توالت التداعيات في إيران على زيارة الرئيس الصيني للسعودية، وما صدر عن ذلك مع بياناتٍ مشتركة وردود فعل داخل ايران. لكن ربما الأبرز، هو موقف المسؤولين والإعلام الإيراني من زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني إلى طهران، منتصف الأسبوع الماضي. فبدايةً، نستعرض كيفية تعامل الإعلام الإيراني مع الزيارة. ذكرت صحيفة «جمهوري إسلامي»، أنَّ دعم الصين لمزاعم دول الخليج العربية حول ملكية الجزر الإيرانية الثلاث، قُوبِل بردود فعل من قِبَل المسؤولين والخبراء السياسيين في إيران، وكان المطلب الجدِّي للشعب الإيراني، هو قيام الحكومة الصينية بتعديل موقفها وتقديم اعتذار، لكن ذلك لم يتحقَّق خلال زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني إلى طهران. كما قالت صحيفة «دنياي صنعت»، إنَّ أحد المسؤولين في وزارة الخارجية قال في توضيحه لأهداف زيارة المسؤول الصيني، إنَّ التمهيد لهذه الزيارة كان قد جرى قبل مدة طويلة، ولا علاقة له بالمستجدات في الأيام القليلة الماضية. وعلى صعيد آخر، ذكرت صحيفة «مردم سالاري»، أنَّه مع إعلان زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني إلى إيران، كان هناك احتمال بأن يتّخِذ المسؤولون في الحكومة، خلال هذا اللقاء، مواقف بلهجة حادّة ضد مواقف الرئيس الصيني في السعودية، لكن هذا أيضًا كان أضغاث أحلام، مع الإشارة إلى أنّ موقف الحكومة من الصين جاء باهتًا، بتعبير لقاء مسؤولٍ في الخارجية بالسفير الصيني في طهران، ولم يُسمَّ استدعاءً على غرار مواقف البلاد من الدول الأخرى. وقد ذكرت صحيفة «شرق»، أنَّ نائب رئيس الوزراء الصيني توجَّه إلى طهران؛ كي يقوم تحت اسم المشاركة في اجتماع «برنامج التعاون الشامل بين إيران والصين»، بتطييب خاطر طهران بطريقةٍ ما. ويمكن اعتبار ذلك خطوةً إيجابية من قِبَل بكين، بعد الجدل الذي أحدثه «شي». أمّا صحيفة «ابتكار»، فقد ذكرت أن توجُّه الصين إلى الدول العربية هو نتيجةً للعزلة الاقتصادية، وإضعاف الدبلوماسية في إيران، وارتأت أنَّ الصين لم يعُد لديها الحافز للعَلاقات مع إيران، بعد عدم إحياء الاتفاق النووي. من جانب آخر، ذكرت صحيفة «اعتماد»، أنَّ الصين الجديدة تسعى لمدّ «النظام الصيني» إلى المنطقة والعالم، ولا تتورَّع عن التسبُّب بالتوتُّرات، إنْ اقتضت مصلحتها ذلك، ولن تضع في اعتباراتها سوى مصالحها القومية والقدرات الإستراتيجية للطرف المقابل. وأمّا صحيفة «إيران»، فقد ألقت باللوم على حكومة الرئيس السابق حسن روحاني؛ لعدم اهتمامها بالقوى الصاعدة والدول الآسيوية؛ ما أدى إلى نسيان موضوع التعاون الإستراتيجي بين البلدين لسنوات. كما ذكرت وكالة «ركنا»، أنَّ الصبر الإستراتيجي لحكومة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي في الرد على ما قام به الرئيس الصيني، ينبع من أنَّ بكين شريك إستراتيجي بالنسبة إلى إيران.
في مقابل هذه المواقف السلبية تجاه الصين، ذكرت صحيفة «قدس»، أنَّ زيارة الوفد الصيني رفيع المستوى، التي استغرقت ثلاثة أيام إلى طهران، وتركيز المفاوضات والمشاورات على متابعة سُبُل تنفيذ وثيقة التعاون طويل الأمد بين البلدين، ردّت بوضوح على جميع الشكوك. وفي هذا الاتجاه، قالت صحيفة «آرمان ملي»، إنَّ البلدين سيخطوان خطوات كبيرة على طريق تنفيذ التعاون الإستراتيجي والتنموي في عَلاقاتهما. وشدَّد موقع «إكو إيران» على أنَّ زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني كان قد رُتِّب لها قبل مدّة، ولا عَلاقة لها بالموقف الصيني الجديد حيال الجزر الثلاث.
تظهرُ هذه المواقف المتضاربة من الداخل الايراني، أنَّ الاشكالية الداخلية عميقة جدًا، لكن مشكلة الثقة في علاقات طهران بالخارج أكثر عُمقًا وأنَّ إيران تشعر بعُزلة سياسية ودبلوماسية كبيرة، حتى مع أقرب الأصدقاء، مثل الصين وروسيا. فعلى سبيل المثال، يقول الأكاديمي والمحلِّل السياسي بيروز مجتهد زادة في مقال لصحيفة «آرمان ملي»، إنَّ روسيا ليست بحاجة لتكنولوجيا إيران العسكرية، بل أدخلت إيران إلى المغامرة الأوكرانية، وكبَّدت إيران تكاليف سياسية واقتصادية على الساحة الدولية، وبعض الدول عند إدانتها للهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا تعتبر إيران شريكًا في الجريمة، وتدين هذه الشراكة أيضًا. ينطبق هذا الوضع أيضًا على الصين، سعت هذه الدولة بعلاقاتها مع إيران إلى تحقيق الاستفادة القصوى؛ اقتصاديًا وسياسيًا وجيوسياسيًا. لم تفكِّر الصين في العقود الاقتصادية، التي أبرمتها مع إيران في الربح الاقتصادي فقط، بل سعَت أيضًا إلى أن تجعل إيران تابعة سياسيًا وجيوسياسيًا. في هذا الصدد، يقول السفير الإيراني الأسبق لدى بكين حسين ملائك، في مقابلة مع وكالة «إيسنا» الإخبارية: «لقد وقَّعنا اتفاقية على الورق مدّتها 25 عامًا مع الصين، ولم تتجاوز هذه الاتفاقية بعد مستوى الورق، لذلك يجب أن نكون واقعيين، وأن نعلن العلاقات بمستواها الحقيقي للرأي العام».
ويضيف الدبلوماسي الإيراني: «الصينيون يعملون بعمق في السياسة الدولية، ولديهم خِطَط؛ ليصبحوا الاقتصاد الأول في العالم، إلّا أن قضية مغامرة روسيا في أوكرانيا ودعم الصين لروسيا في المرحلة الأولى، تسبَّبت في فقدان الصين الأجواء الدولية، وقلَبت الدول الغربية ضدها. وحول تراجُع الاهتمام الصيني بإيران، يقول السفير السابق: «الصين -بالنظر إلى التطورات الداخلية الإيرانية وبعض التقييمات والاستطلاعات- شعَرَت أنَّ إيران لن يكون لديها أي شيء للصين في السنوات العشر إلى الخمسة عشر المقبلة، والأفضل لهم ألّا يكرِّسوا أنفسهم لهذه الطبيعة السياسية غير المستقرّة، ولهذا السبب وقّعوا هذه البيانات في السعودية ضد إيران». وقال رئيس تحرير صحيفة همشهري :عبد الله كنجي: «من الطبيعي أن تقوم الصين بركلنا، فهي تريد كسب ثقة العرب وعدم استفزاز أمريكا».
إنَّ لحالة الارتباك الإيراني هذه في ظل الاحتجاجات الشعبية، التي تعصف بالبلاد تجعل النظام الإيراني في موقف ضعيف أمام الداخل والخارج، وكلّما تأخّروا في حلْحلة الأزمة مع الداخل والعالم، كلّما ارتفع الثمن، وقد يصعُب على النظام التماسُك مستقبلًا.
المصدر: Arab News
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد