بعد التهديدات شديدة اللهجة من الحكومة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب وتصريح البيت الأبيض بأن على زعماء إيران إدراك أن في الولايات المتحدة رئيسًا جديدًا وإدارة جديدة، خرج محمد خاتمي رئيس إيران الأسبق الممنوع من الظهور إعلاميًّا ليطالب بـ”مصالحة وطنية”، معتبرًا أن ظهور دونالد ترامب في الولايات المتحدة يُعَدّ خطرًا على لإيران، مُلقِيًا هذه المهمَّة على كاهل “السيادة” في تعبيد الطريق من أجل “اتحاد داخلي”، وبالطبع المقصود بالسيادة هنا هو قائد إيران علي خامنئي.
التهديدات أصبحت تحيط بإيران، فمن ناحية جوارها، هي دولة ملفوظة تدعم الإرهاب وترعاه وتتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وما زاد الأمر صعوبة مجيء الجمهوري دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، كذلك داخليًّا ازدادت الأوضاع سوءًا بعد وفاة أحد أكثر الشخصيات المؤثّرة على الساحة السياسية في إيران هاشمي رفسنجاني، وفِقْدان دوره الذي كان يلعبه في التقريب ما بين التيَّارين الإصلاحي والأصولي على الصعيد الداخلي، إضافةً إلى محاولاته للتقريب أيضًا والرغبة في انفتاح إيران على جيرانها العرب والعالَم.
هدف طرح “المصالحة الوطنية”، كما يراه مصطفى تاجزاده، أحد المقربين من خاتمي، هو “إنقاذ إيران”، والسعي من أجل صناعة مستقبل على نحو أفضل، معتبرًا أن المصالحة الوطنية تعني قَبُول التنوُّع من موضع الإنصاف والمساواة لا من قبيل أن يعتذر أحد إلى الآخر، أو أن يكتب توبته، أو مواضع من هذا القبيل.
وأشار تاجزاده إلى أنه يعتقد أن جميع مَن يعتقدون باستقلال ووحدة شعب وأراضي إيران، ومستعدّون للعمل في إطار القانون مع استبعاد أعمال العنف والالتزام بالدستور، عليهم يجدوا هذه الإمكانية، بالمشاركة بفاعلية على الصعيد السياسي والاجتماعي للدولة، وإيران والإيرانيون يستطيعون الاستفادة من قدراتهم.
كذلك أشار تاجزداه إلى أن إطار المصالحة الوطنية يتّسع ليشمل الأشخاص كافَّةً الملتزمين بالدستور ويستطيعون المشاركة بفاعلية في عملية إدارة الدولة وفي المجال الاجتماعي، والسياسي، ويجدون في أنفسهم المقدرة على الخدمة، وليس مقصورًا على التيَّارين الإصلاحي والأصولي.
إبراز تاجزاده “التهديد” الذي تواجهه الدولة في إيران جاء اعترافًا منه بإمكانية مواجه الدولة في المستقبل أزمات ومشكلات أكثر حِدّة من الحالية، إلا أن المصالحة الوطنية بالنسبة إلى أحد الموالين لتيَّار المرشد والتيَّار المحافظ في إيران لا تهدف إلى “إنقاذ إيران”، بل إلى تحويل قادة الحركة الخضراء، أو كما يسميهم النظام “رؤوس الفتنة المجرمين”، إلى مصلحين، قائلًا: “إن المصالحة بين الشعب والأشخاص الذين افترقوا عن الشعب خلال أحداث 2009، وفضّلوا الغربيين والعرب على الشعب والقانون والشرع، لا تتمّ إلا بعد توبة هؤلاء وبعد أن يرأف النظام والناس بهم”، وإن من يخطّط لهذه القضية أو المصالحة يحاول مسح جريمة قادة الحركة الخضراء، والذين يتحجَّجون بالوحدة الوطنية مقابل تهديد العدوّ، عليهم أن يجيبوا عن سؤال بسيط: هل كانوا في فتنة 2009 مع الشعب أم في خندق العدو؟
وأعلن باقري أن الشعب الإيراني لن يصالح من ينوون تمهيد الطريق لنفوذ العدوّ في الدولة، والتنظير للاعتماد على الأجانب وتحقير الشعب الإيراني.
أحد الفاعلين السياسيين على المشهد السياسي والمحسوب على التيَّار المحافظ، وهو محمد رضا باهنر، الأمين العام لجبهة أتباع خطّ الإمام، ألمح إلى رغبة تيَّار ما في التصالُح مع خاتمي تحديدًا، معتبرًا أن دخوله الساحة السياسية من جديد وإدماجه فيها سيعود بالنفع والبركة، لافتًا إلى أنه على العكس من كثير من الأصوليين لا يعتبر أن خاتمي من رؤوس الفتنة/قادة الحركة الخضراء، وطالب باهنر خاتمي بأن يثبت ذلك من خلال موقف رسميّ يعلن فيه أنه ليس معارضًا للنظام، وبعد ذلك يدخل الساحة السياسية بوصفه سياسيًّا.
ولم تفُتْه الإشارة إلى علي أكبر ناطق نوري خلال الفترة المقبلة، واعتبر محاولات التيَّار الأصولي إعادة ناطق نوري إلى صفّ التيَّار اليميني غير ناجحة، وطالب بأن يتّخذ الأصوليون موقفًا أكثر جدّية تجاه هجوم أحمدي نجاد على نوري، معتبرًا أن هذا الهجوم ليس السبب الوحيد الذي يحول دون عودة نوري إلى الحياة السياسية، وهو ما يلمح إلى دور مقبل لناطق نوري خلال الفترة المقبلة في ظلّ ترشيحات البعض للعبه دور هاشمي رفسنجاني على الساحة السياسية.
كذلك جاءت تصريحات علي مطهري النائب الثاني لرئيس الجمهورية مطالبة للسُّلْطة القضائية باتخاذ قرار بشأن الإقامة الجبرية على قادة الحركة الخضراء عمومًا، مشيرًا إلى سعي البرلمان لرفع الإقامة الجبرية المفروضة على مير حسين موسوي ومهدي كروبي وزهراء رهنورد، وأنه خلال اللقاء الذي جمعه بهؤلاء الأفراد أعلنوا اهتمامهم بالقائد و”الإمام”، مضيفًا أنهم تسببوا في خطأ، ولم يقترفوا خطأً، لكن اعتراضاتهم طالت، وخضعت للاستفادة السيئة من الإعلام الأجنبي.
تصريحات باهنر ومطهري تشير إلى تمسك كل من خاتمي وكروبي وموسوي بأُسُس النظام، وعدم التفريط فيها، وهي التصريحات التي خرجت في وقت يضيق الخناق فيه على إيران ويُرَكَّز على مِلَفّ حقوق الإنسان، وبالطبع على رأسه الإقامة المفروضة على كروبي وموسوي وخاتمي.
هذه التصريحات أيضًا سبقها بثّ معلومات تشير إلى قَبُول خاتمي وعدد من الإصلاحيين فكرة الاعتذار عن الأحداث التي تَسبَّبوا فيها، وذلك بعدما خرج علي رضا زاكاني وأعلن أن خاتمي بصدد كتابة رسالة إلى خامنئي بصحبة عدد من الإصلاحيين والاعتذار من خلالها على دورهم في الأحداث التي تَلَت انتخابات رئاسة الجمهورية في 2009، وأنهم “يرغبون في القول إن وضع الدولة والعالَم والأوضاع الدولية يجب معه أن يمدّ الجميع يده، ويتعاونون ويتضامنون من أجل إدارة شؤون الدولة”.
كذلك لم يُشِر تاج زاده إلى تلك الرسالة في حواره اليوم، لكنه أعرب عن قلقه بشأن ردود أفعال بعض الإصلاحيين، بخاصة الشباب، على “مصالحة خاتمي الوطنية”، وأنها من الممكن أن تكون بمعنى الانسلاخ من الهُوِيَّة الإصلاحية، ورفض في الوقت ذاته فكرة اعتذار خاتمي.
وبموازاة طرح فكرة “المصالحة الوطنية”، تجري حاليًّا محاولات موسّعة من جانب الإصلاحيين لإقرار اتِّصال مباشر مع القائد، مِمَّا يؤيِّد المخاوف الداخلية تجاه الأوضاع العالَمية والخوف من مصير النظام بعد هاشمي رفسنجاني. ما أعلنه محمد هاشمي شقيق هاشمي رفسنجاني أن الإصلاحيون بعد وفاة رفسنجاني يفكّرون في اتِّصال مستقلّ ومباشر مع القائد، والتصريح بمطالبهم، وإيصالها إلى خامنئي.
كذلك حسين مرعشي، المتحدث باسم حزب “كوادر البناء”، طرح مثل هذا المطلب، وقال إن جزءًا من الجماعات السياسية يطالب بعد رحيل هاشمي رفسنجاني بإقرار اتِّصال مباشر مع القائد.
الهدف من هذه المطالب
توجَد رسالتان يسعى وراءهما التيَّار الإصلاحي من وراء طرح موضوعَي المصالحة الوطنية والاتِّصال المباشر بالقائد، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فداخليًّا لم تكُن سياسة المطالبة بالاتِّصال المباشر بالقائد أو المصالحة سياسةً جديدة، إذ طُرِحَت لعدة مرات خلال السنوات الماضية، إلا أن الرسالة من وراء إعادة طرح هذه المطالب هي وفاة رفسنجاني واقتراب انتخابات رئاسة الجمهورية والمجالس المحلية، إذ يجتهد الإصلاحيون لتقليل تبعات وفاة رفسنجاني وخلاء مكانه، إضافةً إلى محاولة التفاوض من جديد على طرح ناطق نوري بديلًا.
وقد طرح صادق زيبا كلام، الأستاذ بجامعة طهران والناشط الإصلاحي، ناطق نوري بوصفه أكثر الخيارات مناسَبَةً من أجل “المصالحة الوطنية” في يناير 2013، وكان طرحه هو دعم الإصلاحيين لناطق نوري ليصبح رئيسًا للجمهورية، ويُحِلّ السلام الوطني، وأن إعادة طرح ناطق نوري من جديد في تلك الفترة يهدف إلى تقديمه بديلًا لرفسنجاني في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
أما على الصعيد الخارجي، فهي رسالة تشير إلى أن إيران أمام تَحَدٍّ عليها الاتحاد وتوحيد الصف لمواجهته، بخاصة أن دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الجديد، يَغلُب على طاقم إدارته العداء مع إيران، وتحذيرات البيت الأبيض الأخيرة لطهران وإعلان أن رئيسًا جديدًا قد حلّ على رأس الجهاز التنفيذي للدولة، إضافة إلى المناورات الأخيرة التي أقيمت مؤخَّرًا في مياه الخليج بقيادة بريطانيا ومشاركة الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى التصريحات العربية المطالبة بتوقف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية وطرح المواجهة العسكرية من أجل كفّ العبث الإيراني في المنطقة.
كلتا الرسالتين الداخلية والخارجية مؤشّر على إدراك النظام لعمق التهديد الذي يواجهه، ومحاولته التضامن والسعي للهروب منه والخروج بأقل الخسائر في سبيل بقاء النظام.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز