قرَّرت الولايات المتحدة إرسالَ تعزيزات، وتدعيم وضعها الدفاعي في الخليج، ردًّا على استيلاء إيران على ناقلات نفط في الأسابيع الأخيرة بمياه الخليج. وتُشير الهجمات الانتقامية المتبادلة في الآونة الأخيرة، إلى تنامي التوتُّرات بين الولايات المتحدة وإيران، وما تمثِّله من عواقب على الأمن البحري، لاسيّما في مضيق هرمز وسلاسل التوريد العالمية.
في شهر أبريل الماضي، احتجزت الولايات المتحدة -كجزءٍ من عملية إنفاذ العقوبات- ناقلةَ نفط ترفع علم جُزر مارشال، كانت متّجِهةً إلى الصين ومحمَّلةً بالنفط الخام الإيراني. وفي ردٍّ منها على الأرجح على إنفاذ العقوبات، استولت القوات البحرية الإيرانية على ناقلة النفط، التي ترفع علم جزر مارشال «أدفانتج سويت» في 27 أبريل، على بعد حوالي 40 ميلًا شرق الفجيرة، جنوب مضيق هرمز. وكانت ناقلة النفط تحمل النفط الخام الكويتي لشركة «شيفرون كورب» الأمريكية متعدِّدة الجنسيات. وبحسب ما أفادت به التقارير بأنَّ ناقلة النفط التي تديرها تركيا، احتُجِزت بعد مغادرتها الكويت، بينما كانت في طريقها إلى مدينة هيوستن الأمريكية. وبعد فترةٍ وجيزة من عملية الاستيلاء أصدرت القيادة المركزية الأمريكية بيانًا ألقت فيه باللوم على إيران. ووفقًا للبيان، «استولت إيران وبصورة غير قانونية في العامين الماضيين، على ما لا يقِلّ عن خمس سفن تجارية تُبحر في منطقة الشرق الأوسط». قرَّر الأسطول الأمريكي الخامس، بعد رصده التطوُّرات المثيرة للقلق، اتّخاذ بعض الخطوات لتعزيز الأمن البحري في مياه الخليج، بالتعاون مع كلٍّ من «هيئة الأمن البحري الدولي» و «التوعية البحرية الأوروبية» في مضيق هرمز. وبحسب ما أفادت به وسائل إعلام إيرانية، فإنَّ احتجاز ناقلة النفط جاء بعد اصطدامها بسفينةٍ إيرانية ليلًا، أدّى إلى فقدان بعض أفراد الطاقم الإيراني، وإصابة عددٍ آخر من طاقمها. وقال نائب العمليات في البحرية الإيرانية مصطفى تاج الديني لوسائل الإعلام الحكومية الإيرانية: «لقد طالبنا السفينة مرارًا بالتوقُّف؛ حتى نتمكَّن من إجراء المزيد من التحقيقات الشاملة، إلّا أنَّهم لم يُظهِروا أيّ تعاون». من جانبها، زعمت وسائل إعلام إيرانية أنَّ ناقلة النفط هربت بعد التصادم، وتجاهلت بعد ذلك النداءات عبر الراديو لمدّة ثماني ساعات. وفي 03 مايو الجاري، احتجزت إيران ناقلة نفط ثانية؛ ما دفع وزارة الخارجية الأمريكية إلى المطالبة بالإفراج عنها. وحسبما أفادت به التقارير، احتجزت البحريةُ الإيرانية في الصباح الباكر ناقلةَ نفط ترفع علم بنما، أثناء مرورها عبر مضيق هرمز. وفي معرض ردّه على عملية الاحتجاز، قال المتحدِّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: إنَّ وزارة الدفاع الأمريكية ستتّخِذ سلسلةً من التحرُّكات؛ لتعزيز الموقف الدفاعي للولايات المتحدة في الخليج. كما أصدر الأسطول الخامس الأمريكي بيانًا قال فيه إنَّ الولايات المتحدة تعمل مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، لزيادة تناوُب السفن والطائرات لأغراض تسيير الدوريات. وتتمركز السفينتان المحتجزتان حاليًا في الخليج، بعد الاستيلاء عليهما. وقال النائب الأول للمتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، عندما سُئل عمّا إذا كان ردّ الولايات المتحدة على هذه التطوُّرات (إذا كان فعّالًا أم لا)، خلال مؤتمر صحافي: «إنَّ عددًا كبيرًا من الأدوات تحت تصرُّف الولايات المتحدة لمحاسبة إيران، وأنَّ الولايات المتحدة لن تتردَّد في استخدامها»، كما قال باتيل: إنَّ «الولايات المتحدة ستتّخِذ الإجراءات اللازمة لحماية أمن حلفائها وشركائها في الخليج».
وتعكس التوتُّرات الأخيرة اعتباراتٍ رئيسية لكلٍّ من الولايات المتحدة وإيران، على الجبهة البحرية في مياه الخليج. أولًا: تحرص الولايات المتحدة في الوقت الحالي على ضمان الأمن لشركائها وحلفائها في الخليج، ويهدف قرار تعزيز موقفها الدفاعي إلى خلق الثقة بين شركائها وحلفائها الخليجيين. في 19 مايو الجاري، وفي استعراضٍ للقوة ولإظهار نهجٍ موحَّدٍ ضد إيران، عبَرَ قادة القوات البحرية الأمريكية والفرنسية والبريطانية في الشرق الأوسط مضيق هرمز على متن السفينة الحربية الأمريكية «بول هاملتون». ثانيًا: لا تزال إدارة بايدن تواجه ضغوطًا داخلية لتبنِّي موقفٍ أكثر صرامةً تجاه إيران. وفي الآونة الأخيرة، كتب العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين وأعضاء الكونجرس الأمريكي وممثِّلي الولايات المتحدة في المنظَّمات الدولية، رسالةً إلى الرئيس بايدن؛ للضغط عليه لإعادة ممارسة حملة «الضغوط القصوى» ضد إيران. ثالثًا: لا يزال مضيق هرمز يكتسب أهمِّيةً بالنسبة للولايات المتحدة، من حيث الطاقة والتجارة وتأمين مصالحها الأمنية على المدى الطويل؛ لذا سوف يشكِّل أيُّ تهديدٍ مباشر أو غير مباشر للمضيق مخاطرَ اقتصادية وعسكرية جسيمة للولايات المتحدة. وبالتالي، من المهم بالنسبة للولايات المتحدة أن ترُد بسرعة على أيّ تهديدات في المضيق. رابعًا: تسبَّب الوجود المتزايد للطائرات المسيَّرة الأمريكية منذ العام الماضي في إثارة المخاوف لدى إيران، إذ احتجزت ولفترة وجيزة بعض الطائرات المسيَّرة الأمريكية، التي خضعت للاختبارات في أغسطس وسبتمبر 2022م. وكما سيَّرت الولايات المتحدة، مؤخَّرًا، أول قارب مسيَّر عبر مضيق هرمز. وقد أكمل القارب السريع L3 Harris Arabian Fox MAST-13، الذي يبلغ طوله 13 مترًا، رحلته عبر الخليج برفقة فرقاطات خفر السواحل الأمريكيين، USCGC Charles Moulthrope وUSCGC John Scheuerman. خامسًا: واصلت إيران تأكيد نفوذها البحري في مياه الخليج، خاصّةً في خضم تصاعُد التوتُّرات مع الولايات المتحدة. تُدرك إيران تمامًا الأهمِّية الإستراتيجية لمضيق هرمز، والآثارَ المترتِّبة على إغلاقه، أو عدم الاستقرار في هذا الممرّ المائي الحيوي لسلاسل الإمداد العالمية. لذلك؛ تستغلّ إيران موقعها الجيوسياسي كلَّما ازدادت حدّة التوتُّرات مع الولايات المتحدة، أو احتاجت إلى الضغط على الأطراف الغربية لتقديم تنازلات أو إبداء مرونة تجاهها.