على الرغم من الاضطرابات التي حدثت في مدينة الأحواز خلال الأيام الأخيرة إثر عرض أحد البرامج التلفزيونية*، لكن لحسن الحظ أصبحت الأوضاع أكثر هدوءًا وتراجعت إلى حدّ كبير، ومع ذلك يبدو أن دراسة أبعاد هذه القضية بحاجة إلى تفحّص دقيق في الأسباب التي أدت إلى بروزها، ويبدو في هذه الأثناء أن السبب الأصلي وراء حالة الاستياء هذه، بغضّ النظر عن أن ما حدث في ذلك البرنامج التلفزيوني بقصد أو دون قصد، هو تلك المِحَن التي طالما عاشها العرب في إقليم الأحواز وبعض الأقاليم الأخرى في إيران مِحَنٌ تتلخص في قضايا مثل فرص العمل والأوضاع المعيشية وتوزيع الإمكانات وغيرها كثير من القضايا الأخرى التي عانت منها هذه القومية.
إنّ بعض العاملين في الإذاعة والتلفزيون يحاولون تهميش بعض القوميات على الخريطة، وعلى أقل تقدير هم بصدد القيام بذلك، دون أن يتذكروا بأن الإذاعة والتلفزيون تخص جميع أفراد الشعب الإيراني وليس فئة معينة، ويمكن لهذه المحاولات أن تكون مُغرضة أو أن حدوثها كان سهوًا، لكن النقطة المهمة هي أن الإذاعة والتلفزيون ليست مكانًا للخطأ، فلو كانت هذه المشكلة نتيجة عدم كفاءة معدّي البرنامج، فلماذا من الأساس يُسمح لمثل هؤلاء الأشخاص غير الأكفاء بالعمل لدى هذه المؤسسة؟ وهل الميزانية التي تُخصص للإذاعة والتلفزيون قليلة؟
يجب على الإذاعة والتلفزيون أن تخصّ جميع أفراد الشعب الإيراني، لا أن تكون بمثابة مشكلة جديدة للدولة، وتشكّل تهديدًا لها، فمهمّة هذه المؤسسة تقوية الأمن، لكنها بالنظر إلى ما تقوم به الآن تهدد هذا الأمن، وللأسف يقوم البعض بالاصطياد في الماء العَكِر، ولا يجب أن ننسى أن هذه القضية لا تنحصر في هذه الحالة فقط، بل تضرب بجذورها في الماضي، وقد شاهدنا مرارًا وتكرارًا العرب وغير العرب يتعرضون للجفاء، لكن هذه المرة كانت من نصيب القومية العربية، إذ تعرضوا لسلوك غير لائق من قِبل أحد البرامج التلفزيونية، وبالطبع لم تكن المرة الأولى التي يواجه العرب فيها تمييز الإذاعة والتلفزيون.
*قام برنامج تلفزيوني جرى بثّه خلال أيام عطلة الربيع بعرض خريطة لإيران، وحددوا عليها أماكن القوميات من خلال دُمى تلبس اللباس المحلي، وحين جاء دور إقليم الأحواز قام معدّو البرنامج بتثبیت دمية تلبس اللباس البختياري وليس العربي، متجاهلين بذلك القومية العربية التي تشكّل أغلبية الإقليم الساحقة.
طيلة الفترة الماضية قدّمت جميع الشخصيات في إيران احتجاجها على أداء الإذاعة والتلفزيون بالنيابة عن الشعب، لكنني على أي حال أعتقد أن ظهور مثل هذه التبعات إثر عرض البرنامج التلفزيوني ناتج عن المِحَن في الماضي، ومنها التمييز في التعيينات والتمييز في توزيع الإمكانات والفرص، وما يبعث على الأسف هو أن المديرين الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال لا يواجهون أيّ محاسبة من قِبل الجهات الأمنية، بل لا يوجَّه إليهم أي تنبيه بهذا الخصوص، ولذا فإننا سنشهد تكرار هذا التمييز في مراحل قادمة.
ما هو جدير بالاهتمام أن القومية الفارسية وغيرها من القوميات التي تقطن إقليم الأحواز غير راضية عن العنصرية التي يعاني منها العرب، وقد أظهروا تعاطفهم معنا مرارًا، وللصدفة فإن هذا التعاطف هو الذي منع سوء استغلال هذه الأجواء المتوترة بشكل أكبر.
مادة مترجمة عن صحيفة “اعتماد” الإيرانية