المقدمة
أُجريَت الانتخابات البرلمانية في لبنان يومَ الأحد 15 مايو 2022م، بعدما سبقتها مرحلة انتخاب اللبنانيين المغتربين يومي 6 و8 مايو 2022م، متخطيةً بذلك المخاوف من تأجيلها أو إلغائها. وكانت السِّمة الأساسية في هذه الانتخابات هي ضعف الإقبال على التصويت، سواءً داخل لبنان أو خارجه، بالإضافة إلى ما أفرزته هذه العملية من تراجُع واضح لبعض القوى، مقابلَ صعودٍ لقوىً مناوئة أخرى؛ لذا وجب هنا ليس معاينتها فقط من زاوية تقنية تتعلَّق بأرقامٍ نالها هذا المرشح، أو أصواتٍ خسرَها آخر، بل قراءتها أيضًا من معايير سياسية محضة، تكشف لنا عن السياقات التي جرت في إطارها عملية الانتخابات، ودلالات نتائج هذا الاستحقاق الانتخابي، وتداعياته لجهة التأثير العميق الذي أحدثتهُ في بُنية البرلمان، والضربات المتلاحقة التي سدَّدتها النتائج إلى قوى «حزب الله» المدعوم من إيران، وقراءة لمستقبل المشهد السياسي في لبنان، في ظل هذه المتغيرات والتبدلات في موازين القوى في البرلمان المنتخب حديثًا.
أولًا: بيئة الانتخابات البرلمانية وسياقاتها الحاكمة
اكتسبت انتخابات البرلمان اللبناني، التي أُجريت بعد أربع سنوات من الفراغ الحكومي، أهميةً متزايدة؛ وذلك في ضوء بعض الاعتبارات، من أهمّها:
- تراجُعٌ اقتصادي وسخطٌ شعبي
جرت الانتخابات الأخيرة وسط انهيار اقتصادي صنَّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، منذ عام 1950م،حيث أصبح أكثر من 80% من سكان البلاد تحت خطر الفقر. وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، وزادت معدلات البطالة لتتجاوز نسبة 30%، فضلًا عن معاناة البلاد من شحٍّ في السيولة المالية، وقيودٍ شديدة مفروضة على عمليات السحب من المصارف، بالإضافة لأزمة الكهرباء، وهي ظروفٌ جعلت المجتمعَ اللبناني يعاني من حالة إحباط وسخط كبيرين؛ ما دفعه إلى النظر إلى أولى انتخاباته منذ انتفاضة 2019م، على أنها فرصةٌ أخيرة لإحداث تغيير في القوى السياسية المنوط بها تغيير الوضع القائم، للانتقال من مرحلة الانهيار إلى مرحلة البناء.
- شكوكٌ داخلية وتراجُعٌ في الثقة بالنُّخب السياسية
ثارت الكثير من الشكوك حول إمكانية إجراء انتخابات البرلمان اللبناني في وقتها، حيث كان البعض يحذِّر من رغبة النُّخبة الحاكمة في الاستمرار في الحكم، واللجوء إلى عدد من المعوقات من أجل تأجيلها، أو حتى تمديد شرعية مجلس النواب لعدَّة سنوات بشكل مؤقت. لهذه الشكوك سوابق واعتبارات تاريخية عزَّزت من ذلك، فسبق وأن مدَّد مجلس النواب لولايته مرتين في العام 2009م والعام 2018م. من جهة ثانية، يُعوَّل على الانتخابات البرلمانية الكثير بالنسبة لتقرير مستقبل الدولة اللبنانية على أكثر من مستوى. فمن المعروف أن مجلس النواب ينتخب الرئيس، وتوضِّح لنا السوابق التاريخية كذلك أن انتخاب الرئيس اللبناني يعتبر من أهم محطات الأزمات بتاريخ لبنان السياسي، فعند كل استحقاق رئاسي تشتعل لبنان بأزمة سياسية، أو تنجرُّ إلى سلسلة من الأحداث الأمنية المتلاحقة التي تهدد استقرار مؤسسات الدولة والسِّلم الأهلي في المجتمع.
- ترقُّبٌ إقليمي ودولي
حظيت الانتخابات اللبنانية باهتمام إقليمي ودولي كبير؛ لكون نتائجها ستؤثر بشكل أو بآخر في مسارات عددٍ من الملفات الإقليمية، لا سيّما تلك التي تتعلق بالنفوذ الإيراني في الإقليم، وما يمكن أن تسهم فيه هذه النتائج من تغيير يُفضي إلى تحييد لبنان عن معادلة النفوذ الإيراني وتقليل التهديد الإيراني للمصالح العربية، تطبيقًا لما نصَّ عليه إعلان جدة (ديسمبر 2021م) بشأن إنقاذ لبنان، وكذلك المبادرة الكويتية لإصلاح العلاقات اللبنانية-الخليجية (يناير 2022م). هذا الترقُّب كشفهُ التطور الإيجابي اللافت بعودة الاهتمام الخليجي بالملف اللبناني، عبر عودة عددٍ من سفرائه إلى لبنان، فضلًا عن التطلع الغربي لهذه الانتخابات بوصفها الأملَ الأخير في التغيير وإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية؛ لانتشال لبنان من أزمته. وهو التطلُّع الذي دفع القادة الغربيين إلى التلويح بعصى العقوبات للأطراف، التي كانت تفضِّل تأجيلَ الانتخابات، وهي كثيرة، على رأسها «التيار الوطني».
- حالة قلقٍ إيراني
مخاوف «حزب الله» من تكرار الخسارة الدراماتيكية على غرار ما حدث بالعراق، ظهرت جليةً في خطابات زعيمها، وفي خطابات بعض القوى المتحالفة معه قَبل انعقاد هذه الانتخابات، التي صاحبها قدرٌ كبير من التشنج السياسي والطائفي، انعكس على ترهيب الناس من خلال وسائل الإعلام، التي تعاملت بأسلوب الضغط والتخويف لكافة خصوم الحزب الموالي لإيران. ومسوقات هذا القلق، أنه يأتي في ظل تصاعُد خطابات مقاومة «الاحتلال الإيراني»، سواءً من قِبَل القوات اللبنانية، أو من قِبَل مرشحين مستقلين، وما يمكنُه أن ينعكسَ على النفوذ الإيراني ومفاتيح سيطرته على المشهد البرلماني والسياسي في لبنان.
القلق الآخر للحزب من الأصوات الاعتراضية في بيئته ضدَّ نهجه وسياساته داخل الدولة، هذا في البيت الداخلي، أما خارجه، فوضعُ حلفاء الحزب يمثِّل مصدرَ قلقٍ متنامٍ، في ظل شكوكٍ حول عدم قدرة «التيار الوطني» على تحقيق غالبية في الشارع المسيحي مجددًا في الانتخابات البرلمانية، خاصةً بعد الغضب الشعبي على رئيس التيار، الذي انفجر إبان تلك الاحتجاجات، الأمر الذي سيُعرِّي الحزب مسيحيًا؛ وبالتالي فقدان الحزب للغطاء الذي كان يوفِّره «التيار الوطني» خلال السنوات الماضية.
وفي سبيل التحشيد واستباق هذا التراجع، لجأت قيادة الحزب إلى كل وسائل الإثارة؛ فاستعملت تارةً التخويفَ الطائفي لضمان ولاء جمهور الطائفة الشيعية، وتارةً عبر اتهام أيادٍ خارجية بتحريك ثورة 19 أكتوبر، ولم يغِب التحشيدُ الطائفي أيضًا عن خطابات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي وصفَ انتخابات لبنان بمثابة «استفتاء على جبهة المقاومة»، وقيل إنه تبرَّع من جيبه الخاص بـ 25 مليون دولار لدعم هذا الاستفتاء.
ثانيًا: توزيع الدوائر وأهم القوى المتنافسة
جرت الانتخابات في 15 دائرةً انتخابية، تنوَّعت بين ثلاث دوائر في الجنوب اللبناني بواقع 23 مقعدًا، ثلاث دوائر في المحافظات الشمالية بواقع 28 مقعدًا، وثلاث دوائر بمحافظات البقاع بواقع 23 مقعدًا، وأربعة دوائر في جبل لبنان بواقع 35 مقعدًا، ودائرتين فقط في بيروت بواقع 19 مقعدًا. وتتوزَّع الـ 128 مقعدًا في مجلس النواب، وفق الآتي: 27 للشيعة و27 للسُنَّة و8 مقاعد للدروز ومقعدان للعلوين، بينما تتوزَّع المقاعد المسيحية إلى 34 للموارنة و14 للروم الأرثوذوكس و8 للروم الكاثوليك و5 للأرمن الأرثوذوكس ومقعدٌ واحدٌ فقط لكلٍ من الأرمن الكاثوليك والإنجيليين والأقليات المسيحية الأخرى. وأُغلِق باب الترشيح على 1043 مرشحًا، بينهم نساءٌ بنسبة تقترب من 15%، وقد انتظموا في 103 لوائح بكافة الدوائر الانتخابية.
واحتدمت المنافسة على المقاعد الانتخابية بين عدَّة جبهات، فمن جهة الأحزاب التقليدية، هناك جبهة «حزب الله» وحلفائه، وجبهة من يعارضون سلاح حزب الله، وهم غير موحَّدين بل يتنافسون فيما بينهم وأبرزهم «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» وقوائم يدعمها فؤاد السنيورة، وذلك بعد انسحاب سعد الحريري ودعوته للمقاطعة. أما من جهة «قوى التغيير»، فهي غير موحدة أيضًا بل وتتنافس فيما بينها في أكثر من دائرة وتتسم بالتشرذم وعدم الانتظام في قوائم موحدة بمختلف الدوائر على امتداد الرقعة اللبنانية، على عكس ما كان متوقعًا منها.
- «حزب الله» وتحالفاته
تحت شعار «باقون نحمي ونبني»، أعلن «حزب الله» عن قوائمه التي زاوجَ فيها بين الوجوه التقليدية التي كانت تمثله وبين الوجوه الجديدة التي تتميز بخبرة مالية أو مصرفية، في إشارة من الحزب إلى اهتمامه بالجانب المالي والاقتصادي من الأزمة اللبنانية الراهنة. واستباقًا لفتح صناديق الاقتراع، نجحَ الحزب في إعادة توفيق التحالف بين «حركة أمل» من جهة وبين «التيار الوطني»، بعد سلسلة من التوترات وتباعد للصفوف بين رموز الحركتين في مطلع العام الجاري، ليُعيد بذلك الهدوء في علاقة الأطراف الثلاثة، ويوحِّد الصفوفَ تجنُّبًا لاحتمالية فقدان المقاعد النيابية على خلفية هذه الخصومة، وقطع الطريق على أيّ خرقٍ لقوى المعارضة في بيئتهم.
- القوى المسيحية التقليدية
تصدَّر مشهد الساحة المسيحية ما قبل إعلان نتائج الانتخابات صراعٌ بين مرشحي القوى التقليدية، كـ «التيار الوطني» وحزب «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«تيار المردة»، وعددٍ من الشخصيات والقوى المعارضة. أما «القوات اللبنانية» فقد طرح مرشحين من نوابه الحاليين، بالإضافة إلى مرشحين جدد من صفوفها ومن المتحالفين المحليين معها في عدة دوائر، والحزب بذلك يحاول جني ثمار الغضب الشعبي تجاه فشل «التيار الوطني» وتحالفه مع «حزب الله» وما اقترفه الاثنان من أخطاء سياسية واقتصادية أفضت إلى التدهور الراهن. أما حزب «الكتائب اللبنانية» فدمج هو الآخر بين قوائم تحوي رموزًا تقليدية بالإضافة إلى مجموعة من الوجوه الشابة، بينما انشقَّت مجموعة من الكتائبيين القدامى وكوَّنوا قوائم أخرى منافسة، تحت عنوان التغيير وتحدي الطبقة السياسية التقليدية.
- قيادات القوى السُّنية
جرت الانتخابات بغياب قيادات الصف الأول من المكوِّن السُنِّي في لبنان، بإعلان رئيس «تيار المستقبل» عن عدم المشاركة بالانتخابات، ترشُّحًا واقتراعًا، بجانب إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة عن الترشح لهذه الانتخابات، رغم دعم الأخير لتشكيل لوائح في بيروت والمناطق ذات الغالبية السنية، ومنها قائمة «بيروت تواجه». ورغم غياب هذه الأسماء والمؤثرة في المشهد السني في لبنان، إلا أن قيادات الصف الثاني حضرت أيضًا في ترشيحات ما قبل إعلان نتائج الانتخابات، وتصدَّرت المشهد قائمة «الإرادة الشعبية» برعاية فيصل كرامي وجهاد الصمد، بالإضافة إلى قائمة «لبنان لنا»، التي كوَّنها نواب المستقبل السابقون مثل مصطفى علوش وسامي فتفت، بينما يحاول أشرف ريفي العودة إلى المشهد مرةً أخرى، من خلال قائمة «إنقاذ وطن» عبر تعاونه الوثيق مع «القوات اللبنانية».
- قوى التغيير والمستقلين
نافست قوى التغيير، التي انبثقت عن ثورة 17 من أكتوبر، في جميع الدوائر، سواءً بالتنافس مع النخبة السياسية التقليدية بلا استثناء، كما دخلت أيضًا في تنافس فيما بينها ضمن قوائم متضادة في عدة دوائر ولم تتوحد. ومن أبرز القوائم التي تُعبِّر عن قوى التغيير وتتنافس فيما بينها، هي قوائم «بيروت مدينتي» و«قادرين» في بيروت والمحافظات الشمالية والبقاع، وامتدت هذه القائمة لتتنافس أيضًا في دوائر الجنوب على مقاعد ربما يتوقع البعض أن تكون محسومةً لصالح الثنائي الشيعي.
ثالثًا: مؤشرات نتائج الانتخابات ودلالاتها
تكشف نتائج الانتخابات وتوزيع المقاعد عن الاستنتاجات التالية:
- تبدُّلٌ لموازين القوى وغيابٌ للأغلبية أو الأقلية في البرلمان اللبناني الجديد
أفرزت عملية الاقتراع عن حصول «حزب الله» وحلفائه على61 مقعدًا في انتخابات 2022م، بتراجُع عشرة مقاعد عن حصيلته في انتخابات 2018م، التي حصدَ فيها الحزب 71 مقعدًا. فيما تمكَّنت القوى السيادية؛ أي حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» من الحصول على ما مجموعه 51 مقعدًا، فيما تمكَّنت قوى التغيير من اكتساب 15 مقعدًا موزَّعة على مختلف الدوائر. وتشير قراءة توزيع القوى داخل مجلس النواب الجديد إلى خسارة «حزب الله» للأغلبية البرلمانية، التي حظي بها خلال الدورات السابقة، غير أن ذلك لا يعني أن الطرف الآخر هو الذي حصلَ على الأغلبية، ففي المحصلة، لم ينجح أي فريق في الحصول على أغلبية برلمانية تؤهلُه لأن تكون له، أو لفريقه، كلمةُ الفصل في القرارات، وبات البرلمان اللبناني مكوَّنًا من فريقين أساسيين، كلٌّ منهما مؤلفٌ من مجموعات سياسية متمايزة رغم تحالفها، بالإضافة إلى فريقٍ ثالث هو فريقٌ من خارج الاصطفافات الحزبية، يشكِّل نحو عشرة في المئة من نسبة النواب، ويضم شخصيات غير منضوية في فريق سياسي واحد، وإن كان يجمعها خوض الانتخابات تحت شعار التغيير ومقاومة السلاح والسلطة الفاسدة.
- تغيرٌ في بيئة «حزب الله» وامتداداته التحالفية
- استمرار هيمنة «حزب الله» على بيئته
رغم ماأظهرته نتائج الانتخابات من تراجع في نسبة مشاركة الشيعة في الانتخابات الأخيرة، بتراجُع بلغت نسبة 10% عن انتخابات 2018م، إلا أن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) استطاعا الحفاظ على وزنهما الانتخابي، حيث حصل الثنائي الشيعي على 28 مقعدًا، وهو ما يقارب عدد المقاعد التي حصلا عليها في انتخابات عام 2018م؛ ليواصلا بذلك هيمنتهما على الطائفة الشيعية في لبنان.
- خسارةٌ موجعة لحلفاء «حزب الله»: كشفت النتائج النهائية عن تعرُّض حلفاء الحزب وإيران لانتكاسة انتخابية واضحة، إذ خسر «التيار الوطني» وزنه باعتباره الكتلة المسيحية الأكبر داخل مجلس النواب بحصوله على نحو 18 مقعدًا فقط، بعدما حصل على 20 مقعدًا في الانتخابات السابقة، في حين أن خصمه حزبُ «القوات اللبنانية» حصل على 20 مقعدًا. كما فشل الحزب في إيصال حلفائه من السُنّة والدروز كذلك إلى البرلمان. ومن أبرز الخاسرين من حلفاء «حزب الله»، نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكذلك مرشحون دروز وسنة مقربون منه ومن دمشق، مثل السياسي الدرزي طلال أرسلان، الذي حافظَ على عضويته في مجلس النواب على مدى 30 عامًا؛ أي منذ عام 1992م. وقد ترتَّبت على ذلك الأمر خسارة «حزب الله» وحلفائه الأغلبية التي كانوا يتمتعون بها في البرلمان اللبناني.
- ارتفاع تمثيل القوى المناوئة لـ «حزب الله»
جاءت نتائج الانتخابات اللبنانية مفاجئةً إلى حدٍ كبير، خصوصًا أن ما يمكن تسميتهم بالقوى المعارضة لـ «حزب الله»، استطاعت تأمين اختراقٍ قوي داخل مجلس النواب، فقد حصلت القوى المناوئة للحزب على ما مجموعهُ 67 مقعدًا، وهو ما أعلن فعليًا وجودَ رغبةٍ لدى شريحةٍ واسعة من اللبنانيين بقلب الطاولة على المنظومة السياسية والحزبية الحاكمة في البلاد، وأن التوجهات الانتخابية باتت تحكمها رؤى جديدة لم تكن ظاهرةً في أيٍّ من الانتخابات الماضية، خصوصًا مع اللعب على الأوتار المذهبية، التي كانت دائمًا تُؤتي أُكُلها في توجيه الأصوات داخل صناديق الاقتراع؛ الأمر الذي لم ينجح إلى حدٍ كبير بهذه الانتخابات.
- تراجُع معدلات المشاركة السياسية
بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية 41%، بتراجُع بنحو 8 نقاط عن النسبة المُسجَّلة في انتخابات عام 2018م، التي بلغت حوالي 49.7%. وتُعَدّ هذه النسبة هي الأدنى في تاريخ الانتخابات اللبنانية منذ عام 1992م، التي بلغت نسبة التصويت فيها نحو 29.6% فقط، ما يشير إلى التراجع العام في معدلات المشاركة السياسية، وهو مؤشرٌ يمكن تفسيره بعدم ثقة الشعب اللبناني في النُّخب المتصدرة للمشهد، سواءً النُّخب التقليدية أو قوى التغيير، وفشل القوى السياسية في إقناع الشارع اللبناني بالتصويت.
- ضغوط متزايدة على المشروع الإيراني في الإقليم
تفرض النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية اللبنانية مزيدًا من الضغوط الإقليمية، التي تتعرَّض لها إيران في الوقت الراهن. وربما يمكن القول إن ما يُضفي تأثيرًا مضاعفًا لهذه الضغوط، هو تماهيها في التوقيت مع تطورات مهمة تشهدها الساحتان الإقليمية والداخلية في إيران في الآونة الأخيرة، منها:
- تصاعُد الاتجاه المناوئ للمشروع الإيراني إقليميًا
توجِّه هذه النتائج الرسالةَ نفسها، التي سبق أن وجَّهتها نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية إلى إيران، وهي أن هناك اتجاهًا داخليًا في كلٍ من لبنان والعراق بدأ يتبنَّى نهجًا مناوئً للحضور الإيراني، الذي كان له دور في تأجيج الأزمات الداخلية بهذه الدول، وازدياد الرفض الشعبي لمشروعها، وتراجُع قدرتها على رسم المسار السياسي في كلا الدولتين.
- التماهي مع مقاربة الاحتجاجات الداخلية في إيران
تزامنت مخرجات الانتخابات اللبنانية مع حالة من الغليان الداخلي في شوارع طهران، واتساع نطاق الاحتجاجات في الفترة الحالية ضد سياسات الدولة والقرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة إبراهيم رئيسي. وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات، على غرار سابقاتها، بدأت مقصورةً في الجوانب الاقتصادية للحكومة الإيرانية وما تحمله من تأثيرٍ متنامٍ على الأوضاع المعيشية، فإنها، بمرور الوقت، اكتسبت طابعًا سياسيًا بامتياز، خاصةً في ضوء تجدُّد المقاربة التي تبنَّتها الاحتجاجات السابقة، والقائمة على اتهام طهران بالاستمرار في استنزاف الموارد الإيرانية على مساعي التمدد، ودعم الميليشيات الموالية لها في كلٍ من العراق ولبنان واليمن وسوريا بالمال والأسلحة والعتاد على حساب موائد الطبقات المسحوقة داخل إيران. وهنا تجدر الملاحظة بأن التحركات الاحتجاجية على الوضع المعيشي في إيران غالبًا ما تترافق مع الضربات التي تتلقاها إيران بإحدى هذه الدول غالبًا من خلال الاستحقاقات الدستورية كما حدث خلال الاستحقاقات البرلمانية الأخيرة في العراق ولبنان، أو بسبب الأزمات المعيشية، كتلك التي حدثت عام 2019م في طهران والعراق ولبنان. وكأن الشعب الإيراني يرتجي أملًا ما من هذه الاحتجاجات، عبر الاعتراض على سياسة إفقارهم ومصادرة خيرات بلادهم؛ لتمويل أذرع إيران في المنطقة وتحويلهم إلى ضحايا لمشروع الولي الفقيه.
- تزايُد التحذيرات من تداعيات الحضور الإيراني في سوريا
فتحت الحرب الروسية-الأوكرانية شهيةَ إيران في إعادة حضورها بالمنطقة، وملء الفراغ الناجم انشغال روسيا بالحرب، وإثبات قدرتها في أن تكون قوّةً إقليميةً مهيمنة في المنطقة، وأنها تمتلك القدرات على تكريس ذلك. ظهر هذا التخوف في تصريحاتٍ عدَّة، كان آخرها التصريح الصادر عن الملك الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي أكَّد فيه أن الوجود الروسي في الجنوب السوري كان يشكِّل مصدرًا للتهدئة في سوريا، ومجدِّدًا لتحذيراته من التداعيات التي يمكن أن تفرضها الحرب الروسية-الأوكرانية على سوريا، لا سيّما فيما يتعلق باتجاه إيران إلى ملء الفراغ الناتج عن الانشغال الروسي بإدارة الحرب، ومحذِّرًا من تصعيدٍ محتمل للمشكلات على الحدود الأردنية. توازت هذه التصريحات مع تزايُد الدعوات داخل الولايات المتحدة الأمريكية لعدم شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وهو أحد المطالب التي تبنَّتها إيران للموافقة على إبرام صفقةٍ جديدة خلال المفاوضات التي توقَّفت في فيينا منذ مارس 2022م. ومن دون شك، فإن هذه التطورات تلقي مزيدًا من الضغوط على الحكومة الإيرانية وأذرعها في المنطقة.
رابعًا: المشهد السياسي اللبناني وتحديات استحقاقات ما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية
قد تفرضُ نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية العديدَ من التحديات على المشهد اللبناني من جوانب عديدة، منها الآتي:
- تعقُّد الاستحقاقات التالية
يُقبلُ لبنان بعد ظهور نتائج الانتخابات على عددٍ من الاستحقاقات الدستورية المهمة، وهي انتخاب رئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة، وكذلك رئيسٍ جديد للجمهورية خلفًا للرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته الدستورية بنهاية أكتوبر 2022م.
- إشكالية انتخاب رئيس لمجلس النواب اللبناني
وتتلخَّص إشكالية انتخاب رئيس جديد له، في أنه حتى لو استطاع الثنائي الشيعي إيصالَ نبيه بري لولاية جديدة لهذا المجلس، فإن الكُتل والقوى المنتخبة الأخرى، سواءً كانت «القوات اللبنانية» أو «التيار الوطني» أو حتى «حزب الكتائب»، ليسوا في وارد التصويت له؛ نظرًا للخلافات السياسية العميقة، لذا ليس أمامها سوى النواب المنضوين إمّا في «حركة أمل» أو في «حزب الله» لاختيار رئيس للبرلمان، على اعتبار أن المنصب عُرفًا من المكوِّن الشيعي؛ وبالتالي، قطعَ حصولُ «الثنائي الشيعي» على كل المقاعد الشيعية في البرلمان، الطريقَ على وصول أي شخص من خارج المنظومة إلى رئاسة البرلمان؛ وبالتالي باتت الخيارات محدودةً ومحصورةً في إعادة انتخاب بري، وهو ما يضعُ القوى التغييرية والقوى السياسية الأخرى التي تختلف مع «الثنائي الشيعي» في مأزق حيال ذلك سيضطرها، في سبيل إنجاز هذا الاستحقاق، إلى الدخول في مشاورات ومفاوضات صعبة للوصول إلى التوافقين، السياسي والنيابي.
- معضلة تشكيل حكومة جديدة
ويبرز هنا كذلك تعقيدٌ دستوريٌ محتمل يتعلق باحتمالات تعقُّد تشكيل الحكومة الجديدة إلى ما بعد نهاية أكتوبر المقبل، في ظل الانقسام الواسع بالبرلمان اللبناني، والاختلاف بين القوى الفائزة في تسمية رئيس البرلمان الجديد؛ لذا من المتوقع أن يستمر رئيس الحكومة الحالي في تصريف الأعمال. كما ستكون هناك صعوبةٌ أخرى تتعلَّق باختيار برنامج الحكومة، وتوزيع حصص الوزارات على الكُتل البرلمانية الجديدة، وقد تتمسَّك بعض القوى ببعض الوزارات؛ ما قد يعرقل سرعةَ تكوين الحكومة، وهنا لابد من التذكير بأن تشكيل آخر حكومة قد استغرق 13 شهرًا تعاقبت خلالها ثلاثة أسماء لرئاسة الحكومة، وما يرافق ذلك من تعميقٍ للأزمة الاقتصادية والمالية، إضافةً إلى تعطيل الإصلاحات السياسية والإدارية.
- تعقيد انتخاب رئيس الجمهورية القادم
أما استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية، الذي من المفترض أن يتم انتخابه من قِبَل مجلس النواب اللبناني الجديد، فلن يقِلَّ تعقيدًا عن تشكيل الرئاستين السابقتين، خصوصًا مع خسارة «التيار الوطني» صفةَ الكتلة المسيحية الأكبر لصالح «حزب القوات اللبنانية». ولذلك، فإن إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها المقرر في أكتوبر 2022م بشكل طبيعي، يحظى باحتمالية ضئيلة، خاصةً في ظل تجارب سابقة سعى فيها «حزب الله» إلى تعطيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية حينما كان لا يمتلك الأغلبية، وذلك بعدم حضور الجلسات، واستفادته من امتلاك الثُلث المُعطِّل لنصاب انعقادها، وهذا يُرجِّح أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيكون مسألةً في غاية التعقيد، وربما يشهد لبنان فراغًا رئاسيًا جديدًا، خاصةً أن موازين القوى الرئاسية حاليًا تميل لمصلحة القوى المناوئة لـ «حزب الله».
- تمسُّك حزب الله بلغة التهديد
كانت مسألة سلاح «حزب الله» من العناوين الأساسية للحملات الانتخابية الخاصة بالقوى المعارضة، ولذلك من المحتمل أن يُعاد طرح هذه المسألة بقوة خلال الفترة المقبلة، غير أنه من غير المحتمل حدوث اختراق كبير في هذا الملف، بالنظر إلى توظيف الحزب لهذه الورقة من أجل التأثير لصالح موقفه وقراراته داخل لبنان وتهديد خصومه في حالة وصول الموقف بينهما إلى نقطة اللا تلاقي تمامًا، وهو ما ألمحَ إليه رئيس كتلة «حزب الله» البرلمانية محمد رعد، للمعارضة قائلاً: «إذا رفضتم حكومة وطنية، فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية»، في إشارة إلى استعداد الحزب لتوظيف ميليشياته المسلحة ضد خصومه السياسيين، إذا لم يكن طرفًا مؤثرًا في الحكومة الجديدة.
- تأثيرات سياسية محدودة
على الرغم من صحة الاستنتاج القائل إنَّ نتائجَ الانتخابات لم تمنح «حزب الله» وحلفاءه الأغلبية المريحة، لكنها في المقابل أفرزت كتلًا متعددة غير منسجمة وهجينة، تجمع بين أحزاب تقليدية ومجموعات سياسية متمايزة من خارج الاصطفاف الحزبي التقليدي مشتتة الأجندات، ولن يكون لفعل هذه القوى الجديدة، التغييرية أو المستقلة، أيُّ وزن سياسي حقيقي إنْ هي رفضت التعاون مع باقي الأحزاب الساعية إلى فصل مسألة السلاح عن السلطة. لكن أيضًا لن يكون بمقدورها اتخاذ القرار المفصلي لوحدها؛ نظرًا لطبيعة التحالفات التقليدية المتغيرة داخل البرلمان، بحسب الملفات وتداخلها بالمصالح. وأمام هذا الاعتبارات، بات من المستبعد قدرةُ هذا البرلمان في التأثير على إعادة هيكلة المشهد السياسي في لبنان.
خامسًا: موقع إيران و«حزب الله» في مستقبل المشهد السياسي بلبنان
على الرغم من أنَّ قادةَ «حزب الله» بمن فيهم أمينُه العام وأمينُه المساعد، أكدوا غير مرة على أهمية هذه الانتخابات، وعلى وجوب الإقرار بالنتائج التي ستتمخَّض عنها، وتأكيدات الحزب وطهران لاحقًا على تقبُّل النتائج التي أفرزتها عملية التصويت، إلا أن هذا الانكسار للمشروع الإيراني لا يعني زوالَ الخطر، بقدر ما يعني أن الخطر يكبُر الآن؛ فالحزب لن يمتثِل لما يقرره البرلمان الجديد ولما يصدر عنه، نظرًا لطبيعته الدافعة إلى الشك العميق برضوخه لـ «إرادة الشعب»، كما عبَّرت عنها الانتخابات النيابية. ونظرًا لامتلاكه لورقتين مهمتين في الداخل اللبناني، وهما اللجوء إلى السلاح بعد أن فشل في صناديق الاقتراع والتي لا يؤمن بها الحزب إلا لتحقيق مكاسبه وليس لتحقيق العيش المشترك أو احترام الدولة، أما الورقة الثانية، والتي اعتادَ الحزب على استغلالها خلال السنوات الماضية، هي ورقة «الثُلث المعطِّل» في الحكومة.
وبناءً على ما سبق، يمكن توقُّع سيناريوهات المشهد السياسي ودور «حزب الله» المحتمل في ذلك، وفق ما يلي:
السيناريو الأول: التوافق مقابل تقديم تنازلات
ويتبنَّى هذا السيناريو، وفي ظل غياب غالبية نيابية لأي فريق أو تحالف معين، حصولَ توافق بين أحزاب معينة، كأن يتفق «حزب الله» و«حزب القوات اللبنانية» على تشكيل حكومة وحدة وطنية، اعتمادًا على تطورات الوضع الإقليمي، واحتمال تفاهم سعودي-إيراني يُتيح تعاونًا بين الحزبين، بالترافق مع طاولة حوار برعاية دولية (ربما فرنسية)، لإنتاج تفاهُم مُوازٍ. لكن وحتى في حال السير بهذا الاتجاه، فمن المتوقع أن تستغرقَ المفاوضات بين مختلف القوى لتشكيل حكومة وقتًا، خصوصًا أنها سترتبط باستحقاقٍ لاحق هو الانتخابات الرئاسية، وهذه تحتاج إلى مرشحٍ توافقي لا يبدو متوافرًا للآن، والأرجح أن يطرحه وسيطٌ دولي من خارج الطبقة السياسية.
أو أنْ ينجحَ «حزب الله» وحلفاؤه في جذب أصوات بعض المستقلين، وتشكيل حكومة توافقية، وهنا أيضاً يُثير ذلك انقسامات في صفوفهم، في ظل عدم تجانُسٍ سياسي سوى في معارضة أقطاب السلطة.
وإما أنْ تتفق جميعُ الأحزاب المناوئة لحزب الله على تشكيل حكومة وإفشال جهود التعطيل وتنسيق المواقف والخطط السياسية الوطنية، استعدادًا للاستحقاقات المقبلة، لوضع مشروع سياسي يبدأ في الداخل، ويتصل بالوضع الإقليمي والدولي، من أجل إخراج لبنان من دائرة الصراعات الإقليمية والوصول به إلى نوع من الحياد الإيجابي، إلا أنَّ هذا يبدو مستبعدًا في الوقت الراهن، بناءً على النفوذ الحزبي بمؤسسات الدولة اللبنانية، وفي ظل سعي باقي الأطراف لتجنُّب أي مواجهة أمنية مع «حزب الله» وحلفائه، قد تُعيد للأذهان ما حدثَ خلال الفترة من 2005م إلى 2009م.
السيناريو الثاني: ورقة «الثُلث المعطِّل»
من الممكن أيضًا أنْ يمارسَ «حزب الله» لعبةً أخرى أتقنها طوال السنوات الماضية، وهي سياسةُ تكريس الفراغ وتعطيل المؤسسات على كلِّ المستويات، باستقوائه على ترسانة السلاح الذي يمتلكُه، في تكرار للسيناريو العراقي، بهدف تحصيل مكاسب سياسية في حصص الحكومة أو في الانتخابات الرئاسية، أو بانتظار صفقة إقليمية بالمرحلة المقبلة. وقد سبقَ للحزب أنْ لجأ عدَّة مرات إلى استخدام مثل هذه الحالات من الجمود؛ للتأثير على تشكيلة الحكومة والانتخابات الرئاسية، وقد يحاول هذه المرة الربطَ بين هذين الاستحقاقين لفرض حلٍ وسط يضمن وصولَ مرشحه المفضل إلى رئاسة الجمهورية، وهو ما يعني عرقلةً للإصلاحات والتغيير السياسي؛ وبذلك لن تنعكس النتائج الانتخابية الواعدة في مؤسسات الدولة على النحو المناسب. ويبدو هذا السيناريو هو الأقرب والأرجح، في ظل الصعوبة بتقريب وجهات النظر، وفي ظل الانقسامات الحادة في المواقف بين باقي الأحزاب السياسية.
الخلاصة
بلا شك، تكشفُ نتائجُ الانتخابات النيابية في لبنان عن خسارةٍ لـ «حزب الله» على ثلاثِ جبهاتٍ متوازية، الأولى على جبهة «التيار الوطني»، التي لم تعُد قادرةً على توفير الغطاء المسيحي اللازم بالزخم نفسه والشعبية نفسها، والثانية على جبهة الخط الصاعد من صناديق الاقتراع -المقصود بها هنا قوى التغيير المدني بالإضافة إلى «حزب القوات اللبنانية»- والتي لا تبدو هذه المرة أنها مستعدةٌ لتقديم أيّ تنازلات أو تسويات تُفرَض عليها بالقوة بعدما انتقلت من الشارع إلى الدولة، والثالثة فقدان الكلمة الفصل في خيارات الرؤساء الثلاثة.
وعلى الرغم من ذلك، وفي ضوء الاعتبارات التي تمت الإشارة لها سابقًا، لا تبدو احتمالات حدوث تغيير جذري في المشهد السياسي واردة، بالنظر إلى مدى نفاذ الطبقة السياسية الحاكمة في المشهدين الشعبي والانتخابي، كما أنَّ إيران وحزبها لا يزالان قادرين على إخضاع الوضع اللبناني وإبقائه في غرفة انتظار التسويات الدولية-الإقليمية، التي يعتقدان أنها ستكون لمصلحتهما لا محالة. وثمة ما يزكِّي ربما طموحهما؛ فالقوى الدولية تميلُ في المراحل المقبلة إلى استرضاء طهران، سواءً لإنجاز الاتفاق النووي وما يتبعُه من مصالح، أو لحاجة تلك القوى إلى عدم التأزيم في الشرق الأوسط، ما دامت أزمة حرب أوكرانيا مفتوحةً وليس من أُفقٍ زمنيٍ معروف لإنهائها. كما أنَّ إيران وفي ظل تصاعُد موجات الاعتراض الشعبي التي تشهدُها هذه الفترة من احتجاجات ضدَّ تأزُّم الوضع الاقتصادي، بحاجة إلى أوراقٍ خارجيةٍ قوية تحسِّنُ من موقفِها في الداخل، وكذلك في طاولة الحوار مع الرياض، وتقوِّي من موقعها داخلَ الخريطة الإقليمية التي تداهمُها التحولات الدولية.