الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات

https://rasanah-iiis.org/?p=34693

شنت إيران هجومًا عسكريًّا مباشرًا ردًّا على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، الذي أسفر عن مقتل قادة بارزين في الحرس الثوري. وقد غاب عن الهجوم عديد من أبجديات الحروب، وفي مقدمتها عنصر المفاجأة، كما أنه لم يُلحق أضرارًا كبيرة بإسرائيل، ولكن مع ذلك يبقى منعرجًا سياسيًّا بدلالات إستراتيجية كبيرة، باعتباره يؤرِّخ لأول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، لذلك فإنه إضافة إلى مخاطر الدفع بالمنطقة نحو حرب شاملة التي أجمعت على التحذير منها الدول في ردود فعلها، فإن الهجوم يحمل بين طيّاته أيضًا عديدًا من التداعيات على إيران وإسرائيل والولايات المتحدة التي تتداخل فيها الأبعاد الداخلية بالخارجية، مما يرسم كثيرًا من الغموض نحو السيناريوهات المستقبلية، سواء بالنسبة للحرب على غزة أو للمواجهات الإيرانية-الإسرائيلية.

أولًا: تقييم الضربات الإيرانية لإسرائيل

تسود حالة من الانقسام بين المتخصصين والخبراء الإستراتيجيين داخل مراكز الفكر والدراسات المتخصصة حول تقييم الهجمات الإيرانية في الداخل الإسرائيلي، نظرًا لاختلاف طبيعة تنفيذ الهجوم وما صاحب ذلك من رسائل مسبقة أفقدت الهجوم فعاليته وأكسبته رمزية أكثر من أهميته التكتيكية، وقد نُفِّذ الهجوم بواسطة 185 طائرة مُسيَّرة من طراز شاهد 136، وشاهد 149، ومهاجر-6 قدس، و110 صواريخ أرض-أرض، و36 صاروخ كروز، ويمكن تقييم الهجوم اإيراني عبر المحورين التاليين:

1. محدودية ورمزية الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل

لم يكن هجوم الرد الإيراني بزخْم وتأثير الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، نظرًا للأسباب التالية:

أ. افتقاد الهجمات الإيرانية إلى عنصر المباغتة والسِّرية:

افتقدت الهجمات الإيرانية، التي دامت نحو 5 ساعات متواصلة، أهم عناصر تحقيق الأهداف العسكرية في الحروب، الذي ميز هجمات فصائل المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنين في غلاف غزة، ألا وهو عنصر المباغتة والسرية، الذي من شأنه شلّ قدرة الخصم على وضع سيناريو معين للجهوزية والمواجهة بما يقلل الأضرار المصاحبة.. فالضربات الإيرانية يبدو أنها كانت معلومة مسبقًا (قبل أن تبدأ) من الخصوم: الولايات المتحدة وإسرائيل، فقبل ساعات قليلة من الهجمات، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الرد الإيراني سيكون عاجلًا وليس آجلًا، وحسب شبكة «سي إن إن»، رصدت الولايات المتحدة تجهيز إيران ما يصل إلى 100 صاروخ كروز لتنفيذ ضربة انتقامية ضد إسرائيل، مما يشير إلى أنها قد تستعد لمهاجمة أهداف في العمق الإسرائيلي من داخل الأراضي الإيرانية، كما توقع مسؤولون عسكريون أمريكيون قبل الهجمات بيوم تقريبًا وقوعها باستخدام أكثر من 100 طائرة مُسيّرة وعشرات الصواريخ ضد أهداف عسكرية داخل إسرائيل.

كذلك ما يفيد علم الجيش الإسرائيلي نفسه بتوقيت الهجمات وأسلحة تنفيذها ومناطق استهدافها، حديث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هانغاري، بأن بلاده ترصد إطلاق الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، وأن الصواريخ والمسيّرات ستستغرق ساعات للوصول إلى أهدافها، وننسق مع الولايات المتحدة وشركائنا في الشرق الأوسط، انتظارًا لوصول المسيّرات والصواريخ الإيرانية إلى مدى الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية لإسقاطها.

وقد يعلم الأمريكيون والإسرائيليون، ليس فقط بالتوقيت والأسلحة المستخدمة في الهجمات فحسب، وإنما أيضًا منفذي الهجمات، فقد كشفت مصادر لشبكة «سي بي إس» أن منفذي الهجمات القوات الإيرانية والمليشيات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، التي جرى تزويدها بأسلحة إيرانية إضافية منذ أسابيع، ولكن الجزء الأكبر سيجري إطلاقه من إيران، وهو ما وقع بالفعل، إذ سُجّلت هجمات بالصواريخ من جنوب لبنان ومن الحوثيين ومن المليشيات الموالية لإيران بالعراق وسوريا.

ويكشف تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل الهجمات بيوم، تحديدًا يوم 13 أبريل 2024م، نصب بلاده الأنظمة الدفاعية والهجومية الجاهزة للرد والمستعدة لأي هجمات إيرانية، عن تنسيق مسبق وغير مسبوق في الحروب الماضية، كما يقدم لجوء عديد من العواصم العربية وغير العربية إلى إغلاق مجالاتها الجوية قبل الهجمات الإيرانية بساعات علمها المسبق بالهجمات الإيرانية.

وفي دليل على حرص إيران على الإخطار المسبق للخصوم، كشف عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسي، قبل ساعات من وقوع الهجمات، عن قرب استهداف إيران لإسرائيل، وذلك عبر تغريدة له جاء فيها: «بعد معاقبة الكيان الصهيوني في الساعات القادمة، سيفهم هذا الكيان الشرير أنه سيُعاقَب بصواريخ سجّيل وخَيبر وشهاب الإيرانية، إذا أقدم على اغتيال رموز جبهة المقاومة في أي مكان بالعالم»، وفي ذلك دليل آخر على حرص إيران على إخطار الأمريكان والإسرائيليين بالهجمات.

ب. تكرار سيناريو الإخطار المسبق للخصوم بالهجمات:

قد تهدف إيران من افتقاد مخططها عنصر المباغتة إلى تنفيذ ضربة محدودة تضمن لها تنفيذ تهديدها ووعيدها أمام الرأي العام الإيراني، مقابل تجنب التورط في حرب مباشرة ضد واشنطن وتل أبيب، في تكرار إيران الانتقام لقاسم سليماني، من حيث الإبلاغ المسبق لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشن الهجمات على قاعدة «عين الأسد» الجوية الأمريكية انتقامًا لمقتل سليماني، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف في كتاب «عمق الصبر»، ما يعني أن إيران في كلا الهجومَين كانت حريصة للغاية على إبلاغ الأمريكان المسبق، وأن تكون ضربات رمزية محدودة للغاية تُجنّب الطرف الأمريكي أي خسائر بشرية يمكن أن ترتب تداعيات كارثية على الجانب الإيراني، وأراد النظام بضربته المحدودة تمرير رسالة إلى الداخل بأنه قادر على تنفيذ تهديده ووعيده ليس أكثر. 

ولذلك يمكن القول إن الهجوم الإيراني ربما كان مُجدولًا من حيث التوقيت والنتائج، لا سيما مع حديث عديد من الأوساط الإعلامية الغربية والإسرائيلية بأن الأيام الماضية قبل الهجمات قد شهدت مفاوضات أمريكية-إيرانية لتحديد سقف الهجمات والرد الإيراني بحيث لا يوقع أضرارًا بالغة على الجانب الإسرائيلي يستدعي ردًّا إسرائيليًّا من شأنه توسيع دائرة التصعيد الإسرائيلي-الإيراني في الشرق الأوسط، كما أشارت تلك التقارير، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين، أن تل أبيب ستتسامح مع هجوم «لا يوقع خسائر مادية».

ج. الإخفاق في تحقيق الأهداف العسكرية:

بما أن الهجمات افتقدت عنصر المباغتة، وانكشف المخطط الإيراني من حيث: توقيت تنفيذه، ونوعية الأسلحة المستخدمة، والأهداف العسكرية المرجوّة، في المقابل: استعد الحليفان الإسرائيلي والأمريكي لاعتراض الطيران المسير والصواريخ الإيرانية والحيلولة دون بلوغها أهدافها المرجوة، لذلك لم تحقق الهجمات الإيرانية من الناحية العسكرية نتائج تذكر، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتراض الصواريخ الإيرانية، وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أن «إيران أطلقت أكثر من 300 صاروخ ومُسيّرة باتجاه إسرائيل، وأنه جرى رصد 99% منها»، وإن عددًا محدودًا للغاية من عشرات الصواريخ أرض-أرض الإيرانية اخترقت الأجواء وسقطت في بعض المدن الإسرائيلية، حددها الجيش الإسرائيلي بـ7 صواريخ باليستية من أصل 110 أطلقتها إيران، ما أدى إلى إصابة فتاة وإلحاق أضرار طفيفة في مطار عسكري في الجنوب الإسرائيلي، وإن عشرات من صواريخ كروز ومعظم المسيّرات الإيرانية جرى اعتراضها خارج المجال الجوي الإسرائيلي، وسقطت فوق سوريا والأردن بمشاركة أمريكية وبريطانية.

ورغم أن التدريبات الحربية الإيرانية كانت أكثر تركيزًا على إظهار أنظمة الأسلحة الجديدة والمسيرات لديها من الإستراتيجية والتكتيكات اللازمة لاستخدامها في صراع فعلي مع دولة تمتلك ترسانة أسلحة متقدمة مثل إسرائيل، غير أنه جرى تداول تقارير عن سقوط طائرات دون طيار وصواريخ في منتصف الطريق بسبب أعطال فنية وميكانيكية أو ملاحية، ووقع بعضها فريسة لإسرائيل وحلفائها الذين وضعوا إجراءات تشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

د. الفشل في تحقيق توازن الرعب والردع والضرر:

يترتب على افتقاد الهجمات الإيرانية عنصر المباغتة ومحدودية النتائج العسكرية بالطبع الإخفاق في تحقيق توازن الرعب والردع والضرر مع إسرائيل، كون أن توقيت الهجمات وأسلحتها وأهدافها كانت معلومة مسبقًا للجانب الإسرائيلي قبل أن تبدأ، وبالتالي لم تترتب على تلك الهجمات الإيرانية أضرارًا جسيمة أو تكلفة باهظة الثمن ومؤلمة على إسرائيل، ثمنًا لهجماتها المتكررة ضد قيادات الحرس الثوري الإيراني، سواء في الداخل الإيراني أو خارج الأراضي الإيرانية، لذلك لم تحقق الهجمات الإيرانية أهداف توازن الرعب والردع، ولن تجبر إسرائيل على إعادة النظر في حساباتها من الاستمرارية في تنفيذ هجمات مماثلة ضد الأهداف الإيرانية في المستقبل.

هـ. تلاشي عقيدة الدفاع المتقدم الإيرانية:

قد تتلاشى عقيدة الدفاع المتقدِّم التي تتبناها إيران منذ سنوات في الشرق الأوسط، كما تتلاشى القدرة على الإنكار، وتجنيب ذاتها التعامل المباشر مع خصومها من خلال أذرعها المسلحة في المنطقة لإخفاء بصماتها، إذ إن عقيدة إيران، المتمثلة في الاعتماد على وكلائها للدفاع أو الهجوم، خَدَمتها بشكل جيد للغاية لمدة عقد من الزمن، لكن مع تطورات الأحداث في المنطقة سيتعين على الجيش الإيراني صياغة عقيدة جديدة، بدلًا من الحرب الهجينة التي تعتمد عليها بالدخول في حروب مباشرة.

و. التأثير في عقيدة الدفاع الإسرائيلية:

الهجمات ستُجبر إسرائيل على التركيز بشكل أكبر على اقتناء الدفاعات الرخيصة المضادة للطائرات دون طيار. ويقدِّر مسؤولو الجيش الإسرائيلي أن صواريخ الدفاع الجوي بقيمة مليار دولار جرى إطلاقها لاعتراض المسيّرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية الإيرانية. ورغم أن تل أبيب مستعدة بشكل كبير للتعامل مع تهديد الطائرات المسيرة والصواريخ، ستعمل على تحسين الدفاع الجوي في ضوء البيانات والمعلومات التي جُمعت في أثناء الهجمات، ومستقبلًا، من المرجح أن تكثف إسرائيل هجماتها السرية الوقائية داخل إيران إلى جانب التجسس الإلكتروني والتعطيل لأجهزة المسيّرات.

2. تأثير الهجمات الإيرانية في إسرائيل

تكتسب الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل دلالات تتخطى آثارها المادية أو الآنية، لعل من أبرز تلك الآثار ما يلي:

أ. مزيد من تهديد الأمن الإسرائيلي:

رغم الرواية الإسرائيلية عن محدودية نتائج الهجمات، وأن الإضرار التي لحقت بإسرائيل طفيفة للغاية، مقابل الرواية الإيرانية التي أكدت النجاح في تدمير أهداف عسكرية مهمة للجيش الإسرائيلي، وإصابة نصف الصواريخ أهدافها في إسرائيل بنجاح، وبينها قصف قاعدة النقب الجوية وتحقيق أضرار جسيمة بها، فإن الهجمات الإيرانية لربما كسرت حاجزًا مُهمًّا يحدث لأول مرة من الفاعلين من الدول ومن داخل أراضيها باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وهي رسالة جديدة لإسرائيل مفادها أن معادلات جديدة تترسخ في الشرق الأوسط مغايرة للمعادلات التقليدية القائمة على عدم قدرة الفاعلين من الدول على التفكير في تقديم الضربات من الدول لإسرائيل.

ب. تفاقم الضرر النفسي على الإسرائيليين:

يعيش صانع القرار في إسرائيل والمواطن الإسرائيلي على السواء، في حالة من الضرر النفسي غير مسبوقة منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023م، جراء المشهد التاريخي لفرار المستوطنين من غلاف غزة في أثناء عملية «طوفان الأقصى»، التي كبدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية هائلة، ووضعت نظرية الأمن الإسرائيلي -القائمة على أن إسرائيل قوة تحقق الأمن والأمان لمواطنيها وإجبار الخصوم على عدم التفكير في شن العدوان ضدها- أمام مأزق إستراتيجي كبير في الداخل والخارج، على نحو جعل صُناع قرارها يفقدون أعصابهم ويشنون حربًا شعواء، لا تزال مستمرة ضد قطاع غزة، عندما رأى صناع القرار والمواطنون الإسرائيليون عدد القتلى والجرحى والأسرى لدى كتائب عز الدين القسام، واستمرارية دوي صافرات الإنذار واللجوء إلى الملاجئ، بل والهجرة إلى دول أخرى على خلفية الرشقات الصاروخية المستمرة من قطاع غزة.

ج. مزيد من تشتيت القوة الإسرائيلية في حرب متعددة الجبهات:

رغم محدودية نتائج الهجمات الإيرانية، غير أن بعض المتخصصين أجمعوا على أن من شأنها تشتيت القوة الإسرائيلية في حرب متعددة الجبهات تخشاها إسرائيل، ما من شأنه تخفيف أعباء الحرب عن غزة، وبالفعل أشارت تقارير إعلامية إلى أن مجرد التهديدات الإيرانية فقط بالرد على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية بسوريا، أجبرت تل أبيب على انسحاب عسكري من جنوب قطاع غزة في السابع من أبريل 2024م، تحسبًا لهجمات إيرانية من الجبهة الشمالية: سوريا ولبنان، التي تحظى فيهما إيران بحضور عسكري قوي، انتقامًا لمقتل قيادات بالحرس الثوري، بينهم زاهدي.

د. تحويل الأنظار عن السخط الدولي ضد إسرائيل بسبب الحرب في غزة:

سوف يسعى الإسرائيليون إلى استغلال الهجمات الإيرانية لترويج استهدافهم من الخارج، والضغط على المجتمع الدولي والغربي لإدانة إيران، بهدف صرف النظر عن المآسي التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، كما سيعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، على كسب مواقف أمام المجتمع الإسرائيلي للتخفيف من حدة السخط والقضايا المعلقة ضده.

ثانيًا: تداعيات الهجوم على الداخل الإيراني: الإسرائيلي والأمريكي 

أظهرت نتائج الهجوم الإيراني على إسرائيل محدودية الخسائر المادية نسبيًّا وانعدام الخسائر البشرية، ولكن مع ذلك فإن تداعياته الإيجابية والسلبية ستكون مهمة، خصوصًا بالنسبة لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة، بوصفها الأطراف الثلاثة المعنية به بشكل مباشر.

1. إيران:

تعرضت إيران في السنوات الأخيرة لضربات كبيرة جدًّا استهدفت قادتها العسكريين من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. كانت البداية بقاسم سليماني في 2020 مرورًا بعديد من القادة داخل إيران وخارجها ووصولًا إلى محمد رضا زاهدي ومرافقيه الذين قُتلوا داخل القنصلية الإيرانية في دمشق. وتسببت هذه العمليات في إحراج كبير للنظام الإيراني أمام الرأي العام الداخلي، وحتى الإقليمي، وكادت أن تتحول إلى قاعدة جديدة من قواعد الاشتباك، إذ تكتفي إيران بالتنديد والوعيد بدلًا من الرد على الضربات المباشرة.. انطلاقًا من هذه الخلفية، فإن أهم انعكاسات الهجوم على إيران تكمن في النقاط التالية:

1) استعادة النظام الإيراني هيبته أمام الرأي العام الداخلي، ليظهر بأنه قادر فعلًا على ضرب إسرائيل بشكل مباشر عندما يجري تجاوز الخطوط الحمراء الإيرانية، كما يعزز الهجوم شرعية النظام الإيراني الذي استند منذ تأسيسه إلى سردية المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فقد ارتأت النخبة الدينية الإيرانية أنَّ الخطاب الذي روَّجته منذ عام 1979م، بالعداء لأمريكا وإسرائيل، بات على المحك إذا لم تنفذ ردًّا يعيد هيبتها أمام الداخل الإيراني خصوصًا، والجماعة الشيعية عمومًا، وفي نفس الوقت حرصت طهران أن يكون ردًّا مدروسًا، بحيث لا يخرج عن نطاق السيطرة أو يؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط «النظام الإسلامي» أو شل فاعليته بتدخل أمريكي مباشر. فجاء الرد الإيرانيُّ ليؤكد كفاءة وقدرة النظام، وفاعلية خطابه بالعداء لأمريكا وإسرائيل، وسيُوظّف الحدث لتغذية مشروعية النظام التي اهتزت كثيرًا في العقد الأخير على وقع الأزمات الداخلية.

2) تستغل إيران ردَّها المدروس لترسيخ مكانتها بين الجماعة الشيعية، ومحاولة تبييض وجهها في العالم العربي والإسلامي باعتبارها الدولة المناهضة لإسرائيل وأمريكا «قولًا وعملًا»، مما ينعكس على قوتها الناعمة ومشاريعها في المنطقة وصورتها أمام الوكلاء والجماعات دون الدول الوطنية. علاوة على «المصداقية» في الرد، التي تسعى إيران دومًا لتأكيدها، واتهام خصومها بخلافه. وأيضًا ترميم السُّمعة المذهبية باعتبارها الدولة الشيعية الكبرى في العالم التي تضررت كثيرًا عقب تأجيجها حروبًا طائفية في المنطقة، ومن هذا المنظور تُنسج مفردات خطاب في خطب الجمعة بالأقاليم الإيرانية والبلدان الشيعية والإعلام الإيراني وروافده العربية حول قوة الوليّ الفقيه ومقدرته، ومناهضته لإسرائيل، واتهام خصوم إيران بالضعف والتبعية، وخدمة المشروع الصهيو-أمريكي، ونحو ذلك من خطاب متداول منذ عام 1979م.

3) رغم أن الهجوم انطلق من إيران، غير أن مَن تولّاه هو الحرس الثوري وليس الجيش، ويمكن تفسير ذلك بأن ضحايا الهجمات الإسرائيلية كانوا من الحرس الثوري، كما أن الدستور يخوّل له ذلك، ولكن بغض النظر عن كل هذا، فإن ما يجري يعزز في المحصلة الأخيرة نفوذ الحرس الثوري داخل النظام الإيراني، باعتباره المؤسسة التي تقف على الخطوط الأمامية في المواجهة مع «الأعداء»، وبالتالي هي الأحق برسم سياسات النظام وإستراتيجيته، وأيضًا قيادة الدولة مثلما حصل عقب نهاية الحرب مع العراق، إذ نهل الحرس الثوري من تضحياته إبّان الحرب بين إيران والعراق، في مواجهة خطط الرئيس رفسنجاني لإقصائه لاحقًا، وفي ظل التنافس على مستقبل النظام الإيراني، فعلى الأرجح ستكون هذه المواجهة ضمن الأدوات التي سيوظِّفها الحرس الثوري في اصطفافات الصراع على السُّلطة في مرحلة ما بعد علي خامنئي.

4) يضع الهجوم قاعدة جديدة ضمن قواعد الاشتباك التقليدية بين الأطراف المتنافسة، فكما أن إسرائيل كسرت القواعد باستهداف مقرٍّ دبلوماسي، فإن إيران كسرت الخطوط الحمراء أيضًا باستهداف إسرائيل من داخل إيران وليس عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان. من هذا المنطلق ستأخذ الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعين الاعتبار رد الفعل الإيراني في المواجهات المستقبلية، وأن إيران سترد على الضربات التي تُوجَّه إليها، صحيح أن الهجوم كان فاشلًا من الناحية العسكرية، ولكنه سياسيًّا يعتبر انتقالًا إلى مستوى أعلى في قواعد الاشتباك، كما سبقت الإشارة، وبالتالي فإن الانتقال إلى مستوى أعلى آخر يبقى واردًا، على الأقل ضمن أسوأ السيناريوهات.

5) الرد الإيراني المنضبط، عبر تأكيد بعثة إيران في الأمم المتحدة سريعًا انتهاء الهجوم حتى قبل وصول المسيّرات إلى أهدافها، والمحافظة على «قواعد الاشتباك» التي باشرها وكلاء إيران في العراق ولبنان واليمن بعد هجمات 7 أكتوبر، و«التنسيق» غير المباشر مع الولايات المتحدة لتجنُّب الخسائر البشرية بإسرائيل، كل هذا أكد «عقلانية» صانع القرار الإيراني، خصوصًا أن هذه ليست أول مرة، فقد أكد وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف والرئيس روحاني ما قاله الرئيس الأمريكي السابق ترامب بأن المرشد والحرس الثوري أبلغا الأمريكيين عبر رئيس الوزراء العراقي بضرب قواعد أمريكية ردًّا على مقتل سليماني. هذا السلوك يعزز التوجه داخل الإدارة الأمريكية، الذي يدافع عنه اللوبي الإيراني هناك، بأن إيران تتحرك وفق حسابات المصلحة، وأنه يمكن التوصل معها إلى تفاهمات، بناء عليه سيُستبعد خيار «إسقاط النظام الحالي» الذي يدافع عنه بعض المتشددين الجمهوريين.

2. الولايات المتحدة الأمريكية:

تأتي هذه التطورات الشرق أوسطية الخطيرة في سنة الانتخابات الأمريكية، التي تشهد مواجهة قوية جدًّا بين الرئيس الحالي «بايدن» والرئيس السابق «ترامب»، لذلك فإن الحسابات دقيقة جدًّا، إذ يسعى الرئيس بايدن لاحتواء الأوضاع في الشرق الأوسط والحؤول دون تطوُّرها إلى حرب إقليمة تجد الولايات المتحدة نفسها جزءًا منها، نظرًا لانعكاساتها على الداخل الأمريكي بحكم التجارب السابقة في أفغانستان والعراق، فضلًا عن تداعياتها الاقتصادية، إذ يصب الوضع الحالي لصالح غريمه ترامب الجمهوري الذي يسعى لتحقيق مكاسب نتيجة إخفاق نظيره الديمقراطي في إدارة الصراع الجاري. ورغم مخاطر الانزلاق إلى حرب إقليمية فإن الهجوم الإيراني على إسرائيل يخدم الرئيس بايدن من ناحيتين، فمن الناحية الأولى فإنه من خلال مشاركة الولايات المتحدة في التصدي للهجمات وتأكيد الوقوف الدائم إلى جانب إسرائيل يحافظ بايدن على أصوات اليهود ومؤيدي تل أبيب عمومًا، وإن كان المرشح الجمهوري ترامب لم يفوّت فرصة استثمار الحدث بتوجيه انتقادات لبايدن، الذي أظهر -حسب قوله- ضعفًا سمح بحصول الهجوم، وأنه –أي ترامب- لو كان في السُّلطة لما وقع ذلك أساسًا. من ناحية ثانية، فإن بايدن يوظف الهجوم الإيراني لممارسة مزيد من الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والفريق المحيط به، الذي يطالب بتوسيع الحرب عبر الهجوم على رفح، للتوصل إلى صفقة ووقف الحرب، فقد أفادت تقارير إعلامية أن الرئيس الأمريكي أوضح لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي ردًّا على الهجوم الإيراني، وقد سبق أن مارس ضغوطًا شديدة عقب مقتل أفراد يعملون في منظمة «المطبخ المركزي العالمي» على يد الجيش الإسرائيلي، استجابت لها إسرائيل بالسماح بدخول مساعدات لشمال قطاع غزة، وبالتالي سيكون من الصعب على نتنياهو التصعيد أكثر أمام الرفض الأمريكي لتوسيع الحرب.

3. إسرائيل:

تُعدُّ إسرائيل، وتحديدًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أكثر المتضررين من الهجوم الإيراني رغم تصريحاته التي أكد فيها التصدي للهجوم ووعده بالانتصار، لكنه في الواقع يواجه مأزقًا حقيقيًّا، إذ ستتزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه مقابل انعدام أفق تحقيق أي إنجاز عسكري في غزة بمستوى الأهداف التي سطرها عند بداية الحرب على غزة. فداخليًّا سيتزايد حجم عدم الشعور بالأمان في المجتمع الإسرائيلي الذي يُعتبر حسَّاسًا جدًّا تجاه هذه المسألة، خصوصًا أن صفارات الإنذار لم تنحصر في نطاق ضيق ومحدود كما كان يحصل مع هجمات المقاومة الفلسطينية، بل شملت كل البلاد، فضلًا عن تعليق الدراسة وغلق المجال الجوي ليلة الهجوم، وبالتالي سيُضاف ذلك إلى سلسلة الإخفاقات التي مُني بها نتنياهو، كما يعزز الهجوم الإيراني موقف المعارضة الإسرائيلية التي تطالب بوقف حرب غزة، وتتهم نتنياهو بالمغامرة بأمن البلاد لأغراض شخصية، وستجد في الموقف الداخلي، المطالِب بالتوصل إلى صفقة، والموقف الدولي، الرافض لتوسعة الحرب، فرصة كبيرة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي. أمَّا التعاطف الدولي مع تل أبيب من خلال إدانة الهجوم الإيراني عليها، فإنه في الوقت نفسه لا يعني بالضرورة تأييدها للرد على إيران، لأن هذه الدول تخشى الانزلاق نحو حرب إقليمية. وبغضِّ النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه نتنياهو، فإن المؤكد أن أي خطوة ستتسبب في مزيد من الانقسامات والتصدُّعات في إسرائيل، سواء مع المعارضة أو داخل التحالف الحكومي، نظرًا لوجود يمين متطرف يُصر على التصعيد أكثر، وهذا يشير إلى أن نتنياهو سوف يسعى للاستثمار في هذه الهجمات لتعزيز الرغبة الإسرائيلية في الانتقام، للخروج ولو مؤقتًا من الضغوط.. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي عن إقرار خطط دفاعية وهجومية بعد «الانتقام» الإيراني، ووعد بالرد عليه، ربما لإعادة التوازن للداخل الإسرائيلي المضطرب.

ثالثًا: سيناريوهات ما بعد الهجوم الإيراني

لا شك أن الهجوم الإيراني غير المسبوق ضد أهداف داخل إسرائيل وضَع قواعد جديدة للعبة بين الجانبين، فقد يغيّر قواعد الاشتباك في المستقبل، وقد تقود تداعياته إلى سيناريوهات متعددة على صعيد المواجهة بين إيران وإسرائيل، وذلك تأثرًا بجملة عوامل ثانوية، من أبرزها:

أولًا، تهديدات إسرائيل بالرد على هذا الهجوم الإيراني، ونطاق هذا الرد وحدوده، وثانيًا، استعداد إيران لتكرار هذا الهجوم أو توسيعه في حالة تعرضها لضربة انتقامية من إسرائيل، ثالثًا، الموقف الأمريكي من التصعيد والضغوط المحتملة لاحتواء المواجهة، رابعًا، تقييم الأطراف هذا الهجوم وحسابات المكسب والخسارة.

وفي هذا السياق يمكن التركيز على ثلاثة سيناريوهات أكثر أهمية على النحو الآتي:

1. التهدئة وخفض التصعيد:

ويُقصد به أن إيران وإسرائيل ستتراجعان عن التصعيد وستحدان من هجماتهما المتبادلة، فمن جانبها ستحد إسرائيل من أي هجمات تستهدف إيران بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، كما أن إيران ستقلل هجماتها ضد إسرائيل، أو مصالحها.

قد يعزز هذا السيناريو المعادلة الجديدة التي فرضها الهجوم الإيراني على إسرائيل، وتحقيق هذه الضربة لردع متبادل، الأمر الذي قد يفرض على إسرائيل مراجعة سياساتها، بما في ذلك حرب الظل القديمة، هذا فضلًا عن أن إسرائيل باتت تدرك أن الولايات المتحدة مستعدة لحماية أمنها، لكنها غير مستعدة لتُشاركها الهجوم على إيران، أو تغيير قواعد الاشتباك الإقليمي.

وإيران، من جانبها، لديها رغبة في تخفيض التصعيد مع إسرائيل، نظرًا لأنه يؤثر في شرعية النظام بالداخل، ويعزز فقدان الثقة بما يرفعه من شعارات تخص إسرائيل، وبعدما حققت الضربة هدفها الرئيسي في حفظ ماء وجه النظام، فلا رغبة في مزيد من التصعيد، وهذا ما اتضح من تصريحات المسؤولين الإيرانيين، كما قد تعزز هذا السيناريو رغبة إسرائيل في التركيز على حربها على قطاع غزة، ورغبة نتنياهو في الاستفادة من عودة الدعم الأمريكي في تعزيز موقفه الداخلي، فضلًا عن أن الظروف الإقليمية والدولية غير مواتية لأي توتر قد تتسبب فيه إسرائيل، بالإضافة إلى ما قد تقوده المواجهة من توسع جبهات الصراع تجاه إسرائيل، وأضرارها في ما يتعلّق بالتعامل مع حرب على أكثر من جبهة، وهو ما قد تعجز عن مواجهته عبر منظوماتها الدفاعية.

2. تغيير قواعد الاشتباك وصولًا إلى مواجهة أوسع نطاقًا:

ويُقصد به تغيير قواعد اللعبة بين الجانبين، وانتهاء حرب الظل والمواجهة غير المباشرة، والوصول إلى مرحلة متقدمة من التصعيد والمواجهة التي قد تنتهي إلى الحرب، ولهذا السيناريو احتمالان:

الأول موجهات مباشرة متقطعة تمس الأمن القومي والسيادة ومصالح البلدين بصورة مباشرة من الجانبين.

والثاني هو تطور التصعيد والمواجهات وصولًا إلى حرب واسعة النطاق، لا تقتصر على ساحات جانبية.

ووفقًا لهذا السيناريو الأخير واحتمالاته، فقد تلجأ إسرائيل إلى الرد على إيران، وقد تُضطر إيران إلى الرد أيضًا، وهو ما قد يؤدى إلى مواجهة مباشرة محدودة أو واسعة.

يعزز هذا التصعيد أن هذه الجولة من الصراع تجاوزت عتبة حرب الظل السابقة، وأن إيران لأول مرة أبدت استعدادها للرد داخل إسرائيل، وقد يتطور هذا الوضع، حيث لا ضمانات في ظل الوضع الراهن لعدم التصعيد، لا سيما وسط تعالي الأصوات المتشددة داخل إسرائيل بالرد على إيران واستعادة قوة الردع، فضلًا عن تآكل الثقة بالجيش الإسرائيلي والقيادات الإسرائيلية مع جرأة إيران على الهجوم لأول مرة وبصورة مباشرة على الأراضي الإسرائيلية، إضافة إلى رغبة نتنياهو في الهروب إلى الأمام وتجاوز أزمته الداخلية، ومأزقه الراهن في غزة، إلى جانب استعداد إيران للرد على أي هجوم إسرائيلي وتهديدها باستهداف القواعد الأمريكية في حالة أي هجوم من تل أبيب، وهو ما قد يوسّع نطاق المواجهة الإقليمية، كما أن الولايات المتحدة قد ترى أن إيران تعزز نفوذها من خلال هذا الهجوم، وأن سمعة واشنطن تضررت أكثر فأكثر بعد هذه الهجمات، خصوصًا في ظل كثافة الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة، وهو ما قد يغيّر الموقف الأمريكي.

3. العودة إلى حرب الظل:

يُقصد بها أن الجانبين سيستوعبان خطورة التصعيد وتخطي الخطوط الحمراء، ومن ثم سيتجنَّبان في المستقبل الاستهدافات المباشرة، والتعدي على السيادة الإقليمية، لكنهما سيُبقيان على حرب الظل والمواجهة غير المباشرة، بحيث لا يتحمَّل الطرفان مسؤولية عن إلحاق الضرر بمصالح الآخر، ومن ثم ستعود إسرائيل إلى استهداف القادة والمليشيات الإيرانية في دول المنطقة، فضلًا عن استهداف المليشيات والجماعات التابعة لإيران، مع هجمات داخل إيران ضد المنشآت والأهداف الحسَّاسة، لكن دون تحمُّل مسؤولية أو إعلان عن ذلك، وبالمقابل سترد إيران على ذلك من خلال هجمات عن طريق وكلائها، كـ«حزب الله» في لبنان، أو الحوثيين في اليمن، أو من خلال هجمات سيبرانية ضد أهداف داخل إسرائيل، أو هجمات ضد مصالحها وبعض عناصرها في دول أخرى، فضلًا عن احتجاز السفن الإسرائيلية أو توجيه ضربات لها، في ما يُعرف بحرب الظل وإنكار المسؤولية.

ويعزز هذا السيناريو عدم رغبة إسرائيل في الرد على الهجوم الأخير بضربة ضد أهداف داخل إيران، بعدما تمكَّنت، بالتعاون مع حلفائها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، من التصدي للهجوم الإيراني، وهو ما اعتبرته إسرائيل من جهة نجاحًا مُهمًّا، فضلًا عن التهديد الإيراني بالرد على أي تصعيد إسرائيلي، إضافة إلى عدم الرغبة الأمريكية في اتساع نطاق الحرب الإقليمية مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وبالتالي ضغوط واشنطن على إسرائيل من أجل عدم التصعيد، والتركيز الأمريكي على الرد السياسي والدبلوماسي، وفي الوقت نفسه رغبة إسرائيل في عدم تجاوز الرغبة الأمريكية، وبالتالي خسارة دعمها في المواجهات الراهنة التي تخوضها إسرائيل على أكثر من جبهة. وقد يُعد سيناريو العودة إلى حرب الظل والمواجهة غير المباشرة هو السيناريو الأرجح، نظرًا لأنه أكثر واقعية، كما أنه يناسب تطلُّعات الجانبين وإمكانياتهما خلال هذه المرحلة، مع استبعاد سيناريو التهدئة، لأنه غير واقعي، بالنظر إلى الخلافات والعداء الراسخ بين الجانبين، وقد نتوقع أن يميل الرد الإسرائيلي لاحقًا إلى انتخاب رد نوعي يرفع شعبية نتنياهو المتراجعة، مع استبعاد الدخول في مواجهة قد تصل إلى حرب شاملة، وذلك لأن البلدين لا يمكنهما تحمُّل تكلفة هذا السيناريو، كما أن المحيطَين الإقليمي والدولي لا يرغبان في أن تدخل المنطقة إلى هذا المرحلة من عدم الاستقرار.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير