
الملخص التنفيذي
بدأ سلاح الجو الإسرائيلي في ساعات مبكرة من صباح يوم الجمعة الموافق 13 يونيو 2025م، عملية عسكرية واسعة النطاق على المنشآت النووية الإيرانية، وصفت بغير المسبوقة مقارنة بالجوالات الصراعية المباشرة السابقة المتبادلة بين الطرفين؛ حيث طالت الضربة مركز القوة الإيرانية ذاته، باستهدافها قائمة من كبار رموز القادة العسكريين والاستخباراتيين في النظام الإيراني، وكبار العقول النووية المفكرة في البرنامج النووي، وكبار قادة سلاح الجو وسلاح المسيرات والدفاع الجوي في الحرس الثوري، ما يكشف عن تغيير إسرائيل لقواعد اللعبة كلية، وعن هدف إسرائيلي أسمى من تلك الضربات، يتمثل في: شل قدرة النظام الإيراني وتدمير مركز قوته ورمز فخر النظام “البرنامج النووي”، تمهيدًا لمرحلة جديدة في إيران ربما تتجاوز النظام الحاكم، في مقابل توجيه إيران ضربات تجاه إسرائيل لا تنبئ عن تحول في الموقف الإيراني عن قواعد اللعبة التقليدية مع مضي إسرائيل في ضرباتها ضد إيران، ولذلك نستعرض في هذا التقرير حجم الخسائر الإيرانية وتداعياتها على النظام الإيراني ودلالاتها، ومستقبل المفاوضات النووية، واتجاهات التصعيد العسكري المباشر بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، خصوصا بعد الهجوم المضاد الكبير الذي شنته إيران على عدة مدن إسرائيلية بالصواريخ والمسيرات، والتي تتمحور حول سيناريو الضربات، والضربات المضادة لتحقيق الردع، وسيناريو الرضوخ الإيراني، وسيناريو اتساع نطاق التصعيد بدخول الأذرع الإقليمية على خط الصراع المشتعل، وأخيرًا سيناريو الحرب الشاملة. الأمر الذي يشير إلى بروز مخاطر محتملة جراء هذه الحالة المستجدة من التصعيد، تنعكس على السلم والأمن في المنطقة والعالم.
مقدمة
في خطوة تصعيدية عسكرية إسرائيلية ضد إيران، من شأنها إلحاق الضرر بالأمن والسلم الإقليمي، جعل إيران أمام أكبر وأخطر وأضخم اختبار حقيقي لقوتها وقدرتها، شنت الطائرات الإسرائيلية في ساعات مبكرة من صباح يوم الجمعة الموافق 13 يونيو 2025م في عملية عسكرية استباقية أطلق عليها «الأسد الصاعد»، نحو 300 غارة جوية على خمس هجمات مركزة على مواقع إيرانية، شملت العاصمة طهران وقُم وتبريز، وقد وصفت التصريحات الإسرائيلية هذه الهجمات بأنها نوعية واستباقية وضرورية وتعتبر مرحلة أولى، وبالفعل ألحقتها إسرائيل ظهر اليوم بضربات جديدة في مواقع ومحافظات إيرانية مختلفة لا تزال مستمرة في اليوم الثاني ضد مواقع في وسط طهران، وموقع نطنز النووي مجددًا، ومنشآت قرب مطار تبريز شمال غربي إيران، ثم اتجه التصعيد الإسرائيلي نحو استهداف منشئات نفطية بقصف محيط مصفاة تبريز شمالي غرب إيران. وقد توالت التصريحات الإسرائيلية بأن العملية تم جزء كبير منها عن طريق تخطيط مسبق للموساد الإسرائيلي في الداخل الإيراني. فيما قامت ايران بشن عمليات هجومية مضادة على عدة مدن إسرائيلية بالصواريخ والمسيرات أطلق عليها «الوعد الصادق 3» أحدثت خسائر في عدد من الممتلكات وعدة إصابات.
تفرض التطورات حزمة من التساؤلات: ما هي تفسيرات تغيير إسرائيل لقواعد اللعبة كلية؟ وما هي الأهداف الإسرائيلية الحقيقية من التصعيد؟ هل للضغط لقبول إيران شروط المفاوضات أم الأهداف أكبر لشل النظام ذاته وتدمير مركز قوتة المتمثلة في البرنامج النووي الإيراني؟ وما هو حجم الضرر الذي سببته الهجمات الإسرائيلية للبنية التحتية النووية الإيرانية؟ هل هجمات تعطيل أم تأجيل أم للإجهاز على المشروع النووي، وخاصة أن ذلك الهدف يتطلب وقتًا وتكلفة أكبر؟ وما الفرق بين الجولة التصعيدية الراهنة والجولات السابقة؟ وما هي الخيارات الإيرانية للرد؟ فهل ستقدم على توجيه المزيد من الضربات بما يجعل إسرائيل تعيد النظر في حساباتها أم ستستمر ضمن قواعد اللعبة التقليدية التي تجاوزتها إسرائيل لتفرض واقعًا إقليميًا جديدًا؟ وما هي الأهداف الإسرائيلية الموازية للأهداف الإيرانية لكي تكون ضربة إيرانية وازنة وردًا واضحًا وصريحًا يردع إسرائيل؟ وما اتجاهات التصعيد المتبادلة بين الطرفين ومستقبلها؟
أولًا: تقييم حجم أضرار الهجمات الإسرائيلية على إيران
يجمع كافة المراقبين أن إيران تلقت خلال الجولة التصعيدية الإسرائيلية الراهنة ضربة قوية للغاية، تسببت في أضرار وخسائر واسعة على النظام الإيراني، مقارنة بالضربات في الجولات السابقة، من حيث المواقع والمنشآت النووية، والشخصيات المهمة المستهدفة، وحجم آثارها على النظام الإيراني، على النحو التالي:
1. استهداف مواقع نووية وعسكرية حساسة
بخلاف الجولات التصعيدية السابقة، طالت الاستهدافات الإسرائيلية عشرات الأهداف النووية والعسكرية الحساسة؛ حيث استهدفت 10 مواقع نووية -بحسب الرواية الإسرائيلية الرسمية- أبرزها منشاة نطنز في محافظة أصفهان -المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في وسط البلاد- واستهداف موقع أحمدي روشنز لتخصيب اليورانيوم في نطنز. وعلى الرغم من أنه لا حديث عن وجود تلوث نووي، غير أن التصريحات الرسمية الإيرانية تتحدث عن تعرض منشأة نطنز لأضرار على عدة مستويات، خاصةً في الجزء المتعلق بتخصيب اليورانيوم، في حين تتحدث الرواية الإسرائيلية أنها ألحقت تدميرات واسعة بالمنشأة والبرنامج النووي بشكل عام.
منشأة نطنز الأكثر أهمية بين المنشآت النووية الإيرانية؛ حيث يجري بها عملية التخصيب بنسبة 60%، وقد تلقت ضربة مباشرة، ومع ذلك ما يزال من الصعب حصر الخسائر التي لحقت بإيران، ولاسيما الأضرار المرتبطة بالبرنامج النووي، خصوصًا في ظل انتشار جغرافي واسع للمنشآت النووية، فإن الهجمات عدت بمنزلة ضربة مؤلمة لإيران وربما غير مسبوقة منذ الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، لا سيما بعد سقوط قيادات من الصف الأول للنظام.
كذلك استهدفت مواقع عسكرية وقواعد ومنصات صواريخ في جنوب غرب طهران، حيث تتواجد مواقع تابعة للحرس الثوري ومواقع جوية، وفي شرق طهران حيث يوجد موقع بارشين العسكري ومواقع لوزارة الدفاع الإيرانية، وتركيزها على المواقع الغربية بالتحديد يعني أن إسرائيل تريد تأمين طرق ذهاب طائراتها وإيابها، ما يعكس أن هناك هجمات إسرائيلية قادمة ضد مواقع إيرانية جديدة حتى شل النظام الإيراني بشكل كبير، لحد قبوله بعدم المضي نحو امتلاك القنبلة النووية.
جدول (1): أبرز المواقع التي استهدفت
الموقع | المصدر | |
1 | مباني في سعادت آباد – طهران | شبكة «شرق» |
2 | مباني في شارع باتريس لومومبا | موقع «فرارو» |
3 | مقرّات إقامة طهرانجي وفريدون عباسي | موقع «فرارو» |
4 | مقرّ إقامة علي شمخاني | موقع «اقتصاد أونلاين» |
5 | موقع سوباشي الراداري | وكالة «مهر» |
6 | موقع «السيِّدة المعصومة» للدفاع الجوِّي في قُم | وكالة «إيرنا» |
7 | مصنع لإنتاج الصواريخ في شيراز | الجيش الإسرائيلي + موقع «شفقنا» |
8 | مواقع أخرى في تبريز | موقع «شفقنا» |
9 | موقع نطنز | موقع «إنصاف نيوز» |
10 | الدفاع الجوِّي في منطقة خروسلو بمحافظة أردبيل | وكالة «تسنيم» |
11 | منشآت بارجين | وكالة «رويداد 24» |
12 | عدد من القواعد العسكرية في طهران | وكالة «رويداد 24» |
13 | مفاعل آراك للمياه الثقيلة | وكالة «رويداد 24» |
14 | قواعد عسكرية في بروجرد وخرم آباد وقصر شيرين وعيلام وبيرانشهر | وكالة «رويداد 24» |
15 | مناطق في العاصمة طهران قيطرية نياوران غرب طهران (جيتكر، كرمدره، فرحزادي، مرزداران) شرق طهران (نارمك) بالقُرب من مطار مهرآباد منطقة محلاتي منطقة جمران (نوبنياد) كامرانیة مجمع أساتذة ميدان كتاب أندرزغو مقرّ القيادة العامة للقوات المسلحة شهر آرا مدينة الشهيد دقايقي (هجمات واسعة) جنوب طهران (منطقة خاورشهر) منطقة باكدشت (جنوب شرق طهران) منطقة حكيمية (شمال شرق طهران) منطقة أقدسية (شمال طهران) مطار مهرآباد | موقع «اقتصاد أونلاين» موقع «عصر إيران» وكالة «مهر» |
16 | انفجارات في همدان، وخنداب، وكرمانشاه، ولرستان | وكالة «رويداد 24» |
17 | موقع راداري تابع للحرس الثوري في بيرانشهر | موقع «اقتصاد 24» |
18 | انفجار في محيط همدان، وتحديدًا المناطق المحيطة بقاعدة نوجة الجوِّية | موقع «خبر فوري» |
19 | القاعدة الثانية للاعتراض في تبريز | وكالة «إيسنا» |
20 | 10 مواقع في أذربيجان الشرقية | وكالة «إيسنا» |
21 | 7 مواقع في تبريز | وكالة «بُرنا» |
22 | موقعان في ثكنة «الشهيد تولائي» و«الشهيد كريمي» في أراضي بستان أباد (تبريز) | وكالة «بُرنا» |
23 | موقع في مدينة مراغة (تبريز) | وكالة «بُرنا» |
24 | موقع الإمام علي الصاروخي في خرم آباد | موقع «خبر فوري» |
25 | قاعدة نوجة الجوِّية (مرَّتين) | موقع «فردا نيوز» |
26 | قاعدة الفوج الحدودي في سردشت | وكالة «تسنيم» |
27 | منشأة فردو بالقرب من قُم | موقع «آفتاب نيوز» |
28 | القاعدة الجوية الثامنة (أصفهان) | |
29 | مدينة محمد شهر بكرج | موقع «عصر إيران» |
30 | أصفهان | وكالة «مهر» |
31 | مدينة جيتكر غرب طهران | موقع «همشهري أونلاين» |
32 | مدينة باكدشت جنوب شرق طهران | وكالة «مهر» |
33 | مدينة بويين زهراء – محافظة قزوين | موقع «همشهري أونلاين» |
34 | بلدة خاور شهر جنوب طهران | موقع «أفكار نيوز» |
35 | مقاطعات رباط كريم وبهارستان وملارد ومناطق من شهريار غرب طهران | موقع «ديده بان إيران» |
36 | مفاعل رئيسي النووي في أصفهان | موقع «ديده بان إيران» |
37 | عباس آباد – طهران | موقع «شفقنا» |
38 | وسط وشرق طهران | موقع «آفتاب نيوز» |
39 | حي أقدسية بطهران | وكالة «رُكنا» |
40 | محيط مقرّ المرشد، وميدان باستور، وشارع أذربيجان، حي فلاح (المنطقة 17) وأجزاء من المنطقة 18 في طهران | موقع «خبر نامه كويا» |
41 | برج آزادي | وكالة «رُكنا» (تم تكذيب الخبر) |
42 | مطار مهر آباد | وكالة «مهر» |
43 | مبنى وزارة الداخلية | صفحة «أواتوداي» في منصَّة «إكس» (تم تكذيب الخبر) |
44 | حي حكيمية وطهرانبارس | موقع «برترينها» |
45 | برج اتصالات في كرج | موقع «اقتصاد أونلاين» |
46 | شارع بيروزي شرق طهران | موقع «خبر أونلاين» |
47 | منطقة جيتغر بطهران | منشور في موقع «فيسبوك» |
48 | ثكنة «بعثتۛ» في مقاطعة بروجرد في محافظة لورستان | موقع «نور نيوز» |
49 | القاعدة المدرَّعة في زنجان | موقع «إيران واير» (مصادر غير رسمية) |
50 | منطقة لنجرود ومنطقة تشمخاله (محافظة جيلان) | موقع «إيران واير» (مصادر غير رسمية) |
51 | مصفاة تبريز | وكالة «إيرنا» (تم تكذيب الخبر) |
52 | تجدُّد الهجوم على أذربيجان الشرقية واستهداف 4 نقاط فيها مثل خرَّم آباد | موقع «همشهري أونلاين» |
53 | استهداف محافظة كرمانشاه من جديد | موقع «همشهري أونلاين» |
54 | منطقة أسد آباد في محافظة همدان | وكالة «مهر» |
55 | تجدُّد الهجوم على تبريز | موقع «خبر أونلاين» |
56 | مصنع في منطقة تشهاردانغه جنوب طهران | موقع «تابناك» |
57 | مركز تابع لوزارة الدفاع في شيراز | موقع «خبر أونلاين» (تم تكذيب الخبر) |
58 | مدينة البرز الصناعية في محافظة قزوين | موقع «خبر فوري» |
59 | مهاجمة مبنى بلدية موسيان في محافظة عيلام | موقع «خبر فوري» |
60 | مهاجمة ثكنة إمام حسن في محافظة كرمانشاه | وكالة «تسنيم» |
61 | مدينة أشترينان شمال غرب محافظة لورستان/ مهاجمة مصنع «فردا موتورز» لصناعة السيارات في مدينة بروجرد | وكالة «تسنيم» موقع «عصر إيران» |
62 | استهداف مدينة مراغة في محافظة أذربيجان الشرقية | وكالة «مهر» |
المواقع النووية الإيرانية:

المصدر: إعداد معهد رصانة
توضيحات حول الحالة الفنية للمواقع النووية المستهدفة وحالة الإشعاع:
-بناءً على التقارير الإيرانية، أُبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم وجود أي مؤشر على زيادة الإشعاع في 13 موقعًا مختلفًا هاجمتها إسرائيل، بما في ذلك محطة نطنز للتخصيب النووي الذي تعرض للهجوم، كما أفادت بأن موقعي أصفهان وفوردوا لم يتأثرا حتى الآن.
-ذكرت هيئة الرقابة النووية السعودية، أنه بناءً على ما تلقاه مركز عمليات الطوارئ النووية بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية، لا يوجد تلوث بيئي في محيط محطتي «نطنز» و«أصفهان» لتخصيب اليورانيوم، وذلك في إطار اتفاقية التبليغ المبكر عن حادث نووي من إحاطة مركز الأحداث الطارئة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية عمّا ورده من الهيئة الرقابية النووية الإيرانية.
-من المرجح أن تُقلل إيران من شأن الانبعاثات المشعة للتقليل من شأن نجاح الهجمات الإسرائيلية. ويمكن تتبع النشاط الإشعاعي عبر الأقمار الصناعية والطائرات المتخصصة.
– من المحتمل أن إيران قد قامت بعمليات احترازية في ظل التهديدات، بإيقاف أجهزة الطرد المركزي ومحطات الماء الثقيل، وأن معظم كميات مركبات اليورانيوم قد أُزيلت وحُفظت. وكانت الهزات الناتجة عن الانفجارات ستدمر أجهزة الطرد المركزي، التي تدور بسرعة عالية للغاية في انفجارات ضخمة، مما يُقلل من فرص سلامة المنشآت. ويُعد تأمين اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي خطوة إستراتيجية، إذا أمكن تخزينها بأمان تحت الأرض، أمام العالم والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
-يمكن لإيران أن تدّعي الآن تدمير كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي، جراء الهجوم ولأغراض تفتيش الوكالة، يمكن لمفتشها اصطحابهم في جولة حول المبنى والمعدات المدمرة، مع بعض أجهزة الطرد المركزي المدمرة بسادس فلوريد اليورانيوم. قد تُخصب المادة الانشطارية لاحقًا لاستخدامها سرًا في جهاز نووي.
-تعرضت المواقع العسكرية الرئيسة لإيران، بدءًا من منشآت الرادار النشطة المتبقية بالإضافة إلى البطاريات المضادة للطائرات، لضربات من أسلحة بعيدة المدى، من قبل الطائرات المقاتلة الرائدة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، والتي أعلنت أنها نفذت العملية باستخدام حوالي 200 طائرة. ومن بين المواقع البارزة التي تم ضربها، كان منشأة تخزين الصواريخ (تحت الأرض) في كرمانشاه، والتي ظهرت أعمدة ضخمة من الدخان تنبعث منها. تمتد المنشأة لأميال على عمق 60 إلى 100 متر؛ وبالتالي فإن الضرر سيكون محدودًا فقط.
-يُظهر تحليل لقطات الموساد التي أصدرها، أنه هاجم الدفاعات الجوية الإيرانية وقاذفات الصواريخ الباليستية في إيران، للتعويض عن أوجه القصور في عدم وجود متفجرات قوية بما يكفي لتدمير الأنفاق الجوفية. ومن المتوقع أن يتم إعادة استهداف المواقع النووية مجددًا، لتأكيد تدميرها أو تعطيلها.
-لماذا تم استهداف نطنز ولم يتم استهداف مجمع فوردو؟: لم تُقصف منشأة فوردو بينما قصفت منشأة نطنز. وربما يعود سبب ذلك الى أن فوردو منشأة تحت الأرض شديدة الحراسة بعد تحويلها إلى موقع تخصيب كامل، تُنتج معظم اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60% في إيران. هاجمت إسرائيل نطنز بطرق مختلفة. فمجمعها فوق الأرض وبعضها تحت الأرض غير محمي بدروع خرسانية ثقيلة، وأنفاق تشبه الأنفاق التقليدية. ولذلك، كانت هدفًا سهلًا نسبيًا. وخلافًا للتصور الشائع، فإن نطنز ليست جوهر البرنامج النووي، بل هي واحدة من قلائل. إن قصفها له قيمة رمزية وسياسية أكبر، إذ يرمز إلى مرونة البرنامج الإيراني وتحديه في نظر مؤيدي النظام. يمكن لقدرات إسرائيل الخارقة للتحصينات أن تؤثر بفعالية على عمق 35 مترًا. أما القنابل الخارقة للتحصينات من طراز GBU-57، فيمكنها اختراق ما لا يقل عن 60 مترًا تحت الأرض قبل أن تنفجر، ويمكن أن يؤثر استخدام قنابل متعددة في وقت واحد على هياكل يزيد عمقها عن 100 متر. تُركت فوردو للهجوم التالي بعد الهجوم الإيراني المضاد. لا تستطيع تل أبيب إسقاط قنبلة GBU-57، فهي ثقيلة جدًا على طائراتها المقاتلة. ربما تأمل في جر الولايات المتحدة إلى الصراع واستخدام قاذفاتها الثقيلة لتدمير مجمع فوردو، أو ربما يخطط عميل الموساد لضربه من الداخل بطريقة أقل إثارةً، ولكن أكثر فعالية، نظرًا للانهيار الواضح لأجهزة الاستخبارات الإيرانية وتدهور معنويات عملائها.
المصدر: إعداد معهد رصانة
2. استهداف شخصيات عسكرية وازنة
بخلاف الجولات السابقة، وفي محاولة تكشف عن رغبة إسرائيلية لتصفية مسؤولين كبار في طهران مقارنة بالجولات السابقة، طالت الإستهدافات شخصيات وازنة وكبيرة، ورموزًا مؤثرة في النظام الإيراني، وتحظى بثقل كبير في أروقة صنع القرار الإيراني(انظر الجدول رقم 2):
أ. مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي: هو أحد العسكريين القدامى الذين بدؤوا مع النظام الإيراني من بداية مسيرته، ومعروف بخطاباته المعادية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ويخضع لعقوبات أمريكية، ويعد على قائمة العسكريين الذين شاركوا في اتخاذ قرار الضربات الإيرانية المباشرة ضد إسرائيل، ردًا على الضربات الإسرائيلية المباشرة على بلاده خلال 2024م، ومع تصاعد التوترات مع إسرائيل خلال الأسبوع الماضي أعلن جهوزية بلاده لأية سيناريوهات محتملة.
ب. مقتل رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء علي باقري: الذي يعد ثاني أهم شخصية في النظام بعد المرشد، ويعد من أبرز العسكريين الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية، وتولى في السابق أحد أبرز مؤسسات التصنيع الحيوية التابعة للحرس الثوري، ويمتلك خبرة واسعة في التعاطي مع المنظمات الكردية الإيرانية المسلحة، بحكم عمله في أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وسبق أن عينه المرشد في يونيو 2016م رئيسًا لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة خلفًا للواء حسين فيروز آباد، وهو معروف مع ثلاثة عسكريين آخرين هم على فدوي وغلام رشيد ومحمد علي جعفري باسم الشبكة القيادية لحرس الثورة الإسلامية.
ج. مقتل قائد مقر “خاتم الأنبياء” غلام علي رشيد: أحد القادة البارزين في الحرس الثوري، الذين شاركوا في حرب الخليج الأولى، وسبق أن شغل منصب نائب مدير العمليات في الأركان العامة لحرس الثورة، وتولى أيضًا منصب نائب مدير الاستخبارات والعمليات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة لمدة 10 سنوات، وعُين نائب رئيس أركان القوات المسلحة حتى العام 2015م، ثم قائد لمقر خاتم الأنبياء المركزي، مع توليه منصب وكيل شؤون الدفاع في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، ويخضع لعقوبات أمريكية.
د. إصابة مستشار رئيس الجمهورية الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وتفيد التقارير الطبية انه لم يجرِ أي مستجدات تحسن على حالته الصحية.
هـ. مقتل اثنين من أبرز العلماء النوويين، بينهم العالم النووي فريدون عباسي، ومهدي طهرانجي رئيس جامعة آزاد الإسلامية.
و. تأكيد الجيش الإسرائيلي تصفية قادة سلاح الجو وسلاح المسيرات والدفاع الجوي في الحرس الثوري.
هـ. مقتل مساعد رئيس هيئة الأركان العامة لشؤون العمليات في القوات المسلحة مع زوجته واولاده العميد مهدي رباني.
جدول (2): قائمة القادة الإيرانيين الذين تمَّ تأكيد اغتيالهم حتى الآنلهم حتى الآن
1 | اللواء محمد حسين باقري | رئيس هيئة الأركان العامّة للقوّات المسلَّحة الإيرانية |
2 | اللواء حسين سلامي | قائد الحرس الثوري الإيراني |
3 | اللواء غلام علي رشيد | قائد مقرّ خاتم الأنبياء |
4 | علي شمخاني | مستشار المرشد الإيراني (لم يُعلَن رسميًا حتى الآن) |
5 | العميد أمير علي حاجي زاده | قائد القوّات الجوفضائية للحرس الثوري |
6 | العميد داوود شيخيان | قائد قوّات الدفاع الجوِّي التابعة للقوّات الجوفضائية للحرس الثوري |
7 | العميد مهدي رباني | مساعد شؤون العمليات للأركان العامّة للقوّات المسلَّحة الإيرانية |
8 | العميد غلام رضا محرابي | مساعد رئيس الأركان العامّة للقوّات المسلَّحة الإيرانية لشؤون الاستخبارات |
جدول (3): أسماء القادة الذين تتردَّد أنباء عن مقتلهم
1 | إسماعيل قاآني | قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري | |
2 | علي رضا تنغسيري | قائد القوّات البحرية بالحرس الثوري | |
3 | علي رضا بوردستان | قائد القوّات البرية بالجيش | |
4 | أمير شهرام إيراني | قائد القوّة البحرية بالجيش | |
5 | علي رضا سليماني | قائد قوّات التعبئة | |
6 | نصير زاده | قائد القوّات الجوية بالجيش | |
7 | محمد جعفر أسدي | القائد بفيلق القدس (تمَّ نفي خبر اغتياله) | |
8 | غير معروف | الجيش الإسرائيلي | قائد سلاح المسيّرات في الحرس الثوري |
جدول (4): قتلى العلماء النوويين
1 | عبد الحميد مينوتشهر |
2 | أحمد رضا ذو الفقاري |
3 | سيِّد أمير حسين فقهي |
4 | مطلبي زاده |
5 | محمد مهدي طهرانجي |
6 | فريدون عباسي |
7 | علي بكائي كريمي |
8 | منصور عسكري |
9 | سعيد برجي |
جدول (5): القتلى من بين العسكريين
الحالة | خبر رسمي أو غير رسمي | |
1 | مقتل 2 من قوّات الدفاع الجوِّي للجيش في موقع الدفاع الجوِّي ِّ«السيِّدة المعصومة». | رسمي |
2 | مقتل 1 مكلَّف خدمة عسكرية في الفوج الحدودي في منطقة سردشت باسم (آركان أخش). | رسمي |
3 | مقتل 3 من عناصر فيلق الحرس الثوري في زنجان. | رسمي |
4 | تأييد مقتل الحارس الشخصي لحسين سلامي (أبو الفضل أبدام) | رسمي |
5 | مقتل 2 من قوّات البسيج في حامية عسكرية في مقاطعة زرندية التابعة للمحافظة المركزية | رسمي |
جدول (6): القتلى من المدنيين
الحالة | الخبر رسمي أو غير رسمي | |
1 | فرشته باقري، ابنة محمد باقري/ زوجة وأبناء مهدي رباني مساعد شؤون العمليات للأركان العامّة للقوّات المسلَّحة الإيرانية/ زوجة مهدي طهرانجي رئيس جامعة آزاد و4 من طاقم حراسته/ زوجة وأبناء مهدي رباني/ ابنة نائب وزير التعليم العالي مسعود شمس بخش. (زهراء شمس بخش، وهي موظَّفة في إدارة مساعد رئيس الجمهورية للشؤون العلمية والتقنية وابنة النائب السابق لوزير التعليم العالي)/ ابن اللواء غلام علي رشيد. | رسمي |
2 | 95 مصابًا في 12 محافظة | رسمي |
3 | مقتل 78 شخصًا وإصابة 329 آخرين في محافظة طهران | رسمي |
4 | مقتل 8 في تبريز و12 مصابًا / تمَّ تحديث العدد في محافظة أذربيجان الشرقية ليصبح (18 قتيلًا). | رسمي |
5 | مقتل بارسا منصور (لاعب في رياضة البادل) | رسمي |
6 | سينا سليماني: من مديري شركة مجموعة إدارة الاستثمار (أميد) | رسمي |
7 | مقتل 60 شخصًا في مجمع تشمران السكني (شمال طهران). | رسمي |
8 | مقتل 5 في أسد آباد في محافظة همدان. | رسمي |
9 | مقتل عدد (لم يُحدَّد بعد) من العاملين في مصنع «فردا موتورز» للسيارات في بروجرد. | رسمي |
المصادر: وكالة «إيرنا»، موقع «همشهري أونلاين»، وكالة «تسنيم»، موقع «بولتن نيوز»، صفحة «جيلان خبر فوري» في تطبيق «إنستغرام»، وكالة «إيلنا»، موقع «تابناك»، وكالة «مهر»، وكالة «إيسنا»، وموقع «خبر أونلاين».
ثانيًا: توقيت الهجمات وأهدافها ودلالاتها
تُشير الضربة الإسرائيلية ثلاثية الأبعاد: البعد النووي والعسكري والبعد الاستخباراتي، والتي تشكل اختراقًا استخباراتيًا كبيرًا راح ضحيته رموز مؤثرة في النظام وعلماء نوويين كبار، وربما تشير الى أن معادلة التفوق العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي أصبحت تميل لصالح إسرائيل، وتشير إلى جملة من النقاط الأساسية على النحو التالي:
1. توقيت ولحظة إستراتيجية سانحة لإسرائيل
جاءت الهجمات في ظل لحظة تاريخية تتحينها إسرائيل، لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وأن الفرصة لتحجيم الطموح النووي الإيراني ستكون صعبة بمرور الوقت، وأنها وصلت إلى نقطة اللا عودة في ضرورة ضرب إيران، كما أن قيام إسرائيل بهذه الخطوة هو في حقيقة الأمر استغلال لنجاحها في تحجيم قدرة أذرع إيران في المنطقة، وقد سبق العملية استهداف لمواقع عسكرية في جنوب لبنان، لتفادي أي اشتباك قريب لمساندة الرد الإيراني المحتمل.
كذلك تأتي في أعقاب تصريحات متضاربة للرئيس الأمريكي، أشار فيها إلى أنه لا يفضل قيام إسرائيل بمهاجمة إيران، وبدلًا من ذلك يأمل من إيران أن يكون حل هذا الملف عن طريق المفاوضات، غير أنه أشار بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، كما تأتي أيضا في أعقاب انتهاء مدة الـ 60 يومًا، التي حددها الرئيس الأمريكي لإعطاء المفاوضات الدبلوماسية فرصة للوصول إلى صفقة جديدة مع إيران.
2. شل النظام وتدمير مركز قوته هدف أسمى لتل أبيب
تكشف طبيعة الضربة أن «شل وإضعاف النظام الإيراني وهيبته وتدمير مركز قوَّته» كمقدمة لإسقاطه على المديين المتوسط والبعيد، يُشكل الهدف الأسمى لإسرائيل من الضربة، وذلك عبر إزالة التهديد النووي الإيراني، وضرب القدرة العسكرية الإيرانية، وتأمين مستقبل أكثر أمانًا لإسرائيل ومواطنيها؛ لأن أزمة إسرائيل الرئيسة هي أزمة بقاء ووجود، ولذلك تعتبر إسرائيل أن امتلاك أية دولة أخرى في المنطقة لقنبلة نووية، هو تهديد مباشر لبقائها ووجودها في الشرق الأوسط.
3. عملية عسكرية قوية وغير مسبوقة
لا يبدو أن هذه الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران كسابقتها التي شنتها منذ السابع من أكتوبر، فالهجمات جاءت على موجات متتابعة، ويبدو أنها متواصلة، وهو ما يعني أنها غير محدودة وبمنزلة حرب بدأت وقد لا تتوقف، فبحسب بيان الجيش الإسرائيلي تم استهداف 200 موقع إيراني، واستخدام 300 قنبلة، وتم استخدام أسراب من طائرات أف 35 أي، وأسلحة أخرى لم تسمها، والملاحظ أن هذا الهجوم قد ركز على الأصول النووية، بما في ذلك مفاعل نطنز، والعقول التي تقف خلف البرنامج النووي الإيراني، وكذلك القيادات العسكرية من الصف الأول، وذلك لتعطيل وإرباك منظومة القيادة، وتأخير رد الفعل الإيراني، ولا يبدو أن هذه الهجمات ستتوقف عند هذا الحد، بل إنها تمهيد المسرح العسكري لعمليات قد تستمر لفترة أطول.
مارست اسرائيل سياسة الخداع الاستراتيجي في توجيه الضربات لوضع النظام الإيراني أمام حالة ارتباك وتخبط تحد من قدرته عل توجيه ضربات قوية لإسرائيل، حيث سبقها زخم كبير عن عقد جولة جددة من المفاوضات يوم الأحد المقبل (15 يونيو 2025م)، في عُمان، وحديث الرواية الإسرائيلية عن عطلة لنتانياهو لحضور حفل زفاف أبنه، وتصريحات السفير الأمريكي في إسرائيل بعدم احتمالية شن إسرائيل لهجوم دون ضوء أخضر من واشنطن.
4. ضربة مؤلمة للنظام الإيراني
تثبت الضربات الإسرائيلية رغبة في إحداث خلخلة في النظام الإيراني، وإضعافه وربما فتح الطريق إلى عملية تغيير شاملة، عبر استهداف مزيد من القيادات، فإسرائيل منذ السابع من أكتوبر، تعمل على إحداث تغيير كبير في المنطقة، بما يحقق لها الهيمنة الإقليمية، ويزيل كل المخاطر والتهديدات وفي مقدمتها إيران، وكما جرى مع حزب الله، يبدو أن إسرائيل بصدد عملية لإحداث تغيير جذري، ولا شك أن الضربة تمثل هزة كبرى للنظام الإيراني، وقد تؤثر على المعادلة الداخلية في غير صالح النظام، الذي تضيف إليه هذه الهجمات مزيدًا من الضغوط بجانب الأوضاع الاقتصادية والإخفاق الداخلي وتراجع الشعبية.
5. اختراق واسع النطاق لإيران
أفاد الموساد بأنه أقام معسكرًا للطائرات المسيرة داخل الأراضي الإيرانية، وزرع منظومات متطورة قرب مواقع عسكرية أسهمت في الهجوم، فضلًا عن نشر قوات من الكوماندوز على الأراضي الإيراني لعبت دورًا في الهجوم، وبجانب ما حققت الهجمات من أهداف، فإن هذه المعلومات في حال مصداقيتها تؤكد على اختراق كبير لإيران، ووجود فشل وإخفاق أمني كبير، ولا شك أن ذلك له تأثير نفسي كبير داخل إيران، وتعزيز الصورة السلبية عن النظام وتماسكه وقوته.
6. ضربة في لحظة ضعف وانكشاف واضح لإيران ومحورها
لطالما اعتمدت طهران على شبكة من الحلفاء والوكلاء الإقليميين كجدار وقائي تقارع من خلفه خصومها، وتتجنب من خلالهم الاصطدام المباشر، إلا أن المعطيات الميدانية والسياسية خلال العامين الأخيرين كشفت عن تصدّع هذا الجدار، وأظهرت محدودية قدرة هذه الأطراف على تمثيل إيران أو الدفاع عن مصالحها بشكل فاعل، وأضعف من قدرت إيران على خوض المعارك بالوكالة، وأدت تدريجيًا إلى كشف إيران نفسها أمام مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
في لبنان، بدأ تراجع دور «حزب الله» يظهر بوضوح، ليس فقط على مستوى الفعل العسكري، بل على صعيد شرعيته الداخلية، وضغوطات البيئة اللبنانية والدولية عليه. فخلال حرب غزة الأخيرة، اكتفى الحزب بخطاب تعبوي وتحركات محدودة على الحدود الجنوبية، دون أن ينخرط فعليًا في جبهة مفتوحة، وهو ما أعطى انطباعًا واضحًا بأن طهران لم تعد تستطيع الاعتماد عليه كذراع هجومية فعالة.
أما في سوريا، فقد مثّل سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024م ضربة إستراتيجية قاسية لإيران ولمحور دفاعها في المنطقة؛ إذ فقدت طهران أبرز حلفائها في قلب المشرق، وخسرت من خلاله ساحة رئيسة لتموضعها العسكري والسياسي، وممرًا مهمًا للربط بين طهران وبيروت عبر بغداد ودمشق. هذا التحول أضعف قدرة إيران على إدارة خطوط إمداد ووصل بين عناصر محور مقاومتها، الذي أنشأته لتجنيب أي تصعيد مماثل للذي حدث في 13 من يونيو 2025م.
في العراق، تراجعت المجموعات الموالية لطهران عن أي دور نشط، وبدت منشغلة بمواجهة تحديات داخلية، وانقسامات سياسية وميدانية، ما جعل حضورها في المشهد الإقليمي شبه غائب في لحظة مفصلية كانت طهران تأمل فيها أن تكون هذه المجموعات ورقة ضغط في حال التصعيد.
في ظل هذه التراجعات، وجدت إيران نفسها وجهًا لوجه أمام إسرائيل، دون وسطاء أو وكلاء، وهو وضع لم تشهده العلاقة بين الطرفين بهذا الشكل المكشوف منذ سنوات، مما جعل المواجهة العسكرية بينهما أمرًا حتميًا، خاصة من جانب تل أبيب التي ترى أن توجيه ضربة قاصمة لإيران بات ضرورة إستراتيجية لإنهاء حالة الانكشاف الإسرائيلي التي أفرزتها عملية «طوفان الأقصى» في أكتوبر 2023م، وما تبعها من ارتباك داخلي وأمني.
ثالثًا: التحليل العسكري الفني للعملية.. إسرائيل حققت المفاجأة الإستراتيجية
في الحقيقة كان الهجوم الإسرائيلي بمنزلة عمل هجومي مفاجئ في التوقيت والمكان، وتم على أعلى مستويات التكامل بين الاستخبارات، والوحدات السيبرانية، والطيران الشبحي.
يمكن القول إن الضربات الإسرائيلية حققت إلى حدٍ كبير المفاجأة الإستراتيجية، وهي شبيهة بما حصل لمصر في يونيو ١٩٦٧م من ضرب لقواتها الجوية وإصابتها بالشلل، ولكن على نطاق أخف. لم تُسمع أصوات المضادات الإيرانية، ولم تُرَ صواريخ الاعتراض، ولم تخرج طائرات الدفاع الجوي. احتمال أن تكون الهجمات السيبرانية قد عطلتها مسبقًا، وجعلت السماء الايرانية مفتوحة بالكامل للطائرات الإسرائيلية، بمعنى أنها حققت ما يسمى بالسيادة الجوية، وهو الشرط الضروري في بداية كل حرب. لقد عبر الطيران الإسرائيلي إلى قلب العمق الإيراني بسلاسة دون أن ترد الدفاعات الصاروخية الإيرانية، التي يصفها الإيرانيون بالقوة والكثافة، وأنها تشكل دفاعًا متعدد الطبقات ضد أي اختراق جوي معادٍ.
حسب مراحل القصف الجوي، من المؤكد أنه تم تعطيل شاشات الرادارات الإيرانية قبل ساعات من الهجوم أو حتى أيام. حسب الحروب الحديثة كان الهجوم الجوي الإسرائيلي مسبوقًا باختراق إلكتروني، وعمليات تشويش وتظليل إلكتروني واسع النطاق، تم فيه تعطيل شبكة الاتصالات العسكرية، وأنظمة القيادة والسيطرة، بل وربما تم حقن «بيانات مغلوطة» داخل الأنظمة الرادارية الإيرانية ونظام القيادة والسيطرة، لتبدو الأجواء هادئة، بينما كانت الطائرات الشبحية تحلّق على ارتفاع منخفض في قلب الأجواء الإيرانية.
هذه هي الحرب الهجينة بكل تجلياتها: مزيج بين اختراق سيبراني، وتخدير استخباراتي، وتشويش على الرادارات، وتنسيق دقيق بين وحدات الحرب الإلكترونية والطيران القتالي.
يمكن وصف الضربات الجوية بأنها كانت شبحية بما حقق المفاجأة الإستراتيجية، فالمقاتلات التي استخدمتها إسرائيل وعلى رأسها F-35I «أدير»، لا تُرى بالرادارات التقليدية خصوصًا إذا كانت تلك الرادارات معطلة أو مشوشة إلكترونيًا. هذه الطائرات صُمّمت لقتل العدو دون أن تُشاهَد. ومع وجود منظومات إطلاق صواريخ بعيدة المدى، لم تكن الطائرات نفسها بحاجة حتى للدخول إلى عمق الدفاعات، بل نفّذت الهجوم من مدى آمن بعد أن تم تمهيد الطريق سيبرانيًا.
إيران على الرغم من امتلاكها منظومات دفاع جوي مثل S-300 و«باور 373» تعاني من خلل هيكلي في التكامل بين عناصرها، من رادارات، وقاذفات صواريخ، ومركز التحكم، وضعف في التنسيق المعلوماتي، وغير مندمجة مع بعضها والعمل بشكل مستقل. ولذلك فعندما ضُرب مركز القيادة والسيطرة أو شُوش عليه، تعطّلت كل المنظومة بالكامل، وأصبحت لا ترى الأهداف الجوية، وهذا ما يسمى بالإحباط الإلكتروني
لوحظ أيضًا بأنه في الجانب الإيراني كان هناك غياب للتنسيق الفوري بين وحدات الرصد للأهداف، والتحليل والقرار بين وحدات الدفاع الجوي والقواعد الجوية، فليس لدى إيران نظام إنذار مبكر متكامل، وتمييز للأهداف وتتبع حركاتها من مديات بعيدة؛ هذا ما جعل الرد والاستجابة للهجوم الإسرائيلي بطيئة، أو حتى مشلولة بالكامل.
الأخطر من الضربات ذاتها هو ما سبقها من تخدير استخباراتي. فإسرائيل راقبت لسنوات وزرعت عملاء، وشنّت هجمات سيبرانية تجريبية، واختبرت الدفاعات، وحرّكت أهدافًا وهمية حتى باتت تعرف متى يكون النظام في أضعف لحظاته. بمعنى أن الدفاع الجوي الإيراني أصبح كتابًا مفتوحًا لدى الاستخبارات الإسرائيلية. هذا كله ما جعل في يوم الضربة القيادة الإيرانية في جاهزية عسكرية ضعيفة، واستعداد قتالي غير متكامل. نجحت خطت الـ«تشتيت إستراتيجي» الذي أعدته تل أبيب بعناية.
أخيرًا، فإيران طبقت إسرائيل عليها مفهوم الحرب الذكية، من تكامل معلوماتي، ورصد استخباراتي، وحرب إلكترونية، وطائرات شبحية، بتنسيق وإعداد متكامل ودقيق.
في الوقت ذاته كشف هذا التصعيد الإسرائيلي أن إيران ما زالت تسير وفق عقائد قتالية قديمة جدًا، وأن معداتها الدفاعية قديمة وغير مندمجة أو مترابطة مع بعضها وغير متكاملة. يضاف إلى ذلك، غياب القيادات الإيرانية الذكية والإستراتيجية القادرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب. الأهم من ذلك هو ردة الفعل الإيرانية البطيئة جدًا تجاه المهددات الجوية، وضعف قدرتها على المراقبة الجوية والرصد والتتبع والإنذار المبكر والاشتباك مع الأهداف. بمعنى أن إيران ظهرت وكأنها نمر من ورق!.
رابعًا: تداعيات الهجمات وردود الأفعال الإيرانية
تسارعت ردود الأفعال الإيرانية التي أدانت العملية الإسرائيلية ضد المنشآت الإيرانية، وأبدت العديد من الدول مخاوفها من أبعاد وتداعيات هذه الهجمات على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
1. موقف المرشد
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي توعد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، إسرائيل برد قوي، وقال في رسالة موجهة للشعب الايراني: «أيها الشعب الإيراني العظيم، أقدم الكيان الصهيوني فجر اليوم على ارتكاب جريمة، ومدّ يده الآثمة والملطخة بالدماء إلى داخل بلدنا العزيز، كاشفًا أكثر من أي وقت مضى عن طبيعته الخبيثة، عبر استهدافه للمناطق السكنية”. مضيفًا: “يجب أن ينتظر هذا الكيان عقابًا شديدًا. اليد القوية للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية لن تتركه وشأنه، بإذن الله».
وتابع خامنئي: «في هجمات العدو، نال عدد من القادة والعلماء شرف الشهادة، وسيواصل خلفاؤهم وزملاؤهم مهامهم فورًا، بإذن الله”، مؤكدًا أنه من خلال “هذا العمل الإجرامي، رسم الكيان الصهيوني لنفسه مصيرًا مريرًا ومؤلمًا، وسيتلقاه حتمًا».
2. هيئة الأركان للقوات المسلحة
من جهته قال المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي، إن «القوات المسلّحة سترُدّ حتمًا على هذا الهجوم الصهيوني»، مشدّدًا على أنّ إسرائيل «ستدفع ثمنًا باهظًا وعليها انتظار ردّ قويّ من القوات المسلّحة الإيرانية».
3. وزارة الخارجية
بدأت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية تعبئة نفسية للشعب الإيراني، محذرة من حرب طويلة ومطالبة بالثبات والصبر، فيما قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن العدوان الاسرائيلي يشكل انتهاكًا صارخًا للبند الثاني من المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، مؤكدًا أن الرد عليه حق قانوني ومشروع لإيران بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
من جهة أخرى أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن أوامر صدرت بتعيين قائد عام للحرس الثوري الإيراني، ورئيس لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، خلفًا للقائدين العسكريين اللذين قتلا في الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة. حيث أفادت وسائل إعلام إيرانية بأنه تم تعيين الجنرال أحمد وحيدي قائدًا عامًا للحرس الثوري خلفًا لحسين سلامي، وتعيين الأدميرال حبيب الله سياري رئيسًا لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية.
بالمجمل، حاول النظام الإيراني من خلال ردوده استيعاب الهجمات، واستعادة المبادرة، وذلك من خلال عدد من الخطوات أهمها:
4. التأكيد على الرد
أكدت إيران على لسان المرشد والرئيس والقوات المسلحة على الرد على الهجوم الإسرائيلي، وأن هذا الرد لن يكون كسابقه، وقالت وزارة الخارجية في بيان إن «الرد على هذا العدوان هو الحق القانوني والمشروع لإيران بناء على البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة»، وأكد المتحدث باسم هيئة الأركان على الرد الإيراني، ويشير ذلك إلى الإجماع الداخلي على «الرد المؤلم على إسرائيل».
5.ملء الفراغ
خلال ساعات قام المرشد بتعيين حبيب الله سياري قائدًا مؤقتًا للأركان العامة للجيش الإيراني، خلفًا لمحمد باقري، واللواء أحمد وحيدي قائدًا للحرس الثوري خلفًا لحسين سلامي، ويشير ذلك إلى رغبة سريعة في ملء الفراغ الحادث في مراكز القيادة، واستعادة السيطرة، والاستعداد السريع للرد، ومن المعلوم أن الرجلين لديهما سيرة عسكرية طويلة، كما أن لديهما مواقف سابقة بضرورة الهجوم على إسرائيل.
6.استعادة زمام المبادرة والقدرة على الرد
أعلن الجيش الإسرائيلي بأن إيران بدأت الهجوم المضاد بنحو 100 مسيرة، وأنها تتعامل معها، ويبدو أن إيران قد بدأت في الرد من أجل احتواء الخسارة الفادحة، وتأثيرها المعنوى السلبي في الداخل، وعلى مستوى النظام والقوات المسلحة التي فقدت قيادتها، إضافة إلى أخذ زمام المبادرة وعكس الهجوم، ودفع إسرائيل نحو الدفاع بدلًا من استمرار الهجمات على الأراضي الإيرانية.
لذلك، والت إيران ضرباتها ضد مواقع اسرائيلية مدنية وغير مدنية في 6 موجات من الهجمات بالمسيرات والصواريخ الباليستية الحقت خسائر غير متوقعة في إسرائيل، وذلك ربما لبث الرسائل لإسرائيل بأن نظرية النصر المطلق التي يتحدث بها نتانياهو لم تتحقق، ولم ترضخ إيران للمعادلة التي رسمها نتانياهو لها على الصعيد الإقليمي، وأعلن الجيش الإيراني عن نيته إطلاق نحو 2000 صاروخ في الموجة القادمة، ومضاعفة الهجمات الصاروخية ل 20 ضعف، ما يعد مؤشر على تصعيد إيراني مستمر يقابله تصعيد إسرائيلي راح نحو المواقع المدنية الإيرانية ومنصات لإطلاق الصواريخ الإيرانية لشل قدرة ايران على إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل.
رتبت الضربات الإيرانية لمواقع مختلفة في اسرائيل خسائر متعددة لدى الجانب الإسرائيلي، عبر عنها السفير الأمريكي في تل أبيب مايك هوكابي بقوله أن إسرائيل عاشت ليلة قاسية مضيفًا أنه اضطر إلى التوجه إلى الملاجئ 5 مرات خلال الليل نتيجة الضربات الإيرانية، وأكدت إسرائيل مقتل 3 أشخاص وإصابة 90 خص بينهم اصابات بالغة في القصف الصاروخي، الذي استهدف مناطق واسعة من تل أبيب وريشون لتسيون ورمات غان والقدس ،كما لا يزال عدد من المحاصرين تحت أنقاض المباني المنهارة في تل أبيب، وانهارت نحو 9 مبان بالكامل في رمات غان، وتضررت مئات المباني بينها مباني من 32 طابق ومباني من 50 طابق، كما دمرت الهجمات الإيرانية عشرات المركبات والبنى التحتية، ما أسفر عن نزوح مئات الاشخاص من منازلهم، وهنا تركز الضربات الإيرانية على المواقع المدنية لإدراكها مدى تأثيرها في الداخل الإيراني على نتانياهو وحكومته، لكون المدنيين هم من دفعوا فاتورة الحرب في غزة، ويعانون شديد العناء ويطالبون نتانياهو بعقد صفقة وانهاء الحرب مع حماس لسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وإيران تدرك هذه النقطة ومدى تأثير المدنيين على نتانياهو.
7.التراجع عن الهجوم على واشنطن
بعدما كانت التصريحات الإيرانية شديدة اللهجة ضد واشنطن، ولا تفرق بينها وبين إسرائيل، وأن الرد سوف يشمل الولايات المتحدة، فقد تراجعت إيران وقيادتها عن هذه التصريحات، وبدأت تركز في تصريحاتها على إسرائيل، وذلك من أجل تجنب توسيع المواجهة مع واشنطن، إذ إن دخول واشنطن على خط الحرب قد يكون تأثيره كبير على إيران وعلى النظام، وبضرورة تفوق ما قامت به إسرائيل.
خامسًا: ردود الأفعال الإقليمية والدولية
1. بيان الخارجية السعودية
في بيان لوزارة الخارجية السعودية، سارعت الوزارة إلى الإعراب عن إدانة المملكة العربية السعودية واستنكارها الشديد للاعتداءات الإسرائيلية السافرة، تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، التي تمس سيادتها وأمنها وتمثل انتهاكًا ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية، مؤكدة أن على المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤولية كبيرة تجاه إيقاف هذا العدوان بشكل فوري.
حتى الآن، اتسم الموقف السعودي بكونه موقفًا محايدًا، ولكنه حاسم تجاه التصعيد الإسرائيلي–الإيراني الأخير، مع دعوات سعودية للتهدئة وعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة، في انسجام مع نهجها الدبلوماسي الحذر منذ تهدئة التوترات مع إيران في 2023م برعاية الصين.
2. ردود الفعل الأمريكية
كانت منوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي قال: إن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربات «الأحادية الجانب»، التي شنتها إسرائيل ضد إيران، مشيرًا إلى أن إسرائيل اتخذت إجراءً أحادي الجانب ضد إيران، وأن الولايات المتحدة ليست متورطة في ضربات ضد إيران. موضحًا أن الأولوية القصوى هي حماية القوات الأمريكية في المنطقة”. وأضاف روبيو في بيانه: «أبلغتنا إسرائيل بأنها تعتقد أن هذا الإجراء كان ضروريًا للدفاع عن النفس. وقد اتخذ الرئيس ترامب وإدارته جميع الخطوات اللازمة لحماية قواتنا والحفاظ على التعاون الوثيق مع شركائنا الإقليميين». وقال “دعوني أكون واضحًا: لا ينبغي لإيران أن تستهدف المصالح أو الأفراد الأميركيين”. كما حذّر الرئيس الأمريكي من أن على إيران أن تعود إلى المفاوضات، محذرًا بأن الهجمات المقبلة المخطط لها ستكون أكثر تدميرًا.
لكن على ما يبدو أن هناك مؤشرات سبقت الهجمات، تعطي انطباعًا بوجود تنسيق أمريكي إسرائيلي بشأن الضربة؛ إذ عقد ترامب اجتماعًا طارئًا لمجلس الأمن القومي مطلع الأسبوع الحالي في منتجع كامب ديفيد، وبعد الاجتماع أجرى ترامب اتصالًا مطولًا بنتياهو، وجاءت هذه التطورات في ظل تعثر المفاوضات النووية، وإصرار إيران على تخصيب اليورانيوم على أراضيها، ومن ثم حرب التصريحات بين طهران وواشنطن، وسيطرة أجواء من التشاؤم على المفاوضات، وذلك في ظل قرب انتهاء مهلة الشهرين التي وعد بها ترامب لتوقيع الاتفاق، ووصول أخبار إلى واشنطن بأن إسرائيل تسعى للتحرك منفردة، وسحب واشنطن مواطنيها من المنطقة. ربما رغبت واشنطن في النأي بنفسها عن المشاركة المباشرة في الهجوم، وذلك من أجل استخدام الهجوم كورقة ضغط في المفاوضات التي قد تعقد كما هو مقرر لها يوم الاحد 15 يونيو في مسقط.
3. إدانة الأمم المتحدة
في بيان صدر من المتحدث الرسمي للأمم المتحدة، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “التصعيد العسكري” من قبل إسرائيل في الشرق الأوسط. وقال البيان إن الأمين العام “قلق” من تصرف إسرائيل “في الوقت الذي تجري فيه المحادثات بين إيران والولايات المتحدة حول وضع البرنامج النووي الإيراني”. كما طالب الأمين العام الجانبين التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتجنب الانزلاق إلى صراع أعمق، وهو وضع لا يمكن للمنطقة تحمله”.
4. ردود فعل دولية متفرقة
صدرت عدة إدانات دولية من دولة الإمارات، وجمهورية مصر العربية، وعمان، والأردن، وإندونيسيا، واليابان، والعراق، وبريطانيا، وكذلك أدانت كل من الصين وروسيا الضربة الإسرائيلية الأولية على إيران، واعتبرتاها عملًا خطيرًا يزيد التوتر في المنطقة، في إشارة غير مباشرة إلى الضربات الإسرائيلية داخل إيران أو عبر أجواء دول أخرى. لكنهما في المقابل لم تشجعا الرد الإيراني، بل دعتا إلى ضبط النفس والامتناع عن خطوات قد تؤدي إلى حرب واسعة. هذا الموقف من كل من بكين وموسكو منبعه أن استمرار التوتر سيضعهما أمام اختبار لقدرة تأثيرهما كوسطاء في تهدئة هذا التصعيد؛ فروسيا التي تخوض صراعًا في أوكرانيا، تسعى إلى تثبيت حضورها في الشرق الأوسط دون انخراط في جبهات جديدة. في المقابل، تحرص بكين على الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية القوية مع كل من إيران وإسرائيل، وبالتالي فهي تتجنب الانحياز في مثل هذه المواقف.
سادسًا: التداعيات على سير المفاوضات النووية
كان من المقرر أن يعقد المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الجولة السادسة من المحادثات النووية في مسقط بسلطنة عُمان يوم الأحد، إلا أن الشكوك الآن تحوم حول إتمام هذه الجولة، فيرى بعض المراقبون أن الضربة الموجعة التي تعرضت لها إيران جراء هذه الهجمات ستعقد مسألة العودة للمفاوضات قريبًا؛ حيث تتهم إيران الولايات المتحدة بأنها مساندة وراضية عن الضربة الإسرائيلية، كما أن التهديدات الإسرائيلية بعملية مستمرة ضد المواقع الإيرانية، قد تستمر لمدة أسبوعين، بحسب التقديرات لبعض المسؤولين الإسرائيليين.
أما سلطنة عمان ومن خلال إدانتها للهجمات الإسرائيلية، وبصفتها وسيطًا في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، فقد اعتبرت هذه الهجمات “تصعيدًا خطيرًا” يهدّد الجهود الدبلوماسية. وقالت السلطنة في بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية إنّ مسقط “تُحمّل إسرائيل المسؤولية عن هذا التصعيد وتداعياته، وتدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح وحازم لوقف هذا النهج الخطير، الذي يهدّد بإقصاء الحلول الدبلوماسية، وتقويض أمن واستقرار المنطقة”.
وفي ظل الأنباء المتسارعة، تُشير بعض التقارير إلى أن إيران تبحث فكرة الانسحاب من المفاوضات النووية.
سابعًا: السيناريوهات المحتملة للتصعيد العسكري المباشر المتبادل
على ضوء المعطيات السابقة والاهداف الحقيقية لإسرائيل من الهجمات، التي يبدو أنها موجهة تجاه النظام الإيراني ذاته بشكل كبير، وأنه إما البقاء في الحكم دون المضي في تصنيع القنبلة النووية والقبول بالاشتراطات الأمريكية والمطالب الإسرائيلية في إيقاف تخصيب اليورانيوم بشكل كلي، وعدم امتلاك القنبلة النووية، أو القضاء على النظام الإيراني ذاته، يتضح ذلك من طبيعة الاستهدافات الإسرائيلية لكبار الشخصيات العسكرية المقربة من النظام الإيراني، ومع رفض إيراني للاشتراطات الأمريكية وردها على الهجمات بإرسالها عدد كبير من الصواريخ والطائرات المسيرة، اعترضت بعضها خارج الحدود الإسرائيلية وسقط عدد من الصواريخ داخل إسرائيل مما تسبب في عدد من الاصابات وتدمير عدد من المنازل وحالة هلع بين السكان، يمكن تحديد السيناريوهات التالية:
1. تأكيد قوة الردع لمتبادل: من خلال الهجمات والهجمات المضادة مع إمكانية الاحتواء، حيث يتضح من طبيعة الهجمات واستهدافاتها، وكذلك من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وخصوصًا تصريحات نتانياهو، أن الهجمات الإسرائيلية المنفذة بحق إيران هجمات أولية «افتتاحية»، ما يعني أنه ستكون هناك هجمات إسرائيلية متتالية ضد أهداف إيرانية لحين تحقيق الهدف الإسرائيلي الأسمى، ما يفسر بالفعل بدء إسرائيل ضربات جديدة ضد إيران قرب مطار تبريز شمال غربي إيران، وفي المقابل ستستمر إيران في ردها على الهجمات الإسرائيلية من خلال المسيرات والصواريخ الباليستية ضد الأهداف الإسرائيلية، على غرار ما جرى في عمليتي «الوعد الصادق 1» و«الوعد الصادق 2»، لكن هذه المرة ستحتاج إيران إلى إحداث ضرر بالأصول الإسرائيلية يرد لها اعتبارها ويكون بمنزلة ردع لإسرائيل، وإلا فإن أي ضربة غير ناجحة سوف تشجع إسرائيل على مواصلة هجماتها، وربما استهداف مزيد من الأصول النووية والقيادات المهمة في النظام.
يتوقف تحقق هذا السيناريو على طبيعة الرد الإيراني، وما إذا كان بالقدر المتواصل وحالة من الاستمرار الذي يجبر إسرائيل على إعادة النظر في حساباتها تجاه إيران، أم أنها ستكون ضربات محدودة ضعيفة مثل سابقتها، تزيد من شهية إسرائيل في تقديم مزيد من الضربات للمواقع الإسرائيلية؟ وربما يتحقق ذلك السيناريو بجهود وساطة إقليمية وخليجية، والحيلولة دون اتساع نطاق الحرب؛ لكارثيتها على أمن المنطقة برمتها، وخصوصًا في ضوء المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية السعودي مع نظيره الإيراني لخفض التصعيد، والحديث لاحقًا مع نظيريه المصري والأردني، للتباحث حول تداعيات هذا الحدث، وتواصل سمو ولي العهد السعودي مع عدد من القادة الدوليين للتهدئة.
2. الرضوخ الإيراني أمام القوة الإسرائيلية: بمعنى أن تقبل إيران بالمعطيات الإقليمية الجديدة، وبتفوق إسرائيل العسكري والتكنولوجي، وعدم قدرتها على كسب المعركة مع إسرائيل، لا سيما في حالة الضعف التي تمر بها على مختلف الأصعدة، وضعف أذرعها الإقليمية التي أنهكتها إسرائيل في جولات تصعيدية سابقة، وهنا ينزل النظام الإيراني عند الاشتراطات الإسرائيلية والأمريكية، وهو ربما هدف أمريكي إسرائيلي من الضربة الإسرائيلية الراهنة،بأن تقبل إيران بمطلب وقف تخصيب اليورانيوم كليًا، إلا أن إيران أعلنت أنها لن تذهب مائدة المفاوضات في الاجتماع المفترض عقده الأحد الموافق 15 يونيو 2025م. ولعل ذلك ما يفسر تصريح الرئيس ترامب بعد بدء الهجمات بأنه يأمل من إيران المضي نحو المفاوضات القادمة، لكن يصعب تحقيق هذا السيناريو، وبالتحديد مع عدم مشاركة إيران في المفاوضات، حتى وإن قبلت بالمعادلة الجديدة، فالسردية الرسمية الإيرانية يتمحور موقفها حول كيفية المشاركة في المفاوضات في ظل تعرض البلاد للهجمات؟ لكن هنا ستزداد شهية إسرائيل في مزيد من إضعاف إيران، تمهيدًا لتغييرات داخلية تمس النظام الإيراني ذاته، ما يعني صعوبة قبول صناع القرار الإيرانيين بذلك الاتجاه.
3. العودة لحروب الظل: خاضت إيران وإسرائيل حرب ظل طويلة، وقد تفعل إيران قدراتها في هذا الميدان، عبر استهداف السفن الإسرائيلية، أو الهجمات السبرانية، أو حرب الجواسيس، والاغتيالات خارج الحدود، واستهداف المصالح الإسرائيلية، والأصول الدبلوماسية في مختلف انحاء العالم.
4. اتساع نطاق التصعيد دون الحرب الشاملة: بمعنى أن تتسع الجولة الراهنة بمشاركة الأذرع الإقليمية الموالية لإيران، والحديث هنا عن إمكانية انخراط الحشد الشعبي والميليشيات المسلحة في الجبهة العراقية ربما بضرب الأهداف الأمريكية، لا سيما أن إيران اعتبرت الولايات المتحدة وراء الهجمات، وإن تراجعت عن تلك التصريحات، لكنها تدرك أن هجمات قوية بهذا الشكل طالت كبار الشخصيات والعقول العسكرية الرفيعة وأبرز المواقع النووية والعسكرية لا يمكن لإسرائيل أن تقوم بها دون تنسيق مع الولايات المتحدة، كما أن بعض الميليشيات المسلحة في العراق لطالما أعلنت انخراطها في أية تصعيدات تستهدف إيران، كما يمكن مشاركة الحوثيين وربما حزب الله اللبناني في هذا السيناريو.
كذلك يتوقع أن تلجأ إيران إلى تغيير العقيدة النووية، حيث كانت إيران تستخدم برنامجها النووي كورقة ضغط في علاقاتها مع الغرب، لكن بعد هذه الهجمات باتت إيران أمام خيارات جدية، فإما التنازل عن حقها في التخصيب والاستسلام لشروط واشنطن، أو العمل على عسكرة برنامجها النووي من أجل توفير الردع، وذلك بالنظر إلى التكلفة الكبيرة لمثل هذا التنازل.
وربما تلجأ إيران أيضًا إلى إجراءات من شأنها تعطيل حركة الملاحة عبر الممرات البحرية في المنطقة، سواء بصورة مباشرة في الخليج العربي، أو عبر الحوثيين في البحر الأحمر، وذلك من أجل رفع تكلفة الصراع على واشنطن، التي تعتبرها طهران الداعم الرئيس لإسرائيل والقادرة وحدها على الضغط عليها، إذ إن هذا الإجراء قد يؤدي إلى رفع أسعار النفط، وهو في غير صالح واشنطن والقوى الكبرى، وتعتبره إيران ورقة ضغط في يدها، ومن المعلوم أن أسعار النفط قد ارتفعت بمجرد شن إسرائيل الهجوم على إيران.
5. السيناريو الكارثي على المنطقة: التدحرج نحو حرب شاملة ومفتوحة تشارك فيها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران وأذرعها الإقليمية، حال رفضت إيران الرضوخ، ومضيها وأذرعها في توجيه الضربات المتتالية لإسرائيل، وتوجيهها كميات ضخمة من الصواريخ الباليستية النوعية وإدخالها صواريخ باليستية جديدة لمسرح الأحداث، أو استهدافها للقواعد والمصالح الأمريكية بالمنطقة، وعدم تراجع إسرائيل عن تحقيق هدفها الأسمى بعدم القبول بإيران نووية، لا سيما في ظل اللحظة التاريخية السانحة التي لم تتكرر بالنسبة لتل أبيب، وربما يعدها نتانياهو من الضرورات الإستراتيجية التي ينبغي استغلالها تمهيدًا لتغيير النظام في إيران، في ظل مرحلة الضعف التي تمر بها إيران وأذرعها، مع وجود إدارة أمريكية ربما وصلت لحد القناعة بالرواية الإسرائيلية بعدم جدية إيران في توقيع الاتفاق النووي، وأنها تماطل لكسب الوقت لا أكثر، واتضح ذلك في تصريحات الرئيس ترامب بعد المكالمة الهاتفية التي استمرت لـ 45 دقيقة مع نتانياهو، والتي ربما كانت للتنسيق على شكل الضربة الراهنة.
الخاتمة
تلقت إيران ضربة غير مسبوقة وأصبح النظام يواجه تحديًا كبيرًا يجعله أمام اختبار صعب، ونظرًا لأن إيران تملك خيارات محدودة، وقدرتها على كسب هذه المعركة ضعيف، فإنها لجأت إلى تنفيذ ما أسمته بـ «الوعد الصادق 3»؛ من أجل حفظ ماء الوجه، ومحاولة إعادة نوع من الردع والتوازن مع إسرائيل، مع بعث إشارة لواشنطن عن استعدادها للتفاهم والتفاوض، بما في ذلك تخليها عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وواشنطن بدورها قادرة على كبح جماح إسرائيل، وطالما عودنا النظام الإيراني بقدرة كبيرة على المرونة، من أجل تفادي الانهيار وعدم تعريض النظام للخطر، مع ذلك لا نستبعد وجود سوء في التقدير والحسابات، أو التصرف بانفعال، ومن ثم اتجاه طهران نحو توسيع نطاق المواجهة، وتشكيل خطر لإسرائيل، وهو ما قد لا تتسامح معه واشنطن، ويضع النظام الإيراني أمام مواجهة مصيرية قد تكلفه وجوده، ومع أن الورقة النووية ما تزال بيد إيران وقد تندفع نحو تغيير عقيدتها النووية، لكنه لا يبدو أن ذلك سيتم التسامح معه، بل ستكون عواقبه أكبر مما تتصور إيران، واكثر ما تخشاه ايران هو إعادة فرض العقوبات الأممية بموجب آلية الزناد Snapback.
الفارق المهم بين الهجمات الإسرائيلية والإيرانية، هو أن إسرائيل غيرت قواعد اللعبة، وضرباتها ترعاها الولايات المتحدة والغرب، ولازالت مستمرة، أما الضربات الإيرانية تجاه إسرائيل فتبدو امتداد لضرباتها السابقة ولا تعكس تحولاً كبيرًا يعيد توازن الردع والقوة مع إسرائيل، وتؤكد التزامها-حتى الآن-بقواعد اللعبة التقليدية، كما أن ردها ربما تواجهه الولايات المتحدة والدول الكبرى، ولن تدعمه لا روسيا ولا الصين؛ ليكشف ذلك عن طبيعة المعضلة التي تمر بها إيران ونظامها، وسوء تقديراته.