أفادت مؤسسة «راند» المختصة في الشؤون الدولية في تقرير لها بأن «الاضطرابات الإيرانية التي بدأت في 28 ديسمبر تضاءلت بسبب حملات القمع التي طالت أكثر من 3000 معتقل وأسفرت عما يتجاوز 20 حالة وفاة»، مؤكدةً في الوقت ذاته «صعوبة التنبؤ بما يعقب تلك الاحتجاجات، نظرًا لغموض ما يحدث حاليًّا في الداخل الإيراني». ورغم ذلك فإنّ المؤسسة أشارت إلى نقطتين هامّتين بقولها: «هناك نقطتان هامّتان، أولاهما أن هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الإيرانيون إلى الشوارع للاحتجاج على الحكم الاستبدادي وتحدّيه كما أنها لن تكون الأخيرة، فالشعب الإيراني له تاريخ طويل في السعي إلى نظام سياسي ليبرالي».
نظام لا يتغير وشعارات بالية
تمثلت النقطة الثانية التي ذكرتها المؤسسة في كون «النظام الإيراني لن يغيّر من سياساته الداخلية أو الخارجية كليًّا، وهذا الشيء تحديدًا سيثير الاضطرابات بشكل مستمر، كما أن شعارات النظام الإيراني القديمة والبالية والتي تلقي بالاتهام على الولايات المتحدة وإسرائيل وتورطها في صناعة الاحتجاجات الأخيرة أبرزت عيوب النظام وأكدت عدم رغبته في رفع الظلم الواقع على الشعب». وأضافت المؤسسة: «لقد هتف الإيرانيون في جميع أنحاء البلاد (الموت للديكتاتور) و(سنموت.. سنموت.. من أجل استعادة إيران)، لتتحول خلال أسبوعين فقط من بدئها إلى احتجاجات واسعة ومناهضة للحكومة بسبب ارتفاع في الأسعار والنظام الثيوقراطي المطبق في كامل المدن الإيرانية، بعد أن اتخذت من ثاني أكبر مدينة في إيران (مشهد) نقطة لانطلاقها».
سقف يتجاوز المطالب الاقتصادية
المؤسسة المختصة بالشؤون الدولية أوضحت أن «المظاهرات الأخيرة شملت هجمات على مراكز الشرطة والمكاتب الحكومية والمنشآت العسكرية والندوات وسط مطالبات باستقالة المرشد الأعلى وتفكيك الجمهورية»، والسبب المباشر في حدوث ذلك وفق رأيها «كان اقتصاديًّا، إلا أنه وفي الوقت نفسه يعبر عن ارتفاع في سقف الرغبات»، وتضيف: «لقد وعد النظام بأن الاتفاق النووي وما يصاحبه من تخفيف العقوبات من شأنه أن يعزز الاقتصاد، إلا أن ذلك لم يحدث رغم تلقيه مليارات من الدولارات مقابل توقيع الاتفاق. فالنمو الاقتصادي لا يزال فاترًا، والتضخم لا يزال مرتفعًا، كما تصل البطالة بين الشباب -بحسب بعض الإحصاءات- إلى ما يزيد على 40 في المئة». وتتابع «راند» في تقريرها: «كل ذلك يجعلنا نقول باختصار إنّ الإيرانيين يجدون صعوبة متزايدة في تجاوز كل هذا. وفي الوقت نفسه فقد وسع النظام من مطامعه الإقليمية في سوريا والعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية واليمن، غير أن المتظاهرين أعربوا عن موقفهم المعادي للمغامرات الإقليمية المكلفة التي يقوم بها النظام في الخارج إذ هتفوا (لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإيران)، دون نسيان الوضع الاقتصادي الراكد في الداخل».
استياء شعبيّ يتجاوز الغضب
مؤسسة «راند» في الولايات المتحدة أكدت أن الاستياء الشعبي بات يتجاوز مرحلة الغضب إزاء الوضع الاقتصادي، إذ قالت: «في عام 2009 خرج الملايين من الإيرانيين إلى الشوارع للاحتجاج على تزوير الانتخابات، إذ عدّ بمثابة انتهاك للعقد الاجتماعي بين الدولة والشعب. الإيرانيون يأخذون كلمة (الجمهورية) في عبارة (الجمهورية الإسلامية) على محمل الجد، ويتوقعون أن تصويتهم سيُعتمد حتى وإن كانوا يدركون أن صلاحيات الرئيس مقيدة. وقد استطاع النظام الحد من الاضطرابات -باستخدام العنف أحيانا- ووضع الزعيمين مير حسين موسوي ومهدي كروبي تحت الإقامة الجبرية»، إلا أن الاحتجاجات الحالية وبحسب المؤسسة «لا تعكس سوء الإدارة الاقتصادية في إيران والفساد المنتشر فقط، بل استياء مكبوت منذ عام 2009. وقد يكون هذا أحد الأسباب وراء التحول السريع للاحتجاجات من الاقتصاد إلى شرعية النظام، فأحد المشاهد المعبرة في الاحتجاجات هي (صورت امرأة تقف على عمود في أحد شوارع في طهران، شعرها مكشوف وتلوح بحجابها الأبيض)، مما يعكس الرغبة في إسقاط المرشد الأعلى علي خامنئي».
تجربة ديمقراطية قديمة
إنّ من ضمن الموضوعات الأخرى التي تناولتها مؤسسة «راند» في تقريرها تتمثل في «كون الاحتجاجات حملت بين طياتها المطالبة بمزيدٍ من الديمقراطية وإنهاء حكم الملالي والحكم الاستبدادي في إيران، خصوصًا في ظل وجود تجربة ديمقراطية قديمة للإيرانيين، يعود تاريخها إلى الثورة الدستورية في الفترة 1905-1911، عندما تحدت حركة سياسية ليبرالية نظام قاجار الفاسد. كما شهدت أوائل الخمسينيات حكمًا قصيرًا لمحمد مصدق الذي قاد حكومة منتخبة ديمقراطيًّا كرئيس للوزراء. وفي كلتا الحالتين سحقت القوى الخارجية هذه الحركات السياسية الليبرالية لتحطم آمال عديد من الإيرانيين، فحتى الثورة الإسلامية عام 1979 قامت على إلهام ديمقراطيّ عميق، إذ ثارت جميع طبقات المجتمع الإيراني تقريبًا ضد الحكم الاستبدادي للشاه». وتردف المؤسسة: «أما اليوم فما دام الشباب المتعلم الذي يرغب في نظام سياسيّ أكثر تحررًا، محاطًا بنظام استبداديّ وفاسد وغير قادر أو حتى راغب في الإصلاح، فإن الاضطرابات ستستمر، على الأقل بشكل عرضيّ، وستصيب النظام في مرحلة ما».
فرصة دولية ثمينة
المؤسسة أشارت إلى أن الاضطرابات الإيرانية «تتيح لواشنطن فرصة ثمينة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية على المدى القريب لاحتواء توسع إيران وتحييد نفوذها السيئ، ودعم الحركات الديمقراطية بشكل يفوق ما قدمته في عام 2009 حين فشلت في دعم حركة المعارضة، إذ تبنت الولايات المتحدة آنذاك نهج الانتظار والروية، لأنها كانت تخشى تقويض المفاوضات الحساسة، وعدّت أن الدعم العلني للمتظاهرين سيعطي مصداقية لمزاعم النظام بأن الاضطرابات اندلعت بتحفيز من الولايات المتحدة، وبذلك تكون قدمت ذريعة للنظام حتى يشن حملات القمع، إلا أن طهران اتهمت الولايات المتحدة وقمعت المحتجين على أي حال».
وتتابع «راند» في تقريرها: «إنّ إدارة ترامب قدمت مرارًا وتكرارًا دعمًا قويًّا للمتظاهرين والشعب الإيراني، ولمّحت إلى ضرورة تغيير النظام. ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك قدرة محدودة على صناعة التطوّرات في الداخل الإيراني، فإن الإدارة رغم ذلك يمكن أن تواصل دعمها للمتظاهرين، وأن ترسل رسالة ضمنية مفادها أن طهران لا تمتلك مطلق الحرية في استخدام القمع، وفي حال حدوث ذلك فإن هناك عواقب وخيمة ستكون قادمة». وتكمل: «بإمكان الإدارة الأمريكية كذلك أن تلغي الحظر المفروض على السفر ضد الإيرانيين، وأن تسعى إلى ضمان رفع الحظر عن الإنترنت حتى يتسنى للمعارضة استخدامه، كما يمكن أن تواصل واشنطن الضغط على النظام في الساحة الدبلوماسية، وأن تركز اهتمام العالم بأسره على الاضطرابات وظروف المعيشة في إيران وانتهاكات النظام لحقوق الإنسان». التقرير أشار كذلك إلى أحد الحلول المتاحة للإدارة الأمريكية، وهو «تسليط الضوء على ثمن مغامرات نظام طهران في الخارج في الوقت الذي يعاني اقتصاده من الركود الحادّ، وهذا من شأنه أن يساعد في اشعال فتيل الضغوط الداخلية، وأن يشير إلى أن النظام سيدفع ثمن أنشطته الخبيثة في الدول المجاورة»، وتضيف مختتمةً: «إنّ دعم المتظاهرين على المدى المتوسط والطويل من الولايات المتحدة من الممكن أن يعزز ويقوي التغيير الديمقراطي في إيران، خصوصًا بعد أن أظهرت الاضطرابات الحالية التطلعات القوية للشعب الإيراني في تكوين نظام سياسيّ ديمقراطيّ وليبراليّ».
مادة مترجمة عن مؤسسة «راند» – الولايات المتحدة