كثَّفت إيران من تفاعُلاتها العسكرية مع روسيا، في أعقاب التوتُّرات المتزايدة مع الولايات المتحدة، وتعكسُ التدريبات البحرية المشتركة الأخيرة بين إيران وروسيا، التي أُطلِق عليها اسم «المناورات المشتركة للحزام الأمني البحري الإيراني-الروسي 2021م»، تعقيداتِ التحرُّكات الجيوسياسية في منطقة المحيط الهندي، وتسلِّط الضوء على طموحِ إيران الإقليمي؛ لوضع نفسها كقوةٍ بحريةٍ رئيسية تَستخدمُ غالبًا مواردَها لشنِّ هجماتٍ غير متكافئة، تستهدفُ بها الولايات المتحدة وحُلفاءها في المنطقة.
غطَّت المناوراتُ البحرية المشتركة 17 ألف كيلومتر مربع، وشملت العديدَ من التدريبات التكتيكية، مثل بعض التدريبات على الرماية وعمليات الإنقاذ. كما تضمَّنت إطلاقَ صواريخ أرض-أرض، وأرض-بحر، وتدريبات بحرية مشتركة تهدفُ إلى تعزيز عمليات مكافحة القرصنة. من جانبها، شاركت روسيا في التدريبات البحرية المشتركة بـ «كورفيت ستويكي»، والناقلة «كولا» من أسطول البلطيق التابع للبحرية الروسية، وشاركت إيران بالفرقاطة «يرو جامران»، وسفينة الخفر «محمودي»، وسفينة الدعم «ناظري»، وسفينة الإمداد «لافان»، «وكورفت ناهدي»، وقوارب صواريخ متعدِّدة مثل «غاردوني» و«فالاكحان» و«توندار».
وكانت منطقة المحيط الهندي نقطةً محورية للتوتُّر بين إيران والولايات المتحدة، حيث هاجمت طهران ناقلات النفط مرارًا ومنعتها من المرور عبرَ بحر عُمان في السنوات الأخيرة، ودائمًا كانت الهجمات الإيرانية في المنطقة، خاصَّةً تِلك التي تستهدف المضائق البحرية الحيوية، مصدرَ قلقٍ كبير للمجتمع الدولي؛ وفي الوقت الحالي، يبدو أنَّ كُلًّا من واشنطن وطهران تترقَّبان من سيُقدِّم التنازُلات أوّلًا لتمهيد الطريق لمحادثاتٍ نوويةٍ جديدة.
وطالبت إيران مرارًا وتكرارًا بالرفع الفوري لجميع العقوبات الأمريكية، بينما دَعت واشنطنُ إيرانَ إلى خفضِ أنشطة تخصيب اليورانيوم، قبل البدء بأيّ محادثاتٍ نوويةٍ جديدة. منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، عزَّزت الصينُ وروسيا تعاونهُما العسكري مع إيران، وكثيرًا ما وصَفت طهران مشاركاتها العسكرية مع موسكو وبكين، بأنَّها ورقة إستراتيجية ضدّ الولايات المتحدة، كما زاد ممثِّلو البحرية الروسية والصينية زياراتهم لإيران في السنوات الأخيرة.
من ناحيةٍ أُخرى، عمَّقت كُلٌّ من الصين وروسيا علاقاتهِما مع دولٍ إقليميةٍ أُخرى، مثل السعودية والإمارات؛ وهذا يُشير إلى أنَّ لا موسكو ولا بكين على استعدادٍ لدعم طهران بصورةٍ حصرية، على حساب دولِ المنطقةِ الأُخرى.
استخدَمت إيران مواردها بشكلٍ كبير لتعزيز قُدراتها البحرية، وفي السنوات الأخيرة وسَّعت من نطاق محاولاتها لتحديث أُسطولها من الغوّاصات؛ ونظرًا لأنَّ إحدى الإستراتيجيات الإيرانية التي غالبًا ما تلجأ إليها لزيادة الضغوطات على الولايات المتحدة والأوروبيين، تُركِّز على منظومات الأسلحة لمنطقةٍ يُمنَع دخولها/ لمنطقةٍ محظورةA2/AD في مضيق هرمُز، فقد ركَّزت على تطوير الصواريخ قصيرة المدى، وصواريخ كروز المضادَّة للسفن، والألغام، والغوّاصات الصغيرة، والطوربيدات. وعلى الرغم من أنَّ إيران أكَّدت في البداية أنَّ الهند قبِلت عرضَ المشاركةِ في التدريبات البحرية المشتركة بين إيران وروسيا، إلّا أنَّه يُعتَقد أنَّ البحرية الهندية رفضت العرض، وتكهَّنت بعضُ التقارير الإخبارية بأنَّ الهند رفضت العرض؛ بسبب مهمَّةٍ أُخرى مُخطَّطٍ لها، بينما أشارت تقارير أُخرى إلى أنَّ التوتُّرات المتزايدة بين الهند والصين فيما يتعلَّق بالمناطق الحدودية المُتنازَع عليها، والأخبار الواردة عن مشاركة الصين في التدريبات، كانت الأسباب الرئيسية وراءَ رفضِ البحرية الهندية للعرض، ولا تزال الهندُ القوَّةَ البحريةَ الرئيسية في منطقة المحيط الهندي، إذ عزَّزت من تعاونها مع الولايات المتحدة وشركائها، وسطَ تنامي الوجود الصيني في المنطقة. ويعكسُ الحوارُ الأمني الرباعي المعروف باسم «كواد» و«الحوار الأمني الرباعي الإضافي»، الذي انضمّت إليه كُلٌّ من نيوزيلندا وكوريا الجنوبية وفيتنام، الشراكةَ الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند لمواجهةِ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقد قامت الهند أيضًا بتوسيع نطاق شراكتها الإستراتيجية مع السعودية والإمارات في السنوات الأخيرة، وبالتالي تجاوزت مشاركةَ الهند مع إيران في العديدِ من المجالات، بما في ذلك التعاون البحري، وساعدت «اللجنة المشتركة للتعاون الدفاعي» التي تَعقِد اجتماعاتٍ منتظمة، الهند والسعودية على توسيع آفاقِ التعاون الدفاعي بينهما، ولقد تعاون كلا البلدين في التدريبات وبناءِ القُدرات، وتبادُل المعلومات الاستخباراتية، والأمن البحري.
كما عزَّزت القوّاتُ البحرية الملكية السعودية والبحرية الإماراتية التعاون مع البحريةِ الهندية، في السنوات الأخيرة.
انطلق التعاونُ الروسي-الإيراني من أرضيةِ هدفٍ مشترك، ألا وهو الحدُّ من نفوذِ واشنطن في الشرقِ الأوسط، وغالبًا ما تستخدمُ الحكومةُ الإيرانية الورقةَ الروسية لإظهار نفوذِها الإقليمي؛ ومع ذلك، وعلى الرغم من زيادة التعاون الدفاعي والتفاعُلات في سوريا، لا تزال العلاقات بين البلدين متوتِّرةً ومعقَّدة، إلى حدٍّ ما، وإذا عادت الولاياتُ المتحدة إلى الاتفاقِ النووي ورفعَت العقوباتِ المفروضة على إيران، فقد يؤثِّر ذلك بشكلٍ كبير على صادرات الأسلحة الروسية إلى إيران، وبالتالي يُسبِّب المزيدَ من التوتُّرات والتعقيدات في العلاقة بين طهران وموسكو، وتحتَ وطأة العقوبات الحالية، نجدُ عددًا قليلًا من الدول المستعدَّة لبيع أسلحةِ لإيران؛ ولا تزال روسيا والصين من أهمّ مصدِّري الأسلحة لإيران، خلال السنوات الأخيرة.
وفي الأشهُر القليلة الماضية، زادت إيران من تدريباتها العسكرية، وتعكسُ مناوراتُها البحرية المشتركة مع روسيا رغبَتها في الضغط على إدارة بايدن؛ وعلاوةً على ذلك، ووسطَ تفاعُلٍ بين العديدِ من الحسابات الإستراتيجية للقُوى البحرية الإقليمية والعالمية، فإنَّ مصالحَ إيران تَقتصرُ إلى حدٍّ كبير على تهديدِ استقرارِ المنطقة، لا سيما عبرَ زعزعةِ أمن الطُرق البحرية؛ للضَّغط على الولايات المتحدة لبدء محادثاتٍ نوويةٍ جديدة.