يبدو أن الحرب على مقعد رئيس البرلمان بين عارف ولاريجاني قد اشتعلت، ومع التكثيف الإعلامي تحوّلت القضية لمعركة تكاد تحدد مسار العلاقة بين المحافظين والإصلاحيين في المرحلة القادمة. ومن المعروف أن البرلمان الحالي مجلس يتميز بحداثة عهد نوابه بالعمل البرلماني، فثلثا أعضاء البرلمان القديم لم ينجحوا في الوصول إليه، ومعظم مشاهير الإصلاحيين حرمهم مجلس صيانة الدستور من الترشح.
وتزداد أهمية رئاسة البرلمان ولجانه في هذه المرحلة عن سابقتها، نظراً لأن إيران بعد توقيع الاتفاق النووي يتوقع أن تتلقى استثمارات أجنبية ضخمة، وأن تحصل على قدر كبير من أموالها المجمدة في الخارج.
ومن هنا ترتفع قيمة السيطرة على أغلبية المقاعد في البرلمان، نظراً لأنها الهيئة التشريعية المخولة بعمليات الرقابة والتشريع كبقية برلمانات العالم، إضافة إلى المصادقة على كل العقود والاتفاقيات الدولية وعلى عمليات الاقتراض والإقراض أو منح المساعدات داخل البلاد وخارجها.
وللبرلمان الإيراني سوابق تدخل مباشر في الإدارة الاقتصادية للحكومة، فكثيراً ما تحكم في العقود التي تبرمها الحكومة، ولا ننسى شركة “تركسيل” للاتصالات التي فسخت عقدها مع إيران بعدما قرر البرلمان تخفيض حصتها من 70 إلى 49%، الأمر الذي تبعه انسحاب الشركة التركية من السوق الإيراني، واستحواذ الحرس الثوري على هذه المناقصة.
إن الطبيعة الائتلافية للدورة الجديدة للبرلمان تجعل مقعد رئاسته بالغ الأهمية، إذ إنه سيدير جلسات بين تيارات سياسية لا يتمتع واحد منها بالأغلبية المطلقة، كما أن الانتماء الحزبي غير واضح بشكل حاسم، فكثيراً ما رأينا في انتخابات هذا البرلمان وجوداً لمحافظين معتدلين في قائمة أميد المعتدلة الإصلاحية، وبالتالي ستكون لرئيس البرلمان مساحة كبيرة لإدارة المناورات السياسية داخل البرلمان.
وفي ظل الأوضاع الحالية، يبرز الصراع في عملية اختيار الهيئة الرئاسية لمجلس الشورى، وبالأخص رئيسه، فمن بين أعضاء المجلس البالغ عددهم 290 يبرز محمد رضا عارف نائب الرئيس محمد خاتمي كمرشح إصلاحي معتدل، وعلي لاريجاني رئيس المجلس طوال الـ 8 سنوات الماضية ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق كمرشح للمحافظين، وهناك مرشح ثالث وإن كان بعيداً عن الصراع الدائر، إلا أنه يمثل طرحاً موجوداً بالفعل وهو الدكتور مصطفى كوكبيان.
وقد أدى تصاعد الأزمة بين المحافظين والإصلاحين على مقعد رئاسة البرلمان إلى جعل فوز أحدهما هزيمة نكراء للآخر، وبالتالي إما أن يستميت في الدفاع عن هدفه، أو يتم إجراء مفاوضات استباقية تؤدي لتخفيض حجم الخسارة للمهزوم، الأمر الذي استدعى تدخل وسطاء موضع ثقة من الطرفين، وهو ما اتضح بدخول رئيس مجلس الشورى الأسبق علي أكبر ناطق نوري في عملية وساطة بين الإصلاحيين والمعتدلين للوصول إلى حل لهذا الصراع.
وفي ظل هذه المقدمات هناك عدد من السيناريوهات المتعلقة برئاسة المجلس والكتلة المسيطرة عليه، والتي ستلعب دوراً مؤثراً في الحياة السياسية المقبلة بالداخل والخارج الإيراني.
السيناريو الأول : فوز علي لاريجاني ممثل التيار المحافظ بمقعد رئاسة البرلمان
تتعاظم فرص فوز لاريجاني، لكونه يتمتع بثقة خامنئي منذ أن كان رئيساً للإذاعة والتلفزيون بتعيين مباشر منه وممثلاً له في المجلس الأعلى لمجلس الأمن القومي، إضافة لانتسابه لأحد المراجع الدينيين وهو آية الله ميرزا هاشمي آمُلي، ما يجعله أهل ثقة لعلماء الدين الكبار الموجودين في الحوزة، أضف إلى ذلك خبرته المستمرة طوال 8 سنوات في رئاسة المجلس.
وفي هذه الحالة ستكون فرصة الرئيس الحالي حسن روحاني في تنفيذ برنامجه الاقتصادي التنموي للخطة الخمسية السادسة ضعيفة، الأمر الذي شهدنا بوادره في تسرع البرلمان الحالي المنقضية ولايته في إصدار قانون النظام البنكي والإدارة النقدية قبل انتهاء ولايته بثلاثة أسابيع فقط دون العرض الكافي على لجان المجلس، مما يستدعي للأذهان ما قام به المحافظون قبيل تولي محمد خاتمي رئاسة الجمهورية عندا قدموا اقتراح إنشاء صندوق احتياطي للفائض من عائدات النفط، وحرموا خاتمي من إدارته في وقت زادت فيه أسعار النفط، وكانت فوق السبعين دولاراً للبرميل، حتى جاء أحمد نجاد فأطلقت يداه في التعامل مع هذا الصندوق. واليوم نفس الأمر يتكرر، حيث يتوقع المحافظون حصول إيران على جزء كبير من أرصدتها المجمدة، لذا يسارعون إلى غل يدي روحاني وحرمانه منها.
السيناريو الثاني : فوز محمد عارف بمقعد الرئاسة
يعتمد فوز عارف على قدرة المعتدلين والإصلاحيين المؤيدين له على اجتذاب عناصر من المستقلين في ظل الرغبة في التغيير التي ظهرت لدى الشعب الإيراني، وحال تشكيلهم للأغلبية داخل المجلس، فإن فرصة محمد رضا عارف لرئاسة المجلس كبيرة، ولكن هذا الطرح تصحبه مغامرة، إذ إن كبار حكومة الإصلاحات ممثلة في الرئيس محمد خاتمي موضوع في ما يشبه الإقامة الجبرية، كذلك حجم الخلافات الشاسعة التي حدثت بين خامنئي وروحاني، ما ينذر بصدام مع خامنئي قد نشهد تبعاته في انتخابات الرئاسة بدعم أسوء المرشحين ممثل في محمود أحمدي نجاد الذي أشار مقربون منه إلى استعداده لبدء حملته الانتخابية للرئاسة.
فبعدما نجحوا في حصد مقاعد في مجلس الشورى في مشهد أعاد للأذهان تجربة المجلس الإصلاحي إبان عهد خاتمي، يرغب الإصلاحيون في حصد مقعد رئاسة السلطة التشريعية في خطوة تدعم حظوظ احتفاظ روحاني بمقعد رئاسة الجمهورية لفترة ثانية ما لم يتصاعد اصطدامه بخامنئي.
السيناريو الثالث : اقتسام المناصب
يدرك المحافظون المتشددون أن عارف ولاريجاني لهما قناعات سياسية متقاربة، وفي حالة مناقشة أمر يتعلق بالمصالح القومية الإيرانية، ستكون قراراتهما مقاربة إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن الإصلاحيين والمعتدلين ليسوا في خلافات مع بعضهم البعض بشأن تعيين رئاسة بيت الأمة، لكن من ناحية أخرى هناك رغبة لدى التيارين في إحراز مقعد الرئاسة والتي لا يمكن إنكارها.
ومن ثم سيدخل الطرفان، الإصلاحيون والمحافظون، في إطار صفقة سياسية يتم بموجبها تنصيب لاريجاني رئيساً للمجلس، لأن لاريجاني محل ثقة لدى المعتدلين، بجانب ضمان سيطرة الإصلاحيين على غالبية الهيئة الرئاسية للمجلس، إضافة إلى التعهد بعدم عرقلة مشروعات الحكومة المقدمة إلى المجلس، بما يرفع من أسهم روحاني في انتخابات الرئاسة حالما قرر الترشح فيها.
السيناريو الرابع : فوز مرشح مستقل بمقعد الرئاسة
هذا السيناريو من الممكن أن يتحقق في ظل حالة الشحن والاستقطاب التي تسود الأجواء الإيرانية الحالية في ظل منافسة ثنائية الأقطاب بين عارف ولاريجاني، والتي أدت إلى تحول قضية رئاسة المجلس إلى قضية الساعة حتى بالنسبة للمواطن الإيراني العادي.
وعلى رغم كون عارف ولاريجاني رأسي حربة التيار الممثلين عنه، إلا أن علامات استفهام طرحتها بعض الصحف حول من تحدث عن استحقاقهما لهذا المنصب دوناً عن غيرهما، في ظل وجود عناصر مستقلة لا بأس بها، وعلى سبيل المثال مصطفى كوكبيان الذي أعلن عزمه للترشح في انتخابات رئاسة المجلس حال عدم ترشح عارف.
يفترض هذا السيناريو ظهور شخصية تحظى بتوافق من جميع التيارات الموجودة داخل المجلس بعيداً عن عارف ولاريجاني، حيث إن تولي أحد منهم هزيمة نكراء للتيار الذي ينتمي إليه الآخر، مما يصيب البرلمان الجديد بالشلل قبل أن يبدأ، بحسب قول محللين.
الخلاصة
من المرجح حدوث السيناريو الثالث في عملية اختيار رئيس المجلس، لما يمثله من فوز للطرفين اللذين حازا على مقاعد متعددة داخل مجلس الشورى في دورته العاشرة، إضافة إلى فرصة لروحاني لتنفيذ خططه التنموية، وضمان عدم عرقلة المجلس للقوانين التي تطرحها الحكومة، حتى في ظل وجود معوقات قد تظهر في ما يتعلق بقانون النظام البنكي الجديد في إيران.