وفقًا للإدارة الأمريكية، في 20 سبتمبر انقضت مُهلة الشهر المتعلقة ببند آلية سناب باك في خطة العمل الشاملة المشتركة، مما أدى إلى تفعيل الآلية. وعندما قدمت واشنطن طلبًا للأمم المتحدة في 20 أغسطس لإعادة فرض العقوبات الأممية التي كانت قبل عام 2015، ردًّا على «عدم امتثال» إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، واجهت معارضة أعضاء دائمين في مجلس الأمن مثل فرنسا والمملكة المتحدة روسيا والصين. الجدير بالذكر أنّ روسيا والصين قد عارضتا سياسة أمريكا تجاه إيران والاتفاق النووي منذ زمن.
وفي سياق معارضتها لتفعيل آلية سناب باك، أكّدت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا -المعروفة أيضًا بـ«الدول الأوروبية الثلاث»- في بيان مشترك أنّ الولايات المتحدة الأمريكية «لم تعُد عضوًا مشاركًا في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحابها من الصفقة في 8 مايو 2018». وأكدت الدول الأوروبية الثلاث من جديد التزامها خطة العمل المشتركة الشاملة على الرغم من التحديات الكبيرة الناتجة عن الانسحاب الأمريكي. ومع ذلك، شددت الدول الأوروبية الثلاث على ضرورة «معالجة القضية الحالية، المتمثلة في عدم الامتثال الإيراني المنهجي لالتزاماتها في خطة العمل المشتركة الشاملة، من خلال الحوار بين المشاركين في خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك من خلال اللجنة المشتركة واستخدام آلية تسوية النزاعات». وكانت الولايات المتحدة قد فرضت مجموعة كبيرة من العقوبات واسعة النطاق على إيران.
دبلوماسيًّا، يُنظر إلى مطالبة البيت الأبيض لتفعيل آلية سناب باك على أنها إجراء رمزيّ قبل الانتخابات الرئاسية الحاسمة. وتطرّق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى مسألة خيانة الدول الأوروبية الثلاث في نقاشاته التي يصدّقها غالبية مؤيدي ترامب، وعليه فإنّ إجراءات سناب باك الجديدة ستكون في الغالب على شكل عقوبات أمريكية أحادية الجانب، بالإضافة إلى العقوبات الحالية ضد إيران.
الإسفين بين الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة
بالطبع لم يلقَ الموقف الفرنسي والبريطاني والألماني قبولًا في الولايات المتحدة، ويبدو أنّ الصفقة التجارية التي يرغب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في توقيعها مع الولايات المتحدة على المحكّ حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وبالنسبة إلى فرنسا وألمانيا، فقد توترت العلاقات عبر الأطلسي بسبب بعض الخلافات السياسية مع الولايات المتحدة.
يبدو أن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين غير قلقين من احتمال انتقام واشنطن لعدم التزامهم سياستها تجاه إيران في ما يتعلق بآلية سناب باك، ومن غير المرجَّح أن تتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والأوروبيين لأن الرئيس ترامب مشغول الآن كليًّا في سباق الرئاسة حتى 3 نوفمبر المقبل.
وفي حين أنه من المرجّح أن تطلق إيران قمرًا صناعيًّا جديدًا إلى الفضاء مع استمرارها في اختباراتها المعتادة للصواريخ، فقد لا تثمر دبلوماسية الباب الخلفي التي تقودها سويسرا إلى أيّ انفراجات تثبط من نشاطات إيران التسليحية. وعلى الرغم من أنّ الدول الأوروبية عارضت مساعي الولايات المتحدة لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، فإنها استمرّت في ضغوطها على إيران في ما يتعلق بصفقات إيران لشراء أسلحة متطورة بعد رفع حظر الأسلحة عنها في 18 أكتوبر الجاري.
وفي سياق معارضتها لقرار الولايات المتحدة في تفعيل آلية سناب باك، أعربت الدول الأوروبية الثلاث في عدد من المناسبات عن قلقها بشأن انتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، ولا سيّما ما يحمله من عواقب على الأمن الإقليمي. وردًّا على رسالة واشنطن إلى مجلس الأمن لتفعيل آلية سناب باك، صرّحت الدول الأوروبية في بيان لها بأنهم مُصِرّون على تقديم إجابات مناسبة لهذه التحديات، وسيواصلون العمل مع جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي وأصحاب المصلحة للبحث عن طريق مناسب للمضيّ قُدمًا في الحفاظ على مساحة لمزيد من الدبلوماسية. ولن يفضي بالضرورة انتخاب جو بايدن إلى عودة العلاقات الأمريكية-الإيرانية لما كانت عليه في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لكن بايدن صرح عدة مرات بنيّته العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا التزمت طهران بنود الاتفاق التزامًا كاملًا، وهذا ما حاولت الدول الأوروبية تحقيقه، عودة واشنطن إلى الاتفاق وامتثال إيران الكامل لبنوده. وفي الوقت نفسه، سيتعيّن على الدول الأوروبية الثلاث، أو أيّ دول أخرى تتعامل مع الولايات المتحدة، أخذ هذا الأمر في الحسبان قبل إبرامهم لأيّ صفقات أو تبادلهم للتقنيات مع المؤسسات والقطاعات والأفراد في إيران الخاضعين للعقوبات الأمريكية.
وطَوال فترة رئاسة ترامب، برزت مجموعة الدول الأوروبية ككتلة حازمة تمسكت بمواقفها في مختلِف القضايا السياسية لمواجهة الولايات المتحدة، مع الحفاظ على نشاط قنواتها الدبلوماسية مع الصين وروسيا وإيران ودول الخليج.
إستراتيجية الضغوط القصوى والمجابهة الإيرانية القصوى
سجّلت عائدات النفط الإيرانية زيادة في أغسطس وسبتمبر، ويرجع ذلك أساسًا إلى خط شحنات النفط المتتالية بين إيران وفنزويلا.
وفي المقابل، حصلت طهران على الذهب، مما عزّز احتياطيات البنك المركزي الإيراني بشكل كبير. إنّ نطاق اتفاقية التعاون الثنائي بين إيران وفنزويلا لا يتّسم بالشفافية الكاملة، وتظهر المعلومات بشكل مجتزَأ.
وتستعدّ واشنطن لفرض عقوبات جديدة على القطاع المالي الإيراني، الأمر الذي لن يجعل التعامل مع إيران له تدابير عقابية فحسب، بل سيجعل من الصعب أيضًا على إدارة بايدن المحتملة التراجع عن هذه العقوبات. ومن المقرر أن يصنّف البيت الأبيض القطاع المالي الإيراني بموجب الأمر التنفيذي 13902، الذي أهمله ترامب في يناير، لتطبيق العقوبات على قطاع صناعات التعدين والبناء في إيران. وتهدف هذه الخطوة إلى التأثير على مكاتب التحويلات والصرافة ونظام التحويل غير الرسمي في إيران. ومن الصعب تقييم تأثير مثل هذه العقوبات مسبقًا، فعلى مدى عقود، برعت طهران في الالتفاف على العقوبات المالية القانونية.