لا شكّ أن انتخاب رئيس جمهورية لدولة لديها حجم كبير من المشكلات مثل إيران يخضع لعملية توازن بين مقتضيات الأوضاع الداخلية ومتطلَّبات الوضع الإقليمي والدولي، حتى إن الناخب الإيراني نفسه لا يغفل عن المزج بين حسابات الوضع الداخلي ومتطلَّبات العلاقات الخارجية لبلاده، فضلًا عن حرص النظام الإيراني على الاحتفاظ بوجه دبلوماسي مقبول في ظلّ تأزُّم موقفه على الصعيد الدولي، واحتمالية تعرُّضه لموجات قادمة من العقوبات الدولية ترجعه إلى مرحلة ما قبل توقيع الاتفاق النووي.
مفاجآت الداخل الإيراني
بدأت فصول مفاجآت الانتخابات الرئاسية الإيرانية على الصعيد الداخلي قبل ما يزيد على عام من موعد إجراء عملية التصويت في التاسع عشر من مايو 2017م بسلسلة من تهكُّمات متبادَلة بين مرشد الثورة علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني، فالأول انتقد الأداء الاقتصادي لحكومة الثاني واعتبره فاشلًا على نحو غير مسبوق على الصعيدين الداخلي والخارجي، في حين تصيد الثاني أخطاء خامنئي في خطاباته الداخلية على نحو يدعو إلى السخرية، ومن ثَمَّ بدأت حملة شعواء من الأصوليين لمهاجمة روحاني وحكومته عبر منابر الإعلام الحكومي الرسمي المتحكم فيها خامنئي. واندلعت عمليات إثارة الفضائح المتبادَلة بين الطرفين، فبادر التيَّار الأصولي بالكشف عن فضائح الرواتب الفلكية التي يتقاضاها مسؤولو حكومة روحاني، وردّ الإصلاحيون بالكشف عن توزيع قاليباف محافظ طهران الأصولي أراضيَ الدولة المميزة على أقاربه ومعارفه. وبدأ أقطاب التيَّار المحافظ ورموزه في الحديث عن ضرورة إنهاء حكم روحاني وعدم حصوله على فترة رئاسية ثانية.
لم تهدأ هذه الحملات المتبادَلة التي استمرَّت طوال عام 2016م شيئًا ما إلا بوساطة من هاشمي رفسنجاني وناطق نوري، بعد أن زادت احتمالية ترشُّح أحمدي نجاد في السباق الرئاسي وقيامه بجولات في المحافظات الإيرانية، الأمر الذي أثار مخاوف الإصلاحيين إلى حدّ كبير من تكرار الحقبة النجادية التي اتَّسَمَت بقمع شديد للإصلاحيين على المستويين السياسي والاجتماعي.
ثم انتهت هذه الأزمة، أو التراجيديا السياسية الإيرانية إذا جاز التعبير، بإعلان مفاجئ من المرشد علي خامنئي عن وصيته لأحمدي نجاد بعدم الترشُّح في الانتخابات الرئاسية القادمة، ذلك الإعلان الذي قابله التيَّار الإصلاحي بارتياح شديد لم يستطِع إخفاءه ولو من قبيل التجمُّل السياسي أو ادّعاء أن لديه القدرة على ردّ الهزيمة لأحمدي نجاد ورفاقه بعد أن زال عنه دعم خامنئي على خلفية الأزمات السياسية التي اشتعلت بينهما في الفترة الرئاسية الثانية لأحمدي نجاد.
لم يمضِ وقت طويل على إعلان توصية خامنئي لأحمدي نجاد حتى أجرى روحاني تعديلًا وزاريًّا طال انتظاره، ودعا إليه شركاؤه الإصلاحيون طويلًا، بخاصَّة في الحقائب الوزارية ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي، لكن حينها فاجأ روحاني الجميع وأجرى تعديله الوزاري ليشمل حقائب الثقافة والتعليم والشباب والرياضة، ولدى دخوله البرلمان لأخْذ التصديق على تعيين الوزراء الجدد بادر بإعلان أن تلك التغييرات الوزارية تمَّت بمشورة المرشد علي خامنئي، ليحدّ من غَضْبة الإصلاحيين الذين رأوا في التعديل الوزاري صفقة سياسية مقابل التوصية بانسحاب أحمدي نجاد من الترشُّح.
واصل روحاني تقاربه مع التيَّار المحافظ آنذاك مستغلًّا الكلمة التي ألقاها في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لحَثّ الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي، وحينها حقَّق نجاحًا ملموسًا بحصوله على تأكيدات من الأطراف الأوروبيين وروسيا الاتِّحادية، وعاد إلى إيران محمَّلًا بنتائج إيجابية إلى حدّ كبير.
لكن على المستوى الداخلي لم تهدأ هجمات التيَّار المحافظ ضدّ روحاني على الأصعدة كافَّة، البرلمانية والإعلامية، وربما شكَّلَت وفاة هاشمي رفسنجاني الغامضة بعد جملة انتقادات وجَّهها إلى كل من الحرس الثوري وبرامجه الصاروخية، ومجلس صيانة الدستور وصلاحياته اللا محدودة في القضاء على المستقبل السياسي لأي رجل دولة إيراني، إشارةَ البدء لاستئناف هجوم التيَّار المحافظ على روحاني.
على جانب آخَر في أقصي شمال شرقيّ إيران حدث تحوُّل آخر في بنية المؤسَّسات الاقتصادية الداعمة لخامنئي والحرس الثوري بوفاة آية الله واعظ طبسي متولِّي أوقاف الإمام الرضا والمؤسَّسات الاقتصادية التابعة لها، التي تشكِّل نسبة كبيرة من حجم الاقتصاد الإيراني. خامنئي لم يعيَّن في هذا المنصب الديني الخطير واحدًا من آيات الله في قم، وإنما اختار رجل قضاء ذا مرتبة دينية متوسطة هو حجة الإسلام إبراهيم رئيسي، المعروف عنه اشتراكه في لجنة الموت التي أعدمت 30 ألف سجين سياسي إيراني عام 1988م، هذا الاختيار جعل البعض يتحدث عن إعداد رئيسي لتولِّي مقام الإرشاد بعد رحيل خامنئي.
ثم فُتح باب الترشُّح للانتخابات الرئاسية وأبدى أكثر من 1600 إيراني رغبتهم في الترشُّح، وقدَّموا أوراق ترشُّحهم بمن فيهم رئيسي، وكانت المفاجأة الأشدّ هي تَقدُّم أحمدي نجاد بترشيح نفسه وفي معيته تابعه حميد بقائي. حينها بدا تحدِّي أحمدي نجاد لتوصية خامنئي واضحًا، وإن قال إنها توصية لا أمر صريح، وإنه رشَّح نفسه لدعم حميد بقائي، ولم يعلِّق حينها خامنئي على تَصَرُّف أحمدي نجاد، وبدأ أحمدي نجاد وبقائي الوعود الانتخابية مبكِّرًا، وقالا بضرورة زيادة الدعم النقدي للمواطنين، تكرارًا للسياسات الاقتصادية التي تَبَنَّاها أحمدي نجاد في فترته الرئاسية السابقة التي انتهت بكوارث اقتصادية من حيث تَفاقُم معدَّلات التضخُّم، وانهيار العملة الإيرانية، ودخول الاقتصاد الإيرانية مرحلة ركود لم يتعافَ منها حتى الآن.
لم تستمرّ صدمة الشارع الإيراني في ترشُّح أحمدي نجاد طويلًا، إذ واجه صدمة أشدّ برفض مجلس صيانة الدستور ترشيح كل من أحمدي نجاد وحميد بقائي، وإغلاق باب الحياة السياسية أمام التيَّار النجادي الذي قدّم مسارًا ثالثًا مخالفًا لمسار المحافظين والإصلاحيين الذي تعيشه إيران منذ بداية الثمانينيات.
لم يقدّم المتحدث الرسمي باسم مجلس صيانة الدستور سببًا لرفض ترشُّح أحمدي نجاد سوى أنه لم يحصل على العدد الكافي من أصوات أعضاء المجلس ليُقبَل ترشُّحه، في حين أن رفض ترشُّح رئيس جمهورية سابق يجب أن يكون مسبَّبًا كما حدث مع هاشمي رفسنجاني حينما تَعلَّل مجلس صيانة الدستور بكبر سِنِّه.
اقتصرت المنافسة الانتخابية على ستة مرشَّحين: إبراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف ومصطفي مير سليم من التيَّار المحافظ، وفي المقابل حسن روحاني وإسحاق جهانغيري ومصطفي هاشمي طبا من تيَّار الاعتدال المدعوم بالإصلاحيين.
عبر ثلاث مناظرات تليفزيونية وشهر من الدعاية الانتخابية، ركَّز المرشَّحون الستة على الهجوم على التيَّار المنافس بدلًا من تقديم برامج انتخابية تهدف إلى تقديم حلول جادَّة للمشكلات التي تعاني منها إيران، ووصل الأمر إلى حد التلاسن، وكانت الهجمات الأشد من إبراهيم رئيسي ضدّ روحاني، ومن روحاني ضدّ رئيسي.
الاستراتيجية الانتخابية لروحاني
هاجم روحاني النظام عمومًا وقال إن إيران عاشت 38 عامًا من القمع والظلم، وقال عن أهل السُّنَّة في إيران إنهم عانوا من التهميش وانتهاك الحقوق طوال عمر النظام، الأمر الذي عُدَّ تجاوُزًا للخطوط الحمراء في النظام الإيراني، وذهب كثير من المحللين إلى أن روحاني أدرك وجود نية مبيَّتة للدفع برئيسي إلى مقعد رئاسة الجمهورية، فأراد تعلية سقف المواجهة مع خامنئي للوصول إلى حالة من الصدام تشبه ما وصلت إليه إيران عام 2009م في حالة التلاعب بنتيجة الانتخابات، وفي نفس الوقت الظهور بمظهر الإصلاحي الرافض لممارسات النظام القمعية فيزداد التفاف الإصلاحيين حوله، وتقف الأقليات العرقية في صفه، وكذلك النساء والشباب بعد إعلانه نية رئيسي الفصل بين الفتيات والفتيان في الجامعات وتطبيق قوانين أكثر تشددًا في ما يتعلق بحقوق المرأة وقوانين الأحوال الشخصية.
الاستراتيجية الانتخابية لإبراهيم رئيسي
انتهج رئيسي سياسة تتشابه مع سياسة أحمدي نجاد بالإعلان عن رغبته في زيادة الدعم النقدي للمواطنين، وركَّز على الهجوم على فشل البرنامج الاقتصادي لروحاني، وفشله في إدارة التفاوض مع الدول الغربية في ما يتعلق بالملفّ النووي. اعتمد رئيسي على إبراز دعم قوات الحرس الثوري وقوات البسيج له بإبراز صور بعض قادة الحرس الثوري يقبِّلون يده، كما قابل رستم مينيخيانوف مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أثناء المنافسات الانتخابية، الأمر الذي دفع أحد النواب إلى تقديم طلب للبرلمان لاستيضاح سبب اللقاء وطبيعة الحديث الذي دار خلاله، بخاصة أن رئيسي لا يتولى أي منصب رسمي يخول إليه عقد لقاءات مع مسؤولين أجانب.
اصطفاف المرشَّحين
قُبيل إجراء عملية التصويت انسحب محمد باقر قاليباف محافظ طهران لصالح إبراهيم رئيسي، وانسحب إسحاق جهانغيري مساعد الرئيس الإيراني لصالح حسن روحاني، ليتضح بشكل قاطع أن المنافسة الحقيقية ستكون بين إبراهيم رئيس وحسن روحاني، ومع وضوح الخلاف بين روحاني وخامنئي ذهب كثير من المحللين إلى زيادة حظوظ رئيسي في الفوز، على الرغم من ميل الشارع الإيراني إلى روحاني، وكون خامنئي سيكرر ما حدث في 2009م مدفوعًا في ذلك بتأكده من إحجام الجماهير عن تكرار مظاهرات 2009م لعدة أسباب، منها القمع الشديد الذي وُوجِهُوا به آنذاك، وعدم وقوف الجماهير إلى جوار روحاني ووعوده الانتخابية، وبطء وتيرة الإصلاح التي وعد بها، وعدم قدرته على إنفاذ كثير من قراراته بسبب بنية النظام الإيراني التي تجعل السلطة الحقيقية في يد المرشد.
استقالة ناطق نوري
زاد احتمالية وقوع التصوُّر السابق ما أُعلِنَ عشيَّة التصويت من استقالة ناطق نوري من رئاسة تفتيش مكتب المرشد، وذلك بعدما استشعر ناطق نوري الحرج من تولِّيه هذا المنصب الحساس بالغ القرب من المرشد خامنئي، مع تأييده المعلن لحسن روحاني وإلقائه الخطب والمحاضرات دعمًا لروحاني وحكومته في أثناء المنافسات الانتخابية وقبلها. هذه الاستقالة في هذا الوقت الحسَّاس أيَّدت أن شيئًا ما يُحاك في كواليس النظام الإيراني.
التطوُّرات الخارجية
تواجه إيران منذ إعلان فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية في مطلع العام الحالي واقعًا خارجيًّا يختلف كثيرًا عمَّا عايشته في مرحلة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وقد اتضح بجلاء أن الرئيس ترامب من أولى أولوياته تغيير الواقع الذي صنعته سياسة سلفه في منطقة الشرق الأوسط، وقد اتّضح ذلك عبر عدة خطوات كان أولها تشكيل إدارته، إذ اختار شخصيات في مقاعد الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي ورئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية، كان لها تصريحات ومواقف تعبِّر بوضوح عن إدراكهم خطر التمادي الإيراني في سياسة زعزعة أمن واستقرار دول الشرق الأوسط، فضلًا عن دعمها للميليشيات المسلَّحة والعناصر الإرهابية في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، والخطوة الثانية كانت دعوة الولايات المتحدة مجلس الأمن لمناقشة خروقات إيران للاتفاق النووي المتمثلة في تجارب الصواريخ الباليستية وزيادة المخزون الإيراني من الماء الثقيل على الحدّ المسموح به طبقًا للاتفاق النووي، وكانت الخطوة الثالثة في الضربة الصاروخية التي وجَّهَتها الولايات المتحدة إلى قاعدة الشعيرات الجوية الصاروخية ردًّا على استخدام الأسلحة الكيماوية في خان شيخون، بما تحويه هذه الضربة من رسائل للقوات الإيرانية الداعمة لنظام بشار الأسد.
القمة الإسلامية-الأمريكية في الرياض
بدأت في نفس يوم إجراء الانتخابات الإيرانية، القمةُ الإسلامية-الأمريكية بالرياض، بحضور الرئيس الأمريكي للعاصمة السعودية، أول بلد يزوره في جولته الخارجية الأولى بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ويشهدها ممثلو 17 دولة إسلامية.
تضمّ الزيارة التي عُرفت بزيارة القمم الثلاث، القمة الثنائية بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الأمريكي، والقمة الثانية بين زعماء دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأمريكي، وأخيرًا القمة العربية الإسلامية-الأمريكية. ومن برنامج الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي للرياض تتّضح مكانة الرياض في العالَم الإسلامي وقدرتها على إقامة التحالف بين دوله للوقوف في مواجهة المخاطر التي تواجه العالَم الإسلامي، الأمر الذي أدَّى بلا شك إلى إعادة إيران حساباتها في المنطقة، فقد أثبتت المملكة خلال السنوات الماضية قدرتها على الاعتماد على قوتها الذاتية في مواجهة التحديات، والآن تثبت قدرتها على استثمار مكانتها العربية والإسلامية والعالَمية في إقامة علاقات صداقة وتحالف بهدف إقرار الأمن وإرساء قواعد القانون الدولي التي تقضي باحترام سيادة الدول وعدم الاعتداء ومواجهة الإرهاب العالَمي المدعوم من بعض الدول المارقة.
هذه التغيرات الدولية جعلت من الصعوبة بمكان استمرار السياسات التي اتبعتها إيران منذ عام 2009م حتى مطلع 2017م، وهي فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التي بدأتها إيران بمذبحة المعارضين عقب المظاهرات الاحتجاجية عام 2009م، وانتهت تلك المرحلة بانتشار القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في ثلاث دول عربية. ولا شك في أن الفترة القادمة ستشهد تراجع انتشار تلك القوات ومواجهة تلك السياسة التوسُّعية الإيرانية.
نتائج الانتخابات الإيرانية بين خيار الشعب وقرارات خامنئي
توافد الإيرانيون على صناديق الاقتراع يوم الجمعة بأعداد كبيرة فاقت “نسبتهم المئوية من إجمالي مَن لهم حق التصويت” سابقاتها في الانتخابات الرئاسية الإحدى عشرة الماضية باستثناء انتخابات عامَي 1997م و2009م، إذ بلغ عدد المشاركين في التصويت نحو 40 مليون ناخب من إجمالي من لهم حقّ التصويت المقدر بـ56 مليون ناخب. وامتدت ساعات التصويت حتى منتصف الليل، وكان المقرَّر لها أن تنتهي في السادسة مساءً. ولعلّ كثرة المشاحنات بين المرشَّحين والصراع بين روحاني وخامنئي حمّست الناخبين للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وهو الهدف الأول الذي يسعي له النظام الإيراني في كل عملية انتخابية لإثبات مشروعية النظام عبر المشاركة السياسية المرتفعة من جماهير الشعب الإيراني.
حصل حسن روحاني على 23.6 مليون صوت تقريبًا بنسبة 57% من الأصوات الصحيحة، وحلّ إبراهيم رئيسي في المرتبة الثانية بـ15.8 مليون صوت بنسبة 38% من الأصوات الصحيحة، وشهدت هذه الانتخابات أكبر عدد من الأصوات الباطلة إذ تجاوزت مليون صوت، وتَحدّث بعض المصادر عن أن 800 ألف من هذه الأصوات قد بطلت لإصرار أصحابها على اختيار أحمدي نجاد على الرغم من عدم خوضه للانتخابات.
لقد جاءت نتيجة التصويت مفاجئة إلى حدّ ما بسبب عدم الرضا الجماهيري الذي لاقاه روحاني خلال الأشهُر الأخيرة، بخاصة لدى زياراته للأقاليم الإيرانية، لكن في النهاية اختار الناخب الإيراني حسن روحاني، ولم يستخدم خامنئي أدواته لهندسة الانتخابات عبر رجالات الحرس الثوري وأنصار حزب الله، ولعل ما أفزع الإيرانيين من فوز رئيسي ودفعهم إلى هذه المشاركة الكبيرة هو احتمالية أن يكون رئيسي خليفة لخامنئي في مقعد المرشد، وهو المعروف بدمويته المتباهي بقتل المعارضين السياسيين أمام الجمهور، ولا شكّ في أن هزيمته في الانتخابات الرئاسية سوف تَحُول دون تولّيه منصب المرشد. وما منع خامنئي من استخدام آلياته في هندسة الانتخابات هو تطوُّرات الوضع الخارجي التي تؤكد بوضوح تشكيل الناتو العربي الإسلامي ووَضْع حدّ للاعتداءات الإيرانية. ومع سهولة وضع رئيسي على قائمة البوليس الدولي وإصدار مذكِّرة لاعتقاله لضلوعه في عمليات الاغتيال تزيد عزلة إيران، وتعرضها لمزيد من العقوبات الدولية، فارتضي بقاء روحاني مع العمل على تقييد حركته على نفس النحو الذي تم في السنوات الأربع الماضية لتكون رئاسته للدولة بمثابة تجميل لوجه إيران في المجتمع الدولي ليس إلا، ويبقى خامنئي وحرسه الحكام الفعليين للنظام الإيراني، ولعله كما يري البعض يمهِّد خامنئي السبيل لتولية ابنه مجتبى منصب المرشد على الرغم من بعده حاليًّا عن استحقاق المنصب.
ويبقى الشعب الإيراني على أمل في حرية لا تتحقق وإن طال سعيه وراءها في ظلّ نظام يجعل الرئيس المنتخب دُمية في يد زعامة دينية وديكتاتورية عسكرية تسيطر على إيران منذ عام 1979م.