الأبعاد الإستراتيجية للتعاون العسكري السعودي-التركي

https://rasanah-iiis.org/?p=37074

أجرى رئيس الأركان السعودي الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي، في 22 ديسمبر 2024م، زيارة لتركيا، بناءً على دعوة قدَّمها له نظيره التركي متين غوراك، وعقَدَ المسؤولان مباحثات ثنائية وأخرى مشتركة. وخلال الزيارة، التقى الفريق الأول الركن الرويلي، مع وزير الدفاع التركي، وعلى الرغم من أنَّ الجانبين لم يُصدِرا أيّ بيانات أو تعليقات بشأن الزيارة، فإنَّها تأتي في إطار التطوُّرات الإيجابية، التي شهِدَتها العلاقات بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة، وتنامي التعاون الإستراتيجي، لا سيّما على الصعيد الدفاعي. كما تأتي هذه الزيارة في توقيت مهمّ للتطوُّرات التي تشهدها المنطقة منذ حرب غزة، والتحوُّلات الجارية في سوريا وفي منطقة القرن الإفريقي، وهي المجالات الحيوية، التي تلتقي فيها مصالح البلدين. فما مظاهر ذلك التقارب العسكري؟ وما تأثيراته الإستراتيجية؟

أولًا: سياقات وأبعاد كُبرى للتعاون

تأتي هذه الزيارة في ظلّ متغيِّرات متسارِعة تشهدها المنطقة، وفي وقت تأمل فيه الدولتان المركزيتان في استغلال الظروف المواتية، لخلق أثرٍ متعدٍّ يعكس معادلات لطالما كانت قائمة لفترات طويلة، أجَّلَت انطلاق المنطقة إلى فضاءات تعاونية وتكاملية تخدم المصالح الاقتصادية والأمنية، وتفوِّت الفُرصة على المشاريع المناوئة. ومن الأبعاد التي قد يركِّز عليها التفاعل التركي-السعودي:

1. تَطلُّع إلى بناء علاقات متطوِّرة على المستويات كافَّة: استعادت العلاقات السعودية-التركية زخمها بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان للسعودية في مطلع عام 2022م، وزيارة وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان تركيا في يوليو من العام نفسه. وبعدما توافق البلدان على تعزيز العلاقات والتعاون في عِدَّة مجالات حيوية، ظهَرَ أثر ذلك سريعًا في نمو حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين، إذ بلَغَ 25.4 مليار ريال عام 2023م، محقِّقًا نموًّا بنسبة 15.5%، إذ تمثِّل الصادرات السعودية إلى تركيا 15.6 مليار ريال، أمّا الواردات التركية إلى المملكة فتمثِّل 9.8 مليارات ريال. ويستهدف البلدان مضاعفة هذا التعاون، عبر تعاونٍ في قطاعات التعدين والصحة والتكنولوجيا والاتصالات والسياحة والبنية التحتية والمعلوماتية وصناعة الدفاع.

2. رغبة في خلْق بيئة أمنية إقليمية جديدة: تتوافق الرؤية السعودية والتركية بشأن خلْق بيئة أمنية جديدة في المنطقة، تهدُف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وخلْق نموذج يجذب الفواعل الإقليمية، بالإضافة إلى تقوية جبهة الدول الإسلامية في الاستحقاقات الدولية، من أجل مواجهة المتغيِّرات الدولية والإقليمية، والمشروعات التي تستهدف إحداث تغييرات في موازين القُوى الإقليمية، وخلْق مشروعات لخدمة تطلُّعات القُوى الكُبرى.

3. تركيز على التعاون العسكري: تشهد العلاقات الدفاعية بین بين البلدين نموًّا مطّرِدًا، ويُعتبَر اجتماع رئيس هيئة الأركان السعودي الفريق أول الركن فياض الرويلي، مع نظيره التركي في سياق اجتماع اللجنة العسكرية السعودية-التركية، الذي جرى خلاله بحْث التعاون في المجال الدفاعي والعسكري وتطويره، الاجتماع السادس لهذه اللجنة والثالث خلال عام 2024م فقط، في إشارة إلى وتيرة التعاون العسكري المتسارِعة بين الجانبين، الذي بدأ في أثناء زيارة الرئيس التركي للرياض في يوليو 2023م، حيث وُقّعَت الخُطَّة التنفيذية للتعاون الدفاعي، بهدف الارتقاء بمستوى التبادل التجاري في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين إلى مرتبة الشراكة الإستراتيجية، وهو ما تُرجِمَ في ما بعد في عددٍ من مذكِّرات التفاهم والاتفاقيات، التي بموجبها استحوذت المملكة على بعض الشركات التركية، فضلًا عن عديد من الزيارات والاجتماعات، التي ناقشت سُبُل التعاون، وجرى خلالها التفاهم والاتفاق على التعاون ونقْل التكنولوجيا العسكرية إلى السعودية.

4. اهتمام خاص بقطاع المسيّرات: وبفضل تجربتها الناجحة في تطوير قطاع دفاعي محلِّي، أصبحت تركيا نموذجًا تهتمّ به المملكة العربية السعودية، وبينما أثبتت المسيّرات التركية كفاءة عالية في ميادين القتال، واختُبرت فاعليتها في حرب ناغورني كاراباخ والحرب الأوكرانية، وفي سوريا، فقد أولت السعودية اهتمامها بالتعاون مع تركيا في هذا المجال. لذا، وُقّع عقدا استحواذ بين وزارة الدفاع السعودية وشركة «بايكار» التركية للصناعات الدفاعية، وتتضمَّن هذه الاتفاقية شراكة بين شركتي «سامي» و«بايكار» لإنشاء قُدرات التصنيع وتطوير أنظمة الطائرات دون طيّار داخل المملكة. وبحلول عام 2026م، من المتوقَّع أن يصنع أكثر من 70% من إنتاج شركة «سامي» من طائرات أكينجي محلِّيًا. وأرسلت شركة «سامي» 300 موظَّف سعودي للتدريب في شركة «بايكار»، لدعم هذا الجهد، وتعزيز خبرتهم الفنِّية.

5. الرؤية وتوطين الصناعات العسكرية: تُمَثِّل «رؤية 2030» بوصلة مهمَّة لتحديد التوجُّهات السعودية، بما في ذلك سياساتها الدفاعية. فوَفْقًا لهذه الرؤية، تتطلَّع السعودية إلى تنويع شركائها الدفاعيين، ونقْل الخبرات المتقدِّمة إلى الداخل، والأهمّ هو توطين الصناعات الدفاعية، والوصول إلى 50% من حجم الإنفاق الدفاعي العام بحلول عام 2030م. ولا شكَّ أنَّ الوصول إلى ما يقرُب من 20% من التوطين بحلول نهاية عام 2023م، يمثِّل إنجازًا بارزًا لصناعة الدفاع السعودية. جديرٌ بالذكر أنَّ الاهتمام السعودي بالتعاون الدفاعي مع تركيا، يأتي في وقتٍ يحظى فيه قطاع الدفاع بالحصَّة الكبرى من ميزانية 2025م، إذ بلغت مخصَّصاته 72.5 مليار دولار، ما يعكس زيادة بنسبة 5% مقارنةً بتقديرات عام 2024م. وهذا بالأساس يُشير إلى الخطوات الكبيرة، التي قطعتها المملكة في سعيها لتوطين الإنتاج الدفاعي، إذ ارتفع معدل توطين الإنفاق العسكري من 4% في عام 2018م، إلى 19.35% بحلول نهاية عام 2023م. وتركيا لا شكّ تتطلَّع إلى الاستفادة من هذه التوجُّهات الرائدة للمملكة، ومن التفاعل مع الرؤية السعودية الجاذبة.

6. صعود تركيا مورِّدًا بارزًا للسلاح: برزت تركيا في الأونة الأخيرةمورِّدًا مهمًّا للسلاح على الصعيد العالمي. في سياق ذلك حقَّقت شركات الصناعات الدفاعية التركية رقمًا قياسيًّا بتصدير منتجاتها إلى 178 دولة، بما فيها دول حلف الناتو. ومؤخَّرًا، وقَّعت شركة هندسة تقنيات الدفاع المملوكة للدولة في تركيا، في 17 ديسمبر 2024م، عقدًا مع البحرية البرتغالية، لبناء سفينتين للتموين، كما وقَّع السفير التركي في إسبانيا نوكيت كوكوكيل إزبيرسي ووزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس، مذكِّرة تفاهُم لبيع 24 طائرة تدريب نفّاثة من طراز «هورجيت»، التي تنتجها شركة الصناعات الجوِّية والفضائية التركية (توساش) لصالح إسبانيا. وبحسب الخبراء، فإنَّ هذه هي المرَّة الأولى، التي تبيع فيها تركيا سُفُنًا عسكرية وطائرات نفّاثة لأعضاء حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهو ما يُشير إلى أهمِّية التعاون السعودي مع تركيا في هذا الميدان العسكري، الذي لن يتوقَّف على صفقات بيْع السلاح التركي، بل يمتدّ إلى مجالات التطوير وتوطين الصناعات العسكرية، هو أمرٌ حيوي للمملكة، وعلى رأس أولوياتها الدفاعية والإستراتيجية.

ثانيًا: تأثيرات إستراتيجية

يتّخِذ التعاون العسكري السعودي-التركي على الصعيد الدفاعي بُعدًا إستراتيجيًّا، وهو ما قد يترك آثارًا مهمَّة على العلاقات، وعلى ميزان القوَّة الإقليمي، وذلك على النحو التالي:

1. تعاون إستراتيجي بتأثيرات جيوسياسية: يمثِّل التقدُّم في التعاون على الصعيد العسكري بين الرياض وأنقرة دفعة مهمَّة ذات بُعد إستراتيجي للعلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذي قد يقود إلى تعاون أوثق على الأصعِدَّة كافَّة، بما في ذلك التنسيق على الصعيد الإقليمي، الأمر الذي قد يترك آثاره على ميزان القُوى الإقليمي وحالة السيولة الراهنة التي تمُرّ بها المنطقة، والمشروعات التي تُجهَّز لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، لا سيّما أنَّ بين البلدين تقارُبًا في ما يتعلَّق بعديد من الملفّات الإقليمية، بما في ذلك القضية الفلسطينية، ومستقبل الأوضاع في سوريا، والمصالح المشتركة في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، فضلًا عن رؤية البلدين لأولوية الاستقرار الإقليمي من أجل تحقيق التنمية والازدهار الإقليمي بدلًا من الفوضى. والأهمّ في سياق ذلك التعاون الإستراتيجي، أنَّ تعاون الرياض وأنقرة لا يُثير الغرب، لأنَّ الجانبين لديهما ارتباطات وثيقة مع الغرب، وهُما شريكان لا غِنى عنهما في المنطقة لواشنطن، بعكس أيّ علاقة للجانبين مع دول أخرى في هذا المستوى العسكري.

2. تعزيز القُدرات في ظل تغيُّر مفهوم الحروب الحديثة: يعزِّز التعاون السعودي-التركي القُدرات العسكرية غير التقليدية للجانبين، لا سيّما أنَّ مفهوم الحروب تَغيَّر، في ظل ظهور المسيّرات كعامل حاسم، خصوصًا في حروب المُدُن، والحروب غير المتماثِلة، وحروب الوكالة التي تشهدها المنطقة، وحصول الجماعات من غير الدول على هذه الأسلحة، وتهديد أمن واستقرار الدول. كما أنَّ المسيّرات التركية رخيصة الثمن، مقارنةً بنظيراتها الأمريكية، فضلًا عن أنَّها تتمتَّع بإمكانيات تكنولوجية متقدِّمة تضعها في مقدِّمة هذا النوع من التكنولوجيا العسكرية. وبينما تطمح المملكة العربية السعودية إلى تطوير صناعة بناء السُّفُن، إلى جانب برنامجها لتحديث القطاع البحري، إذ تهدُف هيئة بناء السُفُن التي أُنشئَت حديثًا إلى توطين 100% من بناء السُّفُن البحرية داخل المملكة، فمن المتوقَّع أن تكون تركيا أحد أهمّ الشركاء في هذا المجال، لأنَّها أصبحت من أهمّ القُوى الصاعدة في صناعة السُّفُن، في محيطها الإقليمي وعالميًّا.

3. مصالح ومكتسبات مُتبادَلة: يمثِّل التعاون السعودي-التركي على المستوى الدفاعي مصلحة مشتركة، إذ تحتاج تركيا إلى الموارد المالية، وإلى توسيع نطاق مبيعاتها من السلاح، وكسْب شريك إقليمي مهمّ بمكانة المملكة ودورها. فالرياض خامس أكبر دولة مُنفِقة على الأسلحة في العالم، كما تحتاج المملكة إلى خبرات تركيا في تنفيذ خُطَطها وتطلُّعاتها إلى خفض مستوى الاعتماد على الخارج في القُدرات الدفاعية، وتعاون البلدين قد يمكِّنهما من تحقيق طموحات أكبر في المجال الدفاعي، وقلَّما تَحمَّسَت دولة لنقل خبراتها العسكرية لدولة أخرى، ما لم يكن بينهما مستوى متقدِّم من التحالف والثقة.

4. فُرصة للتموضُع في مرحلة دولية انتقالية حرِجة: يمُرُّ النظام الدولي بحالة من الارتباك والفوضى، ويوفِّر الصراع بين القُوى الكُبرى فُرصةً للقُوى المتوسِّطة، من أجل تعزيز مصالحها، وإعادة تعريف نفسها في محيطها الإقليمي والعالمي. وتمتلك تركيا والسعودية مقوِّمات إعادة تشكيل الشرق الأوسط، في ظل حالة السيولة الراهنة، وليس من المُستبعَد أن يقود التعاون الشامل إلى تشكيل محورٍ إقليمي على قمَّته السعودية وتركيا، وقد تكون سوريا اختبارًا مهمًّا لتشكيل هذا المحور (الرياض-دمشق-أنقرة)، لا سيّما أنَّ سوريا بعد التغييرات الجارية، وفي ظلّ توجُّهات قيادتها الجديدة نحو تركيا والسعودية، قد تكون معبرًا مهمًّا لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، إذ يمكن أن يقود هذا التحوُّل إلى نشوء مشاريع إستراتيجية جديدة، قد تمتَدّ من الخليج إلى أوروبا عبر الأردن وسوريا وتركيا، خصوصًا مشاريع الطاقة والأمن الغذائي.

5. تقديم تركيا لدول الخليج شريكًا أمنيًّا: تفتح الشراكة السعودية-التركية في مجال الدفاع الباب أمام تركيا لتعميق علاقاتها مع بقية دول الخليج، وكسبها شريكًا إستراتيجيًّا، إذ كان العقد الأخير مليئًا بالتوتُّرات والأحداث التي لا تتوافق عليها تركيا ودول الخليج، وطالما كانت تركيا حريصة على أن تدخُل في شراكة مع دول الخليج، بالنظر إلى المكانة والإمكانيات، التي تتمتَّع بها هذه الدول، والتي من الممكن أن تساعد الاقتصاد التركي الذي يتعرَّض لأزمات منذ سنوات.

6. الاستقلالية والريادة في مجال التصنيع العسكري: قلَّلت أنقرة باطِّرادٍ اعتمادَها على صادرات الأسلحة الأجنبية، من خلال تعزيز الإنتاج المحلِّي للطائرات المسيَّرة المسلَّحة، وأنظمة الصواريخ، والمركبات المدرَّعة، وأنظمة الدفاع الجوِّي. ويُجري الجانبان السعودي والتركي تعاونًا يشمل هذه القطاعات كافَّة، وهو ما قد ينقل التجربة التركية إلى المملكة في الاعتماد على الذات، بتوفير قدْر كبير من الاحتياجات العسكرية، وهو ما يقلِّل الارتباطات العسكرية بالشركاء الدوليين، ويحُدّ من إملاءاتهم وشروطهم، وقيودهم على مبيعات السلاح للمملكة، كما جرى خلال السنوات الأخيرة. كما يعزِّز هذا التعاون الأمن الوطني، ونظرًا إلى إمكانيات المملكة الهائلة واهتماماتها الكبيرة بالتكنولوجيا بصفة عامَّة والعسكرية بصفة خاصَّة، فإن دخولها هذا المجال بهذه الإمكانيات قد يكون له تأثيره الكبير في الصناعات الدفاعية عالميًّا.

ثالثًا: التحدِّيات المحتمَلة

على الرغم من التعاون المفيد لهذا الجانب الدفاعي للجانبين، تبقى أمامهما تحدِّيات، منها:

 1. التعارض مع مصالح القُوى الكُبرى: بعض القُوى الدولية والإقليمية قد ينظُر إلى تنامي هذا التعاون على أنَّه تهديد لمصالحها، فدخول تركيا مورِّدًا للسلاح إلى دول الخليج، سوف ينظُر إليه الغرب على أنَّه تهديد لارتباطاته العسكرية مع دول المنطقة، بالتالي قد يضغط الغرب للحَدّ من هذا التعاون، والتأثير في نموِّه، لا سيّما على الجانب العسكري، خصوصًا أن تركيا تنتهج مسارًا مزدوجًا مُزعِجًا للغرب، خصوصًا إذ أفضى هذا التعاون بين الجانبين إلى تنسيق قد يؤثِّر في منظومة الأمن الإقليمي، أو التعارض مع التصوُّرات الأمريكية لهذه المنظومة. 

2. العقوبات الدولية على تركيا: يعتمد عديد من مشاريع الطيران التركية على المحرِّكات المُستورَدة، وهي المشكلة التي تعمل شركات الدفاع التركية جاهِدةً للتغلُّب عليها، من خلال تقليل الاعتماد على الخارج. وقد يؤدِّي هذا الاعتماد بدوره إلى تقويض مشاريع الإنتاج المحلِّية، في حال فَرْض عقوبات مُحتمَلة، فضلًا عن القيود التي قد تفرضها الولايات المتحدة على المُعَدّات التي تحتاج إليها تركيا في صناعاتها الدفاعية المتطوِّرة. وعلى هذا فإنَّ تَعرُّض تركيا لعقوبات قد يؤثِّر في التعاون الدفاعي مع المملكة، كما جرى من قبل في التعاون مع باكستان عندما اعترضت الولايات المتحدة على مبيعات دفاعية كانت تعتزم أنقرة تنفيذها لصالح إسلام آباد.

3. تخريب إسرائيل مسارات التعاون: قد تنظُر إسرائيل إلى التعاون السعودي-التركي على المستوى الدفاعي والإستراتيجي على أنَّه يقطع الطريق على تقديم نفسها مزوِّدًا وشريكًا أمنيًّا في المنطقة، وكذلك يحُدّ من مبيعاتها من الأسلحة المتطوِّرة في المنطقة، ومن ثمَّ قد تعمل على عرقلة هذا التعاون، ورُبَّما التصِّدي لما قد ينجُم عنه من تفاهُمات تضُرّ بمصالحها. ليس هذا وحسب، بل إنَّ نظرة إسرائيل إلى مستقبل الشرق الأوسط قد تجعلها تنظُر بترقُّبٍ وحذرٍ بالغ إلى هذا التقارب بين القوَّتين الأكثر تأثيرًا في المشهد الإقليمي الراهن، والتحسُّب لتوثيق العلاقات والوصول بها إلى نمط أعلى من العلاقات والتحالفات المتعدِّدة المستويات، مع ما يعنيه ذلك من تهديد لطموح إسرائيل إلى توسيع اتفاقيات إبراهام، وإدماج إسرائيل في منظومة إقليمية تسعي فيها إلى موقع الهيمنة.

4. مخاوف إيران: تاريخيًّا،تنظُر إيران إلى السعودية وتركيا كمنافسَين إقليميَّين، من ثمَّ ترى في هذا التعاون السعودية-التركي تهديدًا لنفوذها الإقليمي، لا سيّما أنَّه قد يقود إلى توازُن إقليمي جديد يخصم من مكتسباتها ونفوذها. ففي ظلّ وتيرة التقارب المتسارِعة بين تركيا ودول الخليج، ونظرتهما المتوافِقة حول الاستقرار في سوريا والعراق ولبنان، فإنَّ مشروع إيران الذي يتعرَّض لانتكاسات بالأساس، قد يواجه تحدِّيات إضافية، لا سيّما أنَّ القوَّتين الإقليميتين تراهنان على الاستقرار، فيما تراهن إيران على الفوضى، من أجل الإبقاء على تحالفاتها مع الجماعات المسلَّحة في بلدان المنطقة، ناهيك بأنَّ التعاون على المستوى الدفاعي قد يقود إلى تصاعُد التنافس بين القُوى الإقليمية، ورُبَّما سباق تسلُّح.

5. مخاوف من الاستقلال الدفاعي للمملكة: الخطوات الكبيرة التي قطعتها البلاد في مجال الإنتاج الدفاعي، تقلِّل اعتمادها على واردات الأسلحة، مع تعزيز نموّ صناعتها الدفاعية المحلِّية، ولا شكَّ في أنَّ اكتساب المملكة إمكانيات التصنيع العسكري، وتعزيز نَهْج التنوُّع والاستقلالية الدفاعية، والوصول إلى إنتاج المملكة ما تحتاج إليه من أسلحة إستراتيجية ومهمَّة، بناءً على التعاون مع أطراف خارجية، بما فيها تركيا، وما يعنيه ذلك للمشروع الوطني الذي يقوده وليّ العهد، قد يكون إنجازًا غير مُرحَّب به من قُوى دولية وإقليمية لها حساباتها الخاصَّة.

خلاصة

يجرى التعاون العسكري السعودي-التركي بوتيرةٍ متسارِعة، وهو أمرٌ مدفوع بتصميم المملكة على متابعة رؤية وليّ العهد الرائدة، من أجل خَفْض مستويات الاعتماد على الخارج في ما يتعلَّق بالقُدرات العسكرية، مع تنويع شراكات المملكة الدفاعية، كما أنَّ إيجاد مشتركات تعاونية يقلِّل حِدَّة التنافس غير المفيد، الذي يجنح عادةً إلى ارتداء عباءة الأيديولوجيا. في المقابل، هذا التعاون مدفوع من جانب تركيا برغبة في كَسْب شريك إقليمي بارز، وتعزيز التعاون الشامل معه، من أجل ضخّ مزيد من الموارد للاقتصاد التركي المتعثِّر، وزيادة ترسيخ تركيا مورِّدًا للتقنيات العسكرية. ولا شكَّ في أنَّ هذا التعاون على هذا النحو لن يعزِّز التعاون الدفاعي وحسب، بل سيمنح البلدين تفوُّقًا في محيطهما، فضلًا عن أنَّه سيعزِّز العلاقات ويدفعها نحو أبعادٍ إستراتيجية، وقد يكون لذلك تأثيرات مهمَّة في خريطة الشرق الأوسط التي يُعاد تشكيلها، وهي تتعرَّض لاختبارات صعبة، ولمشروعات متضارِبة تختلط فيها مصالح القُوى الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من التحدِّيات، يظلّ البلدان مهمَّيْن من أجل مستقبل أفضل للمنطقة، وقد تكون سوريا اختبارًا مهمًّا لتأثيرات هذه الشراكة بمستواها الشامل، وكذلك الدفاعي، إذ تمهِّد الشراكة الدفاعية على هذا النحو لإمكانية نقْل العلاقة إلى مستوى أرفع ينعكس على تأمين المنطقة من التقلُّبات الخطيرة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير