البرنامج النووي الإيراني على مفترق طرق.. المسارات الـمُحتملة ما بعد زيارة غروسي

https://rasanah-iiis.org/?p=35108

قام الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية رفائيل غروسي بزيارة إلى إيران في السادس من مايو 2024م، وهي الزيارة الأولى له منذ مارس 2023م، وجاءت هذه الزيارة للمشاركة في المؤتمر النووي الدولي الأول للعلوم والتكنولوجيا النووية الإيرانية، الذي عُقِد بمدينة أصفهان وسط إيران، فضلًا عن بحْث سُبُل التعاون بشأن الرقابة الدولية على المنشآت النووية الإيرانية. وهي تلك الرقابة التي توقَّفت إلى حدٍّ بعيد خلال المرحلة الماضية، وتحديدًا بعد أن اتّجهت طهران إلى خفْض التزاماتها النووية، ردًّا على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وتعثُّر محاولات إحيائه منذ تسلُّم الرئيس الأمريكي جو بايدن السُلطة في مطلع 2021م. وتكتسب هذه الزيارة أهمِّيةً خاصَّة تسبق موعد اجتماع مجلس المحافظين مطلع يونيو 2024م، والذي من المقرَّر أن يقدِّم خلاله غروسي تقريرًا يخُصّ تطوُّرات ملف إيران النووي.

يحاول هذا التقرير أن يكشف عن أهمِّية زيارة غروسي في هذا التوقيت، وما تنطوي عليه هذه الزيارة من رهانات، وإلى أيّ مدى ستنعكس على مسار إيران النووي في المرحلة المقبلة.

أولًا: مرحلة حرِجَة

اكتسبت زيارة غروسي أهمِّيةً خاصَّة؛ لأنَّها جاءت في توقيت حرِج بالنسبة للملف النووي الإيراني؛ ويمكن توضيح ذلك، من خلال الإشارة إلى ما يأتي:

1. مستوى تخصيب يتجاوز حدود الاحتياجات السِّلْمية: تزايدت المخاوف من سياسة الغموض النووي، التي تتابعها إيران، حيث تُعتبَر إيران الدولة الوحيدة غير المجهَّزة بأسلحة نووية، التي يمكنها تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60% وتجميع مخزونات كبيرة منه. وهذه النسبة قريبة من نسبة 90% المطلوبة للاستخدامات العسكرية، وبعيدة من السقف المحدَّد بنسبة 3.67% المعادل لما يُستخدَم لإنتاج الكهرباء، والتي حدَّدها الاتفاق النووي لعام 2015م، ومنذ العام 2021م. وهذه السياسة تتِم، بينما قلَّصت إيران عمليات التفتيش بشكلٍ كبير، وفصلت كاميرات المراقبة، وسحبت اعتماد مجموعة من الخُبراء، وواصلت زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصَّب.

2. عدم التزام إيراني: مع أنَّ الوكالة الدولية حاولت متابعة أعمال الرقابة عبر اتفاقٍ تمَّ في مارس 2023م، غير أنَّ الوكالة واجهت تحدِّيات، أهمَّها عدم التزام إيران بتعهُّداتها، وتسييس مسألة الرقابة وربْطها بالتوتُّرات السياسية مع الولايات المتحدة وتعثُّر المفاوضات النووية. وبالتالي، فقدت هيئة التفتيش استمراريةَ المعرفة حول إنتاج ومخزون أجهزة الطرد المركزي، والمياه الثقيلة ومركِّزات خام اليورانيوم في إيران. وقد عبَّر غروسي عن انزعاجه من هذا الوضع قبيل هذه الزيارة، بقوله: «من غير الواضح تمامًا سبب الحاجة إلى هذه الكمِّية، وهذه السرعة، وهذا المستوى من التخصيب، كما لم تقدِّم إيران تفسيرًا لوجود جزيئات يورانيوم عالي التخصيب عُثِر عليها في موقعين، وهو ما يُثير مزيدًا من الشكوك بشأن نوايا إيران النووية».

3. مخاوف من استهداف المنشآت النووية: تأتي زيارة غروسي في ظلتوتُّر الأجواء، مع تفاقُم الصراع الجاري في المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى»، إذ بلغت المواجهة بين إيران وحُلفائها من جانب، وبين إسرائيل والولايات المتحدة من جانب آخر مستوى غير مسبوق من التوتُّر. وقد بلغت ذروتها بالهجمات الإيرانية على إسرائيل في 13 أبريل 2024م ردًّا على الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران بدمشق في الأول من أبريل من العام نفسه، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل إلى استهداف عُمق الأراضي الإيرانية، وجرى التهديد بضرب المنشآت النووية من الجانبين، وأثار ذلك مخاوف الوكالة، وعبَّر غروسي عن انزعاجه من هذا التصعيد.

4. تلميحات الإيرانيين بتغيير العقيدة العسكرية: بينما انحسرت الجهود الدبلوماسية الخاصَّة بإحياء الاتفاق النووي منذ صيف العام 2022م، فإنَّ كُلًّا من الولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الدولي يخشون من سعي إيران إلى استغلال الظروف الراهنة والدفع ببرنامجها النووي قُدُمًا، خصوصًا أنَّ المطالب والدعوات الداخلية للنظام في تصنيع وامتلاك سلاح نووي قد تزايدت في الآونة الأخيرة. ويُشار في هذا الصدد، إلى تصريح العضو «الأُصولي» السابق بالبرلماني الإيراني جواد كريمي قدوسي، بأنَّ إيران بحاجة لأسبوع واحد لاختبار أول قنبلة ذرِّية، في حال تمَّت الموافقة من قِبَل المرشد الإيراني علي خامنئي. وسبق هذا التصريح إعلان عضو هيئة التدريس بمركز العلوم الإسلامية محمد فاكر ميبدي، في 23 مارس 2024م، عن حاجة إيران إلى أسلحة نووية، باعتبارها وسيلةً عصريةً مناسبة لردع الخصوم، وردًّا على هذه التصريحات، أعرب مجلس محافظي الوكالة عن مخاوفه، لا سيّما التصريحات المتعلِّقة بقُدرة طهران على صُنع أسلحة ذرِّية.

ثانيًا: رهانات مُتبادَلة

تنطوي زيارة غروسي على العديد من الرهانات من جانب إيران، أو من جانب رئيس الوكالة الدولية، وذلك على النحو التالي:

1. رهان غروسي على استعادة الرقابة: بالنسبة للوكالة، فإنَّهاتراهن على أنَّ الضغوط الراهنة قد تمكِّنها من إحياء التعاون النووي المتوقِّف مع إيران منذ قرابة عام، وبحْث إمكانية تنفيذ اتفاق مارس 2023م، الذي بموجبه كان على طهران التعاون مع الوكالة في التحقيق بشأن جزيئات اليورانيوم، التي عُثِر عليها في مواقع غير مُعلَنة، والسماح بدخول المواقع النووية، والتحدُّث إلى المعنيين، وإعادة تركيب أجهزة المراقبة الإضافية، التي كان قد تمَّ وضعها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015م. لكن الأجهزة أُزيلت مع انهيار الاتفاق، في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018م، في عهد الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، إذ يأمل غروسي أن تُسهِم هذه الزيارة في التوصُّل إلى اتفاق في غضون شهر، بشأن هذه الاستحقاقات المؤجَّلة، أي قبل الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة، حيث تضع زيارة غروسي ضغوطًا إضافية على إيران، إذ إنَّ زيارته هي دعوة صريحة لإيران قبل اجتماع مجلس المحافظين مطلع يونيو؛ من أجل الالتزام بتعهُّداتها واتفاقها مع الوكالة في مارس 2023م.

2. تفادي إيران التصعيد قبل اجتماع مجلس المحافظين: اعتادت إيران عند التفاوض حول برنامجها النووي، المراوغة، واستهلاك الوقت، وإغراق الخصوم في التفاصيل، وربْط التقدُّم في الملف النووي بالتقدُّم في قضايا جانبية، وتقديم تنازلات وقتية والعدول عنها، كلَّما سنحت الظروف. ويمكن قراءة زيارة غروسي وفْق هذا النهج، إذ بينما من المُقرَّر أن تقدِّم الوكالة الدولية تقريرها رُبع السنوي خلال اجتماع مجلس المحافظين المرتقب في فيينا، في الفترة 3 – 7 يونيو 2024م، فإنَّ زيارة غروسي قد تُفسَّر على أنَّها مناورة من جانب إيران من أجل تهدئة نبرة الانتقاد الكبيرة من جانب الوكالة لإيران، وتخفيف حدَّة التقرير المتوقَّع عرضه خلال اجتماع المجلس. حيث ترغب إيران في تفادي استغلال الولايات المتحدة والغرب موقفَ الوكالة السلبي من إيران، وتحريك الملف النووي عبر مجلس الأمن؛ وذلك لأجل إبقاء الاتفاق النووي على الورق حتى انتهاء صلاحية قرار الأُمم المتحدة في مطلع عام 2025م.  

3. امتصاص غضب إدارة بايدن: خلال الفترة الأخيرة، بدأت تتغيَّر قناعات إدارة بايدن بأنَّ المجال الذي تركته لإيران والتسامح في تطبيق الضغوط والعقوبات، استغلَّته إيران لتعزيز نفوذها ومصالحها، ولم يشجِّعها على الانخراط والتفاهم. ومن ثمَّ أعادت الولايات المتحدة تكثيفَ عقوباتها وضغوطها على إيران، وذلك عبر سلسلة من التشريعات والقوانين والعقوبات، التي أعادت للذاكرة نهْج الضغوط القصوى، التي مارسها ترامب تجاه إيران، بما في ذلك العمل على تقويض صادرات النفط والعقوبات على القادة والمسؤولين والشركات والصناعات الكُبرى. ولهذا، يبدو أنَّ إيران أعادت حساباتها، واستقبلت غروسي من أجل تهدئة التوتُّر المتصاعد مع الولايات المتحدة، الذي يعود في جانب مهم إلى الخلافات المتعلِّقة بالملف النووي، والجمود بشأن المفاوضات.

4. تجنُّب إيران لاستهداف منشآتها النووية: يراهن النظام الإيراني على أنَّ الزيارة سوف تُسهِم في امتصاص غضب القُوى الدولية، إذ إنَّ النظام من خلال دعوة غروسي لزيارة طهران وإحياء المفاوضات، يرغب في بعْث رسالة طمأنة إلى الغرب، وإلى دول المنطقة المنزعجة من التطوُّرات النووية، التي تجريها إيران. وتأمل طهران كذلك في تجنُّب أيّ عمل عسكري ضدّ منشآتها النووية، في ظل التصعيد الراهن مع إسرائيل، وتغيُّر قواعد الاشتباك بين الجانبين. ويُشير لنهج التهدئة لمواجهة الحملة ضدّ إيران ما قاله وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان خلال لقاء غروسي، عن أنَّ زيارة الأخير جاءت في الوقت المناسب، وحثّه على اتّخاذ مواقف محايدة ومهنية، بشأن الأنشطة النووية الإيرانية؛ للمساعدة في التعاون الفعَّال واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة. كما أكَّد رئيس منظَّمة الطاقة الذرِّية الإيرانية محمد سلامي، على ضرورة عدم تأثُّر موقف الوكالة بدعاوى إسرائيل وحملتها الإعلامية ضدّ برنامج إيران النووي.

5. ضبْط بوصلة التوقُّعات في الداخل: تسبَّبت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن حيازة سلاح نووي، وامتلاك الإمكانيات اللازمة لذلك خلال وقت قصير، في إثارة القُوى الإقليمية والدولية، فضلًا عن الوكالة الدولية. كما أنَّها منحت «الإصلاحيين» فُرصةً لتوجيه انتقادات كبيرة للتيّار «المتشدِّد» المهيمن على السُلطة. ومن ثمَّ يريد النظام من خلال هذه الزيارة، أن يبعث برسالة ضبْط للداخل الإيراني، يخفِّف بها من حِدَّة الانتقادات الدولية والداخلية، والتأكيد على أنَّ نهْج إيران بشأن الاتفاق النووي لا يزال سليمًا؛ وذلك تجنُّبًا لاستغلال هذه التصريحات ضدّ النظام داخليًا وخارجيًا.

ثالثًا: نتائج ومسارات مُحتمَلة

رُبَّماأسهمت زيارة غروسي في استعادة المحادثات بين الوكالة وإيران حول الملف النووي؛ بهدف إنهاء الجمود ومعالجة القضايا الفنية المعلَّقة بين الطرفين، وأسهمت كذلك في مشاركة الجانبين مخاوفهُما، لكنَّها لم تقدِّم أيّ جديد بشأن القضايا العالِقة، إذ لم يتِم وضْع أيّ خطَّة بشأن معالجة القضايا الخِلافية. فقط تمَّ التأكيد من الجانبين على أنَّ اتفاق مارس 2023م، بشأن ضوابط وتوازُنات الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية لا يزال قائمًا، ويمثِّل خط الأساس للعمل في المستقبل، وهو أمرٌ لا يقدِّم جديدًا لملف إيران المعقَّد، ويتركه بلا رقابة، بينما ترتفع مستويات التخصيب، وتتراكم كمِّيات اليورانيوم المخصَّب؛ وبالتالي تقترب إيران أكثر فأكثر من تخطِّي العتبة النووية.  

لكن يبدو أنَّ أيَّ معالجة لتعقيدات الملف النووي، مرتبطة بالأساس بالتفاعل السياسي بين إيران وبين الولايات المتحدة وحلفائها المعنيين بالملف النووي الإيراني، حيث أشار غروسي إلى أنَّ ثمَّة جوانب سياسية في هذه المباحثات، وهو يعني أنَّ المسألة مع إيران لا تتوقَّف على الجوانب الفنِّية، التي تختصّ بها الوكالة وحسب، إنَّما تتعلَّق أيضًا بالجوانب السياسية، وبمطالب إيران المتعلِّقة برفع العقوبات، حيث قال غروسي: «حينما يتعلَّق الأمر برفع العقوبات وأمورٍ مثل تلك، وهي أمورٌ مهمَّة للغاية بالنسبة لإيران، فإنَّني لستُ من لديه القُدرة على حل هذه المشكلات، وهو ما أشار إليه محمد سلامي، بادّعائه بأنَّ الحواجز التي تعرقل التعاون في معظمها أسبابها سياسية». وفي ظل هذا الأُفُق غير الواضح، يبدو أنَّ ملف إيران النووي مفتوحٌ على عدَّة مسارات مُحتمَلة:

1. العودة بالملف النووي لمجلس الأمن: في حال لم تُسهِم الزيارة في إحراز تقدُّم بين الوكالة وإيران، فإنَّ تقرير الوكالة، الذي سيُقدَّم للدول أعضاء مجلس المحافظين سوف يكون سلبيًا، وقد يمنح الولايات المتحدة والدول الأوروبية المبرِّرَ لعرض الملف على مجلس الأمن، ورُبَّما استعادة العقوبات على إيران. وبالتالي، فإنَّ الزيارة تأتي في وقتٍ حرِج بالنسبة لإيران، وتفرض عليها ضرورةَ تقديم استجابة عاجلة. ففور وصوله إلى فيينا، قال غروسي: «أريد نتائج، وأريدها قريبًا». وفي الوقت نفسه، فإنَّ غروسي أبلغَ أمير عبد اللهيان بأنَّ تحسين التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرِّية سيُقوض مساعي الأطراف الأخرى، «التي تستخدم أيّ ذريعة للسعي إلى التصعيد والمواجهة في المنطقة». وقد تستغِلّ واشنطن وجهةَ نظر الوكالة الدولية؛ من أجل إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن وتقويض الاتفاق النووي، وفرْض مزيد من العقوبات والضغوط على إيران، مستغِلَّةً حقَّ أيٍّ من دول الترويكا الأوروبية في استخدام آلية «سناب باك»، واستعادة العقوبات تلقائيًا على إيران، قبل أن تنتهي فاعليتها مطلع العام 2025م.

2. العودة الأمريكية لإستراتيجية الضغوط القُصوى: في ظل الفشل الراهن في إقناع إيران بالعدول عن سياساتها النووية، وفي ظل استفادتها من التطوُّرات الدولية وموقف الصين وروسيا المناهض للموقف الأمريكي والغربي، واحتمال عدم تحقيق توافُق دولي بشأن إحالة ملف إيران لمجلس الأمن، رُبَّما يكون خيار إدارة بايدن المفضَّل، هو السير على خُطى ترامب في تطبيق إستراتيجية العقوبات القُصوى، والعمل على فرْض مزيد من الضغوط على النظام في الداخل وعزله في الخارج، باعتبار أنَّ الضغط والعقوبات الغربية المُعاد تشكيلها، هي وحدها القادرة على إيقاف النظام، وفرْض تعاون أفضل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية. وهذا هو المسار، الذي يبدو أنَّ إدارة بايدن تولِيهِ اهتمامًا خلال المرحلة الحالية بالتعاون مع شركائها الأوروبيين، بعدما فشل رهانها على الدبلوماسية، خصوصًا في ظل تصاعُد تهديدات إيران الإقليمية.

3. استعادة مسار الدبلوماسية: أصبحت القضية النووية المتعلِّقة بإيران وثيقةَ الصِلة بتوازنات وبتطوُّرات إقليمية ودولية، تجعل منها قضيةً ذات طابعٍ خاص، فضلًا عن أنَّها خلال فترة الرئيس بايدن اتّسمت بنمطٍ غير مسبوق من التراخي والتفاهمات والمقايضات، التي تتِم تحت الطاولة، وهو أمرٌ وارد إلى حدٍّ بعيد. وبالتالي، فإنَّ أحد الاحتمالات أن تُسهم زيارة غروسي في تقريب وجهات النظر بين إيران وواشنطن؛ الأمر الذي يُعيد الحياة لمسار الدبلوماسية المعروف بمسار فيينا، إذ لا يرغب الطرفان في التصعيد والمواجهة، في ظلّ التحدِّيات الداخلية والخارجية، التي يواجهانها.

4. عودة ترامب المحتملة: ربما تقيّد الانتخابات الأمريكية خيارات بايدن في التعامل مع ملف إيران، لكن في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض نهاية العام 2024م، فإنَّ الملف النووي الإيراني سيكون أمام لحظة فارقة؛ لأن ترامب سيعود بلا شك لمتابعة سياسة أقصى ضغط ضد إيران، وقد يعزز من تعاونه مع إسرائيل لمواجهة تهديدات إيران، لكنه هذه المرة سيكون في مواجهة «المتشددين» القابضين على السلطة الذين لديهم استعداد لتغيير العقيدة النووية إذا ما تعرض النظام لخطر وجودي، لكن مع ذلك فإنَّ أولوية بقاء الجمهورية لدى هذا التيار قد تجعله يعود لمتابعة الصبر الإستراتيجي واستهلاك الوقت وتجنب المواجهة وعدم التصعيد النووي، مع تعزيز المكتسبات.

خلاصة

منحت زيارة غروسي إيران فُرصةً من أجل إظهار مشاركتها واستعدادها للتفاهم، فيما يقترب برنامجها النووي بوتيرة متسارِعة من العتبة النووية دونَ رقابة فعّالة. وليس من المتوقَّع أن تغِّير هذه الزيارة من الوضع القائم؛ لأنَّ أصل الأزمة سياسي، حيث توظِّف إيران هذا الملف من أجل حماية مصالحها ونفوذها. وقد منحت إدارة بايدن إيرانَ فُرصةً تاريخية لتقليص وقت الاختراق، وتعزيز المعرفة النووية، وامتلاك ورقة ضغْط غير مسبوقة، حتى أصبح النظام أكثر صراحةً، ويعبِّر مسؤولوه عن استعدادِهم لتغيير العقيدة النووية للبلاد. رُبَّما لا تزال هناك فُرصةٌ أخيرة من أجل ردْع إيران، عبرَ العودة بالملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن خلال هذا العام 2024م، وإلَّا فإنَّ على العالم أنْ يستعِدَّ لإيران كدولةٍ أيديولوجيةٍ نووية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير