الأزمة السودانية والمجتمع الدولي

https://rasanah-iiis.org/?p=31741

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

وضعت الأزمة السودانية التي خلقها الصراع بين فصائل الجيش السواني وقوات «الدعم السريع» استفهامات كثيرة حول موقف المجتمع الدولي، ولا سيما القوى الكبرى من وضع البلاد المتأزم.

إذ خلق الصراع على النفوذ بين طرفي القتال السودانييْن حالة من الخطر ليس على السودان فقط بل على القارة الأفريقة كاملة ورماها في دوامة أمنية يتبعها عواقب بعيدة المدى مما يتطلب رد فعل جاد من المجتمع الدولي.

الأزمة السودانية لا يمكن فصلها عن الصراعات الكبيرة الأخرى ولا سيما الأزمة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى. ولا يمكن أيضًا فصلها عن الصراع «الناعم» بين الصين والولايات المتحدة. وكل هذه الأزمات على اختلاف مسافاتها الجغرافية إلا أن صُلبها ومحورها مصالحٌ دولية متداخلة.

المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية تصطدم مباشرة مع الصراعات الأخرى وتمنع حل الأزمة السودانية بدلًا من أن تُساعد على حلها. إذ طُرحت ثلاث مبادرات رئيسية. الأولى، اقترحها الاتحاد الأفريقي، وهو المنظمة الاقليمية الرئيسية المعنية بهذه الأزمة وتخشى انتشارها إلى دول أخرى في ظل الضرر البالغ الذي لحق بدول أفريقية عديدة منذ نشوب الأزمة في السودان. إذ تضررت هذه الدول من تدفّق اللاجئين وتداعياته العسكية السياسية والأمنية والاقتصادية.

والمبادرة الثانية، تقتضي تعزيز التجارة بين الدول الأفريقية لحل التداعيات الاقتصادية للأزمة السودانية على القارة الأفريقية. أمّا المبادرة الثالثة، فهي مبادرة جدة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية لحل الخلافات بين الفرقاء السودانيين والتأكيد على ضرورة احترام سيادة السودان والمحافظة على وحدته وسلامته الإقليمية والاتفاق على أن مصالح الشعب السوداني وأمنه هي الأولولية الأولى. كما أكدت المبادرة على ضرورة حماية المدنيين السودانيين بشكل دائم ومساعدتهم على مغادرة مناطق القتال ومساعدة المنظمات الإنسانية على إجلاء المصابين والمرضى دون تمييز، وعلى ضرورة عدم إقحام الأطفال وتجنيدهم في الصراع الدائر.

وبالرغم من صعوبات الأزمة وتحدياتها الكبيرة فإنه قد يجدر بالمملكة إعادة إحياء مبادرتها والعمل على ضمان نجاحها بطريقة أحادية الجانب نظرًا لما للمملكة من صورة إيجابية في السودان الشقيق. فجهودها السياسية محل تقدير في الدوائر السياسية السودانية ولها ثقة شعبية في الداخل السوداني المطمئن لأهداف الرياض.

وقد رأى محللون سودانيون أنه أحرى بالمملكة –خلال اجتماع جدة الذي ضم عددًا من الفصائل السياسية السوادنية المتناحرة-أن تدعو أطرافًا أخرى في الصراع السوداني، ولا سيما من يؤدون أدوارًا نشطة مثل ممثلي المبادرات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة وغير المنحازة إلى أي طرف. وبالتالي فإن الحاجة تدعو إلى التعامل مع الأزمة بمقاربة جديدة بهدف حقن دماء الأشقاء السودانيين. المجتمع السوداني، لا يثق كثيرًا بقوى المجتمع الدولي ويرى أنها تسعى إلى إدارة الصراع وفق المصالح الغربية بدلًا من حله من جذوره. وهذا بخلاف مبادرة المملكة وجهودها الهادفة إلى إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة. فسياسة الرياض ليست غريرة بل يصيغها خبراء سعوديون لهم باع طويل وفهم عميق للحالة الإقليمية.

وفي خضم فشل المجتمع الدولي في حل أزمات الشرق الأوسط فلا يمكن وصف مخاوف الشعب السوداني الواضحة وانعدام ثقته في المنظمات الدولية غير الحكومية وأهدافها سوى بالمشروعة. هذا الارتياب ليس سوى نتيجة الدور السلبي لعديد من هذه المنظمات في اليمن والصومال وغيرها. وجاءت عرقلة وصول المساعدات الاغاثية لأسباب مختلفة منها الإصرار على حضور ومشاركة موظفيها في إيصال المساعدات لتعزز الارتياب من أهداف بعض هذه المنظمات غير الحكومية.

ثم جاءت مبادرة المملكة لتنهي هذه البلبلة. إذ اقترحت إيصال جميع المساعدات الإغاثية إلى ميناء جدة الإسلامي ومنه أخذت زمام مسؤولية التنسيق بين منظمات المجتمع المدني السودانية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي يؤدي أدوارًا إيجابية في عديد من المناطق المنكوبة ويملك خبرة طويلة وقدرات احترافية في هذا الجانب. 

ويعلق الشعب السوداني آمالًا كبيرة على المملكة في التدخل لوقف القتال، والمملكة تملك أدوات مؤثرة عديدة لتحقيق هذا الهدف ولا سيما في ظل ترأسها الدورة الحالية من منظمة التعاون الإسلامي. ومن ثم فيمكنها دمج جميع المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية في مبادرة واحدة تحقق تطلعات الشعب السوداني الشقيق. وفي سبيل هذه الغاية يمكن للمملكة دعوة السودانيين من جميع المشارب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بهدف بناء الثقة بين تلك العناصر ورسم خارطة طريق شاملة بناء على خطوة المبادرات المُوحّدة للخروج بالسودان من دائرة الخطر. هذه المهمة الجسيمة حتمية ولاسيما أن المملكة الآن مستأثرة بالتطورات الإقليمية منذ إعادة ضبط سياستها الخارجية وإعلان «رؤية 2030» التي صُلبها تحقيق السلام والأمان والتطور الاقتصادي في أنحاء الشرق الأوسط.

المنطقة لا تستطيع انتظار المجتمع الدولي لينقذها ولا سيما أن القوى الكبرى مشغولة باعتبارات أمنية أخرى وليسوا سواء بل تفرقهم مصالح واعتبارات استراتيجية. وبالتالي فالوضع الحالي هو مسؤولية القوى الإقليمية والمملكة في الموقع الأجدر بهذه المهمة نظرًا لعلاقاتها الطيبة ووزنها الاقتصادي وقدرتها على ضمان نجاح النتائج والتسويات.

المصدر: عرب نيوز


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية