شهِدَت إيران تغيُّرًا رئاسيًا لافتًا بفوز الرئيس «الإصلاحي» الجديد مسعود بزشكيان بمنصب الرئاسة، على خلفية وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطُّم الطائرة غربي إيران. لذلك، تكتسب دراسة ملامح التغيير في السياسة الخارجية لإيران في عهد الرئيس الجديد أهمِّيةً كبيرة؛ لكون إيران فاعلًا إقليميًا مؤثِّرًا في مجريات الشؤون الإقليمية بل والدولية، وتحظى بوزن وثقل جيوسياسي مهم في السياسات العالمية، بحُكم موقعها الجغرافي ومقدراتها الاقتصادية ومواردها البشرية، وتشتبك في العديد من القضايا الإقليمية والدولية المعقَّدة والمؤثِّرة، على صعيد علاقاتها الخارجية.
يطرح فوز الرئيس «الإصلاحي» بعد سنوات من هيمنة «المحافظين» على منصب الرئاسة، عددًا من التساؤلات: ما هي درجة تأثير الرئيس الجديد في أبعاد السياسة الخارجية؛ مضمونها، عملية صُنعها، أدوات تنفيذها، نتائجها؟ وما هي ملامح وتحدِّيات وفُرَص السياسة الخارجية المتوقَّعة للرئيس الجديد تجاه دوائر السياسة الخارجية لإيران؟ وهل من جديد يمكن أن يحقِّقه الرئيس مسعود بزشكيان في مجال العلاقات الخارجية، لا سيّما تجاه الملفات الرئيسية الثلاثة الشائكة مع العديد من الأطراف الإقليمية والدولية؛ المفاوضات النووية، وبرامج الصواريخ البالستية، ودعْم الفصائل الولائية، وطبيعة العلاقات مع دول الجوار وخصوصًا دول الخليج العربي.
أولًا: ملامح السياسة الخارجية لإيران في عهد الرئيس بزشكيان
ترتسِم ملامح السياسة الخارجية لوحدةٍ دوليةٍ ما في عهد أي رئيسٍ إيراني جديد، على ضوء أطروحاته وتصريحاته وبرنامجه الانتخابي تجاه العالم الخارجي أثناء حملته الانتخابية، وتصريحاته التي أعلنها بعد فوزه بمنصب الرئاسة. وبالتطبيق على الرئيس الإيراني الجديد، نجِد أنَّ المعْلَم الرئيسي لسياته الخارجية يتمحور حول «الحوار والانفتاح على العالم الخارجي»، وفق منهج برجماتي يُعيد التوازن بين تأثير البُعدين الأيديولوجي والبراجماتي على السياسة الخارجية لإيران، ويدفع نحو رفْع العقوبات الاقتصادية، بما يسهم في تخفيف وطأة حالة العُزلة والحصار، كخيارٍ أنجع لمعالجة القضايا الداخلية، التي تشكِّل وقودًا دائمًا لإشعال نيران الاحتجاجات الضاغِطة على النظام في إيران. إذ يسهم الانفتاح على العالم الخارجي-حسب رؤية الرئيس بزشكيان[1]– في خلْق بيئة مواتية لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردِّية، وتعزيز النمو الاقتصادي، ووقْف مسار الهجرة لإعادة بناء الدولة الإيرانية الجديدة، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ هناك استثناءات تتعلَّق بطبيعة عمل الرئيس في إيران، حيث تؤثِّر رغبات وتوجُّهات المرشد بشكل كبير على توجُّهات الرئيس واختياراته.
تضمَّنت كلمة بزشكيان أثناء مناظرته التلفزيونية الأولى في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بتاريخ 1 يوليو 2024م، إشارات على ضرورة المساومة والجلوس على مائدة المفاوضات مع الخصوم؛ لحلِّ الخلافات العالقة، بقوله: «علينا أن نجلس ونساوم، ونحِلَّ مشكلاتنا مع العالم»، موضِّحًا: «سياستي الخارجية هي من أجل رخاء الشعب، وتحفيزه على البقاء والبناء والنمو الاقتصادي والتنمية»[2]. وحدَّد في مقالته المُعنوَنة بـ «رسالتي إلى العالم الجديد»، المنشورة بالإنجليزية بتاريخ 12 يوليو 2024م على موقع «طهران تايمز»، مبدأ المصلحة كمبدأ أصيل ضمن المبادئ الحاكمة لسياسته الخارجية، بقوله إنَّ السياسة الخارجية لحكومته ستستند إلى «مبادئ العزَّة والحكمة والمصلحة»[3].
تكليف الرئيس الجديد لوزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف ليكون رئيسًا للمجلس القيادي المعني بترشيح المسؤولين والوزراء للرئيس للاختيار فيما بينهم، وكذلك ارتفاع حظوظ كلٍ من عباس عراقتشي؛ كبير المفاوضين الإيرانيين في حكومة الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، وعلي أكبر صالحي؛ وزير خارجية إيران الأسبق، ومجيد تخت روانجي؛ سفير إيران لدى الأُمم المتحدة، لتولِّي مهام حقيبة الخارجية، يحمل دلائل واقعية بالغة الأهمِّية على التوجُّهات البراجماتية للرئيس الجديد تجاه القضايا الخارجية، لا سيّما تجاه المفاوضات النووية، في سيناريو يحاكي توجُّهات روحاني-ظريف تجاه الغرب الأوروبي والأمريكي. وفيما يلي أبرز ملامح سياسة بزشكيان الخارجية المُرتقَبة تجاه العالم الخارجي:
1. أولوية الدائرة الإقليمية في السياسة الخارجية:
تتبوَّأ الدائرة الإقليمية أولوية في سُلَّم أولويات سياسة الانفتاح، التي أبداها الرئيس بزشكيان، حيث حدَّد -في تصريحاته ومناظراته ومقالاته- دائرة الجوار الإقليمي كدائرة أولى في مهمَّة تحسين العلاقات الإيرانية الخارجية. لذلك، يُتوقَّع إقليميًا المُضي على سياسة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، والمتعلِّقة بتحسين العلاقة مع دول الجوار؛ وذلك استجابةً لتعليمات المرشد علي خامنئي بالمُضي على خُطى رئيسي، بقوله في رسالته الموجَّهة للشعب يوم 6 يوليو 2024م بمناسبة فوز الرئيس بزشكيان: «أُوصي السيِّد الدكتور بزشكيان الرئيس المُنتخَب بالنظر إلى آفاق بعيدة ومشرقة، بالتوكُّل على الله، ومواصلة مسيرة الراحل رئيسي»[4].
يُنادي الرئيس الجديد بضرورة تأسيس «إطار إقليمي» للحوار وبناء الثقة والتنمية المُستدامة والسلام البيني، ضمن جهود إقليمية جماعية تُفضي إلى خلْق «منطقة قوية» تحكمها قوَّة المنطق لا منطق القوَّة؛ نظرًا لوجود عدَّة نقاط مشتركة بين دول المنطقة تسمح لها بتدشين ذلك الإطار المرجُو، تتمثَّل في: وحدة التقاليد والتعاليم والقِيَم الإسلامية السِلْمية المنتشرة عالميًا، ووفرة الموارد والثروات.
يهدُف ذلك الإطار -حسب مقال الرئيس بزشكيان- إلى تعزيز مقاربات السلام، وخلْق بيئة إقليمية هادئة ومستقِرَّة تُفضي إلى تحقيق التنمية المُستدامة، وتسوية الصراعات بين دول المنطقة، التي تهدر الطاقات وتبدِّد الثروات، وتسخير الموارد والثروات لتعزيز القُدرات ومجابهة التحدِّيات المشتركة والتدخُّلات الأجنبية، والقُدرة على ممارسة تأثير كبير في النظام العالمي الناشئ في مرحلة ما بعد القُطبية الأُحادية. وعلى ضوء تلك الرؤية، يُتوقَّع التوجُّهات التالية:
أ. استمرارية تعزيز العلاقات العربية-الإيرانية: تُرجَّح استمرارية المساعي الإيرانية في تعزيز العلاقات مع الدول العربية والخليجية على وجه العموم، وتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، حيث أكَّد بزشكيان في مقاله على تطلُّعه إلى «التعاون مع المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عُمان والعراق»، وتعزيز التعاون المشترك ضمن المنظَّمات الإقليمية؛ لتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية[5]. وتنسجم تلك الرؤية مع تعليمات المرشد للرئيس الجديد بالسير على خُطى الراحل رئيسي تجاه العلاقات الخارجية، ومن اللافت أنَّ بزشكيان تلقَّى رسائل تهنئة من زعماء وقادة ورؤساء أغلب الدول العربية والخليجية؛ ما يعكس تطلُّع هذه الدول للتعاون مع الرئيس الجديد.
ب. استمرارية العلاقات العدائية مع إسرائيل: تعكس نظرة الرئيس الإيراني الجديد تجاه إسرائيل استمرارية العلاقات العدائية، حيث يرى أنَّ سياسة الانفتاح ستكون تجاه كافَّة عواصم العالم باستثناء تل أبيب. وقد اعتبر في مقاله أنَّ «إسرائيل لا تزال تمارس الفصل العنصري، وتضيف من خلال حربها على غزة جريمة الإبادة إلى سِجِلّها الحافل بجرائم الاحتلال والحرب، والتطهير العِرْقي، وعمليات التهويد، وبناء المستعمرات، والضمّ غير القانوني، والعدوان على دول الجوار، وامتلاك الأسلحة النووية»[6].
وحدَّد الرئيس الجديد في مقالته مسارات للتحرُّك ضدّ إسرائيل، أولها: المشاركة مع الدول العربية لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، بما يفضي إلى وقْف المذبحة بالقطاع، ومنْع اتّساع نطاق الصراع، ثانيها: العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، الذي دمَّر حياة 4 أجيال من الفلسطينيين، حيث إنَّه على كافَّة الدول واجب مُلزِم بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية للعام 1948م، باتّخاذ التدابير اللازمة لمنع الإبادة الجماعية؛ وثالثها: حثّ الدول على قطْع العلاقات مع إسرائيل وعدم مكافأتها من خلال تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
تحمل استمرارية العلاقات العدائية بين طهران وتل أبيب، مؤشِّرات على ديمومة الصراع باستمرارية إسرائيل في سياساتها العدوانية بالشرق الأوسط، مقابل استمرارية إيران في دعْم ما أسمته بمحور المقاومة بتوظيف القضية الفلسطينية لخدمة أهدافها التوسُّعية، كما أنَّ موقف بزشكيان من ملف التطبيع يضع إيران أمام معضلة كيفية موازنة حساباتها في رغبتها بتعزيز علاقاتها مع الدول العربية والخليجية من ناحية، ورفْض التطبيع مع إسرائيل من ناحية ثانية.
2. مشروع إيران الإقليمي كخط أحمر:
يُدرِك الرئيس الجديد أنَّ المشروع الإيراني التوسُّعي ورافعته الممثّلة في محور المقاومة، يدخل ضمن الخطوط الحمراء للنظام، ولذلك أعلن أثناء حديثة مع الرئيس السوري بشار الأسد، وفي رسائله إلى كلٍّ من الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عن تمسُّكه باستمرارية تقديم الدعم الثابت لحركات المقاومة في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، تضمَّنت رسالته لنصرالله: «لطالما دعمت إيران مقاومة شعوب المنطقة ضدّ الكيان الصهيوني غير الشرعي. إنَّ دعم المقاومة متجذِّر في السياسات الراسخة للنظام الإيراني، ومُثُل الخميني وتوجيهات المرشد ستستمِرّ بقوَّة»[7].
يعتبر العديد من المراقبين أنَّ موقف بزشكيان من محور المقاومة، يشكِّل ترجمةً واقعية لتنفيذ تعليمات خامنئي ويضيف مؤشِّرًا للعلاقة، التي تبدو إيجابيةً بين الرئيس الجديد وخامنئي، سواءً من خلال ثناء خامنئي على بزشكيان ومواقفه وتوصيته للبرلمان في 22 يوليو 2024م، بالمصادقة على الكابينة الوزارية لحكومة بزشكيان، أو من خلال إعلان بزشكيان أثناء مناظراته تأييدَه لتوجيهات المرشد، ووصفِه قيادةَ خامنئي بالقيادة الحكيمة، وكذلك العلاقة التي تبدو جيِّدةً أيضًا بين بزشكيان والحرس الثوري، والتي تبدَّت في العديد من الملامح، أولها: موقفه الداعم علنًا للحرس الثوري بعد مقتل سليماني في غارة جوِّية أمريكية قُرب مطار بغداد الدولي مطلع 2020م، مرتديًا زي الحرس وواضعًا وشاحه المعروف حول رقبته، وثانيها: مدحهُ الكبير لسليماني أثناء مناظراته الانتخابية ووصفه على أنَّه بطل قومي، قائلًا: «أحد الأسباب التي تمنع الآخرين من القيام بأي عمل ضدّ إيران، هو وجود الحرس الثوري»[8]، وثالثها: أجرى زيارةً لعائلة سليماني في المنزل، قائلًا: «لقد كان سليماني شخصية وطنية وشعبية للعالم الإسلامي، وكان صاحب نظرة عابرة للطائفية، ولم يضع الناس في فئة أو طيف معيَّن.. يجب أن نحِلّ مشاكل البلاد باتّباع طريق ومُثُل الشهيد سليماني»[9]، ورابعها: المواقف الإيجابية لقادة الحرس الثوري تجاه فوز بزشكيان، ومضمون لقاء تهنئة قادة الحرس للرئيس الجديد في 14 يوليو 2024م، حيث صرَّح قائد الحرس حسين سلامي بأنَّ «الحرس الثوري مستعِدٌّ للتعاون مع بزشكيان، لتنفيذ سياسات خامنئي»[10].
3. العودة لسياسات الحوار والانفتاح على الغرب:
بموجب أطروحات الرئيس الجديد، فإنَّه يسعى إلى العودة لمسار الانفتاح على الغرب؛ لكون مسار الانغلاق -في تقديره- حال دون تحقيق الهدف الأسمى للمرشد، المتمثِّل في تحويل إيران إلى المرتبة الأولى إقليميًا في كافَّة المجالات بحلول العام 2025م[11]. لذلك، يرى أنَّ فلسفة السياسة القائمة على الدبلوماسية الاقتصادية لإفقاد ورقة العقوبات جدواها، التي تبنّاها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، لن تفلح في التخفيف من وطأة العقوبات وتحسين الأحوال المعيشية، وتراجُع معدلات الاحتجاجات الشعبية؛ لكونها تعمل على المدى الطويل، إنَّما الأزمات الإيرانية الراهنة تتطَّلب حلولًا فوريةً وسريعة، ولن يتِم ذلك إلّا من خلال رفْع العقوبات، وتوفير عوائد مالية كبيرة تسهم في تحسين المستويات الاقتصادية والمعيشية بالبلاد.
أ. إحياء المحادثات النووية: يرى أنَّ أولوية إحياء المفاوضات النووية مُلِحَّة بهدف رفْع العقوبات الضاغِطة على الاقتصاد الإيراني، معتبرًا أنَّ للعودة للاتفاق النووي مردودٌ إيجابيٌ كبير على إيران، يُوقِف نزيف الخسائر الإيرانية اليومية بعدم القُدرة على تعزيز صادرات النفط، في ظل تزايُد حالات الاستياء والاحتقان الشعبي. ذلك المردود، في تقدير بزشكيان، دفَعَ الرئيس الأمريكي السابق للانسحاب منه عام 2018م[12]، ولذلك تمثَّلت أبرز الوعود التي قطعها الرئيس الجديد خلال حملته الانتخابية، في:
- العمل على مراجعة وتعديل «قانون الخطوة الإستراتيجية لإلغاء العقوبات الأمريكية» لخفض الالتزامات النووية، الذي أقرَّه البرلمان في ديسمبر 2020م، حيث يُعتبَر القانون -من منظور محمد جواد ظريف- أكبر معرقل لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في العودة للاتفاق النووي.
- الانضمام إلى مجموعة العمل المالي FATF، والتي يقِف عدم الانضمام الإيراني لها وراءَ حرمان طهران من الاندماج في النظام المصرفي العالمي.
يرى العديد من المراقبين أنَّ إحياء الاتفاق النووي بما يُفضي إلى رفْع العقوبات، بات الاختبار الصعب أمام الرئيس الجديد، ومعيارًا لنجاحه أو فشله خلال فترة حكمة، لا سيّما أنَّ موقفه المغاير لمواقف «المحافظين» تجاه الغرب والاتفاق النووي لعِبَ دورًا إيجابيًا في تعزيز حظوظه الانتخابية، حيث أظهر غالبية الإيرانيين ارتياحًا وسرورًا لفوزه، إذ يعاني الاقتصاد من تدهورٍ كبير؛ نتيجة سياسات «المتشدِّدين» تجاه الغرب، علاوةً على سيطرة الخوف على قطاع كبير من الناخبين من فوز «المحافظين» بمنصب الرئاسة من استمرارية الوضع المأساوي، خاصَّةً بعدما صرَّح منافسه «المحافظ» سعيد جليلي خلال المناظرات مع بزشكيان، أنَّه سيواصل نهج سلفه من «المحافظين» تجاه العالم الخارجي.
ب. الحوار الإيراني-الأوروبي: عبَّر الرئيس الإيراني الجديد عن رغبته بالدخول في حوارٍ بنّاء مع العواصم الأوروبية؛ لوضع العلاقات على المسار الصحيح، استنادًا إلى مبادئ الاحترام المُتبادَل والمساواة، بل وإلى إدراك الدول الأوروبية خطأ عدم إيفائها بالتزاماتها تجاه إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، والمتمثِّلة بتشجيع الاستثمار في إيران، والحماية الفعّالة للشركات من العقوبات الأمريكية، وضمان المعاملات المصرفية الفعّالة، حيث أنَّ هناك فُرَصًا كثيرة لتعزيز التعاون الإيراني-الأوروبي، تتمثَّل في فُرَص التعاون التكنولوجي، قضايا أمن الطاقة، المشاريع اللوجستية العابرة للحدود، وقضايا اللجوء والإرهاب والمخدّرات.
خاطب بزشكيان الولايات الدول الأوروبية في مقاله، قائلًا: إنَّ «إستراتيجية إيران الدفاعية لا تشمل السعي لامتلاك قنبلة نووية، والسبب في خفْض الالتزامات النووية يتمثَّل في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتوقيعها العقوبات على إيران، وكذلك القيام باغتيال قاسم سليماني»[13].
الدعم الإيراني لروسيا خلال ما تسمِّيه بعملياتها الخاصَّة في أوكرانيا، آثار حساسيات ومواقف متشدِّدة للدول الغربية تجاه إيران؛ ما سيصعِّب الأمور على توجُّهات بزشكيان في ردْم الهوَّة مع الدول الغربية.
4. تقوية العلاقات الإيرانية مع القُوى التعديلية:
ينشُد الرئيس بزشكيان ضرورة تعزيز العلاقات الإيرانية بالقُوى التعديلية الداعية إلى إرساء نظام دولي متعدِّد الأقطاب، يُفقِد الولايات المتحدة هيمنتها المنفرِدة على النظام الدولي، مثل الصين وروسيا، الذيْن يمثِّلان أبرز قُوى المعسكر الشرقي، حيث أنَّ تعزيز العلاقات الإيرانية بذلك المعسكر العالمي، من شأنه تعزيز القوَّة الإيرانية وشروطها التفاوضية في المفاوضات النووية، بقوله: «الصين وروسيا دائمًا ما كانا يقفان بجانبنا في الأيام الصعبة، ونحن نقدِّر هذه الصداقة. اتفاقية التعاون الممتدَّة 25 عامًا بين إيران والصين، هي خطوة مهمة في مسار إيجاد شراكة إستراتيجية شاملة»، مضيفًا: «روسيا حليف إستراتيجي ذو قيمة بالنسبة لإيران، وهي جارتنا، وستتعهَّد حكومتي بتوسيع وتعزيز التعاون معها، وسأواصل إعطاء الأولوية للتعاون الثنائي والمتعدِّد الأطراف مع روسيا، خاصَّةً في أُطُر مثل مجموعة البريكس ومنظَّمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي»[14]. كما أنَّ سيطرة «المتشدِّدين» على مفاصل الدولة من شأنها استمرارية ترسيخ العلاقات العسكرية مع المعسكر الشرقي، من خلال استمرارية تزويد الروس بالمسيَّرات في حربها ضدّ أوكرانيا، مع تعزيز العلاقات مع كلٍّ من الصين وكوريا الشمالية في كافَّة المجالات.
5. طبيعة شخصية الرئيس وخلفيته العلمية والعملية:
مقارنةً مع سابقه، فالرئيس الجديد يُعتبَر شخصيةً مجهولة بالنسبة للعالم الخارجي، في الكثير من جوانب خبراته العملية، وغير محسوب على الدوائر الضيِّقة من المرشد مثل سابقه، ويُنظَر له رُبَّما كشخص يَزن الأمور بشكل واقعي؛ ما يسهِّل التواصل معه من العالم الخارجي. بينما في المقابل، فإنَّ الرئيس إبراهيم رئيسي كان معلومًا بطابعه «المحافظ والمتشدِّد» بالنسبة للقضايا الخارجية، وكان لا يحظى بنظرة إيجابية من المجتمعات الغربية، نتيجة كونه كان أحد أعضاء «لجنة الموت» المُتَّهَمة بتوقيع عقوبة الإعدام بحقِّ عشرات الآلاف من المعارضين، أشهرها قضية الإعدامات الشهيرة في عام 1988م؛ ما صعَّب من التواصل بينه والعالم الخارجي.
إجمالًا، يعكس ما تقدَّم أنَّ الرئيس بزشكيان أقرب إلى تبنِّي مسار براجماتي جديد، يرمي إلى المزج ما بين النمطين «الإصلاحي» البراجماتي و«المحافظ» في إدارة العلاقات الخارجية. البراجماتي تجاه الدائرة الدولية؛ بالسير على خُطى كلٍّ من حسن روحاني ومحمد خاتمي، و«المحافظ» تجاه الدائرة الإقليمية بالسير على خُطى إبراهيم رئيسي استجابةً لأوامر المرشد؛ ليمضي أيضًا في طريق تحسين العلاقات بدول الجوار ومبدأ الدبلوماسية الاقتصادية؛ وبالتالي، يمثِّل بزشكيان موقفًا أقلّ صِدامًا وأكثر واقعيةً مع الخارج.
ثانيًا: الفُرَص المُتاحة أمام بزشكيان في السياسة الخارجية
تُتاح للرئيس بزشكيان العديد من الفُرَص، التي قد تُتيح له المجال لتحقيق إنجازات في سياسته الخارجية، أو على الأقلّ تحقيق بعض الاختراقات؛ ويمكن إجمال تلك الفُرَص، في النقاط التالية:
1. مرونة خامنئي نتيجة الضغوط الداخلية:
أظهرت المشاركة الضعيفة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مدى يأس الإيرانيين من النظام السياسي، الذي يهيمن عليه «المحافظين»، واقتناعهم بعجزه عن إيجاد حلول لمشاكلهم، وسبَقَ ذلك العديد من الاحتجاجات، التي بدأت تأخذ منحىً تصاعديًا، كمًّا ونوعًا. استشعرَ النظام الإيراني خطورةَ ما آلت إليه الأوضاع على مستقبله، ورُبّما كان هذا من العوامل التي دفعت خامنئي إلى هندسة الانتخابات بالطريقة التي جرت بها؛ بحثًا عن مخارج من الأزمة في جميع الاتّجاهات. فمن المعلوم أنَّ جذور هذه المشاكل تكمُن في العقوبات المصرفية والدولية[15]، لذلك قد يفسح المرشد المجال لبزشكيان، للتوصُّل لبعض التسويات في السياسة الخارجية، على أمل أن تُفضي إلى رفْع العقوبات، أو البعض منها على الأقلّ، للحدِّ من استمرار تدهور الأوضاع المعيشية؛ لتجنُّب اندلاع احتجاجات جديدة، وأيضًا ترتيب مرحلة ما بعد خامنئي في ظل ظروف مستقرة. ووجود شخصية محسوبة على «الإصلاحيين» في صدارة المشهد السياسي، يعفي المرشد من أيّ مسؤولية عن أيّ إخفاقات نتيجة تصلُّب المواقف الأمريكية والغربية، حيث سيتحمَّل المسؤولية «رئيس الجمهورية» والقُوى الأجنبية.
2. الرغبة الغربية في دعْم «الإصلاحيين»:
تُدرِك القُوى الدولية مدى هيمنة المرشد على السُلطة في إيران، وبأنَّ دورَ «رئيس الجمهورية» يبقى محدودًا، لكن انتماء الرئيس الجديد للتيّار «الإصلاحي» وتأثير هذا البُعد على المشاركة في الانتخابات، قد يدفع ببعض القُوى الدولية إلى التعاون مع الرئيس «الإصلاحي»؛ بهدف خلْط الأوراق السياسية داخل إيران، من خلال تسويق هذا التيّار عند الرأي العام الإيراني بأنَّه قادرٌ على جلْب مصالح الإيرانيين وتسهيل اندماجهم في المنظومة العالمية، على عكس التيّار «المحافظ»، الذي تتسبَّب سياساته العدائية مع الغرب في تأزيم أوضاعهم. من هذا المنطلق هناك وجهات نظر غربية تقترح على الولايات المتحدة أن تعبِّر سرًّا عن استعدادها للعمل مع الرئيس الجديد، لطمأنته أنَّ اتّخاذ التدابير التي من شأنها إظهار اعتداله، سوف تقابلها خطوة مُتبادَلة وبصورةٍ كاملة[16].
3. المساعي الدولية لخفض التصعيد في الشرق الأوسط:
هناك توافُق دولي وإقليمي على مخاطر التصعيد والانتقال إلى حربٍ إقليمية؛ لأنَّها ستنعكس سلبًا على جميع الأطراف؛ نظرًا لتشابك المصالح الاقتصادية، وتأثير المنطقة فيها كمورد للطاقة أو ممرّ للتجارة الدولية، ووصول رئيس «إصلاحي» إلى السُلطة في إيران يخدم هذا الاتّجاه، الذي لا يعترض عليه المرشد نفسه؛ باعتبار أنَّ أول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل حصلت في زمن المرشد ورئيس «محافظ»، لكنّها اتّسمت بكثير من العقلانية، وأكَّدت طهران حينها عدم رغبتها في التصعيد؛ وبالتالي فإنَّ مسعود بزشكيان من خلال توجُّهاته «الإصلاحية»، يزيل الكثير من الأعباء على المرشد تجاه هذه المسألة. في المقابل، فإنَّ القُوى الغربية والدولية من مصلحتها المحافظة على قواعد الاشتباك الحالية، وعدم انتقالها لحربٍ شاملة. لذلك، ترى بعض الأوساط الغربية أنَّ التغيير الملحوظ للحكومة في إيران، يمثِّل فُرصةً مطلوبةً بشدَّة للعواصم الغربية لاختبار الدبلوماسية بشكل أوّلي مع إيران، ولا بُدَّ أن يكون الهدف هو إقناع إيران بوقف برنامجها النووي، ثمَّ التراجع عنه، ومنْع المزيد من التصعيد العسكري في الشرق الأوسط[17]. بناءً على هذا، ينبغي منْح الرئيس المُنتخَب كل فُرصة لكي ينجح؛ لأنَّ المكاسب الممكن تحقيقها للولايات المتحدة وإسرائيل سوف تفوق بكثير المخاطر[18].
4. تحسُّن العلاقات السعودية-الإيرانية:
تمتلك المملكة العربية السعودية الكثير من الأوراق، التي يمكن أن توظِّفها في توجيه السياسات الدولية في المنطقة. وقد أظهرت السياسة الخارجية السعودية في السنوات الأخيرة، توجُّهًا نحو البحث عن نزْع عوامل التوتُّر، بالموازاة مع تعزيز الاستقرار في المنطقة، بما يتماشى مع «رؤية 2030». ولعلَّ اتفاق بكين للمصالحة مع إيران، من أبرز معالم هذا التوجُّه. واستكمالًا لهذا النهج، فإنَّ الدور السعودي لن يكون عاملًا معرقِلًا، بل داعمًا لمساعي الرئيس الإيراني الجديد، ليس على مستوى العلاقات الثنائية فحسب، وإنّما أيضًا في الإطار الإقليمي والدولي؛ لرغبة الدول العربية في الخليج العربي، خاصَّةً السعودية، في أن تكون من بين أفضل الاقتصادات في العالم. انطلاقًا من هذه الخلفية، يطالب خُبراء إيرانيون تقدير قلق السعودية ودول الخليج من إيران الذي لا يزال قائمًا، لكن شكل حدوثه وإدارته قد تغيَّر[19]. ويطالبون الحكومة الرابعة عشرة بتحويل العلاقات مع السعودية والإمارات ومنظومة مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، إلى علاقات سياسية مستقِرَّة، وأن ذلك لن يتحقَّق إلّا من خلال لقاءات مباشرة بين زعماء البلدين، واستمرار ذلك؛ حتى يتِم رسْم خارطة طريق للعلاقات في الأبعاد الاقتصادية والعسكرية والأمنية، التي ستكون بمثابة نقطة ضعْف في الأشهر المقبلة[20].
5- الفروقات بين «الإصلاحيين» و«المحافظين» في العلاقة مع الشرق:
تكشف تفاصيل العلاقات الإيرانية مع روسيا والصين، أنَّ التحالف الإستراتيجي ليس بالصورة المثالية، التي يسوِّقها التيّار «المحافظ» في الكثير من الأحيان، بل على العكس من ذلك يبدو أنَّ الطرفين الروسي والصيني مستفيدان من أزمات إيران مع الغرب بما يخدم مصالحهم على حساب المصالح الإيرانية. فعل سبيل المثال، تعتبر بعض الآراء في إيران أنَّ تصدير مليون برميل من النفط إلى الصين يوميًا بسعر أقلّ من السعر العالمي، لا يُعَدُّ نجاحًا بالضرورة، فضلًا عن الحصول في المقابل على سِلَع رديئة بدلًا من الحصول على أموال النفط. وترتبط الصين بعلاقات مع 15 دولة مجاورة لإيران، إلّا أن طريق الاستثمارات في إيران مسدود إلى حدّ ٍكبير بسبب العقوبات. لذا، فالنتيجة هي أنَّ علاقات إيران السياسية والتجارية مع الصين رهنٌ برفع العقوبات. لو لم تكُن هناك عقوبات على إيران، وكانت الصين تعوِّل على إيران بطريقة مختلفة، لما كانت لِتُصدِرَ بيانًا إلى جانب الدول العربية في المنطقة حول ملكية الجُزُر الثلاث. والأمر نفسه ينطبق على العلاقة مع روسيا؛ حيث تضرَّرت طهران كثيرًا من دعمها لموسكو، دون أن تحصل في المقابل على أيّ مكاسب، ورُبَّما هذا ما يجعل روسيا قلقةً إلى حدٍّ ما من أن يميل رئيس ذو نزعة «إصلاحية» نحو الغرب أكثر، وأن يلقي هذا الأمر بظلاله على مشكلة أوكرانيا[21]. ينطلق «الإصلاحيون» من هذه الاختلالات، ويحاججون بضرورة التوزان في العلاقات، وإظهار مكامن الخلل في سياسة التوجُّه شرقًا، كما عبَّر عن ذلك الرئيس مسعود بزشكيان، خلال حملته الانتخابية.
ثالثًا: العوامل المؤثِّرة على مقاربات بزشكيان للعالم الخارجي
يرتهن تجسيد أهداف الرئيس مسعود بزشكيان الخارجية بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية، والتي من شأنها التأثير على تحقيق مقارباته وأهدافه تجاه العالم الخارجي، ويمكن إجمالها في النقاط التالية:
1. ظل الرئيس الراحل وترِكة الأزمات الثقيلة:
تُضفي الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في حادثة تحطُّم المروحية، نوعًا من التعاطف مع تجربته في رئاسة البلاد، ويبقى الحُكم النهائي عليها مُعلَّقًا لعدم استكمالها سواءً في عهدته الأولى أو الثانية، التي كانت حظوظه فيها كبيرة. لذلك، سيكون الرئيس السابق حاضرًا دائمًا وراء أيّ خطوة يخطوها الرئيس بزشكيان، سواءً على المستوى الشعبي أو الرسمي. يأتي المرشد في مقدِّمة المقارنين؛ نظرًا للعلاقة القوية، التي جمعته برئيسي، الذي كان يطيع المرشد طاعةً مُطلَقة، وكانت مواقفهُما منسجِمةً للغاية تجاه القضايا الداخلية والخارجية. لذلك، يُشيد المرشد بشخصية رئيسي في كافَّة المناسبات؛ فخلال لقائه «رئيس الجمهورية» بالوكالة محمد مخبر ووزراء حكومة رئيسي، عدَّدَ المرشد خِصال الرئيس الراحل رئيسي، ومن أهمِّها: مراعاة التفاعل والعزَّة في السياسة الخارجية، الإيمان بشدَّة بالإمكانيات الداخلية لحل المشاكل. الإعلان عن المواقف الدينية والثورية، وتجنُّب الكلام المبطَّن وتجنُّب ما يُرضي الآخرين، الالتزام عمليًا بما يعلن عنه صراحةً، وأنَّ تعامُل رئيسي من موضع القوَّة مع جميع الدول، مع منْح الأولوية لدول الجوار، دفَعَ إلى أن يصِفه بعض كبار زعماء العالم في رسائل التعزية بالشخصية البارزة، وليس من نوع السياسي العادي[22]. هذه الخصال ستكون حاضرةً بكُلِّ تأكيد في تقييم المرشد علاقته بالرئيس الجديد، الذي هو مطالب بمواصلة طريق رئيسي، ليس في التوجُّهات فحسب وإنَّما أيضًا في تعامله مع المرشد. من ناحية أخرى، لا تزال إيران تواجه مشكلات اقتصادية مستعصية فاقمت من تردِّي الأوضاع المعيشية، وما يتبعها من مشكلات اجتماعية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها رئيسي، إلّا أنَّه خلَّف وراءه تركةً ثقيلة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي؛ فوِفق خبراء الاقتصاد، المشاكل الاقتصادية الحالية في إيران أكثر صعوبةً من زمن الحرب، حيث لم تكُن إيران تعاني خلال الحرب من مشكلة المياه ومشاكل صناديق التقاعد والعقوبات والتضخم الذي تجاوز 40%[23]. كل هذه المشكلات تحتاج لحلولٍ فورية، مرتبطة بمسائل خارجية، يتوجَّب على بزشكيان تسويتها.
2. الخلافات مع «المحافظين» ومطالب «الإصلاحيين»:
تتداخل الأهداف الخارجية مع الداخلية في تحديد مواقف القُوى «المحافِظة» من سياسة مسعود بزشكيان حيال علاقات إيران الدولية، لذلك سيواجه الرئيس الجديد مستويين من التحدِّيات من هذه الزاوية، يتمثَّل المستوى الأول في تضارُب الرؤى بينه وبين «المحافظين» حول الملفات العالِقة، خاصَّةً الملف النووي والعلاقة مع الغرب؛ حيث يحتاج الرئيس إلى التوصُّل لتسويات تُرضي «المحافظين» للموافقة على قراراته. أمّا المستوى الثاني فيكمُن في انعكاسات أيّ نجاحات لـ «رئيس الجمهورية» على العملية السياسية داخليًا، ذلك أنَّ نجاحات بزشكيان ستخدم الأطروحة «الإصلاحية» على المستوى الشعبي؛ وبالتالي تعِّزز من فُرَص التيّار «الإصلاحي» في الاستحقاقات الانتخابية مستقبلًا. لذلك، لا يُستبعَد أن يعمل «المحافظون» على عرقلة مساعي الرئيس خارجيًا، ليس لعدم التوافق عليها -وإن كانوا سيحاجِجون ظاهرًا بذلك- لكن عملًا على منْع استعادة التيار «الإصلاحي» مكانته الشعبية وزخمه وحضوره في الشارع الإيراني. وقد بدت ملامح هذا الصراع تبرُز بشكل جلي، من خلال الهجوم الكبير الذي يُشَنّ من طرف «المحافظين» على بزشكيان، خاصَّةً في ظل الدور الكبير، الذي بات يقوم به جواد ظريف في المشهد السياسي، إلى درجة دفعت جريدة «كيهان» الأُصولية لتتساءل في افتتاحيتها، إذا ما كان بزشكيان قام بتأجير الرئاسة لظريف[24]. ولعلَّ نقْص خبرة «رئيس الجمهورية» الجديد في مجال السياسة الخارجية، ستدفعه إلى الاعتماد أكثر على ظريف وغيره من أصحاب الخبرة؛ ما يتسبَّب له في انتقادات كبيرة[25].
ينتظر «الإصلاحيون» في المقابل على المستوى النخبوي والشعبوي، أن يقِف الرئيس بزشكيان في وجه التيّار «المحافظ»، ويجسِّد وعودهُ في السياسة الخارجية والداخلية؛ فقد طالبت رئيسة «جبهة الإصلاح» آذر منصوري خلال اجتماعها مع الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، بأن تكون حكومته رمزًا للتغيير والأمل، وليس استمرارًا للوضع الراهن، وأكَّدت له بأنَّ «جبهة الإصلاح» ستكون مسؤولةً عن أداء حكومته[26]. وهو ما ذهَبَ إليه أيضًا السياسي «الإصلاحي» علي رضا علوي، حين ربَطَ نجاح حكومة بزشكيان بشرط أن تكون مظهرًا للتغيير والتطوُّر، أمّا إذا كانت الحكومة استمرارًا للوضع الراهن، فإنَّ «الإصلاحيين» سيخسرون، وتتراجع حظوظهم الانتخابية بشكل كبير في الجولات القادمة[27]. لكن هذه المطالب «الإصلاحية» ستصطدم في بعض الأحيان مع توجُّهات المرشد والتيّار «المحافظ» والحرس الثوري؛ ما سيضطرّ بزشكيان لتقديم تنازلات في السياسة الداخلية، لتمرير قرارات في السياسة الخارجية أو العكس، وفي الحالتين ستُوجَّه له انتقادات كبيرة من طرف «الإصلاحيين»، الذين سيطالبونه بالالتزام بكُلِّ الوعود؛ ما قد يشكِّل تحدِّيًا إضافيًا للرئيس، الذي يسعى للمحافظة على شعبيته وعلاقته بالتيّار «الإصلاحي»، لضمان إعادة انتخابه لعُهدة رئاسية ثانية.
3. أدوار الحرس الثوري وموقف الميليشيات الموالية لإيران:
يعود الفضل في ترسيخ النفوذ الإقليمي، الذي حقَّقته إيران، إلى الحرس الثوري و«فيلق القدس»، وهو ما جعله من الفواعِل الأساسية في السياسة الخارجية الإيرانية، وباتت أنشطته مهيمنةً ومؤثِّرة على القرارات الخارجية في كثير من الساحات، وحتى بديلةً عن الأدوار المنوطة بالدبلوماسية الرسمية. لا يجِد «المحافظون» مشكلةً في ممارسات الحرس الثوري تجاه السياسة الخارجية لاتّساق المواقف، لكن عادةً ما يكون هناك سِجال مع «الإصلاحيين»، الذين يريدون ممارسة صلاحياتهم في إطار مؤسَّسات الدولة، في المقابل يُصِرُّ الحرس الثوري على نمط الثورة ما دام هو الآخر مؤسَّسةً دستورية[28]. تكاد تنحصر أعمال الحرس الثوري في علاقاته مع الميليشيات وغيرها من الفواعل من دون الدول، والتي تكون في الكثير من الأحيان محل رفْض من طرف الدول، أو على الأقل مصدرَ إحراج للحكومات. يُدرِك صانعو القرار على المستوى الإقليمي والدولي بنيّةَ النظام الإيراني ونفوذ الحرس الثوري وعلاقته بالمرشد، لذلك فإنَّ الموقف الإيراني الحقيقي، هو ما يفعله الحرس الثوري لا ما تقوله وزارة الخارجية والممثِّليات، والرئيس الجديد يتوجَّب عليه عكْس المعادلة؛ لكسب ثقة الجيران والمجتمع الدولي.
تمتلك التنظيمات الموالية لإيران في المنطقة العربية بعض الهوامش، التي تجعلها تتحرَّك -ولو جزئيًا- خارج توجيهات الحرس الثوري؛ كونها مرتبطةً بحسابات صراع على السُلطة والنفوذ داخل دولها مع قُوى سياسية منافسة. وهي أيضًا تشعر بالقلق إلى حدٍّ ما، من التأثير المُحتمَل لعودة «الإصلاحيين»، ونظرتهم إلى العلاقات مع الغرب والنأي بأنفسهم عن الدبلوماسية الميدانية لرئيسي، ورُبَّما تدفعهم تلك الهواجس لتبنِّي ممارسات تصعيدية تجعل دبلوماسية الحكومة الجديدة تواجه تحدِّيًا؛ إذ قد يصعُب في بعض الحالات على الحرس الثوري إلزام تلك الفواعل بأيّ تسويات مُحتمَلة يمكن أن يتوصَّل إليها مع الرئيس مسعود بزشكيان[29].
4- عودة ترامب المحُتمَلة للبيت الأبيض:
تتزايد فُرَص الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الفوز بالرئاسة، خاصَّةً بعد تعرُّضه لمحاولة اغتيال، في مقابل الأزمة التي يمُرّ بها الحزب الديمقراطي على خلفية خروج الرئيس بايدن من المعترك الانتخابي على خلفية مطالبته بالانسحاب أمام ترامب من قِبَل كبار رموز الحزب الديمقراطي نتيجة أدائه الضعيف في أول مناظرة انتخابية، وحالته الذهنية التي تُقلِق أعضاء الحزب. وكلَّما اقترب ترامب من الرئاسة، أضحت المهمَّة أصعب بالنسبة للرئيس الجديد للتوصُّل إلى اتفاق نووي، أو تسويات جزئية مُرضِية للطرفين؛ وذلك نظرًا لموقف ترامب المتشدِّد تجاه إيران. ففي ولايته الأولى، لم يتوقَّف ترامب عند الخروج من الاتفاق النووي، بل أشرف على مقتل قائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني. ولعلَّ حضور إيران في خلفية النقاشات عقب محاولة اغتيال ترامب يعكس مدى التباين، الذي قد يحصل بين البلدين حال فوز ترامب؛ خاصَّةً في حالة استجابته للآراء التي تطالبه بالعودة إلى نهجه السابق بإستراتيجية الضغوط القصوى تجاه إيران مرَّةً أخرى، قبل أن تتمكَّن إيران من تحقيق الاختراق النووي، بالتركيز على استعادة قوَّة ردْع عسكرية ذات مصداقية، مع إجبار إيران على إجراء مقايضات مادِّية بين برنامجها النووي ودعمها لحلفائها ووكلائها[30].
5- صعود اليمين المتطرِّف في أوروبا:
كثيرًا ما تحاول إيران إحداث توازنات في علاقتها بالغرب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال أوروبا، سواءً بشكل جماعي أو في إطار العلاقات الثنائية، وذلك سعيًا منها لإحداث انقسامات مُستثمرة في التباينات، التي تبرُز أحيانًا بين الأمريكيين والأوروبيين. غير أنَّ صعود اليمين المتطرِّف في انتخابات الاتحاد الأوروبي الأخيرة، لا يصُبّ في مصلحة إيران؛ نظرًا لمواقفه العدائية منها، إذ يدعو حزب الشعب الأوروبي، المكوِّن الأساسي الذي يقود المفوَّضية، إلى «التخلِّي عن مبدأ الإجماع في مجال عقوبات الاتحاد الأوروبي ضدّ الأنظمة الشمولية في العالم»، في إشارة إلى روسيا وإيران. أمّا معسكر أقصى اليمين، فيدعو إلى انتهاج سياسة أكثر حزمًا تجاه إيران، مع التركيز على برامجها النووية والصواريخ البالستية، ورعاية الدولة للإرهاب، ودبلوماسية الرهائن، ويحثّ المفوضية الأوروبية على إدراج الحرس الثوري الإيراني والحوثيين وحزب الله بصورة كاملة على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب. لذلك، من المتوقَّع أن يشدِّد الاتحاد الأوروبي مستقبلًا سياسته تجاه إيران عن طريق توسيع العقوبات على الأفراد والكيانات الإيرانية، وكذلك العقوبات على الأفراد والكيانات المرتبِطة بإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن[31]. لذلك، لم يكُن مُستغرَبًا تمديد مجلس الاتحاد الأوروبي عقوباته ضدّ إيران؛ بسبب الدعم العسكري الإيراني لحرب روسيا ضدّ أوكرانيا والجماعات والمنظَّمات المسلَّحة في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر[32].
6- العلاقات المتوتِّرة مع إسرائيل في الشرق الأوسط:
تُحمِّل إسرائيلُ جزءًا كبيرًا من مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها منذ هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023م، إلى إيران، التي تدعم حماس بالمال والسلاح والتدريب، كما تتّهِمها بالتنسيق بين الميليشيات الشيعية في لبنان والعراق والحوثيين في اليمن لدعم حماس، عن طريق شنِّ هجمات متنوِّعة ضدّ إسرائيل، بل وأربكت معادلة الردع بالمواجهة المباشرة معها. نتيجةً لكُلِّ ذلك، لن تدخِّر تل أبيب أيّ جهد لمنع إيران من تحقيق أدنى المكاسب خارجيًا، وفي مقدِّمتها الملف النووي، حيث لن تعرقل الاتفاق أكثر من ذي قبل فقط، بل إنَّ سياسة أمريكا في الشرق الأوسط نفسها في الفترة المقبلة ستأخُذ في الاعتبار الدورَ الأمني، الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة، أكثر من أيّ وقتٍ مضى[33].
رابعًا: حدود التحوُّل في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد بزشكيان
على خلفية التحدِّيات والفُرَص المُتاحة أمام الرئيس الجديد، يمكن تعيين حدود التحوُّل في السياسة الخارجية لإيران خلال فترة حُكم بزشكيان، كالتالي:
1. ثبات الخطوط العريضة للسياسة الخارجية:
يصعُب على أيّ رئيس إيراني «إصلاحي» كان أو «محافظ»، تغيير الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، التي يحدِّدها المرشد، والمتعلِّقة بالمشروع الإيراني التوسُّعي، والبرامج النووية، والصواريخ البالستية، باعتبارها خطوطًا حمراءَ لا يمكن تجاوزها، بحسب طبيعة النظام السائد، والبنود الدستورية التي تخوِّلُ للمرشد الصلاحيات في تحديد مضمون السياسة الخارجية للبلاد. أمّا صلاحيات الرئيس في ذلك السياق محدودة للغاية، فهو مسؤول فقط عن تنفيذ الخطوط العريضة، التي يضعها خامنئي. وحتى في تنفيذها خارجيًا، يلعب الحرس الثوري الدور الأكبر، لكونه يستمدّ سُلطته من «الولي الفقيه» مباشرةً، بحُكم خضوعه لإمرة المرشد مباشرةً. كما يشغل العديد من الأشخاص المنتمين لـ «الحرس»، مناصب حسّاسة في المؤسَّسات الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية. ومنذ الإعلان عن فوز الرئيس الجديد، حدَّد خامنئي المبادئ التوجيهية التي يريد رؤيتها في الحكومة الجديدة، عندما حثَّه على المضي في نهج سلفه الراحل إبراهيم رئيسي، المتعلِّقة بالدبلوماسية الاقتصادية وتعزيز العلاقات مع دول الجوار، وردَّ الرئيس بزشكيان بالطاعة والولاء لتعليمات المرشد، بل وبعلاقة طيِّبة مع الحرس الثوري.
2. استمرارية المشاريع والسياسات الإقليمية:
بموجب تصريحات بزشكيان قبل وبعد فوزه في انتخابات الرئاسة، لا يُتوقَّع أيّ تغيير فيما يخُصّ الموقف الإيراني من إسرائيل وحربها المدمِّرة في غزة، أو فيما يخُصّ المشروع الإيراني الإقليمي، أو فيما يخُصّ الدعم الثابت لمحور المقاومة وانتشار الحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين. كذلك سيمضي بزشكيان على خُطى الراحل إبراهيم رئيسي في تحسين العلاقات مع الدول الخليجية، وفي مقدِّمتها العلاقات مع المملكة العربية السعودية؛ نتيجةً لتصريحات خامنئي الإيجابية تجاه هذه المسألة. لكن سيواجه الرئيس في ذلك المسار معضلة كيفية التوفيق بين دعمه وتأييده لدبلوماسية الميدان، التي تتعارض مع المواقف العربية في كثير من الأحيان، وبين وتبنِّيه دبلوماسية الحوار والانفتاح واستمرارية العلاقات مع دور الجوار والعالم.
كذلك، فإنَّ المصالح الإيرانية الإستراتيجية في ساحات التمدُّد في المنطقة العربية، ومساعي إيران للحفاظ على مكتسبات مشروعها التوسُّعي، لا تُنبئ بتغييرات كبيرة في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد بزشكيان. ويعتبر العديد من المراقبين أنَّ موقف بزشكيان من محور المقاومة، يحمل دليلًا على عدم حدوث أيّ تغيُّرات في سياسات إيران تجاه المشروع التوسُّعي في عهده.
رُبَّما يتحَّدث البعض عن إمكانية عودة سيناريو التجاذبات بين الخارجية والحرس الثوري، الذي كان سائدًا في عهد الرئيس روحاني-ظريف؛ نتيجة تدخُّل الحرس الثوري في المهام الدبلوماسية، لكن يبدو الأمر مختلفًا في فترة حُكم بزشكيان؛ بسبب العلاقة التي تبدو جيِّدةً بين بزشكيان وخامنئي والحرس الثوري.
3. اقتصار التغيير المُتوقَّع على الأدوات والنتائج:
مقابل صعوبة المساس بمقاربات السياسة الخارجية، يمكن للرئيس أن يتحرَّك في المساحات المحدودة أو المسموح له بها من النظام تجاه العالم الخارجي، وعادةً ما تتعلَّق بأدوات ونتائج تنفيذ السياسة، بل وفي نبرة التعاطي والتحدُّث مع العالم الخارجي، حيث يُتوقَّع أن يُعلي الرئيس من النهج البراجماتي مع الغرب بنبرة معتدلة مغايرة عن نبرة «المحافظين»، الذين يمنحون الأولوية لسياسة الانغلاق والبُعد الأيديولوجي على البرجماتي تجاه العالم الخارجي. وبالتالي، فإنَّ فوز الرئيس بزشكيان سيُتيح فُرصة لطهران للتواصل مع الغرب. وينسجم توجُّه البرجماتي مع توجُّهات النظام، الذي بات يُنظَر إليه على أنَّه كلمة السرّ المقدَّمة للغرب قبل مجيء ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، حيث أنَّ لإيران تجربةً سيِّئةً للغاية مع ترامب. لذلك، سيوفِّر بزشكيان ذو الفكر المعتدل والموقف المرِن والوجه المبتسِم فُرصةً للنظام للجلوس على مائدة المفاوضات بأريحية، ولا ننسى أنَّ حكومة رئيسي كانت تتفاوض مع الغرب من خلال سلطنة عُمان، وتمكَّنت من تحقيق بعض الإنجازات المتعلِّقة برفع نسبة صادرات النفط للعالم الخارجي واسترداد الأموال المجمَّدة، مستفيدةً من فترة حُكم الرئيس الأمريكي جو بايدن. أمّا الرئيس بزشكيان قد يتمكَّن من خلْق قنوات أفضل، وإجراء مفاوضات مباشرة مع الغرب تفضي إلى اختراق دبلوماسي، لكن حال طال أمد المفاوضات، وهو أمرٌ مُتوقَّع، فقد يصطدم بمواقف ترامب عند انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة في نوفمبر 2024م، في ظل ارتفاع حظوظه الانتخابية.
احتمالات تحقيق اختراق دبلوماسي في الاتفاق النووي أمرٌ ممكن، لا سيّما مع وجود كبير مستشاري السياسة الخارجية لحملته الانتخابية ورئيس المجلس المعني بترشيح الوزراء والمسؤولين للرئيس؛ محمد جواد ظريف، الذي سبق أن رعى توقيع بلاده على الاتفاق النووي 2015م، وإن كان مساره سيواجه مسار تحدِّيات الكلمة الحاسمة، التي ستكون حتمًا في يد المرشد والمؤسَّسات النافذة.
4. سقْف التوقُّعات المحُتمَل من إحياء المفاوضات النووية:
على الرغم من أنَّ توقُّع حدوث اختراق دبلوماسي كبير يفضي إلى عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي ورفع العقوبات لا يزال بعيد المنال، في ظل المواقف المتباعِدة بين إيران والولايات المتحدة وترتيبات الانتخابات الرئاسية الإيرانية والأمريكية، غير أنَّ الجهود المُحتمَلة لحكومة بزشكيان قد تُفضي في المرحلة الأولى إلى خطوات معيَّنة في المجال النووي، مثل: قبولها تقليص نِسَب إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، وتعدُّد زيارات مفتِّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية إلى المواقع النووية، مقابل إقدام واشنطن على مزيد من تخفيف القيود على صادرات النفط الإيراني، والعمل مع صندوق النقد الدولي على شطْب إيران من القائمة السوداء، التي حالت دون قُدرة إيران على جذْب الاستثمار الأجنبي، والوصول إلى الشبكات المصرفية الدولية؛ ما فاقم الأزمات في الداخل الإيراني، وأن يتعهَّد الأوربيون بعدم إعادة فرْض العقوبات لينتهي مفعولها في أكتوبر 2025م.
لكن تظل هناك عقبات كُبرى ماثلِة أمام الرئيس الجديد، تتقدَّمها محدودية صلاحياته وأزمات الداخل الإيراني، وكيفية تعديل قانون خفْض الالتزامات النووية، في ظل هيمنة «المحافظين» على مؤسَّسات الدولة، لا سيّما البرلمان، ومناخات التأزُّم الإقليمي وانخراط الوكلاء في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وأزمة ثقة النظام الإيراني والمؤسَّسات النافذة في الولايات المتحدة. وبالتالي، لا يجب توقُّع تغييرات جوهرية في المقاربة الإيرانية تجاه العالم الخارجي، حيث سيضطرّ الرئيس على العمل بحسب مقتضيات وأطروحات وأهداف النظام، الذي يحكمه «الولي الفقيه»؛ وبالتالي سينحصر تأثير بزشكيان من خلال ضبْط إيقاع السياسة الإيرانية تجاه العالم الخارجي.
خاتمة
يشكِّل ملف العلاقات الخارجية عامَّةً والاتفاق النووي ورفْع العقوبات، أبرز اختبار أمام الرئيس «الإصلاحي» المُنتخَب، وهذا نظرًا لعدم قُدرته على تغيير الخطوط العريضة للإستراتيجية الإيرانية، التي يمسك بتلابيبها المرشد الأعلى. لذلك، سارعَ الرئيس الجديد للتأكيد على توافقه الكامل مع المرشد حول توجُّهات السياسة الخارجية للبلاد؛ كحقوق إيران النووية، والموقف من إسرائيل والمشروع الإقليمي، وهو يدافع عن الآليات التي يمكن توظيفها لتحقيق هذه الأهداف بُغيةَ رفْع العقوبات المفروضة على البلاد. وبغضِّ النظر عن الشخصية التي ستستلم حقيبةَ وزارة الخارجية، فإنَّ عملية صُنع القرار الخارجي قد تشهد بعض التعقيدات مع المؤسَّسات الأخرى المشاركة فيها، والتي تخضع للمرشد ويسيطر عليها التيّار «المحافظ».
يمتلك مسعود بزشكيان العديدَ من الفُرَص داخليًا وخارجيًا، التي قد تمكِّنهُ -في حال توظيفها بشكل جيِّد- من تحييد القُوى المناوئة له في مؤسَّسات الدولة، وتحصيل بعض التنازلات من القُوى الإقليمية والدولية، التي سيكون من مصلحتها ترجيح كفَّة «الإصلاحيين» في الداخل، وخفْض التصعيد في الخارج. لكن من ناحية ثانية، لا يمكن إغفال التحدِّيات، التي قد تحولُ دون تجسيد الرئيس الجديد للأهداف التي سطَّرها خلال حملته الانتخابية في السياسة الخارجية، خاصَّةً في الأشهر الأولى من رئاسته، التي تتزامن مع عملية الانتخابات الرئاسية الأمريكية وإجراءاتها الطويلة نسبيًا. لذلك، فإنَّ الأرجح أن يحقِّق الرئيس الجديد على المدى المتوسِّط، بعض المكاسب والاختراقات المحدودة للقضايا الإشكالية في علاقات إيران الدولية، وفي مقدِّمتها المفاوضات النووية، وبرامج الصواريخ البالستية.
[1] – برگزاری مهر، پزشکیان: لن أرفع أسعار البنزين، (01 يوليو 2024م)، تاريخ الاطلاع: 12 يوليو 2024م، https://bit.ly/3xGA5Y0
[2] – المرجع السابق.
[3] – Iranian President-elect Masoud Pezeshkian, My message to the new world, Tehran times, (July 12, 2024), Accessed: July 12, 2024, https://2u.pw/FZTODEIZ
[4] – خبرگزاری ایسنا، المرشد في رسالة بمناسبة الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة: يجب أن تصبح السلوكيات التنافسية أثناء الانتخابات أعرافًا للصداقة، (06 يوليو 2024م)، تاريخ الاطلاع: 20 يوليو 2024م، https://bit.ly/3RW0B6P
[5] – Iranian President-elect Masoud Pezeshkian, My message to the new world, Tehran times, Ibid.
[6] – Iranian President-elect Masoud Pezeshkian, My message to the new world, Tehran times, Ibid.
[7] – خبرگزاری مهر، رسالة بزشكيان إلى حسن نصر الله؛ دعم المقاومة يستمر بقوة، (08 يوليو 2024م)، https://bit.ly/3xPPwNG
[8] – مجتبی هاشمى، سلام پزشکیان به نصرالله؛ ادامه همپیمانی با نیابتیها، العربية فارسي، (10 ژوئیهٔ 2024)، ت، تاريخ الاطلاع: 20 يوليو 2024م، https://2u.pw/WRc7eSeB
[9] – خبرگزاری ایرنا، بزشكيان: طريق سليماني كان طريق الوحدة والتعاطف، (19 يوليو 2024م)، تاريخ الاطلاع: 20 يوليو 2024م، https://bit.ly/3y6iMzS
القائد العام للحرس اللواء حسين سلامي، وقائد القوات الجوفضائية للحرس العميد أمير علي حاجي زاده ، وقائد القوّات البرِّية للحرس العميد محمد باكبور، وقائد القوّات البحرية للحرس علي رضا تنغسيري، وقائد فيلق القدس العميد إسماعيل قآني، ورئيس منظَّمة مكافحة التجسُّس بالحرس العميد مجيد خادمي، وقائد وكالة استخبارات الحرس الثوري العميد محمد كاظمي، وقائد قوّات الباسيج العميد غلام رضا سليماني، وقائد قوّات خاتم الأنبياء العميد عبد الرضا عابد، وممثِّل المرشد في الحرس عبد الله حاجي صادقي.
[10] – خبرگزاری ایسنا، كبار قادة الحرس الثوري يلتقون بالرئيس المنتخب، (14 يوليو 2024م)، تاريخ الاطلاع: 18 يوليو 2024م، https://bit.ly/4cQtWrg
[11]– خبرگزاری مهر، پزشکیان: لن أرفع أسعار البنزين، (01 يوليو 2024 م)، تاريخ الاطلاع: 12 يوليو 2024م، https://bit.ly/3xGA5Y0
[12] – Iranian President-elect Masoud Pezeshkian, My message to the new world, Tehran times, Ibid.
[13] – Ibid.
[14] – Ibid.
[15]– عبدالرضا فرجی راد، پزشکیان زنگ هشدارهای سیاست خارجی را شنیده است!، موقع فرارو، (۲۱ تير ۱۴۰۳)، تاريخ الاطلاع: 18 يوليو 2024م، https://bit.ly/4f2NydJ
([16]) ألون بن مئير، التعاون مع الرئيس الإيراني الجديد يفوق بكثير المخاطر، جيروزاليم بوست، https://www.jpost.com/opinion/article-810155
([17]) Ellie Geranmayeh, Managed reform: What Iran’s new president means for European diplomacy, European Council on Foreign Relations, 10/07/2024, (24/07/2024), https://bit.ly/3S3brYM
([18]) ALON BEN-MEIR, Cooperating with Iran’s new president far outweighs the risks – opinion, Jerusalem Post, JULY 14, 2024, https://tinyurl.com/22pk4kvr
([19]) صابر غُل عنبري، پزشکیان و چالشهای سیاست خارجی تعاملی!، دیپلماسی ایرانی، (۲۰ تیر ۱۴۰۳) تاريخ الاطلاع: 24/07/2024م، https://bit.ly/4czkqZH
([20]) كامران كرمي، ایران و شورای همکاری تداوم و تغییر، صحيفة دنياي اقتصاد، (۱۴۰۳/۰۴/۲۴) تاريخ الاطلاع: 24/07/2024م، https://bit.ly/3zD3Md3
([21]) عبد الرضا فرجي راد،المرجع السابق.
([22]) وكالة تسنيم، خامنئي: كانت حكومة رئيسي حكومة عمل وأمل ونشاط ، https://bit.ly/4bxdLhp
([23]) خبر اونلاين ، هشدار تلخ اقتصاددانان درباره «توقف» اقتصاد ایران/ تاجیک: ۱۲۰ میلیارد دلار یارانه انرژی پرداخت میشود ، (۲۴ تیر ۱۴۰۳) تاريخ الاطلاع: 24/07/2024م، https://bit.ly/4cBZyRC
([24]) غيث علاو، مانشيت إيران: سؤال لبزشكيان.. هل استأجر ظريف الرئاسة منك؟، موقع الجاده،(20/072024) تاريخ الاطلاع: 24/07/2024م، https://aljadah.media/archives/78490
([25]) Jason M. Brodsky, Don’t fall for the spin that Iran’s new president, Masoud Pezeshkian, is a reformer, the Jewish Chronicle, 08/07/2024, (24/07/2024), https://bit.ly/45VhFj2
([26]) موقع انتخاب، دیدار رئیس جبهه اصلاحات با رئیسجمهور منتخب، (۲۵ تير ۱۴۰۳) تاريخ الاطلاع: 24/07/2024م، https://bit.ly/3y8Y1Dw
([27]) علي رضا علوي تبار، اگر کابینه پزشکیان نماد تداوم وضع موجود باشد همه باختهایم، موقع رويداد 24،(۲۴ تير ۱۴۰۳) تاريخ الاطلاع: 24/07/2024م، https://bit.ly/3Y0ih4U
([28]) تُعَدُّ حادثة مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني أحد أبرز النماذج من تلك العلاقة الراعية بين الحرس الثوري ورئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، فقد كشف محمد جواد ظريف في مذكِّراته أنَّ الحرس الثوري أبلغ الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق رئيس الوزراء العراقي، بأنَّهم سيرُّدون على حادثة القتل باستهداف رمزي للقواعد العسكرية الأمريكية، في حين لم يعلم هو بذلك، ولاحقًا خرج رئيس الجمهورية حسن روحاني ليؤكِّد كلام ظريف، وقد تزامن ذلك مع تصريحات للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قال فيها إنَّه وافق على عدم الرد على الهجمات الإيرانية، التي أبلغوا بها مُسبقًا كإجراء على مقتل قاسم سليماني.
([29]) صابر غُل عنبري، المرجع السابق.
([30]) ELI DIAMOND, Prepare for a Nuclear Iran, NATIONAL REVIEW, 14/07/2024, (24/07/2024), https://bit.ly/3zMAl8M
([31]) صابر غُل عنبري، المرجع السابق.
([32]) تمديد العقوبات الأوروبية الأحادية الجانب على إيران، وكالة تسنيم، https://bit.ly/3zHN64g
([33]) وحدة الدراسات الأوروبية، ما بعد صعود اليمين: آفاق سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية تجاه الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، مركز الامارات للسياسات، (19/06/2024م) تاريخ الاطلاع: 24/07/2024م، https://2u.pw/9shg7bWJ