الدول الخليجية عامةً وقطر خاصةً اتفاقيات تعاون دفاعي مع الولايات المتحدة، غير أن العاصمة القطرية استُهدِفت إسرائيليًا دون أن تحرك الولايات المتحدة ساكنًا، ويدور جدلٌ حول مدى تواطئ الولايات المتحدة مع إسرائيل في استهداف قادة حماس بالدوحة، لا سيما أن الاعتداءات تمت على بعد أمتار من قاعدة العديد الأمريكية ذات الأنظمة الدفاعية المتطورة، وذلك أيضًا بعد شهور قليلة من اعتداءات إيرانية على القواعد الأمريكية بالدوحة قبل اعتراضها، وذلك ربما ترك انطباعات سلبية تعززت لدى دول الخليج العربي بتكرارها مع عدم وضوح للرؤية الأمريكية، وربما سبَّب إحراجًا أيضًا للإدارة الأمريكية أمام حلفائها الخليجيين؛ ولذلك من الطبيعي أن تُعيد المملكة العربية السعودية النظر في شراكاتها الدفاعية نحو تنويعها، كما أن باكستان بحاجة أيضًا إلى حلفاء أقوياء مثل المملكة الصاعدة بشدة في الساحتين الإقليمية والدولية.

3. غياب مشروع عربي/إسلامي دفاعي مشترك: ظلَّت الدول العربية والإسلامية لمراحل طويلة من الزمن تفتقدُ لمشروع دفاعي مشترك يُدافع عن الأمن والاستقرار العربي والإسلامي في وجه التحديات الأمنية الصاعدة من أطراف ذات نزعات جيوسياسية مدمرة؛ ولذلك ربما تُعد الخطوة السعودية-الباكستانية مشفوعةً برغبة القيادتين السعودية والباكستانية في إرساء مشروع تعاون دفاعي عربي إسلامي مشترك، يدفع دولًا عديدة إلى الانضمام إليه؛ لتدشين قوة عربية إسلامية ليس لتأجيج الصراعات، وإنما لتسويتها وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ووضع حدٍ للطموحات الجيوسياسية لبعض الدول التي قد تؤدي سلوكياتها إلى أزمات وحروب عسكرية في المنطقة تطال آثارها العالم أجمع، أما مسألة الانتظار لحين تحقيق إجماع عربي إسلامي يتطلَّب وقتًا طويلًا يُكبد الدول العربية والإسلامية خسائر فادحة؛ ومن هنا كانت المبادرة السعودية والباكستانية لتدشين أول تجربة عربية إسلامية للدفاع المشترك.

4. إرساء سلام القوة وتوازن الردع: باتت مسألة ضرورة تحقيق سلام القوة وتوازن الردع الإستراتيجي دافعًا ملحًا وقضيةً جوهريةً مطروحة أمام الدول العربية والإسلامية، منذ تنامي الطموحات الجيوسياسية لإسرائيل وتجاوزها كافة الخطوط الحمراء للدول العربية والإسلامية؛ وهو ما دفع المملكة العربية السعودية نحو الدخول في شراكة إستراتيجية للدفاع العسكري المشترك مع دولة نووية مثل باكستان، وذلك بهدف إعادة تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط والتأثير على الحسابات الإستراتيجية للعديد من الدول ذات الطموحات الجيوسياسية المدمرة للأمن والاستقرار في المنطقة، وربما يكون لذلك ثمارٌ بالفعل تُرصَد في لاحق الأيام على المواقف الإسرائيلية والأمريكية تجاه الساحات المشتعلة في المنطقة العربية، أما بالنسبة لباكستان فربما يدفعها للتعاون الدفاعي المشترك مع المملكة، رغبتها في تعزيز مكانتها كقوة إقليمية ذات ثقل عسكري، وفي كل الأحوال فإن مسألة القدرة على تعزيز توازن الردع -لا سيما النووي- تسهم في إرساء سلام القوة، الذي ربما بات السبيل الوحيد لردع الدول ذات النزعات الجيوسياسية الخطرة.

ثالثًا: مواقف ومصالح متضاربة للقوى الإقليمية والدولية

على المستوى الشعبي العربي والإسلامي لقيَ الاتفاق ترحيبًا واسع النطاق في كلٍ من باكستان والمملكة، حيث يُنظَر إليه على أنه تحولٌ مهم يعزز الأمن القومي للبلدين، ويوفر قوة ردع في ظل التوترات الإقليمية وفي ظل الفوضى العالمية الراهنة، وخصوصًا في مواجهة إسرائيل التي تسعى إلى فرض هيمنتها على دول المنطقة.

أما ما يخص المواقف الإقليمية والدولية من هذا الاتفاق، فيمكن رصد أبرزها على النحو الآتي:

1. الهند:

أعلنت وزارة الخارجية الهندية بأنها ستدرُس بعناية التداعيات المحتملة للاتفاق على أمنها القومي والاستقرار الإقليمي والعالمي. كما أشارت الهند إلى أنها كانت على علم بأن الاتفاقية التي تُضفي الطابع الرسمي على ترتيبات قائمة منذ فترة طويلة، كانت قيد النظر. كما أكدت الحكومة الهندية التزامها بحماية مصالحها الوطنية وضمان الأمن القومي الشامل في جميع المجالات. مع أن الأوساط الهندية تنظر للاتفاق بأنه يستهدف مواجهة التهديدات في الشرق الأوسط، لكن يحمل الاتفاق تداعيات إستراتيجية على الهند وعلى مصالحها الإقليمية، إذ تُقدِّر الهند موقفها من الاتفاق بناءً على العِداء التاريخي مع باكستان، وأن هذا الاتفاق قد تكون له انعكاساته على التوازن الإستراتيجي؛ فالنص في الاتفاق على الدفاع المشترك يجعل السعودية طرفًا في أي صراعٍ مستقبلي مع باكستان.

2. إسرائيل:

لم يصدُر حتى كتابة التقرير رد فعل إسرائيلي رسمي على هذا الاتفاق. لكن التغطية الإعلامية تشير إلى أن هذا الاتفاق حدثٌ سيترتبُ عليه تداعيات إستراتيجية وتحديًا لأهداف إسرائيل وتحركاتها الإقليمية، فهو بمثابة رسالة ردع مشترك لإسرائيل، لا سيما بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، وقد يوفر للمملكة مظلة حماية نووية رادعة في مواجهة إسرائيل. وربما يكون نواةً لقوة ردع مشتركة أوسع نطاقًا لردع إسرائيل، وهو ما قد يوقِف الاختراقات والتدخلات الإسرائيلية لا سيما في منطقة الخليج. ولا تتوقف تداعيات هذا الاتفاق على إسرائيل عند هذا الحد لكنه تحديٌ أمام تطلعاتها الإقليمية في تغيير الشرق الأوسط كما تدَّعي، وسيمنح المملكة تحديدًا حريةً للحركة، ودعمًا لسياساتها المناهضة لمحاولة إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، كما سيجعل من الحلم الإسرائيلي بتطبيع العلاقات مع الرياض بعيدَ المنال، وغير خاضع لمساومات واشنطن وإملاءاتها؛ وعلى هذا الأساس ستشنُ إسرائيل حملةً مؤكدةً ضد هذا الاتفاق، وربما بالتعاون مع واشنطن ستعمل على تقويضه أو إضعافه وإفراغه من مضمونه.

3. إيران

لم يصدُر أي بيان رسمي إيراني تعليقًا على الاتفاق. لكن جديرٌ بالذكر الإشارة إلى زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي علي لاريجاني للمملكة قبل الاتفاق في 16 سبتمبر 2025، وربما كانت هذه الزيارة لإطلاع إيران على الاتفاق، وذلك في إطار التفاهمات بين البلدين منذ اتفاق بكين. ومع ذلك لا جدال بأن الاتفاق بالنسبة لطهران بمثابة تعزيز لقوة الردع السعودية الخصم/المنافس التقليدي في الخليج. كما يؤمن الاتفاق للسعودية مظلة حماية من دولة نووية؛ وهذا يخلق توازنًا للرياض في مواجهة البرنامج النووي والتهديدات الإيرانية في المنطقة. غير أن إيران قد لا تصعِّد الموقف علنًا، بل ستعمل من خلال دبلوماسية هادئة لتحييد تأثيره على علاقاتها مع باكستان، ومسار التهدئة مع الرياض، خصوصًا أن الاتفاق يُفهَم في إطار التصعيد الإسرائيلي الذي طالَ دول الخليج مؤخرًا.

4. الولايات المتحدة:

لم يصدر أي تعليق رسمي على الاتفاق؛ لكن لا شك سيُنظر إلى هذا الاتفاق في هذا التوقيت على أنه عدم ثقة سعودية وخليجية في الولايات المتحدة كضامن أمني، ووسيط غير نزيه في الصراعات الإقليمية، وقد تنظر إليه واشنطن من الناحية الإستراتيجية أنه بدايةٌ لتراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. وقد تمارس الولايات المتحدة ضغوطها على الجانبين الباكستاني والسعودي من أجل إضعاف تأثير هذه الاتفاقية، التي لا يتوقف تأثيرها على البُعد الأمني الإقليمي، ولكن على المصالح الإستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة، وعلى نفوذها في المنطقة، والذي يعني تراجعُهُ إتاحةَ نافذة أوسع للصين والقوى الآسيوية في الشرق الأوسط، كما أن هذا الاتفاق قد يدفع نحو توسيعه ليشمل دولًا أخرى، أو مزيدًا من الاتفاقيات الدفاعية الثنائية أو الجماعية؛ لمواجهة الاندفاع الإسرائيلي المدعوم بصورة مطلقة من الولايات المتحدة.

5. الصين

لم يصدر عن الصين تعليقات رسمية على الاتفاق، وربما تتجنَّب ذلك وفقًا لسياساتها الحذرة في التعليق على مثل هذه الاتفاقيات، ولعدم إثارة الهند التي شهدت العلاقة معها تقاربًا مهمًا في الآونة الأخيرة. لكن على عكس واشنطن فإن الاتفاق يتماشى مع أهدافها الإستراتيجية؛ فالاتفاق بمثابة دعم لحليفها الموثوق باكستان ويعزز أمنها، كما يُسهم في موازنة النفوذ الأمريكي-الهندي، وكذلك يؤكد رغبةَ المملكة في تنويع شراكتها، وربما إعادة صياغة علاقتها مع واشنطن والصين، وعلى هذا الأساس لن تعارض الصين الاتفاق، بل ربما تدعمه أو تؤيده دون الإعلان عن ذلك.

رابعاً. مكاسبُ الطرفين من الاتفاق   

تُحقِّق كلٌ من المملكة العربية السعودية وباكستان العديدَ من المكاسب في مختلف المجالات؛ جرَّاء توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.

1. المكاسب الأمنية: تأتي المكاسب الأمنية في المقدمة؛ إذ يعزز الطرفان أبعاد الردع في أمنهما القومي وإستراتيجيتهما الدفاعية نظرًا للمزايا التي يتمتع بها الطرفان، وتحقق قدرًا من التكامل الدفاعي بينهما، خاصةً وأن الاتفاق ينصُ على أن أي اعتداء على أحد البلدين هو اعتداء على كليهما. فمن ناحية تحصلُ المملكة عمليًا على مظلة نووية؛ حيث تحوزُ باكستان رؤوسًا نووية وصواريخ قادرة على حملها. وفي المقابل تمتلكُ السعودية منظومةً تسليحيةً متقدمةً ومتنوعة. كما تُتيح الاتفاقية فرصًا لمراكمة برامج تطوير جيوش البلدين عبر تعزيز التدريبات والمناورات المشتركة، وصولًا لأعلى مستويات التنسيق كمنظومة قيادة وسيطرة مشتركة والتي يتطلبها الدفاع المشترك. وأيضًا الإنتاج الدفاعي بعدما بات توطين الصناعات الدفاعية مسألةً ضروريةً في المنظومات الدفاعية الدولية، والقدرات المالية السعودية تُتيح المجال لتجسيد مشاريع التسليح التي تتطلَّب تكلفةً ماليةً عالية.

2. المكاسب السياسية: على المستوى السياسي تُعزز الاتفاقية من حضور الدولتين في المنطقة والعالم؛ نظرًا للأهمية الجيوسياسية التي يتميز بها كلٌ منهما، كما تمنحُهما قيمةً مضافة في سياساتهما وتحالفاتهما وتفاعلاتهما مع التطورات الدولية، إذ بات كلٌ منهما يملكُ بدائل سياسية وأمنية تُعزز من قدرته على المساومة في القضايا التي تخصُه، وتكشف مدى أهمية التنوع في التحالفات التي بدأت تبرُز كسمةٍ في النظام الدولي بدلَ سياسات المحاور الثنائية، التي كانت سائدةً في المرحلة السابقة.

3. المكاسب الاقتصادية: أما اقتصاديًا فباعتبار أن الدفاع المشترك مستوى متقدمٌ جدًا في التعاون الدولي؛ فبكل تأكيد سيترتب عن ذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين على المدى المتوسط والبعيد، خاصةً وأن هذه الاتفاقية الجديدة جاءت تتويجًا لمسار طويل من التعاون والتنسيق شهدت بعض محطاته تعاونًا اقتصاديًا كبيرًا على غرار زيارة ولي العهد السعودي لباكستان في 2019 التي وقِّعت فيها اتفاقياتٌ استثمارية تجاوزت قيمتها عشرين مليار دولار، وبكل تأكيد ستشهد المرحلة القادمة المزيد من التعاون الاقتصادي الذي يُعبِّر عن النقلة النوعية التي حصلت في العلاقات بين البلدين عقب توقيع اتفاقية الدفاع المشترك.

الخلاصة:

تؤسس “اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك” لمرحلة جديدة في مسار التعاون الذي يميز العلاقات التاريخية المتجذرة بين السعودية وباكستان، كما تُعتبر هذه الخطوة من قوَّتين إقليميتين منعطفًا في السياسات الدولية بمنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، والتي سيكون لها صدى في الأقاليم الجيوسياسية الأخرى؛ نظرًا لمحورية الفضاء الجيوسياسي الممتد الذي تتقاطعُ فيه الدوائر الأمنية السعودية والباكستانية في النظام الدولي، حيث تأخذُ القوى الإقليمية زمامَ المبادرة في ترتيب شؤونها الأمنية من خلال الاستثمار في عناصر القوة المتبادلة التي تمكنها من الاستناد على أدوات الردع، لمواصلة مقارباتها الانفتاحية الساعية لإحلال الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

ويتعينُ على الدولتين تنشيطَ دبلوماسيةٍ متعددةِ المستويات لشرحِ أبعاد هذا التحالف ومستهدفاته الدفاعية، والتي لا تستهدفُ تحولاتٍ ضد أي دولةٍ أو التغيير في الاتفاقيات والتفاهمات القائمة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير