المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة و «حماس».. رد إسرائيل وتداعياتها على التسوية

https://rasanah-iiis.org/?p=37374

يُمثل قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتواصل المباشر مع «حماس» انحِرافًا مَلحوظًا عن مسار السياسة الأمريكية المعتاد، التي تجنبت التفاوض مع الجماعات المصنفة إرهابية، ففي 05 مارس 2025م برزت تقارير تفيد بأن إدارة ترامب قد أطلقت محادثات مباشرة مع «حماس»، وهي جماعة فلسطينية صنفتها الولايات المتحدة «منظمة إرهابية» منذ عام 1997م. ورغم أن واشنطن أجرت في بعض الحالات مفاوضات سرية مع منظمات مُصنفة على أنها «إرهابية» في الماضي، إلا أن هذا الاعتراف العلني بالاتصال المباشر مع «حماس» – الذي يُسر من خلال اجتماعات في الدوحة، قطر- يُمثل تحولًا جريئًا في ظل الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، وهو التطور الذي أثار ردود فعل قوية من إسرائيل، وطرح تساؤلات حول الطبيعة المستحدثة للسياسة الخارجية الأمريكية، وربما أعاد تشكيل إطار تحقيق تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.    

ووفقًا للمبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن آدم بوهلر، فقد أجرى المفاوضون الأمريكيون «مُحادثات مُثمرة للغاية»، وقدمت «حماس» «بعض الآراء المثيرة للاهتمام للغاية». وقال بوهلر: إنه «بالإضافة إلى مُناقشة إطلاق سراح الرهائن، فقد ناقش الطرفان أيضًا كيف قد تبدو نهاية (الحرب)»، وأشار إلى أن «حماس تميل إلى هدنة طويلة الأمد… يتم بموجبها نزع سلاحها، ولن تكون جُزءًا من الحُكم السياسي، وستكون في وضع لا يخولها تهديد إسرائيل». وأضاف: «هذه الأنواع من الحوارات مُهمة للغاية للرئيس لأنه، كما كرر مِرارًا، أنه لا يريد الحرب». وتابع بوهلر: «الحرب هي الملاذ الأخير، (الرئيس) يريد عالمًا مسالمًا».

ووفقًا لـوكالة «رويترز» فقد تركزت الاجتماعات بين قادة «حماس» و «بوهلر» على إطلاق سراح المواطن الأمريكي الإسرائيلي المزدوج الجنسية، عيدان ألكسندر، المُحتجز لدى «حماس» في غزة. وأكد المستشار السياسي لزعيم حركة «حماس» طاهر النونو، إجراء محادثات مباشرة «غير مسبوقة» مع واشنطن في العاصمة القطرية خلال الأسبوع الماضي. وقال النونو: «عُقدت عِدَّة اجتماعات بالفعل في الدوحة تركزت على إطلاق سراح أحد السجناء مزدوجي الجنسية، وقد انخرطنا بشكل إيجابي ومرن بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني». وبشكل أعم، تمحورت المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة و«حماس» حول اقتراح مدعوم من جانب الولايات المتحدة يتضمن إطلاق «حماس» سراح 10 رهائن أحياء، بمن فيهم عيدان ألكسندر، مقابل تمديد وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، ويؤكد ذلك النهج استعدادًا لتجاوز القيود الدبلوماسية التقليدية، وهي سمة فارقة في سياسة ترامب الخارجية غير التقليدية.

 وتمثل المناقشات بين بوهلر و «حماس» انحرافًا كبيرًا عن سياسة واشنطن الراسخة المتمثلة في رفض التفاوض مع الجماعات التي تصنفها على أنها «منظمات إرهابية». ومع ذلك، وبعد أن أعربت إسرائيل عن مخاوفها صرّح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بأن «قناة الاتصال المباشرة هذه كانت محاولًة لمرة واحدة لتأمين إطلاق سراح بعض الرهائن». وقال روبيو عن محادثات بوهلر مع «حماس»: «هو ليس على خطأ حين حاول، ولكن يبقى تركيزنا الأساسي على العملية الجارية في قطر».

استُبعدت «حماس» إلى حد كبير من الجهود الدبلوماسية الأمريكية المباشرة في عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية منذ تصنيفها كـ «منظمة إرهابية» أجنبية من جانب الولايات المتحدة عام 1997م. تاريخيًا، تعاملت واشنطن مع السلطة الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني مع فرض شروط مسبقة صارمة على «حماس»، بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف وقبول الاتفاقيات السابقة. ومع ذلك، فإن الاتصال المباشر لإدارة ترامب مع «حماس» -سواء كان ذلك بهدف إطلاق سراح الرهائن، أو مفاوضات وقف إطلاق النار، أو لأسباب استراتيجية أوسع-يُشير إلى انحِراف عمَلي عن السياسة السابقة.

وكان رد فعل الحكومة الإسرائيلية على هذا التطور «مُثيرًا للقلق». وجاءت ردة الفعل على شكل مُعارضة صريحة في بعض الأوساط. لطالما عارض القادة الإسرائيليون أي شكل من أشكال التعامل مع «حماس»، بحجة أنه يُضفي شرعيًة على جماعة مُلتزمة بتدمير إسرائيل، وأعربت إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تُحافظ على علاقة وثيقة مع البيت الأبيض، عن مخاوفها بشأن تداعيات مثل هذه المحادثات. وتتركز هذه المخاوف على إمكانية زيادة الاعتراف الدولي بـ «حماس» على حساب المصالح الأمنية لإسرائيل، بالإضافة إلى خطر الكشف العلني عن الاختلافات بين إسرائيل وإدارة ترامب. وقد استغل أعضاء اليمين المتطرف في ائتلاف نتنياهو- الذين ينتقدون بالفعل وقف إطلاق النار الذي شهد تبادل 33 ​​رهينة إسرائيليًا مقابل 2000 سجين فلسطيني-المحادثات الأمريكية-الإسرائيلية كدليل على تراجُع الدعم الأمريكي. علاوًة على ذلك، فوجئ المسؤولون الإسرائيليون بتصريح مبعوث الرهائن الأمريكي القائل بأن الولايات المتحدة «ليست عميلة لإسرائيل».

ويتفاقم قلق الحكومة الإسرائيلية بسبب تهديدات ترامب ضد «حماس»، بالتزامن مع التطورات الأخيرة. إذ أصدر ترامب في 06 مارس 2025م، تحذيرًا صارخًا عبر منصة «تروث سوشيال» : «لن يكون أي عضو في (حماس) آمنًا إذا لم تفعلوا ما أقوله»، مُشيرًا إلى عواقب وخيمة على المدنيين في غزة إذا لم يُطلق سراح الرهائن. وقد ترك هذا النوع من الدبلوماسية والترهيب القادة الإسرائيليين غير متأكدين من نوايا واشنطن، حيث فسره البعض على أنه ضوء أخضر لعمل عسكري في حالة فشل المحادثات. وفي 14 مارس 2025م، أعلنت «حماس» أنها وافقت على إطلاق سراح الرهينة الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، بالإضافة إلى جثث 4 مواطنين مزدوجي الجنسية. ويمكن أن يكون للانخراط الأمريكي-الإسرائيلي عواقب بعيدة المدى على عملية السلام الأوسع في الشرق الأوسط والدبلوماسية الإقليمية، في حين اعتُبرت إدارة ترامب الأولى من أكثر الإدارات تأييدًا لإسرائيل في تاريخ الولايات المُتحدة، ويتضح ذلك من اعترافها بالقدس عاصمًة لإسرائيل واتفاقات «أبراهام»، فإن استعدادها الحالي للتواصل المباشر مع «حماس» قد يُثير خِلافًا مع صانعي السياسات الإسرائيليين، وخاصًة اليمينيين منهم، وعلاوًة على ذلك، حظيت «حماس» تاريخيًا بدعم كبير من إيران، على الرغم من تقلب علاقتها بطهران بمرور الوقت، وإذا أدت المحادثات بين الولايات المتحدة و«حماس» إلى تقليص الدور الإيراني في غزة، فقد يُغير ذلك ميزان القوى الأوسع بين الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك «حزب الله» في لبنان. وفي نهاية المطاف، قد يُشكل قرار إشراك «حماس» سابقًة للمفاوضات الأمريكية مع جهات فاعلة أُخرى من غير الدول، مثل «حزب الله» و«الحوثيون» في اليمن أو حتى «طالبان»، على الرغم من تصنيفها إرهابيًا، وقد يُعيد هذا تشكيل النهج الدبلوماسي الأمريكي في مناطق الصراع حول العالم.

ويُمثل التواصل المباشر لإدارة ترامب مع «حماس» تحولًا عمليًا يهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة، ويسعى هذا الخروج عن التقاليد، إلى مُعالجة أزمة الرهائن وإنهاء صراع طويل الأمد، بينما قد يجادل «البراغماتيون» بأن الدبلوماسية مع الخصوم ضرورية لحل النزاعات، فإن «صقور» الولايات المتحدة وإسرائيل يحذرون من أن مثل هذا التفاعل قد يُضفي شرعية على الجماعات المسلحة، ويُقوّض الحلفاء التقليديين، وستُشكل المخاوف الإسرائيلية، وديناميكيات القوة الإقليمية، والسابقة التي يُرسيها هذا القرار للسياسة الخارجية الأمريكية، الأثر طويل المدى لهذا القرار. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الخطوة ستُسهّل تحقيق اختراق أم ستُعقّد مسار السلام أكثر، ومن المؤكد أن استعداد ترامب للتفاوض مباشرًة مع «حماس» قد يُجبر إسرائيل على تخفيف موقفها، خاصًة إذا اقتُرن بتهديداته بالتصعيد، على الرغم من أن القيود السياسية الداخلية لـنتنياهو قد تجعل «التنازلات غير مُرجّحة».

يُسلّط التصعيد العسكري الأخير في غزة، الضوء على أن استراتيجية إدارة ترامب الدبلوماسية الجديدة، تجمع بين إقامة اتصالات مباشرة مع الخصوم واستخدام التهديد بالقوة. وقد انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة في 18 مارس 2025م، مما أسفر عن مقتل أكثر من 400 فلسطيني في غارات جيش الدفاع الإسرائيلي. وصرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن العملية نُفّذت «لتحقيق أهداف الحرب»، فيما أدانت «حماس» الغارات، واعتبرتها «انتهاكًا صارخًا للاتفاقيات الإنسانية». وتُنذر العمليات العسكرية الإسرائيلية المتجددة بتقويض فرص تحقيق نتائج دبلوماسية للمحادثات المباشرة. وقد يُصبح الحل العسكري هو النهج السائد لكل من إسرائيل والولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة، مما يُقلّل من احتمالات التوصل إلى حل تفاوضي.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير