مَثَّلَ قرارُ الكويت في 22 يوليو 2017 بتخفيض التمثيل الدبلوماسيّ الإيرانيّ عند أدنى حدوده تطوّرًا مُهِمًّا في مسار عَلاقات البلدَين، إذ لم تشهد العَلاقات مثل هذا التصعيد من جانب الكويت من قبل، فهو قرار يبدو خارج السياق التقليديّ، كما أنه يبدو متأثرًا إلى حدّ بعيد بعدد من التطوّرات على صعيد العَلاقات الثنائيّة أو التطوّرات التي تشهدها المِنطَقة، والتي تُلقي بظلالها على مواقف كل منهما، تلك التطوّرات التي يبدو أنها تؤشر لتغييرات كبيرة في عَلاقات الدول وهياكل التعاون ومؤسّساته وأدواته وآليّاته، لا سيّما في ظلّ تمدّد الخطر الإيرانيّ، وتهديده لأمن الكويت الداخليّ ولمنظومة الأمن الإقليميّ، ودوره في نشر الفوضى وعدم الاستقرار في المِنطَقة، وقد تكون حادثة العبدلي وتخفيض التمثيل الدبلوماسيّ الإيرانيّ في الكويت واجهة لمجمل تلك التطوّرات التي تخفي وراءها حالة متراكمة من الاحتقان ونفاد الصبر.
في هذا السياق، تحاول هذه الدراسة التعرّف على محدّدات العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة أو العوامل المؤثرة على مسيرة العَلاقات، ثم تتناول الدراسة أهمّ التحوّلات التي أثّرت على طبيعة العَلاقة، وفي مقدمتها أحداث الربيع العربيّ، التي تسبّبت في حدوث أزمة مكتومة في عَلاقة الكويت بإيران، على خلفية دعم إيران للحراك الذي شهدته الكويت في 2011، فضلًا عن دور إيران الرئيسيّ في حالة عدم الاستقرار والفوضى التي تعاني منها المِنطَقة، وتدخّلها السافر في الشؤون الداخليّة لدول الخليج، وارتدادات ذلك الدور وتأثيره على مواقف الكويت من إيران. وأخيرًا تنتهي الدراسة إلى تناول مستجدّات العَلاقات وتطوّراتها بعد هروب أفراد خليّة العبدلي وانعكاساتها على مستقبل العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة.
أوّلًا: العوامل المؤثرة على العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة
تأرجحت العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة بين التعاون والتوتر والتهدئة، وقد تأثرت العَلاقات في هذا الإطار بمجموعة من المحدّدات والمعطيات الجيو-سياسيّة والتاريخيّة والديموغرافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، التي كان لها الفضل في تأرجح العَلاقات على هذا النحو، ويمكن الإشارة إلى أهمّ هذه المحدّدات على النحو الآتي:
مكانة إيران والكويت على خارطة التوازنات الإقليميّة والدوليّة:
بدأت العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة في مرحلة مبكّرة بعدما استقلّت الكويت في عام 1961، إذ اعترفت إيران «الشاه» باستقلالها في نفس السنة، وعندما طالب عبد الكريم قاسم الرئيس العراقيّ آنذاك بضمّ الكويت باعتبارها جزءًا من الأراضي العراقيّة، وحدثت أزمة على الحدود بين البلدَين عام 1973، استغلّت إيران تلك الحادثة بإعلانها الوقوف مع الكويت ضدّ الاعتداء العراقيّ، فإيران كانت ترى في العراق القوّة الضاربة في المِنطَقة، وأن ضمّ الكويت إليها سوف يمثّل إضافة لها، وهذا الموقف أسّس لواحدة من محدّدات العَلاقات بين البلدَين. ومع قيام الجمهوريّة الإيرانيّة عام 1979م توترت العَلاقات بين إيران والكويت كغيرها من دول الخليج، نتيجة المخاوف من توجّهات الثورة، مع ذلك اعترفت الكويت رسميًّا بالنِّظام الإيرانيّ الجديد في نفس العام، وأقامت عَلاقات دبلوماسيّة طبيعيّة معه، غير أن التوتُّر بين البلدَين عاد إلى الواجهة في أثناء الحرب الإيرانيّة-العراقيّة التي اندلعت عام 1980، فقد اتسعت الفجوة بين البلدَين في منتصف الثمانينات، إذ وقفت الكويت على الحياد في بداية الصراع لتميل لاحقًا لصالح العراق. وقد شهدت دول الخليج بالتزامن مع هذا الصراع أحداثًا أمنيّة عدّة، وكانت إيران متّهمة بالتخطيط لهذه الأحداث، مما أضاف إلى العَلاقات مزيدًا من التوتر.
بعدما اعتلى الرئيس محمد خاتمي سُدّة الحكم في إيران في فترة التسعينات وانتهج سياسة المهادنة ونبذ التوتّر وإعادة تقييم العَلاقة مع دول الجوار، تحسّنت العَلاقات الخليجيّة-الإيرانيّة بشكل عامّ، والكويتيّة بشكل خاص[1]. وفي عام 2003 أعلنت الدول العربيّة -بما فيها الكويت- رفضها ومعارضتها لفكرة الحرب الأمريكيّة على العراق على الرغم من حالة العداء نتيجة للغزو السافر من قِبَل النظام العراقيّ لدولة الكويت في عام 1991. وكان ذلك حرصًا على وحدة الدولة العراقيّة وحفظها من الانقسامات وارتدادات ذلك على الداخل الكويتيّ من قبيل حركة نزوح اللاجئين، وتمدّد موجات العنف، وتهديد الأمن الإقليميّ. وخلافًا للموقف الكويتيّ أيّد النظام الإيرانيّ الغزو الأمريكيّ للعراق نظرًا للعداء الصريح والتاريخيّ بين البلدَين، ووجود فرصة إيرانيّة للتخلص من هذا العدوّ التقليديّ، وقد دفع هذا التوجه إيران إلى مدّ أمريكا بالمعلومات الاستخباراتيّة، وكذلك تعهّد بعدم التدخّل في أثناء الحرب أو بعدها[2].
وقد مَثّلَ التغلغل الإيرانيّ في العراق بعد عام 2003 مصدرًا لمخاوف الكويت، إذ تصاعد دور الشيعة وتم تهميش السنّة، وهذا كان له أثر على وضع الأقلّيّات الشيعيّة في بعض دول المِنطَقة ومن ضمنها الكويت، فضلًا عن أن العراق أصبح أقرب إلى عمليّة تقسيم على أسس طائفيّة، وهذا بدوره يمثل تهديدًا للداخل الكويتيّ.
على صعيد مختلف كان موقف الكويت من الأزمة النوويّة الإيرانيّة متماشيًا مع الموقف العربيّ الذي كان ينأى بنفسه عن التدخّل في تلك المسألة بالنظر إلى حساسيّة العَلاقات بين الجانبين، ورغم الضغوط الأمريكيّة في أثناء إدارة بوش على دول مجلس التعاون الخليجيّ لتبنّي خيار التدخّل العسكريّ، لكن ما عرضته الدول الخليجيّة هو الاستعداد للوساطة، ورفض الانخراط في الأزمة وفق منهج التصعيد الأمريكيّ. ويبدو أن دول الخليج قد اكتفت بمظلة الحماية الأمريكيّة لموازنة العَلاقات مع إيران، كما رأت أن الصراع هو بين إيران من جانب، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيّ من جانب آخر. وبهذا كان الموقف الكويتيّ منسجمًا مع الموقف العربيّ الذي يستند إلى دعم الحلّ السلميّ للأزمة، وإعطاء الفرصة للجهود الدبلوماسيّة، ورفض أيّ تدخّل عسكريّ في الأزمة، لما لهذا الخيار من انعكاسات سلبيّة على المِنطَقة ككل.
وإجمالًا، يمكن القول بأن العَلاقات تأثرت منذ بدايتها بالتحوّلات السياسيّة التي شهدتها كل من الدولتين، فبدايةً كانت الثورة الإيرانيّة وما رفعته من شعارات، لا سيّما مبدأ تصدير أفكارها ومحاولة التدخّل في شؤون دول الجوار، عاملًا سلبيًّا مؤثرًا على عَلاقة إيران بدول الجوار الإقليميّ، ومن ضمن هذه الدول الكويت التي استقبلت نتائج اعتناق إيران لهذا المبدأ، سواء من خلال تدخّلات في الشأن الداخليّ أو عمليّات عنف وإرهاب.
ومن ناحية ثانية، كانت العَلاقات العراقيّة-الكويتيّة المتوترة منذ الاستقلال عاملًا مؤثرًا على العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة تقاربًا وتباعدًا من فترة إلى أخرى، فالكويت وقفت إلى جانب العراق في حربه مع إيران في الثمانينات، فأثّر ذلك على العَلاقة بين البلدَين، كما أن إيران وقفت إلى جوار الكويت في خلافاتها مع العراق، وذلك في إطار التنافس الإيرانيّ العراقيّ على النفوذ في المِنطَقة، كما كانت الكويت بحاجة إلى الدعم الإيرانيّ لمواجهة رغبة العراق ضمّ الكويت إلى أراضيها، فإيران كانت موازنة في عَلاقة الكويت بالعراق.
ومن ناحية ثالثة، كانت العَلاقات الكويتيّة-الإيرانيّة تتأثر بتطوّر عَلاقة الأخيرة بمجلس التعاون الخليجيّ، وبالإطار الحاكم لتلك العَلاقات التي شهدت عديدًا من التوترات والأزمات. وعلى الرغم من تحسن العَلاقات الكويتيّة-الإيرانيّة في مراحل مختلفة، لكن الكويت لم تكن خارج إطار الموقف الخليجيّ العام من إيران، لا سيّما في ما يتعلق بالقضايا الرئيسيّة من قبيل الخلافات الحدودية مع دول الخليج كاحتلال الجزر الإماراتيّة والخلافات الحدوديّة الأخرى.
وهناك عامل أخير وهو موقع كل من الدولتين على خريطة الصراع الدوليّ، إذ إن إيران تصنّف كدولة تعمل خارج إطار الشرعيّة الدوليّة، ولديها موقف عدائيّ مع الولايات المتحدة، القطب الدوليّ الرئيسيّ الذي يلعب دورًا مُهِمًّا في توجيه التفاعلات والسياسات على الساحة الدوليّة، في حين أن الكويت جزء من منظومة الأمن الإقليميّ، وتُعَدّ حليفًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة، ومثلت تلك المكانة المتباينة لكل من الدولتين عاملًا أسهم في تحديد ملامح العَلاقات وحدودها.
المشكلات الحدوديّة بين البلدَين:
مِثْل كل دول الخليج، تختلف الكويت وإيران على الحدود البحرية في مِنطَقة «حقل الدرّة»، وهذا الخلاف يُعَدّ واحدًا من محدّدات العَلاقة بين البلدَين، وذلك منذ الستينات، إذ تعود جذور الخلاف إلى منح إيران حق التنقيب والاستغلال لشركة «بريتش بتروليوم»، بينما منحت الكويت الامتياز لـ«رويال داتش شل»، وتقاطع الامتيازان في جزء من الحقل الذي يقدّر احتياطيّ الغاز فيه بنحو تريليون قدم مكعبة، حينها احتجت الكويت على بحث إيران عن الغاز في الحقل الذي لم يتم الاتفاق بشأن ترسيم الحدود فيه، مع العلم بأن تصعيد هذا الخلاف ارتبط بالتطوّرات السياسيّة، إذ إنّ التقارب السياسيّ بين البلدَين أخفى هذا المِلَفّ عن الواجهة، والعكس صحيح. وكانت آخر مرة صعد فيها هذا المِلَفّ إلى واجهة الأحداث في عام 2012 بعد تصريح رئيس شركة نفط الجرف القاري الإيرانيّة الحكوميّة بأنه «إذا تم رفض دبلوماسيّة إيران سنمضي قُدمًا في جهودنا لتطوير حقل أراش البحريّ للغاز في الخليج من جانب واحد»، فأتى الردّ الكويتيّ باستدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانيّة في الكويت وتسليمه مذكرة احتجاج على هذا التصريح. ورغم أن هذا الخلاف يتعلق بحق سياديّ لكن لم يؤدِّ ذلك إلى صدام مباشر أو تدخل عسكريّ، بل إن الدولتين لديهما مساحة من الحركة الدبلوماسيّة لتفادي تأثير هذا المِلَفّ على مسار العَلاقات بصورة تصل إلى المواجهة أو القطيعة[3].
الجغرافيا السياسيّة وموقع البلدَين في الإقليم:
يُعَدّ الموقع الجغرافيّ من المحدّدات المهمّة المؤثرة في العَلاقات بين الدول، إذ يسهم في تحديد قوّة الدولة وثقلها الإقليميّ والدوليّ، ويشكّل أحد أهمّ عوامل رسم خريطة عَلاقاتها الخارجيّة، بل وقد يفرض عليها دورًا بعينه ومساحات متاحة للحركة والمناورة ومدّ النفوذ. وبالنظر إلى تأثير ذلك العامل على العَلاقات الكويتيّة الإيرانيّة، نجد أن دولة الكويت دولة صغيرة المساحة، إذ تبلغ مساحتها 17.820كم²، وتقع على رأس الخليج العربيّ. وبحكم موقعها الجغرافيّ، تُعَدّ الكويت منفذًا طبيعيًّا لشمال شرق الجزيرة العربيّة، ونقطة اتصال بين الجزيرة وسهول دجلة والفرات ومن ورائها الهضبة الإيرانيّة، مِمّا أكسبها أهمّيّة تجاريّة منذ أمد بعيد، وجعلها من نقاط التماسّ البرّيّ لكتلة الجزيرة العربيّة بإيران، بخاصّة في عصور خضوع العراق للسُّلْطة الفارسيّة، فضلًا عن التماسّ البحْريّ مع إيران[4]. والحقيقة أن المساحة المحدودة والموقع بين عدد من القوى المتنافسة والمؤثرة يفرضان عليها حدودًا في الحركة وخيارات محدودة في المناورة، لهذا تتّسم السياسة الخارجيّة بالحذر والميل إلى المهادنة والابتعاد عن المغامرة، بل تفرض عليها أدوار وسط بين القوى النافذة في المِنطَقة، فهي تتمتع بعَلاقات طيّبة مع كل القوى الإقليميّة، كما أنها تدرك المخاطر المحدقة بها، فتمد سياستها وتحالفاتها على المستوى الدوليّ لتأمين وجودها وبقائها. وقد كانت حرب الخليج الثانية في عام 1990 تجسيدًا واضحًا لأهمّيّة الكويت كموازن وخط تماسّ للصراعات بين القوى الإقليميّة والدوليّة.
أمّا إيران فتبلغ مساحتها 1,633,188كم²، وتطلّ على آسيا الوسطى وبحر قزوين من الشمال، وأفغانستان وباكستان من الشرق، ويقع الخليج العربيّ وخليج عمان إلى الجنوب، ويحدّ العراق وتركيا إيران من الغرب[5]. بهذا تمتلك إيران موقعًا جغرافيًّا مُهِمًّا يجعلها بمثابة حلقة وصل بين الشرق والغرب، وممرًّا طبيعيًّا للتجارة الدوليّة، وكذلك تشرف على مضيق هرمز. وقد فرض هذا الموقع وهذه المساحة الممتدة اشتراكها مع عدد كبير من دول الجوار في الحدود وإطلالها على عدد من المناطق الحيويّة والممرّات البحْريّة المهمّة، وهي عوامل بطبيعتها فرضت على إيران أن تكون دولة ذات دور وتأثير، صاغته عبر مراحل تاريخيّة في صورة توسعات إمبراطوريّة، وتدخّلات سياسيّة عابرة للحدود، ولعلّ هذه السياسات هي التي جعلتها في عَدَاء كبير مع محيطها الإقليميّ وجوارها الجغرافيّ[6].
بجانب هذا التفاوت في المكانة الجيو-سياسيّة التي تعطي سبقًا لإيران من ناحية التأثير والإمكانيات، فإنّ الجوار والتواصل الجغرافيّ قديمًا قد أسهم في خلق تواصل بشريّ لا يمكن إغفال أهمّيته في التأثير على مسار العَلاقات، فقبل قيام دولة العراق كانت الكويت مجاورة لولاية البصرة التي كانت تتنازعها الدولة الصفويّة والدولة العثمانيّة، ومِن ثَمّ كان بين الدولتين جوار برّيّ قديم، ولكن مع خضوع ولاية البصرة للسيطرة العثمانيّة انتهى هذا التواصل البرّيّ.
وعلى الرغم من أن الكويت وإيران -منذ أن عرفتا حدودهما السياسيّة بعد الاستقلال- لم تعودا تملكان حدودًا برّية مباشرة، غير أنهما تطلّان على الخليج العربيّ الذي يُعَدّ مجالًا حيويًّا لا غنى عنه لكل منهما. ويفصل بينهما حدود بحْريّة، الأمر الذي جعل القوانين الدوليّة الخاصّة برسم الحدود البحْريّة الخاصّة بالخلجان هي التي يُستند إليها في ترسيم الحدود بين البلدَين. وقد أتاح هذا الجوار البحريّ نوعًا من التواصل بين البلدَين جعل الكويت من أقرب نقاط التلاقي بين الكتلتين الجغرافيتين: الهضبة الإيرانيّة والجزيرة العربيّة. ويمثل تحديد الجرف القاري[7] بين الكويت وإيران نقطة خلاف حدوديّ بين البلدَين.
ولا شك أن عِظَم الكتلة الجغرافيّة الإيرانيّة وصِغَر مثيلتها الكويتيّة فرض نوعًا من التعامل الحذر من الكويت مع إيران، وجعلها في احتياج دائم إلى دعم الكتلة العربيّة المنتمية إليها، الممتدة جنوبًا وغربًا من أراضيها، لأن انسلاخ الكويت من الكتلة العربيّة يجعلها في موقف غير متوازن مع الكتلة الإيرانيّة المجاورة لها، وفي نفس الوقت يفرض الموقع الجغرافيّ نوعًا من التعاون واتخاذ موقف متقارب مع الكتلة الإيرانيّة لكونها جسرًا رابطًا بين الكتلتين العربيّة والإيرانيّة، فضلًا عن وجود إيران كقوّة توازن في عَلاقة الكويت مع جارتها العراق التي لديها مطامع ومشكلات حدوديّة مع الكويت.
التركيبة السكانيّة وتشابك العَلاقات الاجتماعيّة:
تُعَدّ الديموغرافيا أو التركيبة السكانيّة محدّدًا مهمًّا في العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة، فالدولتان لم تستقرّا سكانيًّا إلا مع ظهور الدولة القوميّة في كل منهما، فلم تستقرّ التركيبة السكانيّة لإيران إلا بعد وصول الدولة إلى آخر تغير لحدودها بتوقيع معاهدتَي جلستان وتركمانتشاي في 1828م، ولم تستقرّ التركيبة السكانيّة للكويت إلا بعد تأسيس الدولة الحديثة بها في عام 1961. ودائمًا ما كان تعريف المواطن لدى كلتا الدولتين موضع نقاش. ونتيجة للتقارب الجغرافيّ كما ذكرنا فكان من الطبيعيّ وجود عَلاقات على المستوى الشعبيّ، فنجد كثيرًا من عَلاقات المصاهرة والزيجات بين الشعبين الإيرانيّ والكويتيّ، فضلًا عن أن سهولة التنقلات ووجود عائلات في الكويت من أصول إيرانيّة أدى إلى وجود روابط ثقافيّة واجتماعيّة بين البلدَين، فحين الرجوع إلى تاريخ الهجرة الإيرانيّة نجدها بدأت في القرن الثامن عشر بالتدفق إلى الكويت، كما أن عوامل أدّت إلى الهجرة الإيرانيّة، فالكويت وُصفت بأنها كانت مأوى وملاذًا للإيرانيّين بحيث يستطيع التجّار التعامل بحُرّية وسلام، وكذلك يستطيع المضطهَدون بدء حياة جديدة لهم.
ومع ظهور النفط وارتفاع مستوى الدخل في الكويت نشطت حركة الملاحة البحرية في سبعينات القرن الماضي بين البلدَين، وانتقل كثير من العائلات الإيرانيّة إلى الكويت التي استقرّوا بها أخيرًا، واستطاعوا العمل بالتجارة وزيادة التبادل الاقتصاديّ والتجاريّ بين البلدَين[8].
ويُعَدّ المجتمع الإيرانيّ متنوّعًا من حيث الجماعات العرقيّة والاختلافات الثقافيّة بينها، ويشكّل العرق الفارسيّ 51% من السكان، ويشاركهم مجموعات عرقيّة أخرى، هم الأذريون [24%] الذين يُعَدّون أكبر أقليّة عرقيّة بعد الفرس والأكراد [7%]، والعرب [3%]، والبلوش [2%]، والتركمان [1.6%]، والأقليّات من اليهود، والأرمن. وأغلب القبائل التي تعيش على الأراضي الإيرانيّة هي من المهاجرين الذين هاجروا من الدول الآسيويّة واستقرّوا على أرض إيران[9].
وإلى جانب التقسيم العرقيّ لسكان إيران هناك تقسيم آخر وفق الدين والمذهب، فمن بعد الأغلبية الشيعيّة الاثنا عشريّة في إيران يمكن تقسيم الأقلّيّات إلى مسلمين وغير مسلمين، وتتكون الأقلّيّات المسلمة في إيران من أهل السنّة والإسماعيليّة، أما الأقلّيّات غير المسلمة فتضمّ المسيحيّة، والزرادشتيّة، واليهوديّة، والبهائيّة وطوائف أخرى. وتُعَدّ الطائفة السنّيّة من أكبر الأقلّيّات في إيران لأنها تشكّل عشرة في المئة من مكونات الشعب الإيرانيّ[10]، ويقدر عددهم بـ5307142 مليون نسمة[11].
في المقابل يُعَدّ الشيعة مكوّنًا وطنيًّا من مكونات المجتمع الكويتيّ، سواء كانوا من الشيعة العرب أو ممن هاجروا من إيران منذ فترة طويلة واستقروا بالكويت وأصبحوا مواطنين كويتيّين، فالعامل المذهبيّ يتمثل في الارتباط المعنويّ بين أبناء الطائفة الشيعيّة في الكويت، وأول مجموعات الشيعة ذوي الأصول الإيرانيّة جاءت الكويت في حدود النصف الثاني من القرن الثامن عشر[12]، إذ كانوا من التجار في المناطق الساحليّة لإيران، وكان دافعهم الأول والأساسيّ للهجرة تطوير أنشطتهم الاقتصاديّة. وهذا التدفق من الإيرانيّين إلى الكويت استمرّ خلال القرون التالية، وقد تأثر بالتطوّرات الإيرانيّة الداخليّة، وكذلك بالازدهار الكبير الذي عرفته الإمارات العربيّة الخليجيّة مقارنة بالمناطق الساحليّة الجنوبيّة من إيران. وكان سبب هجرتهم إلى الكويت نهاية القرن التاسع عشر هو التغيرات المناخيّة القاسية في المناطق الإيرانيّة، والجفاف الذي ضرب مِنطَقة بوشهر، ومن جهة أخرى الهرب من الإجراءات الضريبيّة الماليّة الجديدة التي فرضتها الحكومة الإيرانيّة[13]، فالشيعة جزء أساسي من المجتمع الكويتيّ، على الرغم من صعوبة تحديد أعدادهم الحقيقيّة، ولكن بعض المصادر قدّرت نسبتهم بـ15-20% من إجمالي السكان، وينقسمون إلى أربع مدارس مذهبية: الشيخيّة، والأخباريّة، والأصوليّة، والخوئيّة[14]. وعُزّز حضور الشيعة في الكويت في السياسة والاقتصاد بفاعلية كبيرة وحضور قويّ جعل لهم ثقلًا ومشاركة في التركيبة السكانيّة الكويتيّة، أو ما يسمى بالمواطنة الفعالة. فيمثل الثقل الاقتصاديّ للشيعة في الكويت أكثر من 50% من الاقتصاد الكويتيّ، وأبرز المجموعات الاقتصاديّة هي مجموعة «فدك»، وهي برأسمال يبلغ 35 مليون دينار[15]، وفي السياسة أفسحت الكويت المجال للشيعة لتولّي أعلى المناصب السياسيّة والعسكريّة، بناء على الكفاءة وحدها دون موازين طائفيّة، وأصبحوا سفراء ووزراء، كما أنهم ممثلون حاليًّا في كل المجالس النيابيّة والتشريعيّة، ففي الانتخابات الأخيرة عام 2016 التي أفرزت نتائجها فوز الشيعة بـ6 مقاعد في مجلس الأمّة [البرلمان][16]، كفلت الكويت للشيعة كثيرًا من الحقوق السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، كما ينعمون بحُرّية العقيدة، فلديهم المحاكم الخاصّة بهم، بالإضافة إلى حُرّية كبيرة في نشر المطبوعات الخاصّة بالمذهب الشيعيّ، وبناء المساجد والحسينيات، وتحويل أموال الخمس بسلاسة ويسر إلى المراجع الدينية في قم والنجف[17]. وفي ما يتعلق بتوزيع السكان كان الشيعة يميلون إلى السكن في مناطق وأحياء خاصّة بهم، مثل الشرق، وبنيد القار، أما بعد ظهور النفط وبعد حركة الاستملاكات التي قامت بها الحكومة والناتجة عن العوائد النفطيّة الكبيرة، فانتقلت أغلبيّة الشيعة إلى مناطق جديدة مثل: القادسيّة، والمنصوريّة، والدعيّة، والدسمة، والرميثيّة، والسالميّة، وحولي، والجابريّة. وقد تجاوز عدد المساجد الشيعيّة 28 مسجدًا وأكثر من 60 حسينية[18]، فيمكن القول إن العامل المذهبيّ أسهم بشكل كبير في تقريب العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة. ونجد كثيرًا من المواطنين الكويتيّين الذين ينتمون إلى الطائفة الشيعيّة يزورون المدن الإيرانيّة ذات التراث الدينيّ الشيعيّ كقم ومشهد وكذلك بعض المزارات.
لكن تكمن المشكلة في التركيبة السكانيّة في دولة الكويت في أن عدد الأجانب أكثر من المواطنين الكويتيّين، وتنظر الحكومة الكويتيّة بقلق بالغ إلى ارتفاع نسبة الأجانب على المواطنين باعتباره أمرًا يهدّد هُوِيّة الدولة. ويمثل الإيرانيّون نسبة مُهِمّة من هؤلاء الأجانب، إذ يزور الكويت أكثر من 200 ألف زائر إيرانيّ سنويًّا، بينما يوجد عديد من العائلات من أصول إيرانيّة في الكويت وعددها يقارب 50 ألفًا. كما تشكل السياحة، وبالأخصّ الدينيّة، بين البلدَين عاملًا مُهِمًّا، إذ يتجه كثر من الكويتيّين سنويًّا لزيارات المقامات المقدسة في إيران، وقد لعب العنصر الشيعيّ الكويتيّ دورًا تقريبيًّا بين البلدَين في مناسبات عدة، ولكنه في المقابل أثار المخاوف من كونه بيئة خصبة يمكن لإيران استغلالها كورقة ضغط إذا ما احتاجت إليها في عَلاقتها بالكويت، لا سيّما أن رجال دين شيعة في الكويت خرجوا مرارًا للدفاع عن مواقف إيران وقياداتها[19].
المصالح الاقتصاديّة المتبادلة:
بدأت العَلاقات الاقتصاديّة رسميًّا بين الكويت وإيران بعد الاستقلال، إذ كانت الكويت تفتقر إلى العمالة الماهرة والخبرات الكافية، فاستغلّت إيران تلك الحالة وبادرت بتقديم عديد من الخدمات، فأقامت معها عَلاقات اقتصاديّة وتجاريّة[20]. لكن في السبعينات تحديدًا وقّعت الدولتان اتفاقيّات ومعاهدات اقتصاديّة عدة، بينها اتفاقيّة الترانزيت والتجارة [إعادة تصدير البضائع]، والتبادل التجاريّ بين مواني الكويت والمحمرة وبوشهر وبندر عباس. وقد بلغ حجم التبادل التجاريّ بين البلدَين نحو 150 مليون دولار سنويًّا. وتُعَدّ إيران دولة استراتيجيّة مُهِمّة للكويت انطلاقًا من ثقلها السياسيّ وموقعها المتميز، فضلًا عن كونها مصدرًا أساسيًّا للغاز. في المقابل، تشكّل الكويت، انطلاقًا من موقعها الجيو-استراتيجي في المثلث بين إيران والعراق والسعوديّة، فضلًا عن مخزونها النفطيّ ودبلوماسيّتها الهادئة، قيمة أساسية لإيران في المِنطَقة.
تعتمد الكويت على إيران في توفير المواد الزراعيّة والإنشائيّة والغذائيّة من عدة مصادر، أهمّها إيران، ولهذا تحتفظ الكويت بعَلاقات جيدة معها، كما تشترك الدولتان في أنهما قوّتان مؤثرتان في سوق النفط العالميّة، وعضويّة الكويت في منظمة «أوبك» تجعلها محلّ اهتمام إيران، لما لتلك المنظمة من أهمّيّة في تحديد سياسة النفط، وهو المورد الوحيد للكويت والمهمّ لإيران.
وتُظهِر البيانات الرسميّة الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء أن إيران احتلّت المرتبة الـ14 بين الدول المستوردة للبضائع غير النفطيّة الكويتيّة ومشتقاتها، إذ وصل حجم الصادرات الكويتيّة إليها في الربع سعوديّ من 2014 إلى 5,3 مليون دينار [17.42 مليون دولار] بزيادة نسبتها 1,4 في المئة على الفترة المماثلة من عام 2013. وكشفت البيانات أن حجم الواردات الإيرانيّة من الكويت في الربع المذكور بلغ 22.8 مليون دينار كويتيّ [نحو 75 مليون دولار]، في حين كانت نسبة كبيرة من الصادرات الكويتيّة إلى إيران على شكل سلع وبضائع معادة التصدير بلغ إجمالي قيمتها نحو 4.8 مليون دينار [15.78 مليون دولار][21].
وهنا تبدو أهمّيّة الكويت كسوق مُهِمّة للصادرات الإيرانيّة، وتزداد تلك الأهمّيّة في وقت عانت فيه إيران من العزلة وفرض العقوبات الاقتصاديّة وبحثها عن أسواق لمعالجة آثار الحصار والعقوبات، كما تمثل إيران في الوقت نفسه مصدرًا مُهِمًّا للواردات الغذائية وبديلًا تجاريًّا قويًّا، ومصدرًا للإمدادات بالغاز وغيرها من مصادر الطاقة، ولا شك أن هذا العامل الاقتصاديّ يلعب دورًا مُهِمًّا في التأثير على العَلاقة بين البلدَين، لهذا خلال مراحل التوتر لم تتأثر العَلاقات الاقتصاديّة بالعوامل السياسيّة أو الخلافات الحدوديّة، بل إنّ الدولتين تسعيان طَوال الوقت من أجل تحسين العَلاقات الاقتصاديّة وزيادة حجم التبادل التجاريّ.
العمليّات الإرهابيّة في الكويت:
تاريخيًّا، تأثرت العَلاقات الثنائيّة بين البلدَين بسلوك إيران الخارجيّ الذي اعتمد منذ الثورة على التدخّل في الشؤون الداخليّة لدول الجوار، وذلك بتبنّيها في ظل ولاية الفقيه مبدأ تصدير الثورة، وذلك عبر عدد من الوسائل والطرق المختلفة، فمنها تجنيد العملاء في هذه الدول، بجانب القيام بعمليّات عنف وإرهاب من أجل زعزعة الاستقرار الداخليّ والتأثير على مواقف هذه الدول. وقد كانت قمّة هذه العمليّات في منتصف الثمانينات الذي شهد أكبر عدد من العمليّات الإرهابيّة التي استهدفت إيرانُ من خلالها دولةَ الكويت، إذ قصفت الناقلات النفطيّة المتوجّهة إلى الكويت في مايو عام 1983، وفي ديسمبر من العام نفسه استُهدفت محطة كهرباء في الكويت بقنبلة مزروعة، فضلًا عن تفجير قنبلة استهدفت السفارة الفَرنسيّة في الكويت، وكذلك تفجير سيارة مفخخة في مطار الكويت الدوليّ أدى إلى مقتل فنّي مصريّ وتفجير شاحنة، كما استُهدفت السفارة الأمريكيّة في الكويت مما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وجرح ما لا يقل عن 37 شخصًا في ديسمبر من العام ذاته. وقد وقعت خمسة تفجيرات في مواقع أخرى بما فيها تفجير في مطار الكويت الدوليّ.
وفي مايو عام 1985 تعرّض موكب الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت لمحاولة اغتيال، وقُتل في الحادث عسكريّان وجُرح آخرون، ونجا أمير الكويت من محاولة الاغتيال وتعرّض لإصابات طفيفة. وفي العام نفسه وقع تفجير لبعض المقاهي الشعبيّة في الوطيّة والسالميّة وقتل في الحادث 11 شخصًا وجرح 89 شخصًا في يوليو عام 1985، وقد وُجّهت أصابع الاتهام إلى إيران.
أمّا في عام 1986 فقد اختُطفت الطائرة الكويتيّة «كاظمة» خلال عودتها من الهند وهبوطها في مطار مشهد 3 أيام، وأصيب أحد أفراد طاقم الحماية. وفي العام نفسه أعلنت قوات الأمن الكويتيّة أنها أحبطت محاولة اختطاف طائرة 747 تابعة للخطوط الجوّية الكويتيّة إلى جهة غير معلومة في شرق آسيا، كما شهد هذا العام ثلاثة تفجيرات بمجمع نفطيّ في الأحمدي بواسطة قنابل مزروعة في يونيو عام 1986.
في عام 1987 حدث تفجير سيارة مفخخة بجانب فندق «ميريديان» خلال انعقاد قمة المؤتمر الإسلامي في الكويت في يناير، وفي الشهر نفسه حدث تفجير سيارة مفخخة بجانب مخفر الصالحيّة وسط العاصمة، كما ضربت ثلاثة صواريخ منشآت نفطيّة كويتيّة في ميناء الأحمدي في أكتوبر، وحدث كذلك في أكتوبر من العام نفسه تفجير مكتب الخطوط الأمريكيّة «بان أمريكان» في الكويت بسيارة مفخخة ولم يتعرض أحد لأذى لأن المكتب وقت الحادث لم يصادف ساعات الدوام. وفي نوفمبر حدث تفجير مكتب شركة تأمين أمريكيّة وسط العاصمة.
وفي عام 1986 حدث تفجير مكتب الخطوط الجوّية السعوديّة، واختطاف الطائرة «الجابرية» وهبوطها في مشهد، ومِن ثَمّ لارنكا في قبرص، وانتهت بمطار هواري بومدين في الجزائر، وقتل 2 من المواطنين، وذلك في مايو من هذا العام. كما حدث تفجير سيارة مفخخة أمام مبنى الخطوط الجوّية الكويتيّة وسط العاصمة في مايو من العام نفسه[22].
ويلاحظ أن معدّل العمليّات الإرهابيّة كان في تزايد خلال تلك المرحلة بالنظر على توتر العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة على أثر الموقف الكويتيّ المساند للعراق في حربها ضدّ إيران، وفي ذروة التوجّه الإيرانيّ الداخليّ لتصدير الثورة إلى دول الجوار، وتبنّي مبدأ التدخّل كتوجّه أساسيّ للسياسة الخارجيّة الإيرانيّة. هذا فضلًا عن التصعيد الإيرانيّ الأمريكيّ المتبادل، ولهذا نجد أن بعضًا من العمليّات قد استهدف المصالح الأمريكيّة في الكويت كالسفارة وناقلات النفط، إذ كانت الولايات المتحدة تقف إلى جانب العراق في إطار صراعها الأكبر في أثناء الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي. كما استهدف بعض من هذه العمليّات المصالح السعوديّة في الكويت، وذلك بالنظر إلى العَلاقة المتوترة والعَدَاء الذي تكنّه إيران للمملكة وحلفائها من دول الخليج العربيّ. لكن على ما يبدو أن العمليّات الإرهابيّة من جانب إيران قد قلّت منذ مطلع التسعينات، وذلك ارتبط بتحسّن العَلاقات بين البلدَين على إثر الغزو العراقيّ للكويت وموقف إيران المساند للكويت، وكذلك سياسة رفسنجاني التي مالت إلى التهدئة مع دول المِنطَقة، ولا سيّما دول الخليج، ومن بعده خاتمي الذي استكمل هذا المسار في التهدئة. لكن في الحقيقة بعد عام 2011 بدأ التدخّل الإيرانيّ في الشأن الكويتيّ الداخليّ في العودة إلى الواجهة مرة أخرى، ولكن من خلال أسلوب مختلف عن ذلك الذي كانت تمارسه إيران في الثمانينات، وهو القيام بزرع عملاء في الداخل وتجنيد جواسيس ودعم الطائفة الشيعيّة واختراقها وكسب ولائها، ودعم الحراك الداخليّ ضد النظام.
مبدأ الحياد الكويتيّ في مقابل مبدأ التدخّل الإيرانيّ:
منذ وقت مبكّر عرفت الدبلوماسيّة الكويتيّة مبدأ الحياد الإيجابيّ ولعب دور الوساطة في النزاعات، ففي عام 1914 توسط أمير الكويت الشيخ مبارك الصباح في النزاع الذي نشب بين الدولة العثمانيّة وسلطان نجد، وانتهت الوساطة إلى استضافة الكويت مؤتمر «الصبيحية» الذي أنهى النزاع وقرّب وجهات النظر. وقد ورثث الأسرة الحاكمة هذا المبدأ السياسيّ مبكرًا، بحيث أصبح مبدأً من مبادئ السياسة الخارجيّة الكويتيّة.
وقد سمح هذا التوجه للكويت بأن تحظى بعَلاقات طيّبة مع جيرانها ومع دول العالم، حتى إنها تصنّف من ضمن الدول التي لها دور بارز على المستوى الدولي في ما يتعلق بسياسة الحياد وتصفير المشكلات، فالكويت حافظت على التوازن في سياستها وعدم الإقصاء واحترام تقرير مصير شعوب الدول المجاورة، بجانب قدرتها على حسم القضايا الخلافيّة وتقريب وجهات النظر. قد يكون هذا مفهومًا بالنظر إلى أنها دولة صغيرة والبديل هو تفادي الصدام ولعب دور إيجابيّ لرسم دور فاعل يحميها من أطماع الدول الأكبر ومن تقلبات العَلاقات بين الدول. ويتناقض هذا التوجّه الكويتيّ في ما يتعلق بالسياسة الخارجيّة ومطلقاتها مع التوجّه الإيرانيّ الذي يَعُدّ مبدأ التدخّل جزءًا من العقيدة الدينيّة والعقيدة السياسيّة للدولة، وذلك منذ اندلاع الثورة، فضلًا عن أنه محدّد رئيسيّ من محدّدات سياستها الخارجيّة باعتبارها دولة لها وزنها الإقليميّ ولديها طموحات توسعيّة ولعب دور بارز في الإقليم[23].
اللافت في ظل هذا التناقض بين منطلقات السياسة الخارجيّة أن الكويت بحكم مبدئها المحايد والوساطة المميزة لسياستها الخارجيّة قد تمكنت من الحفاظ على مستوى من العَلاقات مع إيران يجنّبها طموحاتها وتدخّلاتها إلى حدّ ما، لكن لا يعني ذلك أنها نجت من تداعيات سياسة إيران الإقليميّة. لكن على أيّ حال وفي أصعب الظروف تركت الكويت مساحة للمناورة بعيدًا عن خط القطيعة.
ثانيًا: صعود دور إيران وأثره على العَلاقات بعد عام 2011
خلال السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد أحداث ما يعرف بالربيع العربيّ، بدت المِنطَقة أمام تحديات كبرى، إذ بدت الأنظمة السياسيّة أمام أوضاع داخليّة متأزّمة، وبدت الدول أمام تحدّيات وجوديّة، وظهر أن هناك عجزًا داخليًّا على مستوى مؤسّسات العمل الجماعيّ في مواجهة هذه التغييرات. استغلّت إيران تلك التحوّلات لتنفيذ مخططاتها في مدّ نفوذها إلى المناطق الرخوة من العالم العربيّ، فأجّجت الصراعات والانقسامات داخل المجتمعات، فانهارت دول مثل سوريا واليمن ودخلت في صراعات أهليّة كبرى، كما مدّت يدها للعبث بأمن الخليج، عبر تأجيج مشاعر بعض مكونات المجتمعات الخليجيّة من المنتمين إلى المذهب الشيعيّ، كما عملت على اختراق هذه المجتمعات عبر خلايا التجسس ومجموعات إرهابيّة. وقد كانت تلك التحولات عاملًا رئيسيًّا في وجود توتر مكتوم في العَلاقات بين الكويت وإيران، ويمكن ملاحظة تطوّرات وتفاعلات العَلاقة بين البلدَين على ضوء ما يأتي:
عَلاقات ثنائيّة متأرجحة بين التعاون والحذر:
تبدو عَلاقة الكويت بإيران مختلفة عن باقي جيرانها الخليجيّين منذ الثورة الإيرانيّة في عام 1979، فبين اعتراف الكويت بالنظام الجديد في إيران بعد الثورة كواحد من أهمّ المؤشرات السياسيّة في تاريخ العَلاقات الثنائيّة بين البلدَين، والتي أسّست لطبيعة العَلاقة مبكرًا، حتى زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح لإيران عام 2014، تتضح المساحة التي تتحرّك فيها الدبلوماسيّة الكويتيّة بصورة تبدو متمايزة عن جيرانها في الخليج الذين كان لهم موقف مختلف من إيران. لكن في الواقع لا يعني هذا التقارب الثنائيّ الظاهر أن العَلاقة تسير على وتيرة واحدة، إذ إن تفاصيل العَلاقة وتاريخها يؤكد أن العَلاقة ظلت تتراوح ما بين التقارب والتباعد، وذلك على خلفية التجاذبات التي قد تتعرّض لها العَلاقات سواء لأسباب لها صلة بالعَلاقات الثنائيّة، أو الخلاف حول مواقف وقضايا إقليميّة واختلاف موقف كل دولة منهما من هذه القضايا.
ما يجعل العَلاقة على هذا المنوال يعود بالأساس إلى موقع وحجم كل دولة، فضلًا عن مكانتها في خارطة التنافس والصراع الإقليميّ، وكذلك إلى المنهج السياسيّ الكويتيّ في التعامل مع جيرانها ومحيطها الإقليميّ، إذ عُرفت الكويت بين دول الخليج، كما الحال مع سلطنة عمان، بلعب دور وسيط في المشكلات وتبنّي المسار الدبلوماسيّ الهادئ في التعاطي مع المشكلات، وبمحاولة التمايز عن الأدوار المتنافسة والمهيمنة لبعض الدول في المِنطَقة، ومع ذلك تجد الكويت نفسها في أوقات كثيرة مضطرّة إلى أن تتخذ مواقف مغايرة لدورها التقليديّ، لا سيّما في مواقفها من إيران، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بخلاف إيرانيّ-سعوديّ أو إيرانيّ-خليجيّ، إذ إن الكويت عضو فاعل في مجلس التعاون الخليجيّ، وهي بأي حال ملتزمة بالعمل في هذا الإطار الذي ربما تأسس بمبادرة كويتيّة لتعزيز التعاون ومواجهة التحديات.
وقد ظلت العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة تحتكم إلى العوامل الرئيسيّة المؤثرة على مسارها، كما سبقت الإشارة، لكن منذ عام 2011 بدأت العَلاقات تشهد صعودًا وهبوطًا مستمرًّا. فبدايةً أغرت الثورات العربيّة إيران بالسعي لزعزعة أمن واستقرار الكويت طمعًا في تكوين نظام حكم تابع أو أكثر طواعية لها، لا سيّما أن الكويت بها أقليّة شيعيّة تمثّل بدورها أرضيّة يمكن التعويل عليها في تشكيل مستقبل النظام الجديد ليكون ولاؤه لطهران، وهذا ما حاولت فعله في البحرين فضلًا عن محاولاتها تقليب الأقليّات الشيعيّة في باقي دول المِنطَقة لزعزعة استقرارها، وإيجاد بيئة مناسبة لتدخلها ولعب دور بارز في توجيه تفاعلاتها، وربما كانت هذه التوجهات الإيرانيّة سببًا في إثارة مخاوف دولة الكويت.
كان البَوْن شاسعًا بين وجهتَي نظر إيران والكويت لأحداث الربيع العربيّ، إذ نظرت إليه الكويت على أنه موجة كبيرة تستهدف ضرب استقرار الدول العربيّة ومنها الكويت، وتستهدف إحداث تغييرات جوهريّة في بنية سلطاتها، بينما كانت إيران تنظر إليه على أنه استكمال للثورة الإيرانيّة، ومِن ثَمّ هو يوفر بيئة مناسبة لإيران لتنفيذ مشروعها وتصدير ثورتها. هذا الموقف المتباين قد أدخل العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة مرحلة الشك والتوجس، ودفع الكويت إلى التخندق مع محيطها الخليجيّ من أجل تفادي ارتدادات تلك الموجة وضرب قدرتها على النَّيل من استقرار دول الخليج، وبهذا صعّدت الكويت من مواقفها ضد إيران بوصفها داعمة لآلية التغيير وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها المِنطَقة.
وعزز اكتشاف خلايا تجسّسية تابعة لإيران في عام 2011 شكوك الكويت في النيّات الإيرانيّة، وكالعادة كان ردّ الفعل الإيرانيّ أن صرّحَت الخارجيّة الإيرانيّة بأنّ ما نُشر بشأن كشف شبكة إيرانيّة للتجسّس في الكويت «لا أساس له»، عادّةً أنّ بعض نوّاب البرلمان الكويتيّ ووسائل الإعلام في هذا البلد قد «تأثروا بالدعايات التي يثيرها أعداء العَلاقات بين البلدَين»[24]. والواقع أنّ النفي لم يكن يعني بالنسبة إلى الكويت سلامة الموقف الإيرانيّ، إذ إن الكشف عن هذه الخليّة في الكويت لم يكن سوى نموذج لعمليّات مشابهة في كل دول الخليج كُشف عنها تباعًا منذ عام 2011، وهو ما يعني وجود منهجيّة لإحداث قلاقل داخل دول الخليج ومن ضمنها الكويت، مستغلّة موجة الاحتجاجات التي عمّت المِنطَقة[25].
وقد زاد التوتر في العَلاقات بين البلدَين في عام 2012، إذ صعدت مشكلة ترسيم الحدود البحريّة الإيرانيّة-الكويتيّة مرة أخرى إلى الوجهة، تلك الأزمة التي تُعرف بـ«الجرف القارّي» حول الحقوق المتنازع عليها في حقل الدرّة الغنيّ بالغاز والمعادن، إذ احتجّت الكويت على قيام إيران بالحفر في الحقل بحثًا عن الغاز في وقت لم تتوصل فيه الدولتان إلى اتفاق حول ترسيم حدودهما البحريّة في شمال الخليج، لكن لم تصل العَلاقات على إثر هذه التطوّرات إلى مرحلة الأزمة، وظلّ المِلَفّ غير مؤثر كالعادة على مسار العَلاقات إلا في نطاق دبلوماسيّ محدود[26].
بعد وصول الرئيس حسن روحاني إلى سُدّة الحكم في إيران عام 2013 راح يبشِّر بترميم العَلاقات الإيرانيّة-الخليجيّة بعد الفجوة الكبيرة التي حصلت بين الجانبين نظرًا لتدخّلات إيران المستمرّة في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة، وعدم احترام حسن الجوار[27]. وقد رحّبَت الكويت بتصريحات روحاني ودعت إلى إثبات الدولة الإيرانيّة حسن النيّة، كما أكد وزير الخارجيّة الكويتيّ الشيخ صباح خالد الحمد الصباح حاجة المِنطَقة إلى الاستقرار، واصفًا إيران بأنها دولة كبيرة ومؤثّرة في المِنطَقة[28].
وخلال زيارة الأمير الكويتيّ لطهران وُقّعت حزمة واسعة من الاتفاقات، تشمل استيراد الغاز والصلب من إيران وتسهيل دخول السلع والبضائع، إضافة إلى تشجيع السياحة بين البلدَين. وقد وقّعت الكويت وإيران عددًا من اتفاقيات التعاون الاقتصاديّ مع إيران في مجالات السياحة والجمارك والخدمات الجوّية والبيئة، وقالت الكويت إنها تسعى لاستيراد الغاز الإيرانيّ لسدّ احتياجاتها المتزايدة منه[29]، وقال وزير النفط الكويتيّ في طهران إنّ إيران لديها كمّيّات كبيرة من الغاز، مؤكّدًا حاجة الكويت إلى الغاز الإيرانيّ عن طريق التعاون بين الجانبين لاستيراده عن طريق توقيع اتفاقيّة بهذا الشأن.
إلى جوار ذلك، شهدَت زيارة أمير دولة الكويت إلى إيران توقيع اتفاقيّة التعاون المتبادل في الشؤون الجمركيّة، لتسهيل إجراءات التبادل التجاريّ ودخول السلع والبضائع بين البلدَين. وعلى الرغم من النموّ المتزايد للعَلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة بين الكويت وإيران فإنّها لا تزال دون المستوى[30]. وقد صاحب تطوّر العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة اقتصاديًّا وسياسيًّا تطوّر اجتماعيّ ثقافيّ، فحدثت نقلة نوعيّة في العَلاقات بين البلدَين عند إنشاء رابطة الصداقة الإيرانيّة-الكويتيّة لتشمل برامج عمل تتضمّن جميع أشكال التعاون والأنشطة والفاعليّات الاجتماعيّة، وهي خطوة شعبيّة حظيَت بتأييد ومباركة القيادة السياسيّة الكويتيّة، وقال سفير دولة الكويت لدى إيران مجدي الظفيري إنّ إنشاء رابطة الصداقة الكويتيّة-الإيرانيّة ونظيرتها الإيرانيّة خطوة في الاتجاه الصحيح نحو بناء جسور من الثقة بين الشعبين الصديقين[31].
وفي عام 2015 وقّعَت إيران الاتفاقيّة التاريخيّة لمشروعها النوويّ مع مجموعة 5+1، وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا. وحاولت إيران طمأنة جيرانها الخليجيّين، وكانت الكويت أول المهنّئين لإيران بتوقيع الاتفاق، في برقيّة بعثها أمير البلاد صباح الأحمد الصباح أملًا في أن يُسهِم هذا الاتفاق في تعزيز الأمن والسلام في المِنطَقة[32]، ومِن ثَمّ جاءت زيارة وزير الخارجيّة الإيرانيّ جواد ظريف للكويت لشرح أبعاد الاتفاق النوويّ[33].
لكن بعد توقيع إيران للاتفاق النوويّ مع مجموعة 5+1 عادت إيران للاهتمام بمِنطَقة الجرف القاري المتنازع عليها مع الكويت، وطرحت مناقصات لتطوير حقولها النفطيّة وبينها حقل الدرّة الذي يقع في الجرف القاري، والذي لا يزال محلّ تفاوض بين إيران والكويت، واستدعى وكيل وزارة الخارجيّة الكويتيّ خالد الجار الله، القائم بالأعمال الإيرانيّ حسن زرنكار، وأبلغه احتجاجه الرسميّ على الخطوة الإيرانيّة التي عدّها أحادية ومفاجئة، ويبدو أن الكويت تخشى من أن تستغلّ إيران الانفراجة التي حصلت عليها بعد الاتفاق النوويّ وتتوغل على الحقّ الكويتيّ في الحقل، لا سيّما في ظل موقف أمريكيّ بدا متراخيًا مع إيران ومتسامحًا مع توسّعاتها وطموحاتها في المِنطَقة[34].
في عام 2016 توترت العَلاقات على إثر توتّر العَلاقات الخليجيّة-الإيرانيّة بعد اعتداء الأخيرة على سفارة المملكة العربيّة السعوديّة في طهران وقنصليتها في مشهد، مِمّا أدّى إلى قطع العَلاقات الدبلوماسيّة من الجانب السعوديّ ولحقها بعض الدول الخليجيّة، وقد كان الموقف الكويتيّ أقل حِدّة بحيث استُدعِي السفير الإيرانيّ وقُدّمت له مذكرة احتجاج شديد اللهجة، بالإضافة إلى استدعاء سفيرها لدى إيران. وتوافقت هذه الإجراءات مع توجهات السياسة الخارجيّة الكويتيّة التي لديها التزامًا تجاه أيّ اعتداء على دول الخليج من جانب إيران وإن كان الموقف الكويتيّ هو الأقلّ حدّة بين مواقف دول الخليج[35].
وفي بداية عام 2017 بعد وصول العَلاقات الإيرانيّة-الخليجيّة إلى حالة من الاحتقان بادرت الكويت بخطوة لتهدئة الأوضاع، فزار وزير الخارجيّة الكويتيّ إيران يوم 25 يناير 2017 برسالة من أمير الكويت صباح الأحمد الصباح إلى الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني، بشأن العَلاقات الخليجيّة-الإيرانيّة، تدعو للتعاون والتفاهم والحوار[36]. وقد ردّت إيران هذه الزيارات بزيارة الرئيس حسن روحاني للكويت في أول زيارة خارجيّة له لدولة خليجيّة منذ تقلُّده سُدّة الحكم عام 2013. والتقى أميرها للردّ على الرسالة وبحث العَلاقات الثنائيّة بين البلدَين. وكذلك هدفت الزيارة إلى إيضاح موقف إيران من المبادرة الخليجيّة الهادفة إلى تهدئة الخلافات الإقليميّة، التي نقلها إلى طهران وزير الخارجيّة الكويتيّ الشيخ صباح الخالد في يناير 2017[37].
ومن الواضح أن الموقف الكويتيّ من جارتها إيران لم يتجاوز الخطوط العريضة للسياسة الخارجيّة الكويتيّة، كما أنه لم يتخطَّ حدود العوامل المؤثرة على العَلاقات، فظلّ الموقف الكويتيّ متراوحًا بين التصعيد والتهدئة، مبتعدًا عن خيارات متطرفة. لكن يبدو أن السياسة الخارجيّة الإيرانيّة تأثرت بهيمنة المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة وتوجّهات المتشدّدين وعلى رأسهم خامنئي، المرشد الأعلى، كما أنها تظلّ أسيرة التوظيف المذهبيّ والآيديولوجيا القائمة على العداء والتدخّل والتوسع، ومِن ثَمّ فإنّ دعوات التهدئة مع جيرانها ومنهم الكويت لم تكن سوى خطاب سياسيّ خالٍ من المضمون، فتوسيع تدخلها في الشأن الكويتيّ، ومحاولة مدّ جسور التواصل مع الشيعة في الداخل، فضلًا عن الدور الإقليميّ المؤثر على الأمن والاستقرار في المِنطَقة، جميعها عوامل أثارت مخاوف الكويت[38].
كانت تلك هي طبيعة العَلاقات على المستوى الرسميّ، أما على المستوى الشعبيّ فعلى الرغم من حجم التداخل والتبادل بين البلدَين على الصعيد الاجتماعيّ والمذهبيّ ووجود نخب شيعيّة قويّة في الكويت في جميع المجالات، السياسيّة والاقتصاديّة والإعلامية، فإنّ هناك رفضًا واسعًا في الكويت لتدخّلات إيران السافرة في المِنطَقة، وفي الكويت تحديدًا، لا سيّما بعد قضية «خليّة العبدلي».
في هذا السياق يقول المحلل السياسيّ الكويتيّ فهد الشليمي: «نحن كعرب ليست لدينا مشكلة مع إيران، بل هي التي تصنع المشكلة من خلال تدخّلاتها في دول المِنطَقة، وعلى سبيل المثال تتدخّل في العراق حتى إنّ رئيس وزرائه حيدر العبادي بدا غاضبًا من ذلك، وتتدخل في لبنان من خلال افتعال أزمات وتعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، علاوةً على تدخّلها الواضح في سوريا عسكريًّا وسياسيًّا، ودعمها المخرّبين في البحرين، ولا تنسَ أن لديهم 25 قناة تَبُثّ يوميًّا دعاية تحريضيّة ضدّ دول الخليج العربيّ. إذًا، هُم المسؤولون عن المشكلة، وعليهم التوقف عن التحريض والاستفزازات من خلال الوصول إلى قناعة مفادها أن هذه السياسة لم تعُد تُجدي نفعًا»[39].
ويؤكد على هذا التوجه أيضًا المفكّر والأكاديميّ الكويتيّ عبد الله النفيسي، إذ يقول بأنه «كان يعتقد قبل عام 2004 أن هناك إمكانيّة لحدوث حدّ أدنى من التفاهم بين دول الخليج وإيران، ولكن بعد أن كشفت إيران عن أنيابها في العراق وسوريا أصبحت عدوًّا للأمّة الإسلامية ويجب محاربتها». وأضاف الدكتور النفيسي أن حديث إيران عن التقارب بين المذاهب مجرّد كذبة كبيرة، وهي لا تقبل بمسجد واحد فقط لأهل السنّة في طهران، وتسعى جاهدة للسيطرة على الدول العربيّة واحدة تلو أخرى. وشدّد على أن نفَس إيران قصير، وأن مجريات الأمور في غير صالحها، فالأمور في العراق غير مستقرّة لها، والحالة السورية لا تبشِّر بأيّ استقرار لإيران، واليمن لن تستقرّ فيه إيران بفعل عاصفة الحزم، كما أن عَلاقات إيران متوتّرة جدًّا مع أمريكا بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة، وحتى الروس بدؤوا يضيقون بإيران[40].
لكن نتيجة وجود حضور شيعيّ مُهِمّ في الكويت سواء نسبة من السكان أو انتشارهم في المؤسّسات ومواقع المسؤولية والقيادة، هناك مواقف تبدو أكثر ميلًا لإيران، إذ أظهرت ولاءها المطلق لإيران، فعبد الحميد دشتي النائب السابق في مجلس الأمّة مثال لذلك، إثر التصريحات العدوانيّة التي أطلقها لقناة الإخبارية السورية الموالية لنظام بشار الأسد، التي طالب فيها بضرب المملكة العربيّة السعوديّة. وكان دشتي، الذي يجاهر بولائه لإيران وبشار الأسد، يردّ على مواقف المملكة العربيّة السعوديّة الرافضة لوجود بشار الأسد في سُدّة الحكم والداعمة لثورة الشعب السوري وجهود المعارضة السورية. ووجدت هذه التصريحات ردّ فعل غاضبًا على المستويين الخليجيّ والعربيّ، واستنكروا فيه هذه التصريحات التي تسعى لشَقّ الصفّ الخليجيّ، كما عبّروا فيه عن استيائهم من الصمت الرسميّ الذي تقابل به الحكومة الكويتيّة تصريحات النائب دشتي المتكررة وعداءه الموجّه نحو السعوديّة. وتفاعل عدد من النشطاء الكويتيّين في هشتاغ بموقع التواصل الاجتماعيّ «تويتر»، مؤكّدين أن التصريحات التي أدلى بها دشتي لا تمثّل موقف أهل الكويت الذين يحترمون أواصر الأخوّة مع الشقيقة الكبرى المملكة العربيّة السعوديّة[41]، وكان ردّ الحكومة الكويتيّة صارمًا بالحكم غيابيًّا بالسجن 14سنة على النائب السابق عبد الحميد دشتي بتهمة الإساءة إلى المملكة العربيّة السعوديّة[42].
وإجمالًا، يمكن القول إنّ هناك رسالة كويتيّة موجّهة إلى إيران، مفادها أنّ على إيران إبداء حسن النيّات وامتصاص عنفوان السياسة الخارجيّة الإيرانيّة التي تتوسع في المِنطَقة دون اعتبار لسيادة الدول واحترام لحدودها واستقرارها، لكن إيران في المقابل لا تزال تصرّ على التدخّل والتوسّع ومدّ النفوذ والتواصل مع المكوّنات الشيعيّة في دول المِنطَقة، تحت تأثير اختطاف القرار السياسيّ من جانب المؤسّسات العسكريّة التي همّشت أيّ دعوات من الداخل أو الخارج لأجل التهدئة، وهو بالتأكيد لن يبقي العَلاقات على حالها في المستقبل.
تبايُن المواقف حول القضايا الإقليميّة بعد الربيع العربيّ:
يُعَدّ الربيع العربيّ نقطة فارقة في مسار العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة، إذ إنّ موقف البلدَين منه كان متناقضًا، فرغم أن الموقف الإيرانيّ مِمّا عُرف بثورات الربيع العربيّ لم يستقرّ إلا بعد فترة من اندلاعها، إذ أعلنت إيران في البداية تأييدها لها على أنها امتداد لثورة إيران 1979م، وأنها استجابة من الشعوب العربيّة لرسالة الثورة الإيرانيّة، وهو الموقف الذي عبّر عنه علي خامنئي [مرشد إيران] بوصفه الثورة في مصر وتونس وليبيا واليمن بأنها «من الألطاف الإلهيّة»، يجب أن «تُنهِي تمامًا هيمنة الأعداء الرئيسيّين: الصهاينة والأمريكان»[43]. غير أنّ النبرة الإيرانيّة هدأت شيئًا فشيئًا، وبدأت تحاول تدعيم وجودها في البلدان العربيّة، مستغلّة حالة الفوضى والانقسام التي هيمنت على بعض الدول.
وقد كان الهدف الرئيسيّ لإيران هو تغيير التوازنات الإقليميّة في المِنطَقة لصالحها، فتدخّلت في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة، حتى إنها ادّعت سيطرتها على أربع عواصم عربيّة هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، وامتدّت يدها لتهديد الأمن الخليجيّ. أمّا الموقف الكويتيّ فكان رافضًا منذ البداية لما يُعرف بثورات الربيع العربيّ، وعبّرت الكويت عن موقفها في كلمة أميرها صباح الأحمد الصباح في الدورة الـ28 للقمّة العربيّة المنعقدة بمِنطَقة البحر الميّت بالأردن، إذ قال: «ما يُسمّى الربيع العربيّ وَهْم أطاح بأمن واستقرار أشقّاء لنا وعطّل التنمية والبناء لديهم، وامتدّ بتداعياته السلبيّة ليشمل أجزاء عدة من وطننا العربيّ»[44].
على ضوء ذلك الموقف حشدت الكويت إمكانياتها لمواجهة تمدّد هذا الخطر، كما تعاونت الكويت مع دول الخليج لمواجهة التهديدات الإيرانيّة التي تريد زعزعة الاستقرار في الخليج. والحقيقة أن مخاطر هذا الدور الإيرانيّ على الكويت أتت مباشرة من الساحة العراقيّة التي أصبحت بعض الانسحاب الأمريكيّ من العراق ساحة رئيسيّة للنفوذ الإيرانيّ. وقد زاد هذا النفوذ مع اندلاع الثورات العربيّة وهيمنة إيران بصورة شبه كاملة على التفاعلات الداخليّة العراقيّة، والتمكن من جعل العراق بحكوماته المتعاقبة منصاعًا لتوجهاتها.
وتبرز ملامح خطر التوغل الإيرانيّ في العراق وانعكاساته على الكويت في أنه غيّر معادلة العَلاقات بين إيران والكويت والعراق، فبعدما كانت إيران عامل توازن لصالح الكويت في مواجهة المطامع العراقيّة في الكويت، أصبحت العراق تحت الهيمنة الإيرانيّة مصدر تهديد للكويت. وقد اختلفت صور هذا التهديد، منها تهديدات مذهبيّة، نتيجة تأجيج الصراع الطائفيّ، الذي عُدّ بمثابة بوابة لتغيير التوازنات الداخليّة في العراق، وهو ما قد ينعكس على التوازنات المذهبيّة في دول الجوار، ومن ضمنها دولة الكويت التي يعيش بها نسبة لا بأس بها من الشيعة.
كما تتأثر الكويت بهيمنة الأحزاب والحركات والمنظّمات والميليشيات المسلّحة ذات الارتباط الآيديولوجيّ بإيران، والتي أصبحت تعبّر عن مطامعها في الأراضي الكويتيّة، فضلًا عن قيامها ببعض التحرشات على الحدود، وهو ما يمثل بدوره تهديدًا كبيرًا للكويت، لا سيّما أنّ معادلة التوازن القديمة سقطت وأصبحت السلطة القائمة في بغداد تحت الهيمنة الإيرانيّة بصورة كبيرة.
هناك صورة أخرى للتهديد، وهي أنّ تعرّض العراق لأزمة داخليّة بين مكوّناته يضع وحدته أمام اختبار حقيقيّ، والمشكلة أن هذا التقسيم على أساس عرقيّ ومذهبيّ، والشروع في هذا المشروع على هذا النحو يهدّد الداخل الكويتيّ ويهدّد تماسك المِنطَقة ككل، بل واستقرار دول الخليج. ولا شك أنّ الاحتجاجات التي اجتاحت البحرين في 14 فبراير 2011 كانت اختبارًا مُهِمًّا للعَلاقات الكويتيّة-الإيرانيّة، فإيران تدخّلت بقوّة في الأزمة وشجعت المعارضة عبر تحرك مدروس وثابت من أجل الاستفادة من أجواء الاحتجاجات التي ضربت بعض دول المِنطَقة، ودفعهم من أجل محاولة إحداث تغيير سياسيّ يصبّ في صالح الشيعة في الداخل ومِن ثَمّ في صالح إيران. ولكن وَضَعَ دخول قوات درع الجزيرة للبحرين في مارس 2011 والتي من ضمنها الكويت حدًّا لتدهور الأوضاع في الداخل. ودُعِم النظام في البحرين من أخطار التدخّل الإيرانيّ[45].
ومنذ تلك الأزمة كثّف النظام الإيرانيّ تدخّلاته في شؤون البحرين، وبدأ القادة الإيرانيّون يناقشون علانيةً التدخّلات في شؤون البحرين، إذ تحدّث خامنئي 17 مرة عن البحرين في الفترة من 17 مارس 2011 إلى 3 يونيو 2012، وزعم أن التدخّل في البحرين حقّ لإيران غير قابل للتصرف، كما دعا مسؤولون آخرون في النظام الإيرانيّ إلى إسقاط الحكم في البحرين وضمّها إلى إيران[46]. ويمكن هنا ملاحظة التوجّهات الكويتيّة التي تلتزم بالموقف الخليجيّ العامّ في مواجهة إيران بِعَدّها جزءًا من منظومة التعاون الخليجيّ، فضلًا عن أن هذا التدخّل في البحرين كان سيُعَدّ بمثابة نموذج يمكن تكراره في الكويت، بالنظر إلى الظروف المتشابهة وموقع البلدَين في أولويات السياسة الخارجيّة الإيرانيّة. وفي هذا الصدد نشير إلى ما قاله كريم عابدي عضو اللجنة البرلمانيّة لشؤون الأمن القوميّ والسياسة الخارجيّة الإيرانيّة عام 2012، إذ قال: «ما حدث من دخول جيوش من دول الخليج إلى البحرين لن يتكرر، ولن نسمح بتكراره في الكويت، فظروف وموقع البحرين جغرافيًّا وعسكريًّا تختلف نهائيًّا عن الكويت، ومن حقّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الدخول إلى الكويت لحماية الشيعة هناك مثلما برّرَت دول من الخليج دخولها إلى البحرين بأنه لحماية السنّة هناك»[47].
وقد امتدّ تأثير التطوّرات الإقليميّة على العَلاقات الكويتيّة الإيرانيّة، لا سيّما ما يتعلق بالأزمتين السوريّة واليمنيّة، فإيران مدّت نفوذها إلى هاتين الدولتين، وقد مدّت هذا النفوذ عبر دعم حالة عدم الاستقرار، وتحت الغطاء المذهبيّ، ودعم طرف على حساب آخر دون النظر إلى وحدة هاتين الدولتين.
أمّا الكويت فموقفها ثابت، ففي سوريا ترفض الكويت التدخّل الإيرانيّ، كما أنها دعمت الحلّ السلميّ من خلال القنوات السياسيّة، وهذا يتفق مع دورها وسياستها التقليديّة، ودعمت جهود التسوية المتوالية استنادًا إلى بيان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبالأخص القرار رقم 2254[48]. والموقف الكويتيّ هو جزء من الموقف الخليجيّ الذي لعب دورًا بارزًا في الأزمة منذ المبادرة العربيّة.
وأمّا عن الموقف الكويتيّ من الأزمة في اليمن فبعد الانقلاب على الشرعيّة مِن قِبَل الجماعة الحوثيّة المدعومة إيرانيًّا، تدخّلت المملكة العربيّة السعوديّة وعشر دول عربيّة لمساعدة الشعب اليمني وإعادة الشرعيّة في عمليّة نوعيّة للعمل العربيّ المشترك، وقد كان موقف الكويت جزءًا من التحالف الداعم للشرعيّة ومشاركًا رئيسيًّا في عاصفة الحزم، وذلك انطلاقًا من اتفاقيّة الدفاع المشترك لمجلس التعاون بحسب تعبير رئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم[49]. وقد ظهر مدى ارتباط الموقف الكويتيّ وقربه إلى الموقف الخليجيّ بعد توتّر العَلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة على إثر اقتحام عشرات الإيرانيّين السفارة السعوديّة في طهران، وقنصليتها بمشهد في 2016[50]، فقطعت المملكة العربيّة السعوديّة عَلاقاتها الدبلوماسيّة مع إيران ولحقتها بعض الدول الخليجيّة والعربيّة، وشجب للنظام الإيرانيّ من معظم دول العالم. وكان ردّ فعل الكويت استدعاء سفيرها في طهران، وكذلك استدعاء السفير الإيرانيّ وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة نظرًا للتخريب وإضرام النيران في السفارة السعوديّة بطهران وقنصليتها بمشهد، لما يمثله ذلك من خرق صارخ للأعراف والاتفاقيّات الدوليّة، وإخلالًا جسيمًا بالتزامات إيران الدوليّة بأمن البعثات الدبلوماسيّة وسلامة طاقمها[51].
ويلاحظ على مواقف الكويت من إيران على إثر التحولات التي شهدتها المِنطَقة بعد 2011، تلك الفترة التي شهدت معها تزايد معدلات تدخّل إيران في شؤون دول الخليج، وتزايد نفوذها في بعض الدول العربيّة التي دخلت إلى مرحلة الفوضى، أنها مواقف في مجملها أتت ضمن إطار الرؤية الخليجيّة وخطة عملها لمواجهة هذا الدور الإيرانيّ السلبيّ في المِنطَقة. وفي هذا الإطار نلاحظ أن الكويت جزء من مواقف مجلس التعاون الخليجيّ أو الجامعة العربيّة أو التحالفات غير التقليديّة الجديدة في المِنطَقة، كالتحالف الدوليّ لاستعادة الشرعيّة في اليمن أو التحالف الدوليّ لمكافحة الإرهاب، وهي تحالفات توجُّهها الرئيسيّ مواجهة نفوذ إيران ودورها الإقليميّ، وإن كان هناك بعض التباينات في المواقف بين دول الخليج من إيران فإنّ أقلَّها حدّة هو الموقف الكويتيّ، وهذا ينسجم مع الدور الذي رسمته الكويت لنفسها على الساحة الإقليميّة والدوليّة.
إجمالًا، يمكن القول إنّ المعطيات الراهنة والتباين في مواقف البلدَين من القضايا المشتركة وموقعهما في إطار التنافس/الصراع الإقليميّ والدوليّ في المِنطَقة يضع كلًّا منهما على ضفة في مقابل الآخر، ولهذا فإنّ العَلاقات بين البلدَين في المستقبل تبدو ذاهبة باتجاهات غير تقليديّة ومختلفة للمسار الذي حكم العَلاقات منذ عقود.
ثالثًا: أزمة خليّة العبدلي ومستقبل العَلاقات الكويتيّة الإيرانيّة
ارتبطت الحوادث الإرهابيّة الإيرانيّة في الكويت بحالة التوتر في العَلاقات بين البلدَين على إثر الموقف الكويتيّ من الحرب العراقيّة-الإيرانيّة، لكن رغم أن العَلاقات على ما يبدو كانت تسير في اتجاه إيجابيّ اتضح في مسار العَلاقات الثنائيّة والزيارات الرسميّة رفيعة المستوى بين قيادات البلدَين، ونموّ العَلاقات الاقتصاديّة والثقافيّة، فإنّ الخلاف الجوهريّ حول الصراعات الإقليميّة عاد ليشكّل عاملًا مؤثرًا في التأثير على العَلاقات، وهو ما أكّد أنّ الظاهر من التعاون والتطوّر الإيجابيّ يخفي نارًا تحت الرماد.
فمواقف البلدَين من التطوّرات في الخليج والمِنطَقة العربيّة تشير إلى أنهما يسيران في اتجاهين مختلفين، لهذا لم يكن مفاجئًا التطوّر الأخير في العَلاقات، الذي حدث بعد هروب أعضاء إحدى خلايا التجسس، وهي خليّة العبدلي، بعد الإفراج عنهم على ذمّة القضيّة، إذ قرّرت الكويت تخفيض التمثيل الدبلوماسيّ مع إيران من 19 شخصًا إلى أربعة أشخاص.
وتعود أصل القضية إلى عام 2015 عندما أعلنت وزارة الداخليّة «ضبط أعضاء في خليّة إرهابيّة ومصادرة كمّيات كبيرة من الأسلحة في مِنطَقة العبدلي شمال العاصمة الكويت»، ووجّهت النيابة العامّة للمتّهمين في الخليّة، وهم نحو 26 [إيرانيّ واحد والباقي كويتيّون]، تُهَمًا عدة كالتخابر مع إيران وحزب الله، وارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت. وتمت الإشارة ضمنيًّا إلى ضلوع إيران في تشكيل خليّة تجسّس في الكويت، وتدريب عناصرها، بينما تشعّبت فصول القضية بدءًا من الحكم بالإعدام على المتهم الإيرانيّ وصولًا إلى صدور الأحكام النهائيّة وتخفيف الإعدام إلى المؤبّد، وزيادة مدّة السجن لبعضهم وتخفيفها للبعض الآخر. وقد فجّرت حيثيات حكم «التمييز» النهائيّ القاضيّ بإدانة جميع المتّهمين في خليّة العبدلي أدلّة جديدة أكّدت فيها أنّ المتّهمين كانوا يتدرّبون في لبنان ويجتمعون في السفارة الإيرانيّة في الكويت، وكان ذلك بتخطيط من دبلوماسيّ إيرانيّ يعمل في البلاد وضابط آخر تابع للحرس الثوريّ الإيرانيّ[52].
لكن التطوّر الملحوظ كان هروب 14 مُدانًا كان قد «أُخلي سبيلهم وفق الإجراءات القضائيّة بعدما قضت محكمة الاستئناف ببراءتهم، بانتظار صدور حكم التمييز». وبحسب التقارير الكويتيّة فهؤلاء كانوا قد بيّتوا النيّة وأعدّوا العدّة للهرب من البلاد في حال إدانتهم بحكم نهائيّ، وسارعوا -بعد إلغاء «التمييز» لأحكام براءتهم وتشديدها إلى السجن لفترات تصل إلى 10 سنوات- إلى ركوب طراريد بحريّة كانت تنتظرهم على الشاطئ والتوجّه بها إلى إيران.
وفي وسط حالة من الجدل داخل البرلمان وعلى المستوى الشعبيّ حول المسؤول عما حدث، خرج البيان الرسميّ الكويتيّ الذي أعلن عن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسيّ الإيرانيّ في البلاد من 19 شخصًا إلى أربعة أشخاص. وما يؤكد حقيقة تأثير وجود توتّر في العَلاقات على إثر خلافات جوهريّة في المِلَفّات الإقليميّة هو تصاعد وتيرة التدخّل الإيرانيّ غير المشروع في الشأن الكويتيّ، إذ لم تكن خليّة العبدلي هي الأولى من نوعها خلال هذه المرحلة، فقد اكتشفت قوات الأمن الكويتيّة في 2011 شبكة تجسّس للتخابر مع إيران، وأكّدت تحريات مباحث أمن الدولة المرفوعة إلى النيابة العامّة أن متّهمين سبعة وآخرين يجْرون اتصالات مع السفارة الإيرانيّة في الكويت عن طريق أحد الدبلوماسيّين فيها، ونقلوا عديدًا من الأخبار عن الكويت وجيشها إلى ذلك الدبلوماسيّ، مِمّا أصاب العَلاقات بين البلدَين بالتوتّر، لا سيّما أن اكتشاف هذه الخليّة رُبط بالحراك الذي شهدته الكويت ضمن ما يعرف بموجة الاحتجاجات التي اجتاحت دول العالم العربيّ.
ويوضح ما قاله النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الخارجيّة الكويتيّ الشيخ محمد الصباح لصحيفة «القبس» الكويتيّة في ذلك الوقت هذا الربط، إذ قال بأن «الحراك السياسيّ في الكويت هو أمر طبيعيّ، ولكن الأمر غير الطبيعيّ هو التهديد الحقيقيّ لأمن الكويت. وكشف الحكم ارتباط هذه الخليّة بشكل مباشر بإيران، وتحديدًا بالحرس الثوري الإيرانيّ. وقد صدرت أحكام تصل إلى حدّ الإعدام، كما طردنا ثلاثة دبلوماسيّين إيرانيّين»، وأضاف: «نتيجة لهذا الأمر الخطير تم استدعاء السفير الكويتيّ في إيران للتشاور، كما سيتم استدعاء القائم بالأعمال الإيرانيّ محمد شهابي، وإبلاغه احتجاج الكويت ورفضها»[53].
وقد تكرر هذا النمط من التدخّل في 13 أغسطس من عام 2015، إذ أعلنت وزارة الداخليّة الكويتيّة ضبط أعضاء في خليّة إرهابيّة، ومصادرة كمّيات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات في مزارع مِنطَقة العبدلي، قرب الحدود العراقيّة. وفي منازل مملوكة للمشتبه فيهم، وشملت المضبوطات 19 طنًّا من الذخيرة، و144 كيلوغرامًا من المتفجرات، و68 سلاحًا متنوعًا، و204 قنابل يدويّة، إضافة إلى صواعق كهربائية[54].
كالعادة، كان الموقف الإيرانيّ هو نفي عَلاقتها بكل هذه القضايا، لكن في الحادثة الأخيرة اتسم ردّ الفعل الإيرانيّ بالتصعيد جزئيًّا وربما ارتبط ذلك بحالة التأهّب التي تهيمن على العقل السياسيّ نتيجة كثافة النشاط الإقليميّ، الذي قد يفوق قدرتها ويجعلها في حالة تشنّج عند اتخاذ أيّ قرار، فضلًا عن هيمنة حالة من الحساسية بالنظر إلى شعورها بوجود تحالف موسّع يعمل على وقف سياساتها الإقليميّة المتهوّرة، ولهذا استدعت السفير الكويتيّ لتحمّله احتجاجًا شديد اللهجة، وهدّدت بخطوة مماثلة تجاه الكويت التي لم تقدّر حساسيّة مرحلة التوتر في المِنطَقة قبل اتخاذ قرارها، واتهام الكويت بأنها خضعت لضغوط سعوديّة للإقدام على هذه الخطوة[55].
وتواردت ردود الأفعال الإيرانيّة على المستوى الرسميّ وغير الرسميّ، وعبّرت في مجملها عن خطاب استعلائيّ تجاه الكويت، إذ نقلت وكالة «إرنا» الإيرانيّة الرسميّة، عن المتحدث باسم الخارجيّة الإيرانيّة بهرام قاسمي، قوله: «إنّ سفيرنا سيبقى في الكويت ولن يغادر، لكن يجب إدراك أننا نحتفظ بحقّ الردّ على هذا التصرّف، وسنقدم على الردّ في الوقت المناسب»[56]. كما دعا الكاتب الإيرانيّ علاء الرضائي بلاده وحلفاءها إلى ما سماه «تأديب الصغير الكويتيّ»، وأضاف: «صحيح أن الكويت لا تشكّل رقمًا لكي ننفعل إزاءها، فهي ليست بأفضل من جيبوتي والمالديف وجزر القمر والسودان، لكن الصغير أحيانًا يحتاج إلى تأديب، وهذا الصغير الكويتيّ يتصرف بسوء أدب!»[57].
وصرّح رئيس مركز الدراسات الاستراتيجيّة في مجمع تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر ولايتي، خلال مؤتمره الصحفيّ المشترك مع مبعوث الصين في شؤون سوريا، شيه شيائو يوان، مجيبًا عن سؤال بخصوص ردّ فعل إيران إزاء موقف الكويت الأخير في ما يتعلق بتقليص عدد الدبلوماسيّين الإيرانيّين في الكويت، قائلًا: «ليس في مصلحة الكويت أن تفعل هذا الأمر تحت ضغط السعوديّة». وأكد ولايتي قائلًا: «ينبغي على حكومة الكويت أن تتعامل على أساس المصلحة وحسن الجوار. وبالطبع إذا انصاعوا لضغط السعوديّين فسوف يفرضون ضغوطًا أخرى، ونحن ننصح الكويت بأن لا تضع مصالحها القوميّة تحت تأثير مثل هذه الإملاءات من السعوديّين»[58].
ويبقى التساؤل الرئيسيّ هنا هو: ما مدى تأثير هذه التطوّرات على مستقبل العَلاقات بين البلدَين؟
لا شك أنّ عودة الأنشطة الإيرانيّة غير المشروعة ارتبطت بتطوّرات مُهِمّة على الساحة الإقليميّة، ظهر فيها تصاعد دور إيران وتدخّلاتها المربكة في دول المِنطَقة، وتصعيد لهجتها العدائيّة تجاه دول الجوار، وفي مقدمتها دول الخليج العربيّ، وإبرامها للاتفاق النوويّ وتحررها من بعض القيود الدوليّة والعقوبات، فضلًا عن تراجع الدور الأمريكيّ في المِنطَقة، وذلك في مقابل مخاوف كويتيّة وخليجيّة من تنامي هذا الدور الإيرانيّ، ومِن ثَمّ اتخاذ مواقف أكثر حدّة من إيران، ويبدو أن تصعيد إيران لتدخّلاتها غير المشروعة سواء من خلال استخدام العمليّات الإرهابيّة أو نشر خلايا التجسّس والعملاء لاستهداف الاستقرار الداخليّ في الكويت قد ارتبط باتجاه الكويت لاتخاذ مواقف أكثر تضامنًا مع دول الخليج العربيّ، وذلك على حساب عَلاقاتها مع إيران. والواقع أنّ المختلف في هذه المرّة هو أن موقف الكويت بدا حاسمًا وخارج نطاق سياستها التقليديّة التي تميل أكثر إلى احتواء الأزمات والتهدئة. وفي ظل هذه الأجواء المتوترة بين البلدَين على خلفيّة التطوّرات الأخيرة في العَلاقات وعلى ضوء التطوّرات الإقليميّة التي تشهدها المِنطَقة، فإنّه يمكن الإشارة إلى السيناريوهات الآتية:
1 – سيناريو التصعيد المتبادل:
يبدو أنّ السلطات الكويتيّة قد اتخذت القرار بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسيّ مع إيران نتيجة عدة أسباب، أهمّها تصاعد الضغوط في الداخل وتحميل الحكومة مسؤولية هروب أعضاء الخليّة، كما أن هذا التصعيد قد جاء في ظل تصاعد التهديدات التي يمثّلها الدور الإيرانيّ في العراق ووجود خطّ داخل الحكومة العراقيّة يتعمّد التحرّش بالكويت وإعادة فتح مِلَفّ الحدود، فضلًا عن بروز مخططات إيرانيّة للتوسّع في حقل الدرّة المتنازع عليه، مستغلّة رفع العقوبات بعد توقيع الاتفاق النوويّ عن مجال النفط، إضافة إلى انخراط الكويت في إطار جهود إقليميّة موسّعة من أجل عزل إيران وممارسة مزيد من الضغوط عليها، ناهيك بأنه يأتي في ظل التحوّل في موقف الولايات المتحدة الأمريكيّة من إيران بعد قدوم ترامب، وهو موقف أكثر تشددًا ويفرض مزيدًا من الضغوط والعقوبات على إيران. وأخيرا يأتي في ظل تصاعد التدخّلات الإيرانيّة في الكويت عبر دعم خلايا إرهابيّة وتجنيد عملاء للتجسّس، ومحاولة لمدّ الصلات بالشيعة في دول المِنطَقة لتكون كأذرع وقوى داعمة لإيران في هذه الدول. وقد يكون تصعيد الكويت لأجل تنبيه إيران إلى أن الكويت لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه التجاوزات الإيرانيّة، أو لإيصال رسالة مفادها أنّ هناك خطوطًا حمراء كويتيّة لا يمكن التغاضي عنها.
وفي المقابل فإنّ إيران وإن لم يكن من مصلحتها دخول العَلاقات مع الكويت مرحلة التصعيد بالنظر إلى افتراض عدم رغبتها في توسيع دائرة الصراع مع دول المِنطَقة، وافتراض خسارتها جارًا متعاونًا، وتمثّل مواقفه حالة خاصّة وسط تصعيد كبير، فإنّ هيمنة التيار المتشدّد ولا سيّما المؤسّسات العسكريّة، ممثلة في الحرس الثوري، وميل تلك المؤسّسات إلى تصعيد المواجهة تحت رايات مذهبيّة، قد تدفع باتجاه خطوات إيرانيّة مقابلة تسهم في توتر العَلاقات ودخولها مربع القطيعة. وليس من الوارد أن الاستمرار في التصعيد المتبادل بين البلدَين قد يصل إلى صدام عسكريّ، فالكويت تحت مظلة الحماية الدوليّة والعربيّة، وليس هناك استعداد لقبول تدخّل إيرانيّ بصورة مباشرة في الشأن الكويتيّ، وقد يكون ذلك مكلفًا للجميع.
2- سيناريو التهدئة والعودة للتفاهم:
يكتسب هذا السيناريو أهمّيته من المحدّدات التاريخيّة للعَلاقة، والتوجّه الكويتيّ نحو انتهاج سياسة التفاهم وعدم التصعيد، ومحاولة تمييز موقفها من إيران عن مواقف جوارها الإقليميّ، فضلًا عن أن الموقف الكويتيّ قد يكون مناورة سياسيّة من أجل تهدئة الرأي العام الداخليّ المحتقن من التقصير الأمنيّ الذي تسبب في هروب الخليّة، كما قد يكون رسالة ضمنيّة إلى دول الجوار مفادها أن الكويت تتخذ موقفًا صلبًا من إيران، وأن موقفها ليس بعيدًا عن الموقف العربيّ والخليجيّ، لكنها لن تصل بالعَلاقات إلى مرحلة الأزمة، وذلك لاعتبارات ذات صلة بالعَلاقات الاقتصاديّة المتبادلة، وحاجة الكويت إلى الغاز الإيرانيّ والمواد الزراعية والغذائية ومواد البناء من إيران، فضلًا عن الخوف من التصعيد الإيرانيّ ومحاولة الإضرار بمصالح الكويت وتهديد أمنها، سواء عبر بوابة العراق أو عبر خلاياها الإرهابيّة العاملة في المِنطَقة، وأخيرًا من خلال توظيف الورقة المذهبيّة في الداخل.
3 – سيناريو المراوحة بين التصعيد والتهدئة:
يمثّل هذا السيناريو استمرارًا للحالة الاعتياديّة التي تتّسم بها العَلاقات بين إيران والكويت على امتداد العقود الأربعة الأخيرة، التي تراوح فيها، في ما يشبه بندول الساعة، بين التقارب والتعاون تارة، والتباعد والنزاع تارة أخرى.
ويُعَدّ هذا السيناريو هو المرشَّح للتحقُّق عمليًّا، في ضوء معطيات البيئة الإقليميّة الراهنة، التي لا تزال تعُجّ بالمِلَفّات الخلافيّة بين الجانبين، بخاصّة في اليمن وسوريا والعراق[59]، إذ كانت العَلاقات لفترات طويلة تشهد هذا التأرجح، كما تعتمد مبدأ الفصل بين قضايا الصراع، فالخلاف السياسيّ لا يؤثر على التعاون الاقتصادي، وهكذا.
الخلاصة
يمكن القول إنّ الكويت تنحاز إلى شقيقاتها بدول الخليج في توجُّهاتها وأفكارها، إلا أنها دائمًا ما تلعب دور الوسيط بينهم وبين إيران، فموقف الكويت واضح في القضيّة السوريّة، فهي أول دولة عربيّة أدانت النظام السوريّ عام 2011، فكان موقف الكويت يتعارض مع السياسة الإيرانيّة الداعمة للنظام السوريّ، وكذلك في المِلَفّ اليمنيّ، فالكويت الآن تشارك بقوّاتها البرّية لتساند الجيش السعوديّ في مهامّ عِدّة، من ضمنها تثبيت الشرعيّة في اليمن، وحماية الحَدّ الجنوبيّ للسعوديّة. وإيران ليست راضية عن الموقف الكويتيّ في مساندة السعوديّة في قضايا عدة، من ضمنها اليمن وسوريا، وفي المقابل هناك تفهّم من الدول الأخرى المحيطة بالكويت لعدم اللجوء إلى قطع العَلاقات الدبلوماسيّة مع إيران، فالجغرافيا السياسيّة تحتّم على الكويت أن تتوازن في عَلاقاتها مع الدول المحيطة بها، ومهما قيل عن نيّة إيران العدائية فليس من مصلحة الكويت المبادرة باتخاذ خطوة عدائيّة مع إيران في ظل العَلاقات المتداخلة التي تجمع البلدَين، والتركيبة الديموغرافيّة للكويت بوجود كتلة شيعيّة قويّة يحاول بعضها تقريب العَلاقات الإيرانيّة-الكويتيّة. ويعي صانع القرار الكويتيّ حجم التداخل والتبادل الاقتصاديّ والاجتماعيّ والأمنيّ مع إيران، بما يحتّم عليه الهدوء وعدم التصعيد، إضافة إلى عدم المساس بأمن الخليج والوقوف صفًّا واحدًا مع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجيّ.
وعلى المدى المتوسط والبعيد يرى كثير من الباحثين أهمّيّة اتخاذ الكويت خطوات للحدّ من نفوذ الشيعة في مفاصل الحكومة لتحرير قرارها السياسيّ من الضغوط الإيرانيّة، لا سيّما بعد أن أثبت بعض النواب الشيعة من خلال موقفهم في مجلس الأمّة أن ولاءهم محلّ شكّ. كذلك أهمّيّة تحديد مهدّدات الأمن والسلم المجتمعيّ في الداخل الكويتيّ ومواجهتها من خلال العمل على كشف الخلايا الإيرانيّة الإرهابيّة النائمة المحتملة في الداخل الكويتيّ.