بعد تسليم إيران رئاسة منظَّمة دول عدم الانحياز إلى فينزويلا، يطرح سؤالٌ نفسَه: ما الإنجاز الذي حقَّقَته إيران من وراء رئاسة واحدة من أكبر المنظمات الدولية؟
إيران لم تستغلّ رئاستها لحركة عدم الانحياز بشكل كافٍ ووافٍي، وذلك سببين أساسيَّيْن: سياسة إيران الخارجية المتوترة، والمشكلات الهيكلية لحركة عدم الانحياز.
ما حدث في القمة السادسة عشرة لحركة عدم الانحياز في طهران عام 2012م يساعدنا في إدراك أن رئاسة إيران لهذه المنظَّمة بدأت منذ اللحظة الأولى لا بمشكلة، بل بفضيحة.
أولًا: حينما كان محمود أحمدي نجاد رئيسًا لإيران، تَسَلَّمَت إيران رئاسة المنظَّمة من محمد مرسي رئيس مصر وقتها (التي سبقت إيران في رئاسة حركة عدم الانحياز)، وكانت كلمة الافتتاحية مع آية الله خامنئي في افتتاح مراسم هذه القمة التي تحدث فيها عن “ظلم فلسطين”، وصف مرسي الحكومة السورية (حليفة إيران) في ردّ فعله على كلمة خامنئي بأنها حكومة “ظالمة” و”قامعة” و”تفتقر إلى الشرعية”.
إذا كانت هذه هي بداية رئاسة إيران لحركة عدم الانحياز، فمن الواضح جدًّا أن إيران لم تكُن لتستطيع مطلقًا أن تتخذ أي خطوة عبر الإمكانات المتاحة في عدم الانحياز من أجل إنهاء أو تقليل مشكلات فلسطين، عندما تحدث مشادّة كلامية منذ البداية بين الرئيس السابق للحركة (مصر) والرئيس القادم (إيران) في يوم مراسم افتتاح القمة.
ثانيًا: بلغت الفضيحة درجة أنه كلما تَحدَّث مرسي عن “ظلم النظام السوري”، كان المترجم يغير العبارة إلى “ظلم النظام البحريني”. بالإضافة إلى هذه الفضيحة، وصل الأمر إلى أن محمد مرسي بقي، في سلوك عميق المعنى، لمدة خمس ساعات فقط في إيران، حتى إنه لم يكُن لديه استعداد لإلقاء التحية على آية الله خامنئي في مقرّ القمة.
المثير للاهتمام هو التشابه بين سلوك مرسي وسلوك محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، الذي أبدى أنه لم يذهب ليس فقط للقاء خاصّ بآية الله خامنئي، بل لم يكُن لديه استعداد للبقاء دقيقة واحدة ليلقي التحية على القائد الإيراني في نفس قاعة القمة. من الواضح في مثل هذه الظروف أن محمود عباس لم يكُن ليسمح أبدًا لإيران بأن تسجِّل إجراءً عبر استغلال رئاستها حركة عدم الانحياز، لتصل إلى مكانةٍ ما من خلال القضية الفلسطينية. ومن هذا المنطلق، خلال الأعوام الأربعة التي مرَّت في رئاسة إيران لحركة عدم الانحياز، لم نشاهد قط خطوة مؤثِّرة تتَّخذها إيران بخصوص فلسطين في هذه المنظَّمة.
ثالثًا: وقعت الفضيحة الكبرى عندما أدان الأمين العامّ لمنظَّمة الأمم المتحدة في كلمته صراحةً وبكل شفافية إنكار الهولوكوست ومسألة تهديد إسرائيل بالإبادة، وكلاهما بشكل عامّ من مواقف السياسة الخارجية لإيران، قائلًا: “أنا اعترض بشدة على تهديد أي دولة من الدول الأعضاء بإبادة دولة أخرى أو تنفيذ مساعٍ قبيحة وبغيضة من أجل إنكار حقائق تاريخية مثل الهولوكوست. القول بأن إسرائيل ليس لها حقّ في الوجود أو وصفها بألفاظ عنصرية، ليس فقط خطأ فادحًا، بل إنه يتناقض مع المبادئ التي تَعهَّدنا أن نكون ملتزمين بها، وهي عضوة في منظَّمة الأمم المتحدة”.
التصريح جاء من بان كي مون الذي كان يجلس بجواره أحمدي نجاد، حتى يتعلم أنه إذا حظِيَ بفرصة الخطابة خلال الأعوام السبعة المتتالية له في الجمعية العامة لمنظَّمة الأمم المتحدة، فهو الآن قد اتُّهم في طهران بتنفيذ أعمال “قبيحة وبغيضة” على لسان الأمين العامّ لمنظَّمة الأمم المتحدة.
رابعًا: يقولون “العام الجيِّد يتضح من ربيعه” (الجواب بيبان من عنوانه)، وهنا ينطبق المثل نفسه، فيجب أن لا ننسى أنه من بين 120 دولة عضو في حركة عدم الانحياز، افتُتحت القمة برئاسة إيران واستضافة طهران، وبمشاركة 30 شخصًا فقط من زعماء العالَم، وبشكل أساسيّ شاركت في قمة طهران دول قليلة الأهمية، وهذا يعني أن ثلاثة أرباع زعماء العالَم امتنعوا فعليًّا عن حضور قِمَّة طهران.
بهذا التحليل، مع وضعنا في الاعتبار التكاليف الباهظة التي أنفقتها إيران حتى تستطيع أن تشتري لنفسها كرامة وسُمْعَة عبر استضافة إحدى أكبر المنظمات الدولية، واجهت إيران عمليًّا مقاطعة ثلاثة أرباع زعماء العالم.
رئاسة حركة عدم الانحياز في فترة روحاني:
شهِدَت الأجواء الملتهبة للسياسة الخارجية الإيرانية في فترة أحمدي نجاد تغيُّرات مع بدء عمل حكومة روحاني وتفضيل السياسة الخارجية “التفاعل البناء”.
إذا قسّمنا هذه التوتُّرات إلى مجموعتين، بمعني التوتُّر مع العالَم الغربي والعالَم العربي، فسنجد أن التوتُّر مع العالَم العربي لا يزال باقيًا كما هو بقوة، وأن التوتُّر مع الغرب ينحصر في القضية النووية، على الرغم من أنها لم تصل إلى نهاية.
السؤال المهم هنا هو: لماذا لم تستطِع إيران استغلال الصلاحيات الموجودة في حركة عدم الانحياز من أجل خفض حِدَّة التوتُّر بينها وبين الدول العربية؟
المصدر: راديو فردا