نشر موقع “إذاعة فردا” الأمريكية الناطقة بالفارسية تقرير حول قدرات إيران في مجال الطائرات بدون طيار. التقرير كتبه حسين آرين، الخبير العسكري الإيراني في المهجر (بريطانيا) ونشر على ثلاثة أجزاء.
(1)
الطائرات بدون طيار الإيرانية.. أوهام وإنجازات مشكوك فيها
نسعى من خلال هذه السلسة من المقالات إلى تقييم القوة العسكرية للجمهورية الإسلامية في إيران، خاصة في ما يتعلق بـ”الطائرات بدون طيار”، وتجاوز الإنجازات المبالغ فيها التي يتحدث عنها قادة الحرس الثوري ومسؤولو وزارة الدفاع، وأخيراً مقارنة هذه القوة على أرض الواقع بالقوى الأخرى على مستوى المنطقة وخارجها. في الجزء الأول ستتم دراسة مزاعم المستويات المختلفة لقوات هذه الطائرات والإنجازات وتوفير بعض القطع والمستلزمات من الخارج لصناعتها.
يعود استخدام الطائرات بدون طيار في إيران لما قبل الثورة الإسلامية 1978، حيث كانت القوات الملكية تستخدم هذه الطائرات كوسيلة لاختبار كفاءة “صواريخ أرض جو” والمدفعيات وسفن القوات البحرية وكذلك صواريخ جو-جو التابعة للقوات الجوية.
لكن بعد الثورة الإسلامية وإبان الحرب العراقية – الإيرانية تم استخدام هذه الطائرات لأول مرة وبشكل مبدئي للمهمات الاستطلاعية وتصوير مواقع “العدو” وجمع المعلومات.
بعد الحرب، بدأت الأنشطة المكثفة لتصميم وصناعة طائرات بدون طيار في مصانع وزارة الدفاع وعدد من الجامعات وما زالت مستمرة حتى الآن. في الوقت الحاضر، هناك شركة لصناعة الطائرات في إيران (هسا) و”صنايع هوايي قدس” وهي تعد من أهم المواقع لتصميم وإنتاج هذه الطائرات.
ومن أهم الطائرات بدون طيار التي تصنعها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الوقت الحاضر: أبابيل (نوع بي، اِس وتي)؛ وصاعقة (1،2) وتلاش (1،2) ومهاجر (1،2،3،4) طوفان؛ باز وتشابک پر وتيزپر وسهند؛ طوفان وحازم وزحل وسفره ماهی وکرّار سرير حماسه شاهد ۱۲۹ فُطرس.
ويمكن تقسيم هذه الطائرات إلى ثلاثة أقسام. الأولى: طائرات بدون طيار ذات علو منخفض (مثل تلاش 1 وهي خاصة بتدريب طياري الطائرات بدون طيار)، الثانية: طائرات بدون طيار ذات علو متوسط (مثل مهاجر 2 ، 3 تحلق على مدى 12000 قدم وهي خاصة بالمراقبة والاستطلاع) وأخيراً: الطائرات بدون طيار ذات علو مرتفع (مثل الطائرة بدون طيار المسلحة شاهد 129 بمدى 1700 كيلومتر وتحلق 25000 قدم وبإمكانها التحليق لمدة 24 ساعة).
قبل ثلاث سنوات، أعلن الجيش الإيراني عن اصطياده في سماء البلاد طائرة أمريكية بدون طيار من نوع” R.Q170 “ومؤخراً أعلن الحرس الثوري أن الخبراء الإيرانيين قد نجحوا في إنتاج نموذج مماثل للطائرة الأمريكية بمساعدة المتخصصين في الهندسة المعكوسة، وعرض التلفزيون الإيراني بتاريخ 12 نوفمبر 2014 فيلماً يظهر تحليق تلك الطائرة في سماء إيران.
المستويات المزعومة
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عرض قادة الحرس الثوري ومسؤولو وزارة الدفاع والصناعات العسكرية في الدولة ووسائل الإعلام إنجازات البلاد في مجال الطائرات بدون طيار بأشكالها المختلفة. فقد صرح حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري في ديسمبر 2011 أن “إيران تحتل المرثبة الثانية في العالم في مجال تقنية الطائرات بدون طيار”.
وأكد محمد إسلامي، مساعد وزير الدفاع في فبراير 2013 أن إيران وصلت إلى مستوى وتصنيف جديدين في المجال العسكري، حيث تقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين أول عشر دول في العالم، أما في ما يخص الطائرات بدون طيار فهي تحتل المركز الخامس”.
وفي فبراير من نفس العام، صرح أبو الفضل طالبي، الخبير في الفضاء وعضو الهيئة الإدارية لمتخصصي الطيران، في مقابلة مع إذاعة إيران أن إيران تحتل المركز الأول على مستوى المنطقة في صناعة وتصميم الطائرات بدون طيار.
وبعد تسعة أشهر، أي في 18/11/2013، نشر موقع محطة “خبر” الإيرانية موضوعاً مفصلاً عن مكانة إيران في إنتاج وتطوير الطائرات بدون طيار وقال: “تحتل إيران المرتبة الأولى في المنطقة والمرتبة الرابعة عالمياً في مجال الطائرات بدون طيار وعلومها وهي أساس علم الحرب الإلكترونية وغيرها، إلا أن تقنية الفضاء هي التقنية الأفضل في إيران. وفي نفس الموضوع، في مايو 2014 أفادت صحيفة مشرق أن إيران ثالث دولة في العالم في مجال تصنيع الطائرات بدون طيار مجهزة بصواريخ”.
وفي يوم 10ديسمبر 2014كتبت وكالة أنباء فارس نقلاً عن حسين سلامي: “طائراتنا بدون طيار يمكنها أن تقطع مسافة 3000 كيلومتر بتقنية التخفي عن الردار والتقاط صور ونقل المعلومات مباشرة. بالتأكيد فإن ذلك المستوى المتقدم المزعوم ليس حصراً على الطائرات بدون طيار، فقد صرح مؤخراً حسين دهقان، وزير الدفاع الإيراني، بأن الجمهورية الإسلامية في إيران تحتل المرتبة الرابعة بعد أمريكا وروسيا والصين في مجال القوة الصاروخية في العالم”.
التضخيم والإنجازات المشكوك فيها
من المؤكد أن إيران تقدمت تقدماً ملحوظاً في مجال صناعة الطائرات بدون طيار، إلا أن رغبة مسؤولي وزارة الدفاع وقادة الحرس الثوري في التضخيم والتباهي كذباً في بعض الادعاءات المشكوك بها حول الأسلحة التي لم تصل لمرحلة الإنتاج حتى الآن أو لم تدخل حيز التنفيذ تعد مشكلة رئيسية في التفريق بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي في ما يتعلق بإنجازات إيران.
معلوماتنا حول الطائرات بدون طيار الإيرانية مبنية على المعلومات التي تنشرها وسائل إعلام يتحكم بها النظام الإيراني، وفی الغالب تركز دائماً على فشل العقوبات الدولية المفروضة على إيران، هذا من جانب، وتضخيم قوة الصناعة العسكرية واكتفاؤها الذاتي في مجال إنتاج وصناعة الأسلحة من جانب آخر.
النموذج الأبرز لذلك هو استعراض فيلم تحليق الطائرة المقاتلة “قاهر 313” في عام 2012، وحسب قول محسن كاظمي، قائد “جيش محمد” في طهران، فإن هذه المقاتلة تشبه طائرة “F 16” الأمريكية، ولكن عدداً كبيراً من الخبراء توصلوا إلى نتيجة خلال دراستهم لأبعاد وحجم (قاهر313) وكذلك تطورها وعرضها وأجهزة التحكم بها وموقع نصب السلاح فيها، مفادها أن المقاتلة المذكورة ليست سوى جسم مصنوع من البلاستيك، وأن هذا الفيلم المعروض عن إقلاعها لا يعدو في الواقع سوى فيلم لطائرة يتم التحكم بها عن بعد.
نموذج آخر لهذه الإنجازات المزعومة يتمثل في الطائرات العمودية بدون طيار، حيث إن النموذج النهائي لهذه الطائرة مزود بأربعة محركات تستطيع التحليق لمسافة 170 كلم وعلى ارتفاع 12000 قدم، وأطلق عليها اسم “كوكر-1″، حيث تعتبر أول طائرة عمودية بدون طيار في العالم”، وكان من المقرر أن يتم عرضها في معرض الطيران بجزيرة كيش في شهر نوفمبر 2012. لكن ذلك لم يتحقق في الموعد.
كما أشارت دراسة الصور المنشورة لتحليق تلك الطائرة في التلفزيون الإيراني إلى أن هذه الصور معدلة ببرامج تعديل الصور (فوتوشوب)، وهي في الأساس مأخوذة من صور إحدى الطائرات العمودية بدون طيار المصنعة في جامعة “تشيبا” اليابانية، بالتعاون مع شركة “جي اف قرافت” في عام 2007.
هذه ليست أول مرة تستعين فيها إيران بالفوتوشوب لتضخيم قدراتها، ففي مناورة “الرسول الأعظم 3” التي أقيمت في يونيو 2008 اتضح من خلال الصور التي نشرتها مواقع الحرس الثوري ووسائل الإعلام الإيرانية لهذه المناورة إطلاق أربعة صواريخ دفعة واحدة، وتظهر هذه الصور أنه تم إطلاق ثلاثة صواريخ فقط، أما الرابع فمن المحتمل جداً أنه لم يطلق، وأنه تم أيضاً استخدام الفوتوشوب للتعديل على تلك الصور.
القوة المنهارة وتوفير المستلزمات والقطع من الخارج
وبالرغم من أن استخدام عبارات مثل “الاكتفاء الذاتي” و”تصميم تقنية محلية خالصة” و”عدم الحاجة للغرب” و”عدم تأثير العقوبات الدولية” أمر مبالغ فيه في كثير من الأحيان، لكنها عبارات محببة لدى قادة الحرس الثوري ووزير الدفاع ومسؤولي الصناعة العسكرية في إيران، حيث دائماً ما يكررونها في جميع المناسبات وعندما تسنح لهم الفرص.
إلا أن الأدلة تشير إلى أن العقوبات الدولية المفروضة من قبل منظمة الأمم المتحدة وأمريكا وبعض الدول الغربية وكذلك بعض قوانين التصدير والاتفاقيات الدولية قد تسببت في صعوبات ملموسة لإيران، إلى درجة أنها لن تستطيع توفير بعض القطع والمستلزمات الضرورية لصناعة طائرات بدون طيار كبيرة من السوق الحرة، حيث العقوبات تشمل العديد من الشركات الإيرانية مثل شركتي “صنايع هوابيما سازي إيران” و”صنايع هوائی قدس”.
إن المحركات الخفيفة من الاحتياجات الرئيسية لطائرة “رانش” بدون طيار. وعلى الرغم من العقوبات المفروضة على إيران، هناك دلائل تشير إلى أن إيران نجحت في صناعة هذه المحركات أو القطع اللازمة لتصنيعها، وفي بعض الأحيان تقوم إيران بتصنيع هذه المحركات أو بتجميعها. أغلب الطائرات بدون طيار الإيرانية صغيرة الحجم ومن النوع التكتيكي ذي المديين المتوسط والبعيد، إن تصنيع هذه الطائرات بدون طيار سهل نسبياً وغير مكلف جداً، وأن التقنية البدائية كفيلة بتصنيعها. لذا، فعلى خلاف تلك القطع المقعدة ذات التقنيات المتقدمة أو ذات الاستخدامات المتعددة، فإن الحصول على القطع المطلوبة لتصنيع هذا النوع من الطائرات من السوق العالمية لا يلفت أنظار الباعة الأجانب، كما يمكن الحصول عليها عن طريق سماسرة السلاح بأضعاف سعرها في السوق.
يشير تقرير وسائل الإعلام الغربي إلى شراء إيران محركات هوائية من الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا. ووفقاً لبعض الوثائق المنشورة من قبل ويكيلكس، فقد حذر دبلوماسيون أمريكيون نظراءهم الألمان في نوفمبر عام 2006 من أن الشركات الصورية الإيرانية تسعى لشراء محركات هوائية من نوع “ليمباخ 550 E Limbach ” (وهو محرك 4 سلندرات بقوة 50 حصاناً بخارياً) من الشركة المصنعة، ومن ثم يقومون بإرسالها بواسطة بوليصية شحن مزوّرة إلى شركة صناعة الطائرت الإيرانية.
في هذا الصدد، حاكمت محكمة فرانكفورت بألمانيا في مارس من عام 2014م، إيرانيين اثنين بتهمة تهريب عشرات المحركات الألمانية الصنع والتي يتم استخدامها في الطائرة بدون طيار “ابابيل 3”.
وعلى الصعيد الدولي، منع “نظام التحكم بالتقنية الصاروخية” أو MTCR أعضاءه، ومن بينهم الألمان، من تصدير بعض التقنيات الصاروخية والطائرات بدون طيار، لكن لأن هذا النظام لا يشمل المحركات الهوائية، فقد حكمت محكمة فرانكفورت على الإيرانيين المذكورين بتهمة انتهاك قوانين التصدير في ألمانيا. وتؤكد دراسة لحطام إحدى الطائرات “من نوع أبابيل 3” التي سقطت في سوريا أنها كانت بمحركات ألمانية.
وعلى الرغم من بعض تبعات توفير طائرات بدون طيار الصغيرة المزودة بمحركات مكبسية، إلا أن شركة صناعة الطائرات قد أعلنت في عام 2012 أنها قادرة على صناعة محركات “التيربو المروحي ” للطائرات بدون طيار بعيدة المدى ذات محرك نفاث يتناسب مع السرعات المتوسطة، وفي نفس الوقت فإن أغلب الطائرات النفاثة الناقلة للركاب لديها محركات التيربو المروحي.
قبل سنتين أعلن أحد العمداء (رتبة عسكرية) المحايدين، وهو نائب هيئة الصناعة الجوية في القوات المسلحة أن خطوات مهمة حدثت في مجال تصميم وصناعة محركات التيربو المروحية الثقيلة، الأمر الذي أكده وزير الدفاع الإيراني العام الماضي، متحدثاً عن استخدام هذا النوع من المحركات النفاثة بدلاً عن المحركات المكبسية في الطائرات بدون طيار.
قبل أكثر من أربعة أعوام، وتحديداً في يوليو 2010، أعلنت إيران عن عرض أول طائرة بدون طيار (كرار) بعيدة المدى، وقالت إنها ستقوم بصناعة وتوفير محرك نفاث بصناعة إيرانية لهذه الطائرة.
وحسب وجهة نظر الكثير من الخبراء الفنيين والجويين، فإنه من الممكن أن تتمكن إيران من صناعة محرك نفاث، إلا أنه من غير المؤكد القول بأن الصناعات الجوية الإيرانية يمكنها أن تصنع محركات التيربو المروحي.
(2)
الطائرات بدون طيار الإيرانية.. طائرات مضادة للرادار وتحديات الاتصال
في الجزء الأول تمت دراسة تضخيم دور الطائرات بدون طيار والإنجازات المشكوك بها وحاجة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للغرب لتوفير بعض القطع والأجهزة لتصنيع هذه الطائرات. هنا سوف نواصل في هذا البحث عن مدى قدرة الطائرات بدون طيار القتالية، وتقنية “التخفي عن الرادار”، إلى جانب البنية التحتية الاتصالاتية التي تمكنها من التحكم بهذه الطائرات.
الطائرات بدون طيار القتالية (المسلحة)
بغض النظر عما لدى إيران من ضعف في مجال تصنيع وإعداد المحركات الخاصة بالطائرات بدون طيار، يعد عرض المقاتلة كرار بعيدة المدى في يوليوعام 2010 علامة فارقة في أنشطة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تصنيع الطائرات بدون طيار، ففي ذلك الوقت كان تركيزها منصباً على الطائرات بدون طيار الصغيرة قصيرة المدى، وعلى حسب ما ذكر المسؤولون الإيرانيون فإن كلاً من هذه المقاتلات (سرير وحماسه وشاهد 129 وفطرس) لديها القدرة على القتال، ما عدا كرار.
ووفقاً لتقرير وسائل الإعلام الإيرانية، فإن طائرة كرار ذات المحرك النفاث تبلغ سرعتها حوالي 900 كيلومتر في الساعة، ويصل مداها لـ 1000 كيلو متر، وتستطيع التحليق لغاية 25000 قدم، وبالنسبة للأسلحة فهي قادرة على حمل أربعة صواريخ كروز، أو قنبلتين تزن كل واحدة منهما 100 كيلوجرام.
وفي منتصف أبريل 2013، أدخلت الجمهورية الإيرانية الطائرة بدون طيار كرار إلى الميدان، وحسب قول أحمد وحيدي وزير الدفاع آنذاك فإن هذه الطائرة لها عدة مهام، منها أنه يمكنها التحليق لمدة 24 ساعة، إضافة إلى المهام الاستطلاعية التي تقوم بها، كذلك تقوم بمهام قتالية، ويتم تجهيزها بأنواع من القذائف والصواريخ.
بعد حوالي خمسة أشهر، أي في شهر سبتمبر من عام 2013، صرح محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري متحدثاً حول طائرة شاهد 129 بدون طيار وقال إنها من حيث الشكل الخارجي تشبه لدرجة كبيرة الطائرة هرمس 450 بدون طيار الإسرائيلية مع فروق بسيطة.
وحسب تقرير وكالة أنباء فارس، فإن هذه الطائرة يمكنها التحليق لمدة 24 ساعة وتسير 1700 كيلومتر، وتستطيع التحليق على مدى 24000 قدم.
هذا وقد صرح عدد من المسؤولين الإيرانيين خلال مراسم عرض “شاهد 129” أنه سيتم تجهيز كل طائرة بثمانية صورايخ جو-أرض من نوع “سديد”. وتم عرض فيلم على بعض القنوات التلفزيونية الإيرانية بدأ بإطلاق أحد الصواريخ من طائرة (شاهد 129) وهي في الهواء، ثم تظهر الكاميرا المشهد كاملاً بكل وضوح، ومن ثم يصيب ذلك الصاروخ أحد الأهداف.
تسمى أحدث طائرة إيرانية مقاتلة بدون طيار “فطرس” وتم عرضها في أواخر نوفمبر 2014 وهي تعد أحد أكبر النماذج المماثلة التي صنعت في إيران، وبحسب تقرير وسائل الإعلام الإيرانية، فإن مدى هذه الطائرة يصل إلى 2000 كيلومتر، وبعلو يصل إلى 25000 قدم، وتستطيع التحليق من 16 إلى 30 ساعة، إضافة إلى قيامها بمهمة الاستطلاع والمراقبة، وحملها صواريخ جو-أرض وأنواعاً أخرى من الصواريخ، إضافة إلى مهامها القتالية. وبحسب قول مدير مشروع فطرس، فإن محركها مصنوع في إيران ريش (شفرات) المحرك بخاصية المجمع المتأرجح collective pitch.
وبالرغم من هذه التقارير والادعاءات الإيرانية التي تعتبر نفسها ثالث دولة مصنعة للطائرات المقاتلة بدون طيار في العالم، وأن صناعة الطائرات بدون طيار تستطيع إطلاق صواريخ موجهة، ستواجه الصناعات الجوية الإيرانية تحديات صعبة ومتعددة.
إلى فترة ما قبل هذه المزاعم، كان تقدم إيران في مجال الطائرات المسلحة بدون طيار محصوراً فقط في الطائرات الانتحارية، بمعنى أن الطائرات تحمل عدداً كبيراً من المواد المتفجرة التي ترغب في استخدامها فتصطدم بالهدف ومن ثم تنفجر. وفي عام 2006 التي دارت بين حزب الله وإسرائيل، أسقطت القوات الإسرائيلية طائرة “ابابيل” بدون طيار التي صنعتها إيران، حيث تشير الدراسات التي أجريت لاحقاً إلى أن هذه الطائرة كانت تحمل 30 كيلو من المواد المتفجرة.
من الناحية النظرية، فإنه عند النظر إلى تفاصيل وقوة التقارير المنشورة حول طائرة فطرس، يعتقد أنها مماثلة تماماً للطائرات الأمريكية بدون طيار التي استخدمها الجيش الأمريكي خلال الأعوام الأخيرة في حربه ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال. لكن أن تقوم طائرة “فطرس” على الواقع بهذه المهام وتملك هذه الإمكانيات، فإنه أمر مشكوك فيه تماماً.
الأمر الأهم هنا هو أنه لا توجد شواهد أو إشارات تثبت إمكانية تجهيز طائرة فطرس أو أي طائرة إيرانية أخرى بالصواريخ.
ضمن دعمها لنظام الأسد، استخدامت إيران بشكل واسع عدة طائرات بدون طيار في سوريا، إلا أنه لم يتم حتى اللحظة نشر أي تقرير يفيد بهجوم صاروخي من قبل الطائرات الإيرانية بدون طيار في سوريا، كما لا توجد أي صور لهذه الطائرات الحاملة للصواريخ.
الوضع في العراق لا يختلف كثيراً، حيث إن إيران تستخدم طائراتها خصيصاً للاستطلاع عن أماكن تواجد قوات الدولة الإسلامية “داعش”، وتقوم بجمع المعلومات عنها، ومع هذا فإن الحرس الثوري والقوات الداعمة له يسعون إلى إقناع الاخرين بأن الطائرات الإيرانية بدون طيار دفاعية، وأن أداءها يضاهي مستوى الطائرات بدون طيار الأمريكية.
في بدايات عام 2014، أظهر أحد مقاطع الفيديو جماعة عصائب أهل الحق وهي جماعة مساعدة للجمهورية الإسلامية في العراق تقصف بالصواريخ بعض أوكار داعش، مستخدمة طائرات “شاهد 129” بدون طيار، لكن الدراسات المنجزة كشفت أن الفيديو المذكور مفبرك تماماً. ومن المستبعد أن تكون هذه الجماعة المقربة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد قامت بنشر هذا التقرير المصور دون إذن مسبق من قبل الحرس الثوري أو فيلق القدس الإيراني.
تحديات الاتصالات
تقدمت إيران بشكل ملحوظ في مجال صناعة الطائرات بدون طيار، ومما لا شك فيه أن أداءها قد تطور كثيراً في مجال التجسس والاستطلاع، لكن ما مدى قدرتها من حيث البنية التحتية الاتصالاتية التي تمكنها من التحكم بالطائرات بدون طيار عن بعد موضوع؟ إن أي شكل من أشكال التطور في هذا المجال يستوجب تقدم الدولة في مجال البرامج الفضائية، وامتلاكها أقماراً صناعية للتحكم الطائرات بدون طيار من مسافات بعيدة جداً وتوجيهها، وبعبارة أخرى فإن اتصال القمر الصناعي بالطائرات بدون طيار ليس دليلاً على تقدم إيران في هذا المجال، فعند مقارنة البرنامج الفضائي الإيراني بنظرائه في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يظهر أن مستوى إيران بدائي جداً.
وبحسب قول بعض الخبراء الغربيين، فإن أمريكا تمتلك العشرات من الأقمار الصناعية في الفضاء، ومع هذا فهي لا تزال تواجه تحديات عديدة في التحكم بطائراتها على مدى بعيد جداً.
تقنية التخفي عن الرادارات (استلت)
إن مزاعم امتلاك تقنية التخفي عن الردارات تعد من أقدم مزاعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ففي عام 1983، أي قبل عام واحد من ظهور “إف-117” الأمريكية التي كانت أول طائرة مضادة للردارات في العالم، زعمت صحيفة “جمهوري إسلامي” أن الحرس الثوري صنع طائرة مقاتلة تتسع لشخصين ومضادة للرادارات.
وفي ذات الإطار، كتبت صحيفة “جمهوري إسلامي” في عام 2001 عن مشروع تصنيع طائرة “شفق” المضادة للرادار محلية الصنع، وقيل إنه بعد أول طيران تجريبي لها في عام 2002 سوف تنضم إلى أسطول القوات الجوية في عام 2006. لكن هذا الموضوع لم يصل إلى أي نتجية حتى الآن، الأمر الذي قاد العميد أحمد وحيدي، وزير الدفاع آنذاك، للتصريح لمجموعة من الصحفيين في عام 2013 قائلاً إن صناعة هذه المقاتلة لا تزال مدرجة على جدول الأعمال.
أحياناً يستعرض قادة الحرس الثوري أو مسؤولو الصناعات العسكرية في إيران الطائرة العادية أو ذات التحكم عن بعد دون الاهتمام بالشكل الخارجي لها، الأمر الذي يظهر بجلاء عدم وجود أي دلالة تؤكد أنها تحتوي على تقنية التخفي عن الرادار، بينما يتم تقديم هذه الطائرات على أنها قادرة على التخفي عن الرادار. النموذج الأمثل لتلك الطائرات هو طائرة “حماسة” التكتيكية التي يظهر من خلال شكلها الظاهري أن الرادار يستطيع كشفها بسهولة، إلا أن وزير الدفاع السابق أحمد وحيدي يصر على أن هذه الطائرة مزودة بتقنية التخفي عن الرادار التي تبقيها محمية من الأعداء.
أعلن أمير علي حاجي زاده قائد القوات الجوية في الحرس الثوري أن طائرة “ار كيو 170” دخلت طور التصميم النهائي، وأنها تشبه من كل النواحي نموذجها الأمريكي. وبالتالي فإن أهم مميزاتها أنها، على غرار النموذج الأمريكي، يجب أن تحتوي على تقنية التخفي عن الرادار.
في الحقيقة فإن استنساخ هذه الطائرة والحصول على تقنية التخفي عن الرادرات لهما علاقة وثيقة بقدرات إيران الحقيقية في المجال الدفاعي والميزانية، وكذلك مساعيها للحصول على معلومات سرية حول الصناعات العسكرية في الدول المتقدمة.
ويعتقد كثير من الخبراء الغربيين أن إيران وعلى الرغم من مزاعمها المختلفة وعلى عدة أصعدة، لم تحصل على تقنية التخفي عن الرادار حتى الآن، وكل ذلك مجرد محاولات للمخادعة. لكن هذا لا يعني أنه ليست لدى إيران القدرة الكافية في مجال الهندسة المعكوسة، أو أن القوة الصناعية الإيرانية بلا فائدة. فقد استطاعت إيران القيام بصيانة وتطوير عدد كبير من الطائرات والمروحيات القديمة التي لا تزال موجودة منذ زمن الشاه، إلا أن هذه القدرات المحدودة لا تؤهلها لإعادة إنتاج طائرات بدون طيار أو طائرات متقدمة قادرة على التخفي عن الرادار خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، بحيث يكون أداؤها مماثلاً تماماً للنموذج الأصلي.
ومع كل هذه القيود وخبرة إيران في مجال الصناعة العسكرية، فإنه من المستبعد أن تتمكن من صناعة طائرة بدون طيار بنفس أداء ومواصفات طائرة “ار كيو 170”.
لم تظهر إيران حتى الآن أي دلائل تؤكد حصولها على تقنية التخفي عن الردارات. إن استخدام هذه التقنية مكلف جداً، وفي الوقت الحاضر تملك كل من أمريكا والصين وروسيا هذه التقنية، حيث خصصت لها أعلى ميزانيات عسكرية في العالم.
وفي منتصف عام 2013، اختبرت الصين أول طائرة بدون طيار تتخفى عن الرادار قامت بإنتاجها، واستطاعت في الأعوام الاخيرة ومن خلال استثمارات ضخمة في مجال صناعة الطائرات المضادة للرادار أن تضيف عدداً من الطائرات بدون طيار لترسانتها.
يذكر أن روسيا التي تخصص أقل ميزانية دفاعية بين الدول الثلاث المذكورة، تصرف على هذه التقنية ثمانية أضعاف الميزانية التي تخصصها الجمهورية الإيرانية للسلاح والعتاد.
سعت إيران خلال العقود الثلاثة الماضية إلى توفيراحتياجها من السلاح عن طريق الشركات الوهمية والسبل غير المشروعة، وحتى الآن لا توجد أي دلائل تؤكد حصول إيران على تقنية التخفي عن الرادار من تلك الدول التي تمتلك هذه التقنية.
ولا توجد أي إشارة تدل على سعي إيران في الحصول على تكنولوجيا التخفي عن الرادار من الدول التي حصلت على هذه التنقنية أو استنساخها.
خلال هذه الأعوام وبسبب العقوبات الدولية، ركّزت الأنشطة الايرانية على توفير احتياجاتها الضروية مثل قطع الطائرات وأجهزة الملاحة للبرنامج الجوي والصاروخي.