نفَّذت الولايات المتحدة ضربات انتقامية ضدّ الوُكلاء، الذين تدعمُهم إيران ردًّا على تعرُّض القوّات والمنشآت الأمريكية للهجوم في كُلٍّ من العراق وسوريا. ووفقًا لبيانٍ موجز للبنتاغون، فإنَّ المواقع التي استهدفتها واشنطن تابعة لوُكلاء مدعومين من إيران، مثل «كتائب حزب الله» و«كتائب سيِّد الشهداء». ويُعَدّ توقيت الضربات الأمريكية الانتقامية الأخيرة مهمًّا للغاية؛ لأنَّها شُنَّت في خِضَمّ مواجهة الولايات المتحدة لهجمات مكثَّفة بالطائرات المسيَّرة ضدّ المصالح الأمريكية في المنطقة، بينما يستمرّ الجمود في محادثات فيينا النووية. وتشير هذه الزيادة في هجمات الطائرات المسيَّرة إلى تحدِّي إيران وسياستها المستمرَّة المتمثِّلة في «سياسة الإنكار المقبول»، إذ استمرّ ممثِّلو إيران في نفيهم بأن يكون لهم يدٌ في تلك الهجمات.
وقد أدان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الهجمات على القوّات والمنشآت الأمريكية، ووصفها بأنَّها «انتهاكٌ صارخ وغير مقبول لسيادة العراق وأمنه الوطني»، وقال إنَّه سوف يعيد النظر في جميع الخيارات القانونية لمنع المزيد من التصعيد، مضيفًا أنَّ «العراق يجدِّد رفضه بأن يكون ساحةً لتصفية الحسابات». وتنوي إيران استغلالَ حالة عدم الاستقرار في العراق، وهي تعلم أنَّ الكاظمي سيكون في وضعٍ صعب، إذ عليه إرضاء جميع الأطراف؛ حتّى لا يغضب أيٌّ من الجانبين وسط التوتُّر الأمني المتصاعد في البلاد. وطهران أيضًا ليست قلِقةً من ردود الفعل العسكرية الأمريكية على استفزازاتها؛ لأنَّها تواصل الاختباء تحت غطاء «سياسة الإنكار المقبول» التي تنتهجها. ومن المُرجَّح أن يكثِّف الرئيس الإيراني المُنتخَب إبراهيم رئيسي، بمجرَّد تنصيبه، العمليات العسكرية بالوكالة في المنطقة ضدّ المصالح الأمريكية خاصَّةً في العراق وسوريا؛ ما سيؤدِّي بلا شكّ إلى مزيدٍ من ردود الفعل العسكرية من واشنطن.
ومع ذلك، فإنَّ الردّ العسكري الأمريكي الأخير حدث للمرَّة الثانية عندما أمرت إدارةُ بايدن بشنّ غارات جوِّية ضدّ الوُكلاء، اللذين تدعمُهم إيران في المنطقة. وقد واجهت إدارة بايدن انتقادات شديدة من العديد من المشرِّعين الأمريكيين، بعد أن أمرت بتوجيه الضربات الجوِّية أوَّل مرَّة في فبراير الماضي، وانتقد السيناتور بيرني ساندرز هذه الخطوة علنًا، وحذَّر إدارةَ بايدن من «الاستمرار في نفس المسار»؛ الأمر الذي سوف يُطيل من أمد الحرب الأمريكية في المنطقة إلى الأبد. وأكَّدت إدارةُ بايدن أنَّ ضرباتها الانتقامية الأخيرة كانت «ضربات جوِّية دقيقة ودفاعية»، حيث استهدفت مخازن الأسلحة للوُكلاء المدعومين من إيران في العراق وسوريا. وقد ذكر المتحدِّث باسم البنتاغون جون كيربي في بيانه، أنَّه «جرى اختيار تلك الأهداف؛ لأنَّ هذه المنشآت تستخدمُها الميليشيات المدعومة من إيران التي تُشارك في هجمات الطائرات المسيرة ضدّ أفراد ومنشآت أمريكية في العراق»، وأكَّدت كتائب «سيِّد الشهداء» في بيانٍ لها مقتلَ أربعةٍ على الأقلّ من مقاتليها في ضرباتٍ انتقامية أمريكية؛ ولتجنُّب المزيد من التصعيد، شنَّت الولايات المتحدة المزيدَ من العمليات الانتقامية المحسوبة والمدروسة ضدّ الوُكلاء، الذين تدعمُهم إيران في المنطقة.
وتُشير الضربات الإيرانية الأخيرة على يد وُكلائها ضدّ القوّات والمنشآت الأمريكية، إلى تطوُّر نهج طهران إزاء ميزان القُوى الإقليمي، وكيفية تغييره ليصُبّ في صالحها، وبالإضافة إلى ذلك فهذه الضربات تعكسُ الخلافات المستمرَّة بين الولايات المتحدة وإيران. وبينما تقدِّم واشنطن المزيدَ من التنازُلات لإحياء الاتفاق النووي المُبرَم عام 2015م، فإنَّ طهران تواصل تحريضَ وُكلائها لاستهداف المصالح الأمريكية؛ وبالتالي تهديد الاستقرار الإقليمي. وتخطِّط إدارة بايدن للإبقاء على قوَّة عمليات محدودة لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا؛ للردّ على التهديدات المتكرِّرة من الوُكلاء المدعومين من إيران، وزادت إيران في الأشهر الأخيرة من هجمات الطائرات المسيَّرة التي تستهدف القوّات الأمريكية وقوّات التحالُف في العراق. وبعد الضربات الانتقامية الأمريكية الأخيرة، تعهَّدت كتائب «حزب الله» بالثأر، إذ حذَّر المتحدِّث باسمها محمد محيي الولايات المتحدة من هجمات مفاجئة؛ لأنَّ وجودها في العراق «غير قانوني». وكما ذكرنا آنفًا، نفت إيران دورها في تلك الهجمات، التي استهدفت القوّات والمنشآت الأمريكية في العراق وسوريا. وقال مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانتشي: «أيُّ ادّعاء يُنسَب إلى إيران.. أيُّ هجوم يُنفَّذ ضدّ أفراد أو منشآت أمريكية في العراق، هو خطأ واقعي ويفتقرُ إلى الحدّ الأدنى من متطلَّبات الأصالة والموثوقية»، مضيفًا أنَّ الضربات الانتقامية الأمريكية تنتهكُ القانون الدولي. ومع ذلك، فإنَّ هنالك أدلَّةً دامغة تُثبت تورُّط إيران المباشر في العراق وسوريا، على الرغم من سياسة «الإنكار المقبول» التي تتّبعها. وتُشير عدَّة تقارير إلى أنَّ إيران زوَّدت وُكلائها في المنطقة بتكنولوجيا الطائرات المسيَّرة، التي أدَّت إلى ازدياد انتشار الأسلحة. ويُشير النمط الأخير للهجمات، إلى اتّساع نطاق الدعم العسكري الإيراني لوُكلائها، وتتراوح عمليات نقل الطائرات المسيَّرة الإيرانية إلى وُكلائها، من طائرات استطلاع خفيفة الوزن مثل «عقاب-1» و«ياسر» لمكافحة الطائرات المسيَّرة. وطائرات الاستطلاع تلك تُنتجها شركات إيرانية مثل «فرناس باسارغاد» و«منظَّمة صناعات الطيران الإيرانية».
كما تشير الضربات الانتقامية الأمريكية الأخيرة إلى تصعيدٍ مُحتمَل في الاشتباكات بين الوُكلاء المدعومين من إيران والقوّات الأمريكية في العراق وسوريا، في الأشهر المقبلة، فيما لا تزال هناك درجةٌ عالية من التوتُّر في المنطقة. ونظرًا للتحدِّيات المحلِّية والدولية التي تواجه إدارة بايدن، فلا يمكنها تحمُّل تصعيد الموقف، وأنَّها ربما تضطر إلى الحدّ من انتقامها ردًّا على العدوان الإيراني المتزايد. وفي غضون ذلك، سوف تواصل إيران توجيه وُكلائها الإقليميين لشنّ مزيدٍ من الهجمات ضدّ القوّات والمنشآت الأمريكية؛ من أجل الضغط على واشنطن لتقديم تنازُلاتٍ أوسع في المحادثات النووية، قبل أن تلتزمَ إيران باستئناف التزاماتها النووية.