وفقًا للتقارير الأخيرة، توسطت عُمان في محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في وقت سابق من هذا العام، وهو جزء من الجهود المبذولة لتهدئة التوترات الإقليمية، وهي سمة مهمة وثابتة لسياستها الخارجية. جرت المحادثات غير المباشرة وسط تصاعد التوترات في البحر الأحمر مع استمرار الحوثيين في استهداف السفن التي تمرّ عبر مضيق باب المندب. كان الدافع الأساسي للولايات المتحدة هو إقناع إيران الحّد من هجمات الحوثيين في المنطقة. مع ذلك، ذكرت إيران أن تحقيق ذلك سيكون مستحيلًا دون سريان وقف إطلاق النار في غزة. كما أسفرت المفاوضات غير المباشرة السابقة التي يسّرتها عُمان بين إيران والولايات المتحدة عن بعض النتائج الإيجابية، ويمكن اعتبار المناقشات الحالية بمثابة استمرار لتلك الجهود.
ترأس بريت ماكغورك، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، إلى جانب أبرام بالي، المبعوث الأمريكي لشؤون إيران، الوفد الأمريكي، في حين مثَّل علي باقري كني، نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين النوويين الجانب الإيراني.
وحسب التقارير، حثّت الولايات المتحدة إيران على كبح هجمات الحوثيين، وتقديم توضيحات حول برنامجها النووي ووقف دعم المليشيات التي تستهدف القوات الأمريكية.
وبصرف النظر عن الهجمات التي شنها الحوثيون في البحر الأحمر، التي أصبحت مصدر قلق أمني وشيك، في وقت سابق من هذا العام، استولت إيران كذلك على ناقلة نفط مرتبطة بالولايات المتحدة، مما يزيد المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة. كما يتّهم الغرب إيران بتسليح الحوثيين وتقديم المعلومات الاستخبارية لهم، لكن إيران تنفي ذلك، قائلة إنها تحتفظ «بتأثير روحي» وليس سيطرة مباشرة على الجماعة.. وحسب التقارير، اعتمد الإيرانيون على الموقف نفسه في المحادثات السابقة.
يُشكّل إنكار إيران السيطرة على وكلائها بمثابة مناورة إستراتيجية لممارسة النفوذ خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة، بهدف نهائي هو تأكيد هيمنتها وسط تراجع ملحوظ في مصداقية الولايات المتحدة. تعترف إيران بأنه على الرغم من عدم تنسيقها الهجمات بشكل مباشر، فإنها تستطيع حشد الدعم باستخدام الهجمات التي ينفذها وكلاء. كما من المهم أن نلاحظ أن الأجندة الأكبر المتقاربة لوكلاء إيران هي تحدي الولايات المتحدة على الرغم من اختلاف مستويات الحكم الذاتي لكل مجموعة. وكشفت عدة تقارير عن تزويد إيران جماعات الوكالة في جميع أنحاء المنطقة بالأسلحة، بما في ذلك الحوثيين.
ويقدم وكلاء إيران أنفسهم كذلك باعتبارهم قوة مقاومة ذات مصداقية لطرد القوات الأمريكية من المنطقة. ونفّذ وكلاء إيران أكثر من 170 هجومًا على القوات الأمريكية في العراق وسوريا منذ أكتوبر، مما أدّى إلى تصاعد التوترات ودفع إدارة بايدن إلى شنّ ضربات انتقامية.
وتُدرك إيران الضغوط التي تتعرض لها إدارة بايدن، خصوصًا مع الانتخابات المقبلة. وتوقعًا لرد فعل أكثر قسوة من الولايات المتحدة إذا حصل الجمهوريون على السلطة مجددًا، تسعى إيران إلى أن تكون في وضع تفاوضي أفضل وتقييم ردود فعل واشنطن في هذه الأثناء، وهذا مهم لأن الرأي العام في ما يتعلق بتعامل إدارة بايدن مع الحرب في غزة لم يحصل على معدلات تأييد في استطلاعات الرأي المختلفة. كما أن المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة تُمكِّن إيران من إبقاء الآفاق مفتوحة لأي اتفاقات لكسر الجمود واتفاقات محتملة للإعفاء من العقوبات. مع ذلك، سيواجه أي تمديد لإعفاءات العقوبات المفروضة على إيران من إدارة بايدن انتقادات وتحديات قوية من الجمهوريين، خصوصًا مع استمرار الحكومة في مواجهة ضغوط من الحزبين لاتخاذ إجراءات أقوى ضد إيران.
بالنسبة لإدارة بايدن، يمكن للمفاوضات غير المباشرة مع طهران أن تقلّل نطاق الهجمات المتفرقة وتخفف خطر انتشار الحرب في غزة إلى المنطقة بأسرها. كما تهدف الولايات المتحدة إلى استخدام قنوات غير مباشرة لإبلاغ إيران بمخاطر تورطها والاستجابات المحتملة التي قد تواجهها، سعيًا إلى إنشاء رادع والتواصل بشكل فعّال لمنع سوء الفهم.
ويُعدّ هذا النهج أمرًا بالغ الأهمية لإدارة بايدن، إذ يعطي الأولوية للردع ومنع نشوب الصراعات وسط الضغوط الداخلية. وتعترف إيران بهذه الديناميكية وتستجيب لها بشكل إستراتيجي من خلال التدخل عند الضرورة لتجنب أي صراع مباشر مع الولايات المتحدة، كما رأينا في التدخل السريع من إيران في أعقاب الهجمات في الأردن ضد القوات الأمريكية. بينما تريد إدارة بايدن تقليل أي تورّط في الاشتباك العسكري المباشر إلى الحد الأدنى، تتعامل إيران مع الموقف بعناية، وتحقق التوازن بين مصالحها الخاصة وتتجنب الإجراءات المباشرة التي قد تؤدي إلى تصعيد التوترات بشكل أكبر.
تظلّ المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني كبيرة على الرغم من التركيز الحالي على غزة، مع استمرار القضايا التي لم تُحل بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولقد امتنعت الولايات المتحدة، في الأشهر الأخيرة، عن اتخاذ رد فعل أكثر قسوة في هذا الشأن، خشية أن يؤدي ذلك إلى عرقلة الجهود الرامية إلى تهدئة التوترات في المنطقة. وسلط رافائيل ماريانو غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الضوء على افتقار إيران إلى الشفافية في ما يتعلق ببرنامجها النووي في القمة العالمية للحكومات في دبي. وعلى الرغم من تأكيدات إيران، فإن المخاوف لا تزال قائمة بشأن المواد النووية غير المعلنة والفشل في تقديم معلومات التصميم للمنشآت النووية الجديدة.
وتحدث غروسي كذلك عن قدرة إيران المحتملة على صنع الأسلحة النووية، مشددًا على الحاجة إلى الشفافية والدبلوماسية لتخفيف التوترات. وحسب التقارير، أثارت الولايات المتحدة هذه المخاوف مع إيران خلال المحادثات غير المباشرة. كما تريد الولايات المتحدة الحدّ من التوترات مع تزايد تعقيد الوضع الإقليمي، وتميل الولايات المتحدة وإيران إلى الابتعاد عن المواجهة المباشرة. وتتمثل الأولوية القصوى بالنسبة للولايات المتحدة في استعادة الأمن في البحر الأحمر، وهو ما تجلّى في قيادتها قوة متعددة الجنسيات ضد الحوثيين وتنسيق الضربات مع المملكة المتحدة في اليمن. وتؤكد المحادثات غير المباشرة اللاحقة الأهمية المستمرة للولايات المتحدة لتعزيز الأمن في المنطقة من خلال التدخلات الدبلوماسية، والعسكرية إذا لزم الأمر.