مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، يحتدم التنافس في الأروقة السياسية، وتقوم الفصائل السياسية الإيرانية بحشد صفوفها، محاولة طرح مرشحها المفضل في هذه المرحلة، حتى تتبلور الأمور أكثر فأكثر، ويتم الاتفاق على أفضل المرشحين. ونبدأ من مرشح أحد فصائل الإصلاحيين، ففي في انتخابات عام 2013 الرئاسية كان لدى الإصلاحيين مرشح وحيد هو “محمد رضا عارف”. ووصفت عناوين الصحف والمحللون الفائز بالانتخابات آنذاك حسن روحاني بالإصلاحي، في حين انتقده “عارف” قائلاً: “أنا لا أعتبر روحاني إصلاحياً”. وكان “عارف” محقاً في ذلك، إذ إن قاعدة روحاني دائماً مختلفة عن قاعدة “عارف”.
ويعتبر روحاني عضواً بارزاً في جمعية رجال الدين المناضلين المحافظة (روحانيت مبارز)، التي تأسست قبل عامين من الثورة الإسلامية عام 1979. وتشكل الجمعية اليوم مجموعة واسعة النفوذ داخل المعسكر المحافظ، وتلعب دوراً حاسماً في تشكيل تحالفات مع الفصائل المحافظة الأخرى قبل كل دورة انتخابية.
وطوال العقود الماضية، كان روحاني محمياً من البراغماتي المحافظ علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي ينظر إليه الآن على أنه الدعامة المعتدلة للثورة الإسلامية. في الواقع، يمكن أن يكون المسار السياسي لرفسنجاني مفيداً إلى حد كبير في فهم تفكير روحاني. الرئيس الإيراني المنتهية ولايته هو سياسي ذو تفكير متقدم، كما أنه تقلد مناصب حساسة طوال حياته المهنية على مدى السنوات السبع والثلاثين الماضية.
بعد فوز محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية لعام 1997، كانت المشاعر العامة تعمل بقوة لصالح السياسيين اليساريين أو الإصلاحيين. وعلى هذا النحو، في الانتخابات البرلمانية عام 2000، بالكاد حصل رفسنجاني على مقعده، وانسحب في وقت لاحق، في حين خسر روحاني مقعده الخامس.
في ذلك الوقت، خلال الانتخابات التي أسفرت عن فوز ساحق للإصلاحيين، كان ينظر لروحاني على أنه محافظ، تماماً مثل انتخابات البرلمان لهذا العام، التي هزم فيها المعتدلون.
ومن باب الإشارة، فإن رفسنجاني وروحاني ليسا على علاقة جيدة مع اليسار الراديكالي في ذلك الوقت. في الواقع، هناك عدد كبير من الشخصيات اليسارية الراديكالية انتقدت رفسنجاني ورفاقه بشدة. وعلى وجه الخصوص، نشر الصحفي اليساري الراديكالي أكبر غانجي كتاباً مثيراً للجدل وجه فيه انتقاداته إلى رفسنجاني بشدة.
لعبت هذه الهجمات دوراً في هزيمة رفسنجاني من قبل المتشدد محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2005. وعلى الرغم من كل هذا، يتمتع رفسنجاني بعلاقات جيدة مع الإصلاحيين المعتدلين وخاتمي.
وأعرب الإصلاحيون مراراً وتكراراً عن أسفهم لأي تصرف كانوا اتخذوه ضد رفسنجاني في الماضي. وافتتحت المجلة الإصلاحية (انديشه بويا) عددها قائلةً: “ما فعله الإصلاحيون ضد رفسنجاني لم يكن قراراً قضائياً، إنما كان أشبه بالانتقام، ربما لو لم يستخدم رأس المال الاجتماعي في مواجهته، لما خسر الانتخابات الرئاسية لعام 2005”.
» كيف يختلف روحاني عن غيره من المحافظين؟
ينقسم معسكر المحافظين بين المعتدلين والمتشددين، ويعتقد المتشددون أنه ليست هناك أي طريقة للتعامل مع الإصلاحيين، الذين ينظر إليهم كجماعة معادية للثورة. في المقابل، لا يستبعد المحافظون التقليديون – المعروفون باسم المعتدلين – مثل رفسنجاني وروحاني أي شخص، ويعتقدون أنه من الممكن العمل مع كل فصيل سياسي في البلاد. خذ على سبيل المثال، التعاون البناء لروحاني حول الملف النووي مع خاتمي الرئيس الإصلاحي 1997-2005، وكبير المفاوضين النوويين للمجلس الأعلى للأمن القومي. بعد الانتخابات الرئاسية عام 2005، التي أولت السلطة إلى أحمدي نجاد، سعى المتشددون للسيطرة على معسكر المحافظين، وكان ذلك ناجحاً إلى حد كبير بسبب المعتدلين البارزين مثل رفسنجاني وعلي أكبر ناطقنوري، كونهم غير راغبين في لعب أدوار نشطة. وبالتالي، نأى المعتدلون بأنفسهم تدريجياً من معسكر المحافظين، ولم يعد يشار إليها باسم “المحافظين” على الإطلاق، على الرغم من أن بعض المعتدلين حافظوا على مواقعهم داخل المعسكر المحافظ.
روحاني كان نائب رئيس المجلس في دورته الخامسة، لكنه لم ينجح في الوصول لعضوية البرلمان السادس.
وفي الوقت نفسه، سعى القادة المعتدلون، مثل رفسنجاني وناطقنوري، لتعزيز المعسكر المعتدل ومواصلة أنشطتهم من تلقاء أنفسهم.وفي الانتخابات الرئاسية عام 2013، سار روحاني تحت راية الاعتدال. وكان للمعسكر المحافظ ثلاثة مرشحين رئيسيين هم البراغماتي علي أكبر ولايتي، والمحافظ محمد باقر قاليباف، والمتشدد غلام علي حداد عادل.
وكان الثلاثة توصلوا إلى اتفاق في ما بينهم للانسحاب لصالح الشخص الذي يمكن أن يجذب أكبر عدد من الأصوات. ولم يحافظ أحد منهم على هذا التعهد. فانقسمت أصوات المحافظين مع سير كبير المفاوضين النوويين السابق سعيد جليلي على حدة كمرشح عن المتشددين على مقربة من محمد تقي مصباح يزدي الزعيم الروحي لجبهة المتشددين.
وفي الوقت نفسه، طالبت الشخصيات الإصلاحية “عارف” بالانسحاب لصالح روحاني، حيث كانوا يعتقدون أنها الفرصة الوحيدة لبقاء الإصلاحية على قيد الحياة. وكانت لروحاني علاقات جيدة مع جميع الأطراف – بما في ذلك المحافظون – وكان يملك آفاقاً أوسع بكثير من كسب الاصوات من “عارف”. ويبدو أن هذه عقلية سليمة بين الإصلاحيين فيما تقترب إيران من الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في الواقع، قال المحلل السياسي الإصلاحي البارز محمد اتريانفار إن روحاني سيكون المرشح الوحيد للإصلاحيين في انتخابات عام 2017، وهو تصريح تكرر على لسان شخصيات إصلاحية أخرى.
سنة واحدة تفصل إيران عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويبدو أن المحافظين استخدموا كل ما لديهم من بطاقات، وفي الوقت الحاضر لا يوجد لديهم وجه جديد للاحتشاد وراءه في هذه الانتخابات.
أعلن غلام رضا مصباحي مقدم المتحدث باسم جمعية رجال الدين المقاتلين لموقع “خبر” الإخباري المقرب من المتحدث باسم البرلمان علي لاريجاني، أن الجمعية ستدعم روحاني في انتخابات 2017 قائلاً: “أود أن أذكر أنه في حال لم نجد أي خيار أفضل، سنبدأ المحادثات مع روحاني”. في غضون ذلك، قال النائب المحافظ محمد رضا مير تاج الديني لـ”انتخاب نيوز”: إن المحافظين لن يستثمروا في مرشحي انتخابات 2013″. وقال موسى قرباني عضو البرلمان المحافظ السابق: “إذا نجح روحاني في تحقيق وعوده، خاصة الاقتصادية منها، فإنه من الممكن أن يدعمه المحافظون”.
كما قال المحلل المحافظ ناصر إيماني: “إذا فاز روحاني بالتأييد الشعبي قبل الانتخابات، لن يكشف المحافظون النقاب عن أفضل مرشحيهم للانتخابات”، وأضاف: “المحافظون يفضلون روحاني على أحمدي نجاد، ونحن لن نرتكب الأخطاء مرة أخرى”.
وفي هذا السياق، قال حسين كناني مقدم المدير السياسي لحزب المقاومة المحافظ لالمونيتور: “كان روحاني محافظاً، ولم تكن شعاراته ضد سياسات المحافظين”، وأضاف: “لم نتوصل لاستنتاج بشأن ما يجب القيام به في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولكننا إذا أقنعنا روحاني بأن فترة ولايته الثانية ستكون في مصلحة البلد، فسندعمه، كما ينبغي أن يعمل على خطة شاملة مشتركة للعمل، وتنفيذ اقتصاد المقاومة من أجل جذب انتباهنا”.
مادة مترجمة – المونيتور