أصبح الحديث عن مساعي الوساطات بين السعودية وإيران إقليميًا ودوليًا محور حديث الكثير من وسائل الإعلام العالمية والإقليمية بين متفائلٍ وَمتشائمٍ بنجاح هذه الوساطات.
من خلال متابعتي الدقيقة للإعلام الإيراني أجد أنَّ هناك تركيزًا كبيرًا على نقطة أساسية وهي أنَّ السعودية طلبت من عدة زعماء الوساطة لدى طهران بل إنَّ المتحدث باسم الخارجية وكذلك المتحدث باسم الحكومة الإيرانية قد أطلق مثل هذه التصريحات مما جعل الجانب السعودي ممثلًا في وزير الدولة للشؤون الخارجية السيد عادل الجبير ينفي مثل هذه المزاعم عبر حسابه على تويتر ويؤكد على أنَّ هناك شخصياتٍ رفيعة من دول شقيقة وصديقة أبدت رغبتها في الوساطة بين الجانبين الإيراني والسعودي فلم تعترض الرياض على ذلك. إلى جانب ذلك نفت السلطات الباكستانية التصريحات الإيرانية التي تحدثت عن أنَّ ولي العهد السعودي طلب من رئيس الوزراء الباكستاني الوساطة لدى إيران أو أنه حمل رسالةً من الجانب السعودي للقيادة الإيرانية.
على المستوى الشخصي، أتمنى أنْ يصل الجانبان السعودي والإيراني إلى اتفاقٍ يفتح صفحةً جديدة من العلاقات بين الجانبين وأيضًا هذه الرغبة تنطبق على علاقات وطني السعودية مع كافة الدول لأنني أؤمن يقينًا بأنَّ الرياض تسعى إلى الابتعاد قدر الإمكان عن التوترات السياسية مع كافة الدول وقد زاد ذلك في ظل الرؤية الاقتصادية الطموحة الراهنة التي ترتكز على التكامل وبناء العلاقات الوثيقة مع مختلف دول العالم. لكن بعيدًا عن التفكير الرغبوي والأمنيات الشخصية أعتقد أنَّ التوتر الشديد والمتصاعد بين الدولتين الجارتين المحوريتين في المنطقة أكبر وأعمق من أنْ يتم حله عبر وساطات دبلوماسية من هذا المستوى مع كامل الاحترام والتقدير لكل المساعي التي قرأنا عنها في وسائل الإعلام أو التي اطلعنا على بعض تفاصيلها من مصادرنا الخاصة.
الواقع باختصار هو أنَّ هناك فقدانًا للثقة بين الجانبين وهناك أيضًا بونٌ شاسع في آليات التعاطي السياسي والإستراتيجي مع القضايا الإقليمية والنظر للعلاقات بين الدول. فإذا كانت السعودية تنتهج نظرية السياسة الواقعية وبناء علاقاتٍ مع الأنظمة السياسية في العالم بمختلف توجهاتها، فإنَّ إيران في الغالب وبخاصة على المستوى الإقليمي تعتمد على إستراتيجية تجاوز الأنظمة السياسية إلى ما وراء الدولة والاعتماد على بناء علاقات مع أقلياتٍ دينية أو مذهبية منطلقةٌ في ذلك من معتقداتٍ أيديولوجية توسعية وتسعى إلى تقويض الأنظمة السياسية أو إضعافها على أقل تقدير.
وفي ظل العزلة السياسية التي يعيشها النظام الإيراني إقليميًا ودوليًا وفي ظل العقوبات القاسية التي تفرضها الإدارة الأمريكية الراهنة على إيران التي جعلت طهران تنزف اقتصاديًا بشكلٍ كبير، هناك رغبة إيرانية للخروج من هذه الضغوطات عبر البوابة السعودية على المستوى التكتيكي وليس الإستراتيجي في محاولةٍ منها لتخفيف الضغوطات الراهنة دون تغيير الكثير من سياساتها العدائية تجاه دول المنطقة أو التخلي عن مشروعها التوسعي ودعمها للميليشيات في المنطقة.
هذا الواقع المكشوف إقليميًا على أقل تقدير يجعل الرياض لا تنظر بجدية لكل التصريحات التي تطلقها الحكومة الإيرانية التي لا تستطيع فعل الكثير في تحديد توجهات النظام وسياسته الخارجية، وتقيس توجهات طهران من خلال الأفعال لا الأقوال. بعبارةٍ أكثر وضوحًا تعتقد السعودية أنَّ الانتقال إلى مرحلة علاقات مختلفة مع إيران مرتبطة بالخطوات التي تتخذها طهران على واقع الأرض سواءً في سوريا أو العراق أو اليمن أو ارتباطها الوثيق بالميليشيات الإرهابية والاستمرار في دعمها بالمال والسلاح والخبرات المختلفة. إنَّ سياسة الحوار من أجل الحوار واللعب على عامل الوقت لن يكون مقبولًا من الجانب السعودي بسبب تجارب الماضي والمعرفة الدقيقة للمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، وبغض النظر عن طبيعة علاقات إيران مع أمريكا أو أوروبا سيبقى الموقف السعودي راسخًا وثابتًا كما حصل إبان الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1»، الذي أخطأت إيران حينها في حساباتها الإقليمية وتجاهلت مخاوف الدول الإقليمية وتحفظاتها على ذلك، ولذلك نجد أنفسنا نعود للمربع الأول عالميًا وإقليميًا بسبب تلك الحسابات الخاطئة.
خلاصة القول، إذا كان هناك رغبة لدى إيران للوصول إلى مرحلة برود في العلاقة مع محيطها الجغرافي والعربي على وجه الخصوص، ولا أقول تحسّن في العلاقة لأن تلك مرحلة بعيدة حاليًا، فإنَّ عليها تغيير أدواتها ومراجعة إستراتيجياتها تجاه دول المنطقة حتى يتم تجنب عواقبَ وخيمة على المنطقة والعالم.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد