التصعيد العسكري الإسرائيلي-الإيراني (متابعة يومية – 15 و16 يونيو 2025م)

https://rasanah-iiis.org/?p=37722

مقدِّمة

لليوم الثالث على التوالي، تتصاعد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، فمن جانبها تابعت إسرائيل هجماتها مستهدِفةً البُنى النووية والبنية التحتية الإيرانية، فضلًا عن القيادات العسكرية والعلماء النوويين، وفي المقابل حاولت إيران من خلال هجماتها استعادة التوازن الاستراتيجي، من خلال هجمات مضادَّة استهدفت البُنى التحتية والمواقع العسكرية الإسرائيلية. وبينما يسعى الجانبان لرفع التكلفة على الطرف الآخر من أجل إرغامه على التراجع، وعلى الرغم من أنَّ هناك دعوات إقليمية ودولية لإنهاء الصراع، لكن لا يبدو أنَّ هناك تسوية قابلة للتعاطي مع الطرفين حاليًا. يحاول هذا التقرير أن يُلقي الضوء على الصراع والهجمات المُتبادَلة، وتقييمها، ودلالاتها وتأثيرها على مسار الحرب.

أولًا: ديناميات الصراع العسكري وأهداف الأطراف  

شهِدَ اليوم الثالث حتى صباح اليوم الرابع اتّساع نطاق التصعيد العنيف، بين طرفي عمليتي «الأسد الصاعد» الإسرائيلية و«الوعد الصادق 3» الإيرانية، وارتفاع وتيرة تبادُل الضربات في مؤشِّر تصعيدي واضح ضمن ما يُسمَّى بـ«صراع الإرادات»، والضغط لمن سيستسلم أولًا (الهجوم مقابل الهجوم والأهداف مقابل الأهداف)، في تصعيد غير مسبوق وضَعَ المنطقة أمام أخطر تصعيد عسكري منذ عقود، وفتَحَ الباب واسعًا على سيناريوهات شديدة التعقيد؛ وذلك على النحو التالي:

1.  الهجمات والاستهدافات الإيرانية

تكشف الوقائع على الأرض عن تركيز إيراني على استهداف المواقع المدنية بالأساس، منذ بدء التصعيد العسكري المُتبادَل. وخلال اليوم الثالث، شنَّت إيران هجمات عسكرية قوية وغير متوقَّعة ضمن عملية «الوعد الصادق 3»، حيث نفَّذت أربعة موجات من الهجمات بواسطة صواريخ باليستية ونحو 100 مسيّرة، حسب المصادر الإسرائيلية. في الموجتين الأوليتين، أطلقت إيران وابلًا من الصواريخ بنحو 80 صاروخًا للدفعتين في تل أبيب، مع بداية ليل اليوم الثالث، وألحقتها بالموجة الثالثة بنحو 70 صاروخًا في منتصف عصر اليوم الثالث، ولأول مرَّة تنفِّذ خلالها هجمات نهارية، وفي الساعة العاشرة من اليوم الثالث نفَّذت الموجة الرابعة بنحو 30 صاروخًا طالت تل أبيب وحيفا بنحوٍ أكبر، ثمَّ موجة خامسة فجر يوم 16 يونيو أطلقت فيها 100 صاروخ باليستي وفرط صوتي بعددٍ أكبر وذات قُدرةٍ تدميرية كبيرة وبسرعة فائقة، مقارنةً بالجولات السابقة، في عملية غير مسبوقة وصفها الإسرائيليون ذاتهم بالمدِّمرة والمزلزِلة وبغير المسبوقة، وأنَّهم لم يشاهدوا مثل تلك المشاهد المآساوية منذ تأسيس إسرائيل، وتمَّ تداوُل صورها في وسائل الإعلام العالمية. وبذلك، تكون إيران شنَّت 11 هجومًا و370 صاروخًا باليستيًا وفرط صوتي و200 مسيّرة، حسب المصادر الإسرائيلية.

وفيما يلي تفاصيل الأسلحة المُستخدَمة والمواقع المُستهدَفة، خلال الفترة من ليل اليوم الثالث حتى صباح اليوم الرابع:

الصواريخ الباليستيةخيبر شكنصاروخ باليستي بسرعة 9 ماخ -9 أضعاف سرعة الصوت- برأس حربي يزن 500 كجم، ويحلِّق لمسافة تزيد على 1450 كلم.
قدرصاروخ باليستي يحلِّق لمسافات أكبر تصِل لنحو 1900 كلم؛ ما أتاح لإيران إطلاق صواريخ من عُمق أبعد ممّا توقَّعته إسرائيل.
عمادسُمِّي بـ«عماد» تيمُّنًا بعماد مغنية؛ القيادي بحزب الله، الذي اغتالته إسرائيل قبل سنوات، وهو صاروخ أرض-أرض باليستي متوسِّط المدى، بسرعة 11 ماخ، برأس حربي 750 كجم، ويتميَّز بالمناورة
المسيّراتأرشمن أبرز المسيّرات المُستخدَمة ضدّ إسرائيل تُعرَف باسم «الطائرة الشبحية»، وتشبه الطائرة الانقضاضية أو الانتحارية؛ تستطيع الطيران لنحو 2000 كم، وتستطيع الارتفاع إلى 12 ألف قدم؛ ما يعني قُدرتها على التخفِّي من أنظمة الدفاع الجوِّي وإصابة أهدافها، وتحمل متفجِّرات تصِل ل 150 كجم.
شاهد 129مسيّرة تكتيكية متقدِّمة، وتمتلك قُدرة على التحليق لمدَّة تصِل إلى 24 ساعة، وقطْع مسافة تبلغ نحو 1700 كلم، وهو مدى يمكِّنها من الوصول إلى العُمق الإسرائيلي دون الحاجة للتزوُّد بالوقود، وتحمل الطائرة أربعة صواريخ موجَّهة. وقد استخدم الحرس الثوري هذا الطراز في عدَّة ساحات، مثل سوريا والعراق واليمن، لضرب مواقع أمريكية وأهداف استراتيجية.
شاهد 136مسيّرة انتحارية، وتحمل رأسًا حربيًا يزِن ما بين 20 إلى 50 كجم، وهي مسيّرة منخفضة التكلفة؛ ما يسمح بإطلاقها بأعداد كبيرة دفعةً واحدة، على نحوٍ يصعب على أنظمة الدفاع الجوِّي اعتراضها بالكامل، وتطير تلك المسيّرة على ارتفاع منخفض وبسرعة بطيء؛ ما يجعل رصدها أكثر صعوبة، وخصوصًا عند استخدامها بأعداد كبيرة في توقيت واحد.

ومن حيث الأهداف، فقد شمِلَت أهدافًا مدنية، على النحو الآتي:

-الهجمات الإيرانية في الجولة الأخيرة طالت الملاجئ الإسرائيلية في بتاح تكفا؛ ما جعَلَ الإسرائيليين يتحدَّثون عن أنَّ الملاجئ باتت غير آمنة.

-استهداف منازل القادة الإسرائيليين في مناطق متفرِّقة بتل أبيب.

-تدمير منازل ومواقع مدنية عديدة وبنى تحتية واسعة في حيفا، لدرجة حديث الكثير عن احتراق حيفا؛ العاصمة الاقتصادية والاستراتيجية لإسرائيل.

-قصْف مصافي بترول في حيفا، وميناء حيفا؛ أكبر الموانئ التجارية في إسرائيل أكثر من مرَّة.

استهداف مطار بن غوريون.

-تدمير مربَّع سكني كامل في بلدة بيت يام الساحلية جنوب تل أبيب، وتحويله إلى مجرَّد أنقاض، وتشبيه صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حجمَ الدمار في المربع، بما تقوم به إسرائيل ضدّ مربَّعات سكنية كاملة في قطاع غزة.

-قصْف معهد وايزمان للأبحاث في روحوفوت، والذي يُعَدُّ أحد الصروح العلمية المهمَّة للغاية لإسرائيل، ولعِب دورًا كبيرًا في تطوير تقنيات وأبحاث نووية مهمَّة.

-قصْف منشآت للطاقة ومنشآت لإنتاج وقود الطائرات المقاتلة داخل إسرائيل. -استهداف محطَّة الكهرباء في الخضيرة ومسكن عائلة نتانياهو ببلدة قيسارية.

هروب المواطنين للملاجئ في مختلف المُدُن الإسرائيلية.

كما شمِلَت أهدافًا أخرى عسكرية، حيث بحسب الرواية الإيرانية، فإنَّه قد تمَّ قصْف مراكز استخباراتية تابعة لـ«الموساد»، على ما يبدو، ردًّا على مقتل رئيس الاستخبارات في الحرس الثوري محمد كاظمي في ضربات إسرائيلية.

-استهداف شركة رفائيل للصناعات الدفاعية.

وقد أسفرت هذه الهجمات عمّا يأتي:

-بلَغَ عدد القتلى والجرحى خلال اليوم الثالث حتى فجر اليوم الرابع فقط -حسب الصحافة الإسرائيلية- نحو 18 قتيلًا و355 جريحًا؛ ليرتفع العدد الكلِّي للقتلى إلى 21 قتيلًا والعدد الكلِّي للجرحى إلى 450 جريحًا، يضاف لهم 287 جريحًا في الموجة الخامسة الأخيرة، بينهم إصابات خطيرة، وذلك حتى الساعة العاشرة صباحًا لليوم الرابع، لكن مع اتّباع إسرائيل سياسة التكتُّم، لا تبدو القائمة دقيقة.

-بلَغَ عدد المفقودين تحت الأنقاض نحو 35 شخصًا، يُضاف لهم المفقودين في الجولات المتتالية، حسب المصادر الإسرائيلية، وترجع قلَّة عدد المفقودين، عطفًا على عدد المباني المدمَّرة، إلى وجود عدد كبير في الملاجئ.

2. الهجمات والاستهدافات الإسرائيلية

في المقابل، تركِّز إسرائيل على المواقع العسكرية الإيرانية بالأساس، منذ بدء التصعيد العسكري المُتبادَل، وخلال اليوم الثالث، كثَّفت إسرائيل هجماتها ضدّ مواقع إيرانية متفرِّقة بمقاتلات متطوِّرة أبرزها طائرة «إف 35» ومسيَّرات «هيرمس» و«إيتان»، وغيرها. لكن الملاحظ أنَّها استهدفت بالأساس تحقيق هدفين جوهريين: الأول ضرْب منصّات إطلاق الصواريخ الباليستية ومقرّات صناعة تلك الصواريخ؛ لشلّ القُدرة الصاروخية لإيران في نقطة تفوُّقها، مع المُضي في تركيزها على المواقع النووية. والثاني بدء استهدافها لمواقع ومنشآت مدنية، في رسالة لإيران بأنَّ الهدف بالهدف، وأنَّ إسرائيل يمكنها التركيز على المدنيين والمواقع المدنية، حيث ترتَّب على الضربات الإسرائيلية في مناطق إيرانية متفرِّقة:

إذ كشَفَ الجيش الإسرائيلي في صباح اليوم الثالث، عن أنَّه استهدف أكثر من 80 هدفًا إيرانيًا، من بينها مقرّ وزارة الدفاع الإيرانية، ومقرّ المشروع النووي، وأهداف إضافية كان النظام الإيراني يخفي فيها الأرشيف النووي، ليصِل إجمالي عدد الهجمات منذ بدء التصعيد إلى استهداف أكثر من 170 هدفًا، وأكثر من 720 بنية تحتية عسكرية إيرانية مرتبطة ببرنامج طهران النووي، وتفصيلًا على النحو التالي:

أ. قصف المواقع المدنية لأول مرَّة         

-استهداف المنشآت النفطية: قصْف منشأة نفطية في أصفهان ومصفاة تبريز، وحقل بارس الجنوبي الإيراني للغاز الأكبر في العالم -المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل قطاع النفط الإيراني- ما من شأنه رفْع أسعار النفط من جديد، مع ارتفاعه خلال اليومين الأولين من التصعيد بنسبة 7%.

قصْف منطقة ولي عصر التجارية والصناعية، والتي تشهد رواجًا شعبيًا كبيرًا.

-قصْف معهد الطاقة؛ قلْب أبحاث الطاقة في إيران.

ب. حصيلة القتل والجرحى

-وفقًا للتقارير الواردة من المصادر الرسمية الإيرانية، قُتِل وجُرِح خلال اليوم الثالث ما لا يقِلّ عن 93 شخصًا، وبذلك يُقدَّر العدد الإجمالي للخسائر البشرية خلال اليومين الماضيين في إيران بـ 863 شخصًا على الأقلّ.

-مقتل رئيس جهاز الاستخبارات في الحرس الثوري الجنرال محمد كاظمي، واثنين من زملائه.

ج. الاستمرارية في ضرْب الأهداف العسكرية والأمنية

-استهداف مطار مشهد.

-سماع دوي انفجارات قوية للغاية، ارتفعت خلالها ألسنة اللهب بشكل مرعب غرب وشرق طهران، وسط حديث عن استهداف لمراكز حسّاسة، وعلَّق وزير الدفاع الإسرائيلي بأنَّ طهران تحترق.

-قصْف منصّات مسلَّحة مجهَّزة، ومنصّات إطلاق صواريخ أرض-أرض نحو الأراضي الإسرائيلية، وصواريخ أرض-جو، ورادارات رصْد شمال إيران؛ لتعطيل إيران في شنّ غارات صاروخية ضدّ إسرائيل.

-استهداف قواعد عسكرية ومنصّات إطلاق صواريخ والطائرات المسيّرة غرب إيران، كما قصفت مبنى –ضمن مقرّات وزارة الدفاع الإيرانية، ومنشآت الصناعات العسكرية في شيراز وأصفهان.

-ضرْب العديد من مقرّات الشرطة في إيران، من بينها مقرّ قيادة الشرطة في طهران.

-ضرْب مناطق مدنية واسعة في طهران وكرمنشاه وتبريز ومشهد.

د. الاستمرارية في ضرْب الأهداف النووية

-ضرْب بعض المنشآت النووية نطنز وفوردو، حيث أكّد نتنياهو تدمير مفاعل أصفهان، وكذلك قصْف مفاعل بوشهر، ومقرّ القيادة الخاص بالمشروع النووي، واستهدفت مخازن لتصنيع صفائح الوقود.

3. مشاركة أطراف أخرى في الصراع

لجأت إسرائيل إلى سياسة شدّ وتوريط الأطراف الإقليمية في الصراع الدائر مع إيران، وعلى ما يبدو لتوريط الولايات المتحدة بالمشاركة في الحرب، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي مسؤولين حوثيين كبار، بينهم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في محاولة اغتيال باليمن، بالإضافة لوجود أنباء عن مقتل رئيس أركان الحوثيين محمد العماري. لكن يبدو أيضًا أنَّ الحوثي يُدرِك النوايا الإسرائيلية؛ ولذلك لم يرُدّ. وهذا مفَّسَر على ارتفاع التكلفة على نتانياهو، نتيجة الهجمات الإيرانية القوية. كما أعلنت كتائب حزب الله العراقي شروطها للانخراط في التصعيد الدائر بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، وتتمحور حول الانخراط عندما تدخل الولايات المتحدة، حينها يتِم استهداف الأهداف الأمريكية في العراق، وغيرها.

جدول يوضِّح طبيعة بعض الهجمات والأهداف

الأطرافالمواقعطبيعتهاالأهمِّية/الهدف
الهجمات الإسرائيليةمصفاة غاز «بارس الجنوبي»بنى تحتية اقتصاديةداخليًا، إنقاص تدفُّقات الغاز خاصَّةً للمنازل، علمًا بأنَّ غالبية الإنتاج المحلِّي من الغاز يُوجَّه للاستهلاك المنزلي. وخارجيًا، نشْر القلق في أسواق الطاقة، ومحاولة زيادة الضغط على إيران.
استهداف مستودعات النفط في شهران وجنوب طهران، وخزانات وقود في طهرانبنى تحتية اقتصاديةالتأثير على إمدادات الوقود المحلِّية وزيادة الضغط الداخلي وتفاقُم أزمة نقْص الكهرباء محلِّيًا، علمًا بوجود نقْص في إنتاج الكهرباء في إيران قبل بدء الضربات.
ضرب مطار مشهدبنى تحتية اقتصاديةنشْر الذعر والتأثير السلبي على التجارة والسياحة والاقتصاد الإيراني.
محطَّة سِكَك حديدبنى تحتية اقتصاديةاستهداف البنى التحتية لشبكات النقل والمواصلات للتأثير على سير الحياة في الداخل، وزيادة الضغوط الداخلية على النظام الإيراني.
المنشآت العسكرية ومنشآت تابعة لوزارة الدفاع في نوبونياد وباسداران. ومواقع تخزين الصواريخ وإطلاقها، وقواعد الحرس الثوري الإيراني، ومراكز الراداربنية عسكريةالحدّ من قُدرة إيران على التصدِّي للهجمات، وتدمير البنية الصاروخية.
مواقع سكنية ومصانع ومنشآت مدنية في عدَّة مدن منها: طهران والبرز وأصفهان وكرمانشاه وفارس وخراسان رضويمدنيةرفْع التكلفة البشرية للصراع وتقليب الرأي العام الداخلي.
ضرب بعض المنشآت النووية في نطنز وفوردو، ومفاعلي أصفهان وبوشهر، ومقرّ القيادة الخاص بالمشروع النووي، واستهدفت مخازن لتصنيع صفائح الوقود ومعهد الطاقةنوويةالقضاء على البنية التحتية النووية وتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
مراكز الشرطةمؤسسات حكوميةخلخلة الأمن الداخلي.
الهجمات الإيرانيةمنشآت طاقة في حيفا الإسرائيليةبنى تحتية اقتصاديةاستهداف البنية التحتية للطاقة في حيفا، التي تضُمّ ميناءً رئيسيًا كبيرًا، وتُعَدّ أهمّ مدينة اقتصادية لإسرائيل تلعب دورًا مهمًّا في التجارة الدولية والسياحة الإسرائيلية، كما تضُمّ مصافي نفط رئيسية في البلاد.
محطَّة كهرباء في حيفابنى تحتية اقتصاديةاستهداف البنية التحتية للطاقة للردّ على الهجمات الإسرائيلية على منشآت الطاقة الإيرانية، والتأثير على التجارة والسياحة والأمن الداخلي الإسرائيلي.
ميناء حيفا ومطار بن غوريونبنى تحتية اقتصاديةاستهداف البنى الرئيسية للتجارة الإسرائيلية، عبر تركيز الضربات على أهمّ مطار وميناء رئيسي في البلاد.
الملاجئ الإسرائيلية في بتاح تكفامدنيالضغط على الحكومة الإسرائيلية وتقليب الرأي العام.
استهداف منازل القادة الإسرائيليين في مناطق متفرِّقة بتل أبيبمدني/عسكريالردّ على استهداف القيادات الإيرانية.
تدمير منازل ومواقع مدنية عديدة وبنى تحتية واسعة في حيفامدنيالضغط على الحكومة الإسرائيلية وحكومة نتنياهو.
قصْف معهد وايزمان للأبحاث في روحوفوتنوويضرْب البنية التحتية والمراكز المهمَّة وتوازن مع الضربات للمنشآت النووية الإيرانية.
منشآت لإنتاج وقود الطائرات المقاتلةعسكريالحدّ من الهجمات الجوِّية على إيران.

ثانيًا: الأصداء السياسية للحرب في الداخل الإيراني والإسرائيلي

يمكن متابعة ملامح الموقف السياسي بالتوازي مع الصراع العسكري لطرفي الصراع؛ على النحو الآتي:

1. التوجُّهات وردود الفعل الداخلية في إيران

يتصدَّر الحرس الثوري المشهد في إيران على الصعيد العسكري، وفي سياق ذلك أعلن الحرس الثوري عن إطلاق موجات صاروخية وطائرات مسيّرة على إسرائيل، كجزء ممّا أسماه عملية «الوعد الصادق 3»، وأكّدت استمرار العمليات الهجومية بشكل أشدّ وأوسع، حالَ استمرَّت العمليات الإسرائيلية على أراضيه.

لكن على الصعيد السياسي، تُشير التصريحات الإيرانية الصادرة عن مسؤوليها، ومنها تصريحوزير الخارجية عباس عراقجيإلى أنَّها لا تسعى إلى توسيع الحرب، لكنّها سترُدّ. كذلك، أصدر المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية بيانًا أكّد فيه على «حق وواجب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ردٍّ قاسٍ على عدوان الكيان الصهيوني». وفيما يبدو أنَّه بحثٌ عن مخرج طلبَت إيران من قبرص نقْل «بعض الرسائل» إلى إسرائيل، وفقًا لمكتب الرئيس نيكوس خريستودوليديس، الذي أضاف أنَّه تحدَّث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، وكذلك مع قادة مصر والإمارات واليونان، بحسب صحيفة «سايبرس ميل» القبرصية. ولاحقًا، نفت وزارة الخارجية الإيرانية إرسال أيّ رسالة إلى إسرائيل عبر دولة ثالثة.

على صعيد الجبهة الداخلية، أصدرَ الرئيس الأسبق محمد خاتمي بيانًا يدعم فيه النظام الإيراني ضدّ الهجمات «الصهيونية»، إذ يقول فيه: «إنَّ الكيان الصهيوني الإرهابي، الذي فاقَ في شرِّه وجرائمه ضدّ الإنسانية وقتله للبشر، خاصَّةً خلال العامين الماضيين، جميعَ مجرمي التاريخ، قام بعمل إرهابي آخر أدَّى إلى استشهاد عدد من القادة العسكريين البارزين والشخصيات العلمية والاجتماعية في إيران، وبالإضافة إلى ذلك، قتْل عدد من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال»، ثمّ يدعو جميع الدول التي «تنشدُ السلام وسعادة الإنسان»، إلى إدانة إسرائيل بشكلٍ حازم.

في نفس السياق، انتقدَ الأكاديمي صادق زيبا كلام، وهو محسوب على المعارضة، من يساندون إسرائيل من الإيرانيين، قائلًا: «لا أدري كيف لإيراني أن يقِف إلى جانب المعتدي؛ أي الكيان الإسرائيلي وأمريكا، في الوقت الذي يتعرَّض فيه وطننا للعدوان».

مع ذلك، تُلقي الحرب بعبئها على الداخل الإيراني، لا سيّما بعد أن صرَّح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قائلًا: «سُكّان طهران سيدفعون الثمن قريبًا»؛ لهذا شهِدَت العاصمة الإيرانية ازدحامًا مروريًا كبيرًا، لا يزال قائمًا عند مخارج طهران الشمالية نحو بحر قزوين، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا»، وكذلك بعد ضرْب مصافي الطاقة في أكثر من مدينة. كما وثَّقت عدَّة مشاهد اصطفاف السيارات في الشوارع بطهران، هربًا من القصف الإسرائيلي، خصوصًا بعدما توعَّدت إسرائيل بشنِّ المزيد من الضربات، إثر الهجمات الإيرانية، التي استهدفت فجرًا تل أبيب وحيفا، مُوقِعةً 8 قتلى وأكثر من 85 إصابة.

2. مستجدّات الموقف الإسرائيلي وتأثير الهجمات على الداخل الإسرائيلي

اتّسمت التصريحات الإسرائيلية بلهجة تهديدية نحو شنِّ مزيد من العمليات، وجرّ إيران نحو دفْع ثمن باهظ لمقتل مدنيين في إسرائيل، كما ألمحت تصريحات لمسؤوليها إلى أنَّ الصراع قد يدخل مرحلةً جديدة مع احتمال استهداف قيادات عُليا، مثل خامنئي نفسه. وفي سياق ذلك أيضًا، دعا جيش الدفاع الإسرائيلي الإيرانيين الموجودين في منشآت إنتاج الأسلحة، والذين يعيشون على مقربة منها، إلى «عدم العودة حتى إشعار آخر».

ولا تزال إسرائيل تراهن على دخول الولايات المتحدة على خط الصراع؛ من أجل تحقيق هدفها الأسمى المرتبط بالبرنامج النووي، حيث قال السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر: إنَّ الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم، التي تمتلك نوع القنبلة القادر على تدمير منشأة «فوردو» النووية الإيرانية.

وعلى صعيد الجبهة الداخلية، فقد شهِدَت الساحة السياسية الإسرائيلية حالةً من الإجماع حول الضربة، التي وجَّهها الطيران الإسرائيلي إلى عُمق إيران، وتجلَّى هذا الإجماع في تصريحات قادة المعارضة، وفي مقدِّمتهم نفتالي بينيت؛ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، في منشورٍ له على إحدى قنوات التواصل الاجتماعي، حين اعتبر أنَّ «إسرائيل تُنقِذ العالم من إيران نووية». هذا وصرَّح زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أيضًا عن تأييده لقرار الرئيس نتنياهو بضرب إيران في هذه اللحظة، على الرغم من الخلافات السياسية القائمة بين الطرفين.

وعلى الرغم من وجود إجماع شبه تام في المجتمع الإسرائيلي يدعم حكومة رئيس الوزراء نتنياهو في حربها على إيران، وعلى الرغم من تأييد أحزاب المعارضة اليهودية لها، بدأت تتردَّد أصوات مغايرة تحذِّر من الاستمرار في الحرب، وتطالب بالبحث عن سبيل لإنهائها بدلًا من مطالبة الولايات المتحدة بالانضمام لها. من أبرز هذه الأصوات، رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، الذي شغِلَ أيضًا عدَّة مناصب رسمية مهمَّة، منها وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية، كما كان رئيسًا لأركان الجيش.

كذلك، فإنَّ هناك بعض المشكلات، حيث نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أنَّ نحو 40% من ساكني تل أبيب يعيشون في مبانٍ ليس فيها ملاجئ مطابقة للمعايير، وأنَّ عشرات آلاف المباني القديمة في العاصمة غير مجهَّزة أصلًا بهذا النوع من الحماية، وتعاني تل أبيب وحيفا أساسًا من نقْص حاد في الغرف المحصَّنة، في ظل الهجمات الإيرانية العنيفة. وقد نقلت الصحيفة ذاتها عن شهود عيان في العاصمة قولهم إنَّهم «لا يملكون ملجأ، وأن جيرانهم يغلقون أبواب ملاجئهم في وجوههم»، في ظل الاكتظاظ. وتعاني المناطق العربية داخل الخط الأخضر من نقْص في الجهوزية لتحمُّل الرشقات الصاروخية، وذلك نتيجة الإهمال، سواءً من ناحية عدم توفير الملاجئ الكافية أو التمييز الواضح في منظومة الدفاعات الجوِّية الإسرائيلية، التي تتعامل مع البلدات العربية كمناطق مفتوحة، أي مستثناة من الحماية في أوقات الطوارئ، فضلًا عن استهتار المواطنين العرب بتعليمات الجبهة الداخلية.

ثالثًا: مواقف وتوجُّهات القُوى الإقليمية والدولية

لا يزال صدى الحرب الإيرانية-الإسرائيلية يتردَّد في العواصم العالمية والإقليمية، ويمكن رصْد أهمّ المواقف، على النحو الآتي:

1. مواقف القُوى الإقليمية:

أهمّ هذه المواقف:

أ. موقف دول الخليج: جدَّدت العديد من دول الخليج إدانتها الراسخة تجاه أيّ عدوان من كلا الطرفين، مشدِّدةً على أهمِّية تفعيل قنوات الوساطة والتحرُّك الدبلوماسي؛ لتفادي الانزلاق نحو مواجهة أوسع.

ب. موقف تركيا: أبدت تركيا تحرُّكًا دبلوماسيًا واضحًا على خط التصعيد الإسرائيلي-الإيراني، إذ أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مكالمات هاتفية مع كُلٍّ من رئيسي سوريا وعُمان. وقال مصدر في وزارة الخارجية التركية لـ«رويترز»، إنَّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أبلغ نظيره الروسي سيرجي لافروف، أنَّ السبيل الوحيد لحل الصراع «المُقلِق» هو ​​الدبلوماسية.

2. موقف القُوى الدولية:

أ. موقف الولايات المتحدة: اتّخذت الولايات المتحدة موقفًا متوازنًا، ما بين توجيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرًا لإيران من أنَّ أيّ هجوم من إيران على مصالح أمريكية سيسبِّب ردًّا عسكريًا بمستويات لم تُشهَد من قبل، وما بين نفي المسؤولية المباشرة عن الضربات، مع دعمها لإسرائيل، وإبقاء الخيار الدبلوماسي قائمًا على الرغم من التوتُّر، حيث قال ترامب أيضًا: إنَّ بلاده تأمل في «وصول طهران وتل أبيب إلى اتفاق قريبًا». وقال مسؤولان أمريكيان لـ«رويترز»: إنَّ الرئيس ترامب عرقل خلال الأيام القليلة الماضية اقتراحًا إسرائيليًا لاستهداف خامنئي وقتله.

ب. موقف الصين: لم تَصدُر مواقف مستجِدَّة عن الصين خلال هذه الفترة، لكن تداولت العديد من المواقع الإخبارية -إن صحَّت- وصول مساعدات عسكرية صينية لإيران.

ج. موقف روسيا: لا يزال الموقف الروسي يتّسِم بإرسال تحذير من خطر تصعيد شامل، إذأصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا في 15 يونيو، تعبِّر فيه عن القلق الشديد من انزلاق الشرق الأوسط نحو حربٍ شاملة، ووصفت الهجمات بأنَّها غير مقبولة، داعيةً الطرفين إلى الامتثال لضوابط القانون الدولي. كذلك عرضت موسكو وساطات مباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، إذأجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مكالمات هاتفية في 14 و15 يونيو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ولاحقًا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ حيث نقَلَ استعدادهُ لتقديم وساطة فاعلة، مشدِّدًا على وجوب حل الملفات، خاصَّةً النووي الإيراني، عبر الدبلوماسية فقط.

د. المواقف الأوروبية: وسط تصاعُد التوتُّرات الإقليمية، برَزَ الموقف الألماني في اليوم الثالث من التصعيد، كمحاولة لإحياء القناة الدبلوماسية المشروطة، إذ صرَّح وزير خارجية ألمانيا يوهان فاديفول عن استعداد بلاده، بجانب فرنسا وبريطانيا، لعقد مفاوضات فورية بشأن البرنامج النووي الإيراني، بجانب ذلك اعتبر فاديفول أنَّ احتمالية تهدئة التصعيد الإسرائيلي على إيران مربوطة بشرط أساسي، وهو «ألّا تشِّكل إيران أيّ خطر على المنطقة، أو على دولة إسرائيل، أو على أوروبا»”، وتعكس هذه الصيغة شبه توافق أوروبي على استعادة الدور الأوروبي (E3) كمحاور فاعل، بعيدًا عن التفرُّد الأمريكي في الملف النووي الإيراني وفي التهدئة الإقليمية.

رابعًا: مسار الصراع واتّجاهات التصعيد وتأثيراتها

بالنظر إلى التطوُّرات الخاصّة بالصراع، يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط الأساسية:

1. تصميم إسرائيلي على التصعيد ورغبة في توريط واشنطن

تحاول إسرائيل أن تكثِّف من ضرباتها وهجماتها مستهدِفةً تحقيق عدَّة أهداف، وهي تدمير البرنامج النووي الإيراني، أو على أقلّ تقدير إخراجه عن الخدمة لأطول وقتٍ ممكن. لكن على ما يبدو أنَّها وحدها غير قادرة على تحقيق هذا الهدف بصورة حاسمة، لذلك هي تتطلَّع إلى التدخُّل الأمريكي؛ فبدون مشاركة أمريكية من الصعب تحقيق هذا الهدف. إلّا أنَّه -على ما يبدو- أنَّ الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة غير مستعدَّة للتدخُّل المباشر في الصراع، بل إنَّها تحاول أن تُظهِر ذلك؛ تفاديًا لعدم شنّ إيران هجمات على المصالح الأمريكية، ورُبَّما تعزِّز رسائل الجماعات المسلَّحة العراقية باستهداف القواعد والمصالح الأمريكية إذا هاجمت إيران من وجهة نظر واشنطن.

2. محاولة إيران خلْق توازُن مع الرغبة في وقْف الحرب

بينما تصعِّد إسرائيل، فإنَّ إيران نجحت في أن تأخذ استعادة القُدرة على الردّ وأن تحسِّن من صورتها، التي تدهورت خلال اليوم الأول للحرب، حيث كانت هجماتها مؤلمة على الجانب الإسرائيلي. وعلى ما يبدو أنَّ «الوعد الصادق 3» مع اليوم الثالث، كشفت عن وجود خيارات إيرانية، وقُدرة على التأثير على مسار الصراع بتكبُّد الجانبين الإيراني والإسرائيلي خسائر فادحة من هذا الصراع، سواءً بشرية أو مادِّية. لكن تبدو إيران أكثر قُدرة على استيعاب خسائرها من إسرائيل، حيث لم يعتَد المجتمع الإسرائيلي على هذه الضغوط والخسائر منذ فترة طويلة، ومع ذلك فإنَّ إيران تترك الباب مواربًا أمام الدبلوماسية، ومنفتحة على أيّ وساطات أو محادثات لوقف الحرب.

3. أوراق قوَّة ومحور مستعدّ للانخراط

لا شكَّ أنَّ الضربات الإيرانية في 16 يونيو 2025م على تل أبيب وحيفا، هي الأشدّ منذ بدء الحرب وأكثر تدميرًا؛ نتيجة عدَّة عوامل، من أبرزها: أنَّ الصواريخ التي أُطلِقت على تل أبيب وحيفا تُستخدَم للمرَّة الأولى، وأنَّها أنهكت منظومة الدفاع الجوِّي الإسرائيلي؛ ما تسبَّب في خلل فنِّي في البعض منها نتيجة كثافة التصدِّيات للصواريخ الإيرانية منذ بداية الهجوم الإيراني. إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الضربة التي تعرَّض لها محور إيران الإقليمي، غير أنَّه قد يدخل على خط المعركة في أيّ مرحلة، ولهذا بدأت إسرائيل تنقل بعض من قوّاتها العاملة في غزة لحدودها الشمالية؛ خشية تدخُّلٍ من حزب الله او عبر الجبهة السورية، وهذا لم يكُن ليحدُث لولا وجود مؤشِّرات أو معلومات لدى إسرائيل باحتمال تحرُّك هذه الجبهات لإسناد إيران.

4. حسابات معقَّدة أمام إيران

من الناحية الاستراتيجية، قد تستنفد إيران مخزونها الاستراتيجي من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية على المستوى القريب، أمّا بالنسبة للدفاعات الإسرائيلية، فقد اتّضح أنَّها لن تستطيع التصدِّي للكم الكبير من الصواريخ الإيرانية إذا ما استمرَّت كثيرًا، ليبقى المجال الجوِّي هو الأمر الحاسم بالنسبة لإسرائيل في ظل ضعْف الدفاعات الجوِّية الإيرانية والتفوق الجوِّي العسكري الإسرائيلي. لهذا، على الرغم من أنَّ إيران نجحت في استعادة بعض التوازن في المواجهة مع إسرائيل من أجل قُدرتها على إلحاق خسائر بشرية ومادِّية مؤثِّرة، من خلال الضربات الصاروخية المؤثِّرة في الداخل الإسرائيلي، لكن إسرائيل لا يزال لديها التفوُّق، بعدما نجحت إلى حدٍّ كبير في تحقيق السيادة الجوِّية، ونجحت في صدّ العديد من الهجمات الصاروخية الإيرانية.

5. هجمات أوسع على البُنى التحتية

تُشير المواجهات خلال اليوم الأخير إلى أنَّ الجانبين قد كثَّفا هجماتهما على البنى التحتية، فمن جانبها وسَّعت إسرائيل من بنك أهدافها، بما في ذلك الأهداف المدنية ذات الطابع الاقتصادي؛ وذلك من أجل التأثير على الرأي العام الداخلي، وهو ما يصُبّ في هدف إسرائيل في تغيير النظام. لكن رهان إسرائيل على إحداث تغيير سياسي في إيران على المدى القريب مسألة مشكوك فيها إلى حدٍّ بعيد، إذ يبدو أنَّ النظام الإيراني يستفيد من الأحداث الراهنة في تعزيز شرعيته داخليًا، بعد أن تأزَّمت كثيرًا منذ أحداث «الثورة الخضراء» في 2009م، وباتت على المحك في مظاهرات مهسا أميني في 2022م. وبالتالي، فإنَّ النظام يوظِّف تلك الأحداث ويستغلّها في ترميم صورته في الذاكرة الشعبية والعقل الجمعي للإيرانيين، باعتباره عدوًّا حقيقيًا لما يسمِّيه دومًا «الإمبريالية العالمية»، وأنَّه خصم لدود للإسرائيليين، وأنَّ خلاف الغرب إنَّما هو مع إيران «الحضارة الفارسية» وليس ضدّ الأسلحة النووية وتوجُّهات النظام فقط.

بالمثل، شنَّت إيران هجمات مكثَّفة على البنى التحتية الإسرائيلية؛ وذلك من أجل التأثير على الرأي العام الداخلي، وهي تراهن على انقلاب المجتمع الإسرائيلي على حكومته تحت تأثير هذه الضربات. والواقع أنَّ إيران لا يبدو أنَّها تمتلك بنك أهداف كبير، بالنظر إلى ضعْف إمكانياتها الجوِّية وعدم دقَّة صواريخها.

6. توظيف النظام الحرب لتعزيز الشرعية وإعادة بناء الصورة

 المرجَّح أن تزيد وتيرة الدفاع عن «الدولة الإيرانية» والتترُّس بها وأدبياتها من قبل النُّخَب الثقافية، حتى الأقرب للمعارضة، كلَّما زادت أو توسَّعت الهجمات الإسرائيلية؛ فالهاجس القومي يجمع بين «المتشدِّدين دينيًا» و«المتطرفين قوميًا». ويمكن القول أيضًا إنَّ التعويل على خروج الشعب أو نخبته الثقافية والثورية (كما نطقت به تصريحات مسؤولون إسرائيليون وغربيون) على النُّخبة الدينية الحاكمة بـ«ثورة أو انقلاب» في مثل هذه الظروف، أمرٌ غير مرجَّح، وفقًا للمعطيات الحالية.

7. لا أُفُق للوساطة والدبلوماسية

على الرغم من أنَّ إيران تبدو الطرف الأضعف في هذا الصراع، لكنَّ يبدو أنَّها لن تقبل بفرض شروط أطراف خارجية على قراراها، واستخدام الحرب كوسيلة لإجبارها على تفاهمات دبلوماسية. وكذلك، فإنَّ إسرائيل أمام الفرصة، التي تعتبرها تاريخية، لتحييد خطر إيران وتفوُّقها العسكري وشبكة تحالفاتها الواسعة، فإنَّها لن تتراجع بسهولة، حتى مع وجود بعض الخسائر البشرية. والمجتمع الدولي والقُوى الكُبرى، التي عجِزَت عن وقْف الحرب في غزة على مدار عامين، قد لا يكون لهم تأثير في مسار الحرب الراهن، دون أن يصِل أحد الجانبين إلى أحد أهدافه.

خلاصة: تصعيدٌ مستمرّ وأُفُق محدود للدبلوماسية

وصلت المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى مستوى غير مسبوق من التصعيد، وصراع غير مسبوق على مختلف المستويات، وذلك في إشارة واضحة على التحوُّلات الجيوسياسية، التي تشهدها المنطقة في المرحلة المقبلة. وبالنظر للمجريات، وما حدث في يومي 15 و16 يونيو، يمكن القول إنَّ الصراع على المدى المنظور ليس متّجِهًا نحو اتفاق معيَّن أو هدوء بين الدولتين، بل متّجِهًا نحو المزيد من الضربات المُتبادَلة بين طهران وتل أبيب خلال الأيام المقبلة، واستهداف مواقف استراتيجية ومواقع مدنية في كلتا الدولتان، والخوف من أن يخرج هذا الصراع عن السيطرة، أو يتسبَّب في تداعيات غير محسوبة لكافَّة دول المنطقة، بما في ذلك التسريب النووي، أو امتداد الحرب إلى أكثر من ساحة.

ومع ذلك، قد تكون هناك احتمالية لمبادرة قد تُوقِف الحرب في أيّ وقت، بالنظر إلى المخاوف التي تنتاب القُوى الدولية والإقليمية من تداعيات هذه الحرب، لكن بأيّ ثمن يمكن الوصول إلى هذه المبادرة، ومن سيتحمَّل التكلفة؟

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير