بحثٌ، ومكثٌ، ومقابلاتٌ، وتقييماتٌ للمنافسين بما يمتازون به من نقاط قوةٍ وما يشوبهم من نقاط ضعف محتملة، كل هذا جرى خلف الكواليس قُبيل اختيار المُرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس، تيم والز (حاكم ولاية مينيسوتا) نائبًا لها لخوض غمار الانتخابات الرئاسية لعام 2024م عن الحزب الديمقراطي.
كانت الفترة الفاصلة بين حملة هاريس واختيار والز نائبًا لها 16 يومًا، حيث وصفت بـ «إعصار خاطفٍ غير اعتيادي» تشكل بسبب انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من السباق الرئاسي ودعمه لنائبته هاريس لخوض الانتخابات عوضًا عنه. وفي إدارتها هي وفريقها عملية الاختيار السريعة جدًا، حرصت هاريس وفريقها على إجراء بحث ومقابلات وترشيحات نهائية خلف الكواليس، وحملات علنية لتعزيز نجاح المرشح وقبوله أمام الناخبين. وفي عملية الاختيار، تصدر رأس القائمة السيناتور مارك كيلي وحاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو بجانب والز. وفي المفاضلة، رجحت كفة كيلي نظرًا لخلفيته العسكرية وخبرته السياسية في ولاية أريزونا على شابيرو بسبب موقفه من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والتحديات المحتمل أن يواجهها من قادة الفصائل العمالية والتقدمية.
وشملت المرحلة الأخيرة من عملية الاختيار، مقابلاتٍ وتوصيات من مستشاري هاريس ومن الموثوقين من الشخصيات الهامة مثل وزير العمل السابق مارتي والش والسيناتور كاثرين ماري كورتيز ماستو. وانتهت هذه المرحلة في عطلة نهاية الأسبوع حينما عقدت هاريس مقابلات شخصية مع المرشحين الثلاث النهائيين: «شابيرو، وكيلي، ووالز» في منزلها في واشنطن. وفي نهاية المطاف، اختارت هاريس والز نائبًا لها مما يؤكد أهمية الثقة والقبول والالتزام المشترك بأهداف الحملة.
ثمة أهميةٌ استراتيجية في اختيار هاريس والز نائبًا لها؛ فاختيارها يُسلط الضوء على أهمية الأخذ في الحسبان الاعتبارات الديمغرافية لتحقيق النصر في الولايات المهمة في العراك الانتخابي مثل بنسلفانيا وميتشغان وويسكنسون؛ إذ يعد اختيار والز عامل حسم في السباق الرئاسي لما يتمتع به من قبول من شرائح واسعة من الناخبين أكانوا من المناطق الريفية، أو الأقليات في المناطق الحضرية، أو النساء، كل هذه الفئات يمكن أن تلعب دورًا حاسًما في الانتخابات المقبلة.
وفي اختيارها والز، أخذت هاريس في الحسبان التركيبة الديمغرافية للناخبين والديناميكيات السياسية، لاسيما وأن هذه العوامل آخذة في التغير في ولايات الغرب الأوسط التي شهدت تحول الناخبين البيض والطبقة العاملة والذكور من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري. حيث يؤكد هذا التحول على أهمية التواصل الاستراتيجي مع هذه الفئات من الناخبين، وهنا يمثل والز جسر للتواصل مع الناخبين الريفيين ولمعالجة مخاوف أولئك الذين انتقلوا نحو الحزب الجمهوري في السنوات الأخيرة.
تعكس خلفية والز مدى التزامه بالتعليم والدعوة؛ فقد كان مدرس علوم اجتماعية لصفوف الثانوية وعمل أيضًا مدرب كرة قدم أمريكية ومستشار هيئة التدريس لــــ «تحالف الشواذ وغير الشواذ» مما يمنح عمله السياسي بُعدًا متفردًا، ناهيك أن زوجته غوين والز عملت سابقًا معلمة ومن ثم أصبحت مُناصرة لإصلاح العدالة الجنائية؛ كل هذه الخلفيات لوالز وزوجته توضح مدى اهتمامهما بالقضايا المجتمعية المهمة.
وفي أثناء فترة عمله حاكمًا لولاية مينيسوتا منذ 2019م، تميز والز بجهوده في حماية الرعاية الصحية الإنجابية، وتشريع إصلاحات حيازة الأسلحة، وتقديم الائتمان الضريبي للأطفال، وتنفيذ سياسات الإجازات المدفوعة. وهنا يعكس لنا اهتمامه في هذه المجالات الهامة توجهه التقدمي الذي يتماشى مع أولويات هاريس.
وفي مقارنة بين اختيار هاريس لوالز واختيار ترامب للسيناتور جيه دي فانس من ولاية أوهايو كمرشح لمنصب نائب الرئيس، تظهر لنا الاعتبارات الاستراتيجية وراء كلا الاختيارين الرامية للفوز بالولايات الرئيسية وتعزيز الدعم بين شرائح الناخبين المتنوعة، ولاسيما في ولايات الغرب الأوسط، التي يمكن أن تكون ساحة المعركة الحاسمة في الانتخابات المقبلة؛ إذ تمكنت هاريس باختيارها والز، من تقديم نائب لها يتمتع بمزيج من السياسات التقدمية وقبول في ولايات الغرب الأوسط وقوة تدعم الحملة الانتخابية للديمقراطيين للفوز على خصومهم في الانتخابات المقبلة.
ومن جانبها، بدأت حملة ترامب في انتقاد اختيار هاريس لوالز واصافةً إياه بـ «الليبرالي الخطر». وعلى الرغم من أن والز قد يحصد الدعم في ولايات الغرب الأوسط، إلا أن الديمقراطيين يرونه أقل تأثيرًا من مرشحين محتملين آخرين. وفي عمله حاكمًا لمينيسوتا، أولى والز اهتمامه لبرامج الرعاية الاجتماعية، والتعليم، والرعاية الصحية، والبنية الأساسية. هذا الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاستثمارات في البشر والبنية الأساسية ضروري جدًا لنمو الاقتصاد. كما يعكس اختيار هاريس لوالز حرص حملتها على الفوز في ولايات الغرب الأوسط مستثمرةً قبوله من المجموعات التقدمية والمعتدلة فهوة إضافة قيمة لحملاتها.
ولابد لنا من الإقرار هنا، أن ثمة وجهات نظر مُتضاربة في الأوساط السياسية حول أهمية اختيار نائب الرئيس ومدى تأثيره على سلوك الناخبين ونتائج الانتخابات؛ وعلى الرغم من أن المتفق عليه والسائد عمومًا هو أن الناخبين يركزون في المقام الأول على المرشح الرئاسي لا على نائبه، إلا أن الأحداث الجارية تُثبت كيف بث اختيار هاريس لوالز الروح في الحملة الديمقراطية وأثار الجدل بين الخبراء حول تأثيره المحتمل. وقد تناول العديد من الكُتاب الديمقراطيين مدى الحيوية والطاقة التي أحاطت بحملة هاريس ووالز، مؤكدين على رؤيتهما المشتركة، وأولوياتهما السياسية، ومسارهما المحتمل لمستقبل الولايات المتحدة في ظل مناخ سياسي صعب ومستقطب.
أقامت هاريس ونائبها تجمعًا انتخابيًا في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا في مركز لياكوراس في حرم «جامعة تمبل»، وكان هذا الحدث مهم على وجه التحديد؛ فهذه أول مرة تزور هاريس ولاية بنسلفانيا بصفتها مرشحة رئاسية عن الحزب الديمقراطي. وخلال التجمع، أكدت هاريس على أهمية حملتهما الانتخابية باعتبارها «معركة محورية من أجل المستقبل». وأوضحت أن مهمتهما «تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد معارضة ترامب»، ووصفتها بأنها «حركة أوسع نحو تشكيل مجتمع أفضل وأكثر شمولًا».
وقد استقطب التجمع جمهورًا كبيرًا، حيث بلغ عدد الحضور ما يُقدر بنحو 14 ألف شخص، وهو ما يعكس الدعم القوي والحماس لحملة هاريس ووالز. وقد أعرب العديد من الزعماء الديمقراطيين والمؤيدين، بما في ذلك النائبة الأمريكية عن ولاية بنسلفانيا مادلين دين، وعمدة فيلادلفيا شيريل باركر، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا جون فيترمان، عن تأييدهم وتفاؤلهم بالحملة، على الرغم من تفضيلاتهم لمرشحين آخرين لمنصب نائب الرئيس. وفي الختام، ثمة ضرورٌة إستراتيجيةٌ تدفع هاريس لإدارة حملتها بفعالية مع نائبها والز؛ ففي حال نجاح إطلاق الحملة الانتخابية مع ما يحيطها من زخم إيجابي، من الممكن أن نشهد إعادة بلورة للديناميكيات الانتخابية، وتنشيط قاعدة الديمقراطيين، وحشد الدعم الأوسع بين الفئات السُكانية الأساسية للناخبين. ولكن يبقى المحافظة على مسار ثابت وسط التحديات المتطورة، مع اقتناص الفرص، لإقناع الناخبين أمور محورية في تشكيل مسار الحملة الانتخابية.