يتناول هذا التقرير ظاهرة حديثة تُسَمَّى “الزواج الأبيض”، تنتشر منذ عام أو عامين بين شرائح المجتمع الإيراني. ويدور الحديث فيه حول أسباب العيش مع الشريك دون عقد زواج رسمي ولا شرعي، الأمر الذي أثار مخاوف رجال الدين والمسؤولين في نظام الوليّ الفقيه، لدرجة أن المساعد التقني في مكتب الشؤون الصحية لوزارة الصحة محمد إسلامي، صرح لأول مرة بأن وزارة الداخلية تتدخل حاليًّا لمعالجة هذا الموضوع، مشدِّدًا على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة حول مسألة الزواج الأبيض في البلاد، وبالفعل شكّلت وزارة الداخلية لجنة معنيَّة بمعالجة هذه المسألة، وقد يُعلَن عن النتائج التي توصلت إليها اللجنة في المستقبل القريب. ويترأس اللجنة وكيل وزير الداخلية في الشؤون الاجتماعية.
» الحياة دون زواج.. وناقوس الخطر
نظّمت رابطة علم الاجتماع بإيران جلسة بعنوان “تجربة الحياة في إطار العيش معًا دون زواج محورًا للبحث”. أرادت الرابطة أن تلفت الانتباه لواقع آخَر بهذا الشأن، قد يصل إلى مستويات الخطر مستقبَلًا في حال التستُّر عليه مرة أخرى. وتحدثت ليلى شيري قيداري، حاصلة على ماجستير علم الاجتماع عن رسالتها التي استغرق إنجازها ثلاث سنوات. تقول ليلى عن نتائج هذه الدراسة الجامعية التي حلّلت فيها المحتوى الكيفي لآراء 20 من الأزواج: “يسود في هذا النوع من العلاقة بشكل ما نفس التمييز وعدم المساواة الموجود في الزواج الرسمي، لأن الهيكليات الاجتماعية تمنح السلطة الكبرى للرجال. في ما يتعلق بالعيش معًا دون الزواج فإن عائلة الرجل تتأقلم بسهولة أكبر مع هذا الموضوع وتتحقق حتى زيارات للطرفين. أما المرأة فتُطرَد من العائلة بشكل كامل فتتضاءل فرص عودتها إلى أحضان الأسرة في حال الانفصال، فتُضطرّ المرأة التي دخلت في هذا النوع من العلاقة إلى الاستمرار فيها. واستنادًا إلى أقوال الأزواج الأولية فإن عملية توزيع الوظائف تغيب عن هذا النوع من الحياة المشتركة، ولكن على المرأة في النهاية أن تؤدّي نفس الواجبات المفروضة عليها في الزواج الاعتيادي. والرجل لا يتحمل المسؤولية إلا قليلًا، في الوقت الذي تبقى فيه الظروف المحيطة بهذا النوع من العلاقة مُبهَمة للغاية وتحمل مجازفة كبيرة”.
» التداعيات السلبية لهذه الظاهرة على شباب المجتمع
يقول عالم الاجتماع أمير مسعودي أمير مظاهري: “لا يمكن الوصول إلى معلومات بهذا الشأن إلا قليلًا للغاية”، غير أن عدم المعرفة وعدم معالجة هذه القضية يمكن أن تكون لها تداعيات اجتماعية. يمكن الاستنتاج من خلال النظرة الأولية أن شريحة كبيرة من المجتمع تعتبر هذا النوع من العلاقة حقّ اختيار شخصيًّا، وتكفل حرية أكبر للبنات والشباب. ولكن هل تَحقَّق فعلًا شيء من هذه الحرية الفردية في ضوء هذه العلاقة؟
تشير المعطيات إلى أن الظواهر الجديدة التي تنتشر في المجتمع تصبّ في صالح النظام الرجولي، لأن الفرص الاجتماعية في المجتمع تصبّ في صالح الرجال. يتملّص الرجل في مثل هذه العلاقات من المسؤوليات التي تقع على عاتقه في الزواج الرسمي، في الوقت الذي تتحمل فيه المرأة نفس المسؤوليات التي تتحملها في الزواج الرسمي، ناهيك بأن المرأة تتعرض لوصمة العار الاجتماعية. إضافة إلى ذلك يتأقلم الرجل بسهولة أكبر مع الفشل العاطفي مقارنةً مع المرأة. وأعرب معظم النساء عن السعادة ردًّا على الأسئلة المطروحة عليهن، ولكن تحليل فحوى الإجابات يشير إلى أن المرأة مُضطرّة إلى وضع القناع الذي يُظهِر أنها تؤيّد نمط الحياة الذي اختارته، أي العيش معًا دون زواج، وأنها تسعى لتقديم صورة لامعة عنه. ولكن الواقع يشير إلى أن آراء النشطاء الاجتماعيين تختلف تمامًا مع إجابات الأزواج.
» كسر العادات أم ظروف اجتماعية متدهورة؟
ويرى أمير ظاهري أن الأسباب التي تدفع أبناء الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة إلى الدخول في هذا النوع من العلاقة مختلفة، قائلًا: “تسعى الفئة الأولى إلى كسر العادات والتقاليد ويخضع أبناء الطبقة الفقيرة إلى هذه الظروف لأسباب اقتصادية”.
“أميد علي أحمدي” عالم الاجتماع وعضو الهيئة العلمية في جامعة الإسلامية الحرة قدم في مستهل كلمته تعريفًا لمصطلح “العيش سويا دون الزواج” وقال:”هذه علاقة بين جنسين حيث تفتقر إلى سند قانوني واجتماعي. فترة الاستمرار في هذه العلاقة مجهولة وتختلف كليا عن صورة الزواج. وتشير الأبحاث في الغرب إلى أن هذا النوع من العلاقات لم يحل محل كيان الأسرة. وقد وصلت نسبة هذا النوع من الحياة المشتركة في أمريكا من 1 بالمائة إلى 8 بالمائة”.
وتحدث أحمدي عن ثلاثة أنواع من الردود بهذا الشأن في إيران: “خطاب الإنكار على الصعيد الرسمي وتقديمه على أنه عرَضِيّ في حال الاعتراف به، والنظرة الواقعية التي يتبناها الخبراء لكون هذا النوع من العلاقات له تداعيات سلبية، والخطاب المنتقد لهذا النوع من العلاقات لأسباب دينية”. كان عدم فاعلية مؤسَّسة الزواج أحد المحاور التي تحدث عنها أميد علي أحمدي، فقال: “بيئة التعارف بين الأزواج على الطريقة التقليدية في البلاد غير متوافرة، والشباب لا يستطيعون بناء الثقة بينهم بسهولة، مِمَّا مهَّد لظهور وانتشار العيش معًا دون زواج، وذلك إلى جانب الكلفة الباهظة للزواج. لذا سنشهد نزعة أكبر إلى هذا الموضوع ما لم تُفعَّل مؤسَّسة الزواج. ولظهور هذه الظاهرة في إيران أسباب أخرى، وهي النزعة إلى العرف والعلمانية، ونزع القدسية عن الزواج، والنزعة الفردية، والعقلانية، واتجاهات ما بعد الحداثة”.
» دافع العجز والصورة الاجتماعية المشوَّهة
وأشار أحمدي إلى النتائج التي تَوَصَّل إليها عدد من الأبحاث الغربية بهذا الخصوص وقال: “يسود العنف والإساءة إلى الأطفال، والفقر بين الأطفال، في هذا النمط من الحياة أكثر من العائلات التي يرتبط الزوجان فيها بالزواج الرسمي، لأن الشريكين يبادران إلى العيش معًا دون زواج ليمهِّدا لعقد زواج رسميّ لاحقًا. أما هذه العلاقة في إيران فتنتشر بسبب عجز الشباب عن الزواج في المدن الكبيرة، بخاصة بين الطلاب أو الذين يعملون في مدينة أخرى حيث تفرض طبيعة حياتهم نوعًا من السرية عليهم”.
لم يُطرح نقد شامل حول هذه الظاهرة الحديثة التي انتشرت منذ ثلاث سنوات في البلاد، ويرى أحمدي أنه يجب عدم التملُّص من هذه الظاهرة التي أصبحت واقعًا اجتماعيًّا، ويجب أن نفهم ماذا فعلت الأنظمة بالنساء والفتيات حتى اخترن اللجوء إلى هذا النمط من الحياة الذي تعلم المرأة أنه لا يصبّ في صالحها.
» أضرار الأنظمة غير السليمة
تقول عالمة الاجتماع عالية شكر بيكي: “كان الحديث عن هذا الأمر ممنوعًا خلال فترة ما في إيران، ولكن اليوم نلاحظ -لحسن الحظّ- اهتمامًا حتى من وزارة الداخلية، فقد بدأت تتابع الأمر بشكل جدي منذ ثلاثة أشهر ووضعته على جدول أعمالها، بسبب أهمية هذا الموضوع والتداعيات السلبية الناتجة عن إهماله”.
وأضافت شكر بيكي: “أدّت الهيكليات غير السلمية إلى أن يبحث المجتمع خلال الأعوام الأخيرة عن حلول لمشكلاته. وقال كثير من الذين لجؤوا إلى هذا الخيار إنهم لم يتمكنوا من تكوين حياة عادية، ولكن المجتمع يقف إلى جانب الشباب (الذكور) في هذا المجال”.
وتناولت وسائل الإعلام خلال العامين الأخيرين الزواج الأبيض بكثرة، واعتبره البعض العيش الأسود دون الزواج. وعلى أي حال، يرى عالِم الاجتماع مظاهري أنه “لا يهمّ بِمَ نسمي هذه الظاهرة، ولكن المهمّ هو الظاهرة التي تنتشر إلى جانب هذا الاسم. إذا لم نضع آليات وأُطُرًا لها فسنواجه تداعيات على مستويات مختلفة في المجتمع. إذا كنا نشعر بالفعل بالقلق فيجب أن نضع سياسات وخُطَطًا لتمكين مؤسَّسة الزواج من أداء دورها ومهامِّها الرئيسية”.
تَعرَّضَت هذه الدراسة لانتقادات كثيرة بسبب اتجاهاتها ونظرتها في معالجة الأمر، ويرى البعض أن الدراسة تنظر إلى المرأة كأنها ضحية، غير أن أحد الباحثين المشاركين في إعداد الدراسة نفى ذلك قائلًا: “لم نتبنَّ نظرة سلبية حيال هذا النوع من الحياة المشتركة (بلا الزواج) في بداية إعدادنا للدراسة، ولكن نظرتي إلى الأمر تغيرت في خضم الدراسة. ولقد أظهرت نتائج الدراسة أن الرجال يبحثون من خلال هذا النوع من العلاقات عن فرصة ولا ينوون في البداية عقد زواج رسميًّا، وأنهم يُعرِبون عن هذا الأمر بشكل أسهل من النساء اللاتي لم يُبدِين استعدادهن للتعبير عن وجهة نظرهن أمام المجتمع إلا قليلًا”. وترى عالية شكربيكي أن “الدراسة عندما تتحدث عن فشل مؤسَّسة الزواج فهي تنتقد الأسرة، وهذا يطرح سؤالًا: ما الاتجاه الذي سلكته مؤسَّسة الأسرة والأنظمة لإيصال المجتمع إلى طريق مسدود؟”.
(مادة مترجمة عن صحيفة “شهروند”)