في 26 فبراير 2024م، صرَّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنَّه لا يستبعد إرسال قوّات برِّية إلى أوكرانيا، لكنّه أقرَّ بعدم وجود توافق في الآراءِ حول هذه الخطوة، خلال اجتماعٍ ضمَّ 20 من القادة الأوروبيين في باريس؛ بهدف تعزيز مستوى الردّ الأوروبي على التقدُّم العسكري الروسي داخل أوكرانيا.
أثارت التصريحات، التي أطلقها الرئيس ماكرون حول إمكانية إرسال قوّات لدعم أوكرانيا في مواجهتها العسكرية ضدّ روسيا، توترُّاتٍ ليس فقط مع السُلطات الروسية، لكن أيضًا داخل التحالف الغربي نفسه، خاصَّةً بين الدول الأوروبية؛ إذ طلبت روسيا في 9 مارس 2024م عقْد اجتماعٍ لمجلسِ الأمن الدولي، لمناقشةِ فكرة ماكرون لإرسال قوّات إلى أوكرانيا. إلّا أنه وبعد أن أثار ماكرون إمكانية إرسال قوّات إلى أوكرانيا، اعترضت برلين والعديد من العواصم الأوروبية الأخرى على هذه الفكرة. وعلى الرغم من ذلك، أشاد وزراء البلطيق بفرنسا؛ لــ «تفكيرها خارج الصندوق». ويبدو أنَّ فرنسا تبني تحالفًا من الدول، التي لديها انفتاح حول إمكانية إرسالِ قوات غربية إلى أوكرانيا؛ ما يعمِّق خلافها مع برلين الأكثر حذرًا من هذه الخطوة. وفي الواقع، قالت معظم الدول الأوروبية، بما في ذلك جمهورية التشيك وبولندا وأيضًا ألمانيا، إنَّها ليس لديها نيّة لمثل هذه الخِطَط. إلّا أنَّ دول البلطيق الثلاث، وهي الأكثر تعرُّضًا لأيّ هجوم روسي في حال ربِحَت موسكو حربها ضدّ أوكرانيا، أكثر انفتاحًا على هذه الفكرة.
وفي ظل أوروبا المُنقسِمَة ونقْص الدعم من واشنطن، أوضح وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو في 8 مارس 2024م، أنَّ نشْر القوّات الغربية للقتال ضدّ روسيا على الأرض في أوكرانيا ليس مطروحًا على الطاولة، لكن يجب إيجاد طُرُق جديدة لاحتواء الحرب الأوكرانية-الروسية.
تُعَدُّ المخاوف اليوم من التصعيد، أحد الدوافع الرئيسية التي تُفسِّر سلوك الدول الأوروبية تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية. هذه إحدى نقاط التبايُن مع السُلطات الأوكرانية، التي لا تنظُر إلى المخاوف من التصعيد كعامل حاسم في تشكيل الدعم العسكري الأوروبي لمجهودها الحربي ضدّ روسيا. وحسبما أفاد به وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبالي، فإنَّ هذا الخوف من التصعيد، هو نِتاج سوء فهْم أوروبي للسياسة الخارجيةِ الروسية. وسألَ الوزير حُلفاءه الأوروبيين الأسئلة التالية: «ما نوع التصعيد الذي تخشون منه؟ وماذا يجب أن يحدث لأوكرانيا أكثر ممّا حدث؛ لكي تفهموا أنَّ هذا الخوف لا طائل منه؟ ماذا تتوقَّعوا من بوتين أن يفعل؟ حسنًا، لقد أرسلت دبابات لكنّني لم أُرسل الصواريخ أو القوّات، لذلك عليكم أن تكونوا ألطف معي من الآخرين؟ هذه ليست الطريقة التي يفكر بها بوتين، هذه ليست الطريقة التي يُعامِل بها أوروبا». تؤكِّد وجهة النظر هذه، أنَّ الجَدلَ حول إمكانية إرسال قوّات إلى أوكرانيا يكشف عن خلافاتٍ عميقة في ثقافات الحرب بين الحُلفاءِ الأوروبيين.
أجرَى النوّاب الأوروبيون تقييمًا لعامي الحرب منذ 24 فبراير 2022م، رأوا فيها أنَّ الحرب غيَّرت جذريًا الوضع الجيوسياسي في أوروبا وخارجها، وأشاروا إلى أنَّ الهدف الرئيسي يكمُن في كسْب أوكرانيا للحرب، محذِّرين من عواقب وخيمة إن لم يحدُث ذلك. يصُبّ النقاش الأوروبي الآن التركيز، على إمكانية مصادرة أُصول روسيا المجمَّدة لدعم إعادة إعمار أوكرانيا. وحسبما أفاد به مؤيِّدو مصادرة الأُصول الروسية المجمَّدة، فإنَّ 290 مليار دولار من الأُصول السيادية الروسية المجمَّدة في الغرب؛ يُوجَد ثُلثاها في أوروبا؛ ما من شأنه أن يُحدِث فرقًا كبيرًا في أوكرانيا أثناء الحرب وبعدها. ويمكن أن يُوفِّر هذا الأمر دعمًا ماليًا مستقِرًّا لأوكرانيا. إلّا أنَّ هذه الخطوة، ستزيد أيضًا من خطر التصعيد العسكري مع روسيا.
تُجري الدول الأوروبية في نهاية المطاف أيضًا، مناقشات لرفعِ وتيرة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك الذخيرة والمدفعية والصواريخ والطائرات بدون طيّار وأنظمة الدفاع الجوِّي. يجري هذا النقاش على المستوى المحلِّي داخل الدول الأوروبية، وأيضًا في نفس الوقت على نطاقٍ أوسع بين الدول الأوروبية. يشهد هذا النقاش الأوروبي توتُّرًا شديدًا، في سياق انتخابات البرلمان الأوروبي، التي ستُجرى في يونيو 2024م.
وتُوجَد حالةٌ من الاستقطابِ بين الأحزاب السياسية الوسطية، التي تحرص على توظيف الخوف من التصعيد العسكري الروسي أداةً لتحدِّي الأحزاب الشعبية، التي تُتَّهَم بأنَّها موالية لروسيا.
يُوجَد أيضًا تبايُن في الآراءِ بين النُّخَب السياسية وعموم الشعب، كما هو واضحٌ في فرنسا؛ إذ يعارض ثلاثة أرباع الفرنسيين (بنسبة 74%)، إرسال جنودٍ إلى الأراضي الأوكرانية. كما ينطوي التوظيف السياسي للحرب لتعزيز البرنامج الانتخابي على مخاطر؛ نظرًا للأوضاع الاقتصادية في أوروبا. في الواقع، تُعَدُّ التكلفة الاقتصادية للحرب بالنسبة للدول الأوروبيةِ المُرفَّهة، من مسبِّبات ارتفاع التضخم، لا سيّما في أسعار الطاقة. ويعتمد احتمال زيادة الدعم العسكري الأوروبي للمجهود الحربي في أوكرانيا، على قُدرات النُّخَبة السياسية الأوروبية على إقناع الجماهير، بأنَّ الحرب مع روسيا ليست على جدول أعمالهم، وأنَّ العواقب الاقتصادية لدعمهم ستكون تحت السيطرة ومحدودة.