إن تصريحات علي مطهري الأخيرة حول مقدار تعلُّق خامنئي بمحمود أحمدي نجاد، نموذجٌ لافت للنظر وحديث لتأثير امتداد رغبات وتعلُّقات أعلى مقام في النِّظام، وأسلوب إدارة الدولة واتّخاذ القرار، فخلال السنوات الأخيرة، بخاصَّة التي تلت الاحتجاجات الشعبية على نتيجة انتخابات 2009 الرئاسية، كان أسلوب التعامل مع النشطاء السياسيين نتيجة لكراهية قادة النِّظام، ومعاداة الأشخاص المؤثرين في الجهاز القضائيّ والأجهزة الأمنية الأخرى لهم، لكنّ هذه الفكرة التي كان الرأي العامّ يتداولها، قلما كانت تلقى تأييدًا رسميًّا.
الآن يتحدّث علي مطهري، ابن أحد الثوريين المعروفين ونائب رئيس البرلمان، حول أداء مسؤولي النِّظام الإيرانيّ المخالف للدستور بخصوص الإقامة الجبرية، وحول تعلُّق خامنئي بالطرف الآخر لهذه القصة، ففي أحد الجانبين يجري الحديث عن الكراهية والعداوات الشخصيَّة، هذه العداوات التي أدَّت إلى تأييد المرشد إجراءً مخالفًا للدستور ولمدة طويلة، كي يُنحِّى بذلك عن الساحة السياسية بعض من غضب عليهم.
يقول علي مطهري، في حواره مع موقع خبر أونلاين، مشيرًا إلى عدم قانونية الإجراء الذي اتّخذه المجلس الأعلى للأمن القومي بفرض الإقامة الجبرية طويلة المدى على قادة الحركة الخضراء: “أن تُحيلَ موضوعًا قضائيًّا إلى المجلس الأعلى للأمن القومي لكي يتّخذ القرار ويُنفِّذ العقوبة، فهذا أمر مغاير للدستور”، وعلى حدّ قوله فإنه “من الأساس ليس من مهامّ المجلس الأعلى للأمن القومي تحديد العقوبات بحقّ الأشخاص، أو أن يقول على مَن يجب فرض الإقامة الجبرية. صحيح أن هذا الأمر يحدث في ظروف طارئة في الدول الأخرى عندما تواجه الدولة حالة من الفوضى، ومن الممكن أن يفرضوا قيودًا على القادة لفترة محدودة، بحيث يبقون بعيدين عمّن حولهم، حتى تجري السيطرة على التمرُّد، لكن عندما يُسيطَر على الأمور فليس للمجلس الأعلى للأمن القومي أي صلاحية، وتنتقل الصلاحية للسُّلْطة القضائيَّة”.
وعلى الرغم من أن شعار “تطبيق الدستور بلا أي تنازل” أحد الشعارات المحورية للتيَّارات الإصلاحية التي ترغب في ترميم بنية النِّظام وسمعة الديمقراطية ضمن إطار النِّظام الموجود، فإننا قلَّما شاهدنا خطوة جادَّة من هذه التيَّارات للحيلولة دون الإجراءات التي تُعتبر، على حدّ تعبير نائب رئيس البرلمان، مخالفة للدستور، كما أنّ تَعَلُّل وردّ فعل الإصلاحيين في مواجهة هذه الإجراءات المخالفة للقانون، التي ثبّتها المرشد وبرَّرها، جعل هذه الحالة الاستثنائية قاعدة ثابتة.
سرّ الإبقاء على أحمدي نجاد.. وفي المقابل السّجن دون أحكام
إن الغضب على قادة الحركة الخضراء وكرههم والحكم بوضعهم تحت ظروف الموت التدريجي، يكشف جانبًا من القرارات الشخصيَّة لخامنئي، وعلى الطرف الآخر نجد نظرة العفو والمحبة إلى بعض اللاعبين على الساحة السياسية، ومنهم محمود أحمدي نجاد، وبهذا الخصوص كشف علي مطهري في تصريحاته عن سرّ بقاء أحمدي نجاد في مجمع تشخيص مصلحة النِّظام على الرّغم من رفض أهليته في الانتخابات الرئاسية وتصرفاته المثيرة للتوتُّر، إذ قال إن “خامنئي كان يُكِنُّ محبَّة خاصَّة لأحمدي نجاد منذ القِدَم، ويبدو أن هذه المحبَّة مستمرة، وإنّ المحبَّة أمرٌ قلبيٌّ ولا يمكن فعل شيء إزاءها”.
ولا شكّ أن أوضح دلالات هذه المحبة الشخصيَّة التي يُكِنُّها المرشد لمحمود أحمدي نجاد تعود إلى تصريحات الأول بتاريخ 19 يونيو 2009، عندما وقف إلى جانب أحمدي نجاد بشكل قاطع وصريح، في خِضَمّ النزاع على نتائج الانتخابات، وقال:” إنّ رأي رئيس الجمهورية (أحمدي نجاد) هو الأقرب إلى رأيي على صعيد القضايا الخارجية والداخلية”.
على الرّغم من التوقُّعات بأن غياب أحمدي نجاد ومقاطعته، التي استمرَّت لعشرة أيام في عام 2011 (على أثر استقالة وزير الاستخبارات في حكومته)، سيُنهِي حالة التقارب في الرأي هذه، فإن خامنئي دعم أحمدي نجاد حتى نهاية فترته الرئاسية الثانية، حتى إنّ إفشاء قضايا الفساد المالي المتعددة لحكومته في فترتيها لم يجعل خامنئي يعطي الضوء الأخضر للتعامل قضائيًّا مع أحمدي نجاد شخصيًّا، وبعد أن سجّل أحمدي نجاد للانتخابات الرئاسية في مايو الماضي، على الرغم من منعه بوضوح وصراحة من قِبَل المرشد، تصور البعض أن تصفية حساب أساسية ستجري معه في اليوم التالي للانتخابات، لكنّ خامنئي أصدر حكمًا بإبقائه في مجلس تشخيص مصلحة النِّظام، لكي يظهر أنه لا يزال يُكِنّ له المحبَّة.
ميزان حسب الذوق الشخصي
إذا وضعنا تصريحات مطهري بخصوص محبة خامنئي لأحمدي نجاد إلى جانب قضية فرض الإقامة الجبرية على موسوي وكروبي “إلى أمد غير معلوم”، فسنحصل على صورة واضحة لأحد الأسباب التي دعت إلى إظهار اللطف مع أحمدي نجاد وأنصاره رغم ملفات الفساد الاقتصادي وتَمَرُّدهم السياسي، وفي المقابل الغضب الدائم على التيَّار الإصلاحي وشخصياته.
في مثل هذه الأوضاع كان من المتوقَّع أن يسهم روحاني، بشعاراته حول الاعتدال، في موازنة القوى، وأن يخطو خطوات جادَّة لخفض حِدَّة التوتّر السياسي وحلّ مشكلة الإقامة الجبرية، المفروضة على قادة الحركة الخضراء، والمستعصية، لكن بعد مرور أربع سنوات ونصف لم يُتَّخذ أي إجراء عملي في هذا المجال، ويعبّر الآن كثيرون من داعمي روحاني خلال الانتخابات عن استيائهم من الوعود التي لم تتحقق.
لقد أشار روحاني في مراسم أدائه اليمين الدستورية في عام 2013 إلى علامات تَكَدُّر الأجواء السياسية الواضحة، وقال: “لننقِّ الصُّدور من الأحقاد…”، وردَّدَ مثل هذه العبارة مرارًا وتكرارًا في خطاباته، لكنّ هذه العبارات لم تُترجَم إلى تغيير على أرض الواقع، ولا تزال الذائقة الشخصيَّة هي المسيطرة.
مادة مترجمة عن موقع زيتون
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز