السعودية والانضمام إلى «بريكس».. الأهداف والتحدِّيات

https://rasanah-iiis.org/?p=32250

يمثِّل التصريح الذي أدلى به رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، المتضمِّن قرار مجموعة دول البريكس دعوة السعودية -ضمن دول أخرى- للانضمام إلى هذا التكتُّل، إضافةً جديدة إلى زخْم النجاحات التي تحقِّقها المملكة في مسارات تحقيق رؤيتها التنموية. ومن جانبها ثمَّنت السعودية على لسان وزير خارجيتها، سمو الأمير فيصل بن فرحان، الذي مثَّل سمو ولي العهد في حضور قمة دول البريكس التي عُقدت في جنوب إفريقيا، هذه الدعوة، مؤكدًا أن المملكة -بصفتها أكبر شريك لهذه المجموعة في الشرق الأوسط- مستمرة في تعزيز شراكاتها الإستراتيجية، وأشار إلى أن المملكة سوف تنتظر التفاصيل حول هذه الدعوة وطبيعة العضوية ومقوماتها، وبناءً على ذلك سيُتخذ القرار المناسب.

والمتأمِّل في السياسة الخارجية السعودية في الآونة الأخيرة يدرك أنَّها تُركِّز وتسخِّر أدواتها ومواردها وأهدافها حول الرؤية الوطنية 2030، التي تقوم على ثلاثة محاور رئيسية، تتمثَّل في: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، وبالتالي عند تحليل وتفسير السياسة الخارجية السعودية فإنَّه يمكن ملاحظة رغبة الرياض الجادَّة في توسيع تحالفاتها وعلاقاتها الدبلوماسية مع دول الجوار الإقليمي والدول البعيدة عنها جغرافيًّا، بجانب تصفير المشكلات والخلافات السابقة مع المنافسين والخصوم، وأخيرًا تنشيط الرياض دبلوماسيتها من خلال الانضمام إلى أكبر عدد من التكتُّلات والمنظَّمات الدولية، التي تحفظ لها أهدافها ومصالحها الخارجية المُنسجِمة مع رؤيتها.

ووفقًا لذلك، فإنَّ الاقتصاد محرِّك مهمّ للسياسة الخارجية السعودية، ومن هُنا يبرُز السؤال: لماذا قد ترغب المملكة العربية السعودية في أن تكون عضوًا في مجموعة بريكس؟ وما المكاسب والتحدِّيات، التي تنتظر الرياض من انضمامها إلى تكتُّل دول البريكس؟

إنَّ تزايُد ثِقَل السعودية الاقتصادي موخَّرًا، بعد رؤيتها وخُطَطها المستقبلية لهيكلة وتنويع اقتصادها بجانب ريادتها أسواق الطاقة العالمية، أصبح يغريها بفكرة الانضمام إلى مجموعة البريكس، وهو التكتُّل الاقتصادي الضخم، الذي يسيطر على رُبع الاقتصاد العالمي، ويضُمّ أسرع اقتصادات العالم نموًّا، لا سيّما أنَّ الرياض تتبنَّى رؤية اقتصادية طموحة تشجِّعها على الانخراط في تحالفات اقتصادية مع قوى صاعدة، من شأنها تعزيز اقتصادها. في المقابل، فإنَّ دول مجموعة البريكس، في ترحيبها بانضمام المملكة للمجموعة، تضع في اعتبارها ما تتمتَّع به السعودية من موقع إستراتيجي مهم، مدعوم ببرنامج وطني للتحوُّل إلى اقتصاد تنافسي، وقبل ذلك كله وجود ملاءة اقتصادية قوية للمملكة يمكن أن تعزز قدرة المنظمة وفعاليتها، إذ تعد المملكة من أكبر الاقتصادات في الشرق الأوسط تعاملًا مع مجموعة بريكس، فحجم التبادل التجاري بين المملكة ودول المجموعة يزيد على 160 مليار دولار بحسب إحصاءات عام 2022م.

وقد تمثِّل مجموعة بريكس للسعودية مساحةً مهمة لتعزيز طموح الاستقلالية في تنويع تحالفاتها، التي تتطلَّع إليها، بعيدًا عن اعتماد مصالحها على الدول الغربية فقط، التي تجمعها بها علاقات سياسية واقتصادية قوية، لكنَّ ضرورة تعدُّد المحاور الدولية أصبحت أولوية سعودية، وفقًا لإدراكها وتصوُّراتها للوصول إلى أهدافها، من خلال تبنِّي سياسة خارجية واسعة ومرِنة تستوعب الجميع في ما يخدم مكانتها الإقليمية والدولية ومصالحها. تسعى السعودية لتحقيق أهدافها من خلال اتباع نهج الدبلوماسية الاقتصادية الذي لا يتصادم مع طرف أو أطراف ضد أخرى، وترى أنها، بحكم قوتها الاقتصادية والمحورية في كثير من القضايا، قادرة على إنجاح أي تكتل قد تنضمُّ إليه. وفقًا لذلك، فمجموعة بريكس تضم قوى دولية مهمة تجمعها مع السعودية مصالح مشتركة، مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وبالتالي فإن تعزيز علاقاتها مع تلك القوى الدولية مهم ويدعم توازناتها واستقلالية سياستها وتحالفاتها ويزيد الثقة المتبادلة مع تلك الأطراف ويرفع مستوى التنسيق بينهما.

تطرح الرياض نفسها على الساحة الدولية وسيطًا دوليًّا ومحايدًا، خصوصًا بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، وزيادة التجاذبات السياسية ومحاولة الاستقطاب من القوى المؤثِّرة دوليًّا، وبالتالي فإنَّ احتمال انضمام السعودية إلى مجموعة بريكس يُرسِّخ الإرادة السعودية بموقفها المحايد في تلك التجاذبات.

إنَّ معادلة السعودية المتمثِّلة في تقديم المبادرات والوساطات لوقف الحرب أو نجاحها في عقد صفقات لتبادُل الأسرى بين طرفي الصراع، روسيا وأوكرانيا، بجانب تقديمها 400 مليون دولار مساعدات إلى أوكرانيا، واستضافة رئيسها فلاديمير زيلينسكي في اجتماع جامعة الدول العربية الأخير المنعقد في جدة، وعقْد قمة دولية لمناقشة سُبُل إحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا، ثم دعوة المملكة من دول تجمع البريكس للانضمام إلى هذه المجموعة، التي تضم روسيا والصين، التي تراها الدول الغربية أنَّها «قوى مناوئة ومنافسة لها»، هو خير مثال على كسب السعودية ثقة الأطراف المتصارعة والمجتمع الدولي، ويُمهِّد لصعود الرياض للعب دور الوسيط المحايد المُحتمَل في المستقبل، ويُمكِّنها من لعب دور الوساطات بين القوى الدولية والإقليمية وتفعيل الدبلوماسية الوقائية التي تحفظ السلم والأمن الدوليين.

إقليميًّا، تولي السعودية منطقتها أهمِّية كبيرة لدعم بوادر الاستقرار، سيّما بعد الاتفاقية السعودية-الإيرانية موخرًا برعاية الصين لإنهاء الخلافات وتخفيف حدَّة التوتُّرات في المنطقة، التي سادت في الماضي، وتحويل ذلك التنافس الإقليمي إلى نهج دبلوماسي تعاوني يمكن أن يشجِّع إيران على لعِب أدوار إيجابية في المنطقة، وبالتالي فإنَّ وجود السعودية بجانب إيران، التي قُدِّمت إليها الدعوة أيضًا للانضمام إلى مجموعة بريكس، من الممكن أن ينعكس على أمن واستقرار المنطقة وازدهارها -وهذا هدف جوهري للسياسة السعودية- على افتراض التزام إيران جميع تعهُّداتها في الاتفاقية الأخيرة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من المكاسب والفُرَص، التي سوف تحصل عليها السعودية بانضمامها إلى مجموعة البريكس، تبرُز بعض العقبات، التي ستعمل الرياض على الحدّ منها، إذ ستظهر بعض التفسيرات الخاطئة التي قد تفسِّر انضمام السعودية إلى هذا التكتُّل بأنَّه «يمثل اصطفافًا مع دول تمثِّل تحدِّيًا للغرب وتقويضًا للمؤسَّسات الدولية، التي تهيمن عليها الدول الغربية وإقامة نظام دولي جديد لا تكون فيه الولايات المتحدة القطب الأوحد، وفكرة إطلاق عُملة جديدة مشتركة تتحدى الدولار، العملة المهيمنة دوليًّا»، خصوصًا أن العلاقات السعودية الأمريكية لا تعيش أفضل حالاتها.. لكنَّ استمرار الدبلوماسية السعودية الفعَّالة والمكثفة من شأنه إقناع الأطراف كافة بالموقف السعودي المحايد القاضي باستقلاليتها دون الانخراط في التجاذبات السياسية، وبالتأكيد إيضاح أن الوجود السعودي المحتمل في المجموعة سوف يكون داعمًا لعدم تسييس أعمال المجموعة واستقطابها ضد تجمعات أخرى.

إجمالًا، يمكن القول إنَّ الدعوة لانضمام المملكة إلى تكتُّل البريكس يؤكد أنَّ السعودية متمسِّكة بموقفها الرامي إلى استقلاليتها وموازنة علاقاتها مع القوى الدولية المتنافسة، كما أنَّ عدم التأثُّر بالاستقطابات الدولية هو النهج الذي تحاول الدبلوماسية السعودية تحقيقه، بجانب السعي الحثيث لتحقيق أهدافها المبنية على رؤيتها ومصالحها الخاصَّة.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد

محمد عبدالله بني هميم
محمد عبدالله بني هميم
باحث في الشؤون السياسية