انفجار بيروت يثير الذعر في إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=21840

خلَّف انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020م (الناتج عن اشتعال 2750 طنًّا من نترات الأمونيوم بالاضافة إلى مواد متفجِّرة أُخرى كانت موجودة بكمِّيات أقلّ في أحد المستودعات)، أكثر من 200 قتيل وعشرات المفقودين وحوالي 300 ألف مشرَّد. وقد أثار الانفجار قلقًا وتعاطُفًا عالميًا مع لبنان، والأهمّ من ذلك أنّ التفجير جعل من لبنان (الدولة الضعيفة في الأصل) دولة مدمَّرة، وعاجزة عن أداء وظائف الدولة الأساسية.

وقد رفض الرئيس اللبناني الدعوات لإجراء تحقيق دولي في حادث التفجير، وكان موقع لبنان الجغرافي في منطقة شرق البحر المتوسِّط سببًا في معاناتها، كما باتت تواجه نزاعاتٍ دينيةٍ داخليةٍ متواصلة منذ قيامها.

وبعد الحادث، سارعت الحكومة اللبنانية الائتلافية التي شُكِّلت مؤخَّرًا إلى الاستقالة، إلّا أنّ الرئيس لم يقدِّم استقالته، ولا يحظى الرئيس ميشال عون بقدر كبير من رأس المال السياسي في بلاده، ويعتمد اعتمادًا كبيرًا على حزب الله وإيران.

وقد ألقى الشعب اللبناني في أعقاب التفجير باللوم على النُّخبة السياسية اللبنانية وحزب الله، إزاء هذا الحدث المأساوي، واتّهمهما بالفساد وعدم الكفاءة واستقطاب المجتمع اللبناني. وأثار تفجير لبنان قلقًا كبيرًا في إيران وفرنسا، إذ دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي اللبنانيين إلى «الصبر»، وأكَّد في الوقت ذاته على دعم طهران الكامل للبنان، كما ضجَّت منصّات التواصُل الاجتماعي في إيران بصورِ مرفأ بيروت المدمَّر، إلى جانب تداوُل نظريات المؤامرة، التي تلقي باللوم في تفجير لبنان المأساوي على داعش وإسرائيل والولايات المتحدة. وقد أعربت إيران عن تضامنها مع الشعب اللبناني، بإضاءة برج آزادي في طهران بألوان العلم اللبناني.

أمّا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد سارع إلى زيارة بيروت وقدَّم دعمًا لها، فيما ذكرت صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية بتهكُّم أن زيارة ماكرون كانت محاولة من جانب فرنسا «لإضعاف المقاومة اللبنانية»، ووصفت استضافة فرنسا مؤتمرًا دوليًا للمانحين لجمع 300 مليون يورو للبنان بـ«الخداع»، ولم تحضر طهران هذا المؤتمر. وقال رئيس تحرير صحيفة «كيهان» التابعة الدولة حسين شريعتمداري لوكالة فرانس برس، إنّه «نيابة عن إسرائيل أرسل ماكرون رسالة إلى الشعب اللبناني مفادها أنّهم إذا استمرُّوا في المقاومة وفي دعم حزب الله، فإنّهم سوف يواجهون حدثًا كارثيًّا آخر من هذا النوع». وقد تمسَّكت إيران بموقفها المعروف، وصرَّحت بأنّه «في حال كانوا صادقين عليهم رفع العقوبات عن لبنان حكومةً وشعبًا».

وكان الرئيس ميشال عون هو السبب في رفع حزب الله إلى هذه المكانة البارزة في السياسة اللبنانية عام 2006م، بتوقيعه مذكرة تفاهُم في محاولة منه لتعزيز مركزه، وذلك في مقابل القبول بحقوق المسيحيين في لبنان، وهكذا وصل حزب الله إلى صميم السياسة اللبنانية في خطوة كارثية أسفرت عن عواقب وخيمة على البلاد.

ولا يُعَدّ حزب الله اليوم دولة داخل الدولة اللبنانية فحسب، بل كيان مهم جدًّا لإيران لتنفيذ خطَّتها في جميع أنحاء العالم وليس في الشرق الأوسط فقط، فإيران موجودة بشكل أو بآخر في عدد كبير من البلدان، ويتجلَّى وجودها في ماليزيا وفنزويلا والدنمارك وجنوب إفريقيا.

وقد استخدم حزب الله مرفأ بيروت لاستيراد مواد ذات الاستخدام المزدوج، ثمّ نقلها في النهاية إلى إيران، عن طريق الجو في الغالب، كما يستطيع عناصر حزب الله الحصول على تأشيرات أجنبية لتنفيذ المهام التي يوكلها إليهم الحرس الثوري الإيراني. وتتورَّط جماعة حزب الله في كلّ ما هو غير قانوني وغير أخلاقي، مثل تسجيل الشركات للتهرُّب من العقوبات، والحصول على جوازات سفر للمقاتلين الإيرانيين والسوريين والباكستانيين.

وقد واجه حزب الله بعض التحدِّيات الخطيرة في السنوات القليلة الماضية، إذ عملت إسرائيل بشكل روتيني على أن تحُول دون إتمام عمليات نقل حزب الله للصواريخ من إيران عبر الأراضي السورية، كما واجه حزب الله صعوبة أكبر في إدارة تواجُده في الشرق الأوسط، في مناطق جغرافية تمتدّ من لبنان إلى سوريا واليمن.

وكانت عقوبات إدارة الرئيس ترامب على إيران سببًا في تقييد تحويلاتها المالية إلى الميليشيات العابرة للحدود، وبعد تفجير بيروت سوف يكون حزب الله بحاجة إلى مبلغ كبير من المال، لإنفاقه على مشاريع الرعاية الاجتماعية بهدف الحفاظ على قاعدة دعمه في لبنان. ففي 14 أغسطس، أدرك الامين العام لحزب الله حسن نصرالله مشاعر الغضب عند المتظاهرين الذين مزَّقوا صوره في ساحة الشهداء ببيروت وحروقها، كما تداولوا وسم #علقوا_المشانق على موقع «تويتر»، ورفعوا لافتات الاحتجاج كُتِب عليها إهاناتٍ له ولحزب الله وصفها نصر الله بـ«الكلمات الجارحة والممارسات المؤذية»، وقال لمؤيِّديه: «تمسَّكوا بهذا الغضب، سنحتاج إلى هذا الغضب يومًا ما، لإنهاء كلّ محاولات جرّ البلاد إلى حرب أهلية مرَّة واحدة وإلى الأبد».  وبعد أن لاحظ ماكرون نبرة حزب الله التهديدية وخطاب إيران العدواني، حذَّر الرئيس الإيراني حسن روحاني في مكالمة هاتفية، وطالبه بإبعاد إيران عن لبنان، ونُقَل عن ماكرون قوله إنّه من الضروري «لجميع الأطراف المعنية … تجنُّب أيّ تدخُّل خارجي ودعم تشكيل حكومة يمكنها إدارة حالة الطوارئ».

كما زار وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل بيروت، وحذَّر بلهجة حادَّة بأنّ لبنان لن يتلقَّى مزيدًا من الدعم بدون إصلاحاتٍ سياسيةٍ، تشمل استعادة الدولة سيطرتها على موانئها وحدودها، إذ لا يخفى على أحد أنّ حزب الله يستطيع نقل البضائع والأشخاص عبر حدود لبنان البرِّية والجوِّية والبحرية باستخدام شبكاته الخاصّة.

وتُجري السلطات اللبنانية تحقيقًا في حادثة التفجير، بمشاركة محقِّقين فرنسيين وأمريكيين – ومن المرجَّح أن يستغرق بعض الوقت، وألّا تكون نتيجته حاسمة. ومن غير الممكن أن تكون نترات الأمونيوم قد خُزِّنت في مرفأ بيروت دون علم حزب الله، ففي عام 2017م هدَّد حسن نصر الله علانيةً بتدمير إسرائيل بإشعال انفجار هائل في ميناء حيفا باستخدام حاويات الأمونيا، وقال حسن نصرالله إنّ الانفجار سوف يكون مماثلًا لانفجارٍ «نووي». وكشف موقع ويكيليكس أنّ حزب الله حاول في عام 2009م وفي فترات أخرى، الحصول على نترات الأمونيوم من سوريا.

كما يزداد وضع إيران سوءًا يومًا بعد يوم، في ظلّ تفشِّي فيروس «كوفيد-19»، وتواجه تحدِّياتٍ متعدِّدة وخطيرة مقبلة، مثل الحُكم الصادر عن المحكمة المدعومة من الأمم المتحدة في قضية مقتل رفيق الحريري، الذي يُحتمَل تورُّط حزب الله به، وتمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وإعادة الولايات المتحدة تفعيل العقوبات الأممية عبر آلية «سناب باك»، والأزمة المتفاقمة في لبنان. وبعد حصول تل أبيب على اعتراف بوجودها من الإمارات، باتت مشاكل طهران تتفاقم بطريقة غير مسبوقة. وفي هذه الفترة العصيبة لا يمكن ترك حزب الله مجرَّدًا من الأموال والسلاح، ويُعَدّ تفجير بيروت بداية سلسلة من ردود الفعل البطيئة، لكنّها متواصلة ضد إيران وحزب الله، وسيتوجَّب على طهران أن تُعِدّ نفسها لمواجهة التداعيات.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير