الانتخابات العامة في الهند.. هل الفوز في متناول اليد لمودي؟

https://rasanah-iiis.org/?p=35231

تحظى الانتخابات العامة الجارية في الهند، التي يُنظَر إليها على نطاقٍ واسع كأكبر حدث ديمقراطي في العالم، بأهمِّيةٍ بالغة؛ لأنَّها ستُشكِّل مسار مستقبل البلاد. تشمل عملية الاقتراع سبعَ مراحل في جميع أنحاء البلاد، وسيُدلي الناخبون بأصواتهم لانتخاب ممثِّليهم عن 543 مقعدًا من مقاعد مجلس النوّاب في البرلمان. وبلغت نسبة إقبال الناخبين 65.7% في المرحلة الثالثة، وهي نسبة أقلّ مقارنةً بالمرحلتين الأولى والثانية، بانخفاضٍ عن نسبة 67.4% المسجَّلة في الانتخابات العامّة السابقة لعام 2019م، وذلك حسبما أفادت به لجنة الانتخابات الهندية. وعلى الرغم من الجهود المنسَّقة، التي بذلتها أحزاب المعارضة لهزيمة حزب «بهاراتيا جاناتا»، أشارت معظم استطلاعات الرأي الأخيرة، إلى أنَّ حزب «بهاراتيا جاناتا» بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، من المرجَّح أن يفوز بولاية ثالثة. ويسلِّط استطلاع ما قبل الانتخابات، الذي أجراه مركز دراسات وبحوث الدول النامية -لوكنيتي 2024، الضوء على هيمنة رئيس الوزراء مودي على المشهد العام لمنصب القيادة، حيث اختار مودي ما يقرُب من نصف المشاركين في الاستطلاع لولاية أخرى.

لقد اتّحد أكثر من عشرين حزبًا سياسيًا تحت راية تحالُف المعارضة، الذي يقوده المؤتمر الوطني الهندي، والمعروف باسم «التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل (إنديا)»، لمنافسة حزب «بهاراتيا جاناتا» في الانتخابات. لقد صاغ تحالُف الهند روايته لمواجهة مودي حول قضايا، مثل البطالة والتضخم والاستقطاب الديني. واتّهمت جماعات المعارضة حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم بإساءة استخدام المؤسَّسات الحكومية، مثل مديرية إنفاذ القانون (إد)؛ لممارسة الضغط على المعارضة. وفي الآونة الأخيرة، منحت المحكمة العُليا كفالة مؤقَّتة لأرفيند كيجريوال؛ زعيم حزب «آم آدمي» ورئيس وزراء نيودلهي، الذي كان مُحتجَزًا لدى الشرطة لمدَّة 50 يومًا، في قضية تتعلَّق بعملية احتيال مزعومة لسياسة المشروبات الكحولية. وفي وقتٍ سابق، حُكِم على زعيم المعارضة راهول غاندي بالسجن لمدَّة عامين، خلال جلسة لمحكمة سورات في قضية تشهير، ومع ذلك، وضعته المحكمة العُليا في وقتٍ لاحق على لائحة الاتّهام. وبالإضافة إلى ذلك، تعرَّض كبار القادة من أحزاب المعارضة الأخرى، مثل حزب «مؤتمر ترينامول» وحزب «المؤتمر القومي»، وحزب «أول إنديا أنا درافيدا مونترا كاجاغام»، مؤخَّرًا لحملة مداهمات من قِبَل مديرية إنفاذ القانون.

وفي ولايات أتر برديش وتشاتيسغار وراجستان ومدهيا برديش وأوتاراخند الهندية، حيث يلعب العامل الطبقي دورًا مهمًا، يستعِدّ حزب «بهاراتيا جاناتا» لتأمين أغلبية المقاعد، خاصَّةً من خلال توحيد أصوات الطبقة العُليا. وفي الوقت نفسه، في ولايات جنوب الهند؛ كيرالا وتلنغانة وتاميل نادو، من المتوقَّع أن يحصل «التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل (إنديا)» على الأغلبية. وفي الوقت الذي تتعرَّض فيه استطلاعات الرأي إلى قيود بسبب توقيتها وحجم الآراء المشاركة في الاستطلاع، تُشير الظروف السائدة إلى أنَّ حزب «بهاراتيا جاناتا» من المرجَّح أن يضمن أغلبية قليلة، مقارنةً بالانتخابات السابقة. على الرغم من أنَّ استطلاعات الرأي تُشير إلى انتصار التحالف، الذي يقوده حزب «بهاراتيا جاناتا»، إلّا أنَّ الحزب يواجه انتقادات ومعارضة على عدَّة جبهات. وتبرز إدارة الحكومة لوباء كورونا، بما في ذلك تنفيذ عمليات الإغلاق المفاجئة التي فاقمت من التحدِّيات التي يواجها العُمّال الوافدين، واحتجاجات المزارعين، والمخاوف إزاء الوعود الانتخابية، والعُنف والتوترات في ولاية مانيبور الشمالية الشرقية، وحالات الاستقطاب الديني، على أنَّها قضايا ذات أهمِّية بالغة.

واحتشد حزب «بهاراتيا جاناتا» بقيادة مودي تحت شعار «هذه المرة سنتجاوز 400 مقعد»؛ بهدف الحصول على أغلبية مُطلَقة تزيد عن 400 مقعد في الانتخابات. ومع ذلك، يبدو أنَّ تحقيق هذا الهدف يشكِّل تحدِّيًا لحزب «بهاراتيا جاناتا». وشمِلَت حملات مودي العامَّة الأخيرة تصريحات مثيرة للجدل استهدفت الأقلِّيات؛ الأمر الذي أثار انتقاداتٍ متجدِّدة من أحزاب المعارضة. ويصرف هذا التحوُّل في تركيز الحملة نحو الاستقطاب الديني، الانتباه عن التحدِّيات الاقتصادية، مثل ارتفاع الأسعار والتضخم.

وأعرب رئيس حزب «المؤتمر الوطني الهندي» ماليكارجون خرجي، عن ثقته في أن هزيمة مودي وشيكة، ويتوقَّع أن حزب «بهاراتيا جاناتا» غير قادر على تأمين 200 مقعد. وأكَّدت أحزاب المعارضة، بما في ذلك حزب المؤتمر على قضية حرِّية الإعلام، وغالبًا ما وصفت بعض وسائل الإعلام بأنَّها  «إعلام منحاز». ينسجم هذا النقد مع الأداء الضعيف للهند في مؤشِّر حرِّية الصحافة، خلال السنوات الأخيرة. وعزَّزت خلية تقنية المعلومات التابعة لحزب «بهاراتيا جاناتا» بشكل كبير تواجُد الحزب على الإنترنت؛ الأمر الذي جعل من وسائل التواصل الاجتماعي واحدةً من أقوى أدواته. وبسبب الظروف السائدة، وزيادة الرقابة على وسائل الإعلام، لا يزال المشهد الإعلامي العام في البلاد مقيَّدًا.

يؤكد بيان حزب «بهاراتيا جاناتا» بخصوص الانتخابات العامَّة لعام 2024م، بعنوان «ضمان مودي»، على خلْق فُرَص العمل وتطوير البنية التحتية وبرامج الرعاية الاجتماعية. ويَعِدُ البيان بتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية، واستمرار برامج الحِصَص التموينية المجّانية، ومبادرات الإسكان، كما يعِد بتنفيذ التزامات أخرى. ويعتمد البيان اعتمادًا كبيرًا على الإنجازات السابقة، ويؤكِّد على استمراريتها، لا سيّما تلك التي تُسلِّط الضوء على قيادة مودي. فيما يسلِّط الضوء أيضًا على بناء معبد رام،  وإلغاء المادة 370، على أنَّهما من الإنجازات الرئيسية. ويتعَّهد البيان بتنفيذ القانون المدني الموحَّد، وقانون تعديل المواطنة، دون إيجاد حل لقضية «السِجِلّ الوطني للموطَّنِينَ» المثيرة للجدل في الهند. ويحاول حزب «بهاراتيا جاناتا» أيضًا حشْد الدعم، من خلال تسليط الضوء على صورة الهند العالمية المُحسَّنة والسياسة الخارجية الحازمة. وبغضِّ النظر عن النتيجة، من المتوقَّع ألّا يطرأ تغيير على مسار السياسة الخارجية للهند إلى حدٍّ كبير.

ركَّز تحالف الهند حملَتَهُ على مفهوم «العدالة»، مسلِّطًا الضوء على خمسة مبادئ للعدالة الاجتماعية الجماعية، التي ترتكز في المقام الأول على النساء والشباب والمزارعين. ويدعو بيان حزب «المؤتمر الوطني الهندي» إلى إصلاح  «الأضرار»، التي تسبَّب بها حزب «بهاراتيا جاناتا». ولم يتطرَّق بيان حزب «بهاراتيا جاناتا» إلى اتّساع التفاوت في الدخل والانقسامات الاقتصادية، التي لا تزال نقطةً تُثير انتقاد المعارضة. وقد تؤثِّر البطالة والتضخم، اللذان يُشار إليهما على أنَّهما الشاغلان الأساسيان في استطلاعات الرأي، على جزء كبير من الناخبين.

وتمثِّل التحالفات، مثل «تحالف الهند»، تحدِّياتٍ متأصِّلة، بما في ذلك تعقيداتٍ متعلِّقة ببناء الإجماع، والحفاظ على الدعم، والحفاظ على الوحدة، في خِضَمّ قضايا مُحتمَلة، مثل المساومة والانشقاق. وتؤكِّد الأمثلة السابقة، مثل «جاناتا دال (يونايتد)» في أواخر 1990م، و«التحالف التقدمي المتحد (أوبا)»، و«ماهاغاتباندان» في بيهار في عام 2019م، على العمل المتوازن الدقيق المطلوب لتحالفاتٍ أوسع في المشهد السياسي في الهند. وعلى الرغم من أنَّ حزب «بهاراتيا جاناتا» قد لا يصِل إلى الأغلبية التي يتوقَّعها، قد تنطوي النتيجة الأكثر ترجيحًا تشكيل الحزب لحكومةٍ ائتلافية مع حُلفائه. ومن المرجَّح أن يشكِّل الفوز الثالث على التوالي لحزب «بهاراتيا جاناتا» تحدِّياتٍ أكبر للجهود، التي يبذلها حزب «المؤتمر الوطني الهندي» المعارض.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير