انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ومستقبل غامض ينتظر القطاع

https://rasanah-iiis.org/?p=37371

انهار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» في الثامن عشر من مارس 2025م[ME1] ، بعدما استأنف الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية بشنّ هجمات عنيفة على مختلف أجزاء قطاع غزة المحاصر والمدمر، ما أودى بحياة أكثر من 300 فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وقد تعرضت الحكومة الإسرائيلية لإدانات دولية وإقليمية وحتى داخلية حادة وسط دعوات لنتنياهو بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار مع حركة «حماس» والذي دخل حيز [ME2] التنفيذ في 19 يناير الماضي. في التقرير التالي؛ نُناقش الدوافع والأهداف الإسرائيلية من استئناف الحرب على قطاع غزة، وتداعيات ذلك على الداخل الإسرائيلي وعلى قطاع غزة وحركة «حماس»، إضافًة لتداعياته على الجهود العربية لمنع تهجير الفلسطينيين، كما سنتناول المسارات المتوقعة للتصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة.

أولًا: الدوافع والأهداف الإسرائيلية من استئناف الحرب على غزة

رغم الربط الإسرائيلي في تبرير استئناف الحرب المُدمرة على القطاع برفض «حماس» المُقترح الذي طرحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، بأن تُفرج «حماس» عن الرهائن دون التزام إسرائيلي بوقف دائم لإطلاق النار، وزعمها بوجود تحضيرات لشن هجوم عليها نفته «حماس»، واعتبرت أنه لا أساس له من الصحة ومُجرد ذرائع لتبرير العودة للحرب، غير أن هناك حزمًة من الدوافع والأهداف الإسرائيلية الحقيقية التي يمكن إجمالها على النحو التالي:

1. الأزمة الداخلية لحكومة نتنياهو[ME3] 

تتعرض حكومة نتنياهو لأزمات داخلية مُتعددة كادت أن تعصف بها، منها القانوني المُتعلق بطلب مثوله أمام المحكمة التي تهدد مستقبله السياسي، وسط مطالبات واسعة باستقالته بتهمة تورطه في قضايا فساد ورشاوى في نفس يوم استئناف الحرب على غزة 18 مارس 2025م، وحاجة نتنياهو لأصوات كتلة «عوتسما يهوديت» بزعامة وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير، لتمرير الموازنة العامة في البرلمان، وكان من بين شروط بن غفير للعودة للحكومة، استئناف الحرب على غزة والمُطالبة بإقالة رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» رونين بار، والذي أقاله نتنياهو بالفعل قبل استئناف الحرب على غزة بيوم واحد، ومع بدء استئناف الحرب عاد بن غفير لحكومة نتنياهو، ما يؤكد مصداقية رواية العلاقة بين دوافع الحرب والأزمات الداخلية لحكومة نتنياهو.

2. عرقلة المشروع العربي لرفض التهجير

وجدت الحكومة الإسرائيلية، أن المشروع أو «الخطة العربية» التي أعدتها مصر لمنع التهجير من قطاع غزة تمضي قُدمًا نحو التطبيق الفعلي، وأن الأمور لم تروق لنتنياهو كما كانت بعد زيارته لواشنطن، لا سيما مع تزايد زخم فشل المخطط الأمريكي للتهجير من القطاع بعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ «صعوبة إخراج الفلسطينيين من غزة بالقوة وأنه لا أحد سيطرد فلسطيني من غزة»، وقبلها قال: «لن أفرض خطة التهجير من غزة». وبالتالي ربما قدر نتنياهو تبخر الوعود الأمريكية وأن المشروع العربي سيُمرر، وهذا يتعارض مع الأهداف الحقيقية للحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر والمتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية برمتها وتهجير فلسطينيي القطاع والضفة للدول العربية المجاورة.

3. توظيف الضوء الأخضر الأمريكي

يوظف نتنياهو موقف الرئيس الأمريكي قبل وبعد مجيئه للبيت الأبيض، فقبل مجيئه ضغط ترامب على نتنياهو لإيقاف الحرب، ولكن بعد مجيئه يستخدم لغة القوة ولفظ «الجحيم» على «حماس» ما لم تُفرج عن كل الرهائن، ولذلك التقط نتنياهو تلك الإشارات الإيجابية وتمسك بالمطلب الأمريكي بالإفراج عن كُل الرهائن قَافِزًا على مراحل تسليم الرهائن التي تم تحديدها في اتفاق وقف إطلاق النار مع الوسيطين المصري والقطري، لكن هناك فارق. فبينما تريد الولايات المتحدة بالفعل الإفراج عن الرهائن، يستخدم ذلك نتنياهو لتثبيت بقائه في السلطة ولا يعنيه الرهائن الذين قُتل وجُرح عدد منهم، نتيجًة استئناف الحرب، كما يُدرك نتنياهو، أن «حماس» بالطبع لن تسلمه رهائن باستئناف الحرب، ورغم ذلك مضى فيها.

4. اختلاف المقاربات بين إسرائيل و «حماس» تجاه الاتفاق

تربط «حماس» في مقاربتها بين تسليم الرهائن ووقف إطلاق نار يؤول في الأخير إلى انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، بينما المقاربة الإسرائيلية تقوم على وقف الحرب لحين إطلاق سراح كافة الرهائن، ومعاودة الحرب لتحقيق الهدف المركزي، والمُتمثل في مخطط التهجير القسري بما يُتيح لتل أبيب إفراغ قطاع غزة من سكانه ومن مقاتليه وتصفية القضية الفلسطينية برمتها، ولذلك ما كان يسمى بـ «اتفاق» وقف إطلاق النار بين إسرائيل و «حماس» يعد اتفاقًا في مقاربة «حماس» والوسطاء، بينما «هُدنة» في المقاربة الإسرائيلية، والهُدنة لا تعني انتهاء حالة الحرب، وإنما ربما فترة اتخذتها إسرائيل لترتيب أوراقها لبدء مرحلة جديدة، وظهر ذلك بعدما أكد نتنياهو في تصريحات كثيرة عَزمَهُ على تغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط. 

ثانيًا: تداعيات استئناف الحرب على غزة

1. على الداخل الإسرائيلي                  

تسود حالة من الصدمة والغضب وسط المعارضة الإسرائيلية وذوي الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، من خطوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بالانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار واستئناف العدوان على المدنيين في قطاع غزة، وسط اتهامات لنتنياهو بالتضحية بالرهائن لاعتباراته ومصالحه الحزبية والسياسية والشخصية الضيقة، وكانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، قد حذرت قبل أيام من هذه الخطوة، أي في 07 مارس الجاري بالقول: «إذا عادت حرب غزة؛ فإن مَصير الرهائن الإسرائيليين المتبقين والبالغ عددهم 24 رهينة[ME4] ، سيكون الموت»، وقد أعلنت «حماس» بالفعل أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، قد تسببت في مقتل أسير وإصابة اثنين آخرين.

كما وجهت الصحافة الإسرائيلية هجمات شديدة ضد نتنياهو، واعتبرت أن الضربة ليست لتحقيق أهداف عسكرية، وإنما الهدف منها هو إعادة بن غفير إلى الحكومة والوصول للنِصاب المطلوب قبيل التصويت على الميزانية الإسرائيلية في الكنيست.

هُناك حالة من الترقب الشديد في إسرائيل لاستئناف حركة «حماس» إطلاق الصواريخ، وفتحت عددًا من المُدن ملاجئها العامة استعدادًا لاحتمالية أن تشن «حماس» وربما «الحوثيون» هجمات صاروخية على المدن الإسرائيلية في إطار الرد على خرق إسرائيل للاتفاق المُبرم مع «حماس» في يناير الماضي.

2. على مستقبل غزة و «حماس»              

يُضاف هذا العدوان الإسرائيلي الجديد إلى سلسلٍة طويلٍة من الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت القطاع، ما يزيد من حجم المأساة الإنسانية ويُعمّق الأزمة التي يَعيشها الفلسطينيون بغزة تحت وطأة الحصار والعدوان المستمرين.

لقد وصل الدمار الشامل والخراب الناجم عن القصف الاسرائيلي لقطاع غزة إلى مستويات غير مسبوقة، ومن شأن استئناف الحرب الإسرائيلية على غزة، تدمير ما تبقى من البُنَى التحتية، والمرافق الصحية والتعليمية ومباني المواطنين الفلسطينيين.

أفضت الحرب على غزة ووقِعها تحت وطأة الحصار الكامِل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، إلى زَج السكان في دوامة غير مسبوقة من الحرمان والفقر المُتعدد الأبعاد، وبالتالي؛ من شأن استمرار الحرب الإسرائيلية أن يشهد القطاع كارثًة إنسانية على كافة المستويات، قد تكون هذه المرة أكبر من تلك التي شهدها القطاع خلال حرب السابع من أكتوبر 2023م. وقد بدأت إسرائيل بالفعل في تهجير سُكان بعض المناطق، عبر توزيع أوامر إخلاء لبعض المواقع بالقطاع، كما أغلقت معبر رفح وربما ستُغلق بقية المعابر.  

توضح تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، التي قال فيها: «إنه لا وقف لإطلاق النار بشكل مجاني، وإذا لم تطلق حماس سراح جميع الرهائن، فإن أبواب الجحيم سوف تُفتح في غزة، وسيواجه مقاتلو حماس قوات لم يعرفوها من قبل»، أن إسرائيل بِصدد توسيع نِطاق حَربها على قطاع غزة، وقد تَشمل عملية برية بهدف تمركز الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، خاصًة في ظل ترويج وسائل الإعلام الإسرائيلية لسياسة «التفاوض تحت النار»، بمعنى أنَّ من يُريد وقف إطلاق النار فعليه أن يُطلق سراح جميع الرهائن أولًا، وهو ما قد لا تقبل به حركة «حماس»، بحكم أن الرهائن هم ورقتها الوحيدة التي تُرغم عبرها إسرائيل بالانصياع لشروطها والحيلولة دون الاجتياح الشامل للقطاع. 

ورغم الهجوم الإسرائيلي الكبير على قطاع غزة؛ فإن حركة «حماس»، لم ترد عسكريًا بعد، لكن استمرار التصعيد الإسرائيلي أو محاولات الجيش الإسرائيلي لاجتياح القطاع قد يُجبرها إضافة إلى حركات فلسطينية أُخرى، على استئناف قصفها وهجماتها على المواقع الإسرائيلية، لكن خيارات «حماس» قد تكون محدودة، نظرًا للتدمير الكبير الذي طال قُدراتها العسكرية وفقدانها مِيزة مُهمة، وهي تنفيذ عمليات القنص قرب الحدود وإطلاق الصواريخ المضادة للدروع ومهاجمة القوات الإسرائيلية والاشتباك المباشر معهم، بعدما قامت تل أبيب بتحديد بعض المناطق الحدودية لقطاع غزة والإعلان بأنها «مناطق عازلة» وإرغام السكان الفلسطينيين على إخلائها.

3. التداعيات على الجهود العربية لمنع التهجير      

جَددت الدول العربية خلال إدانتها لاستئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة؛ بالتأكيد على رفضها التام لتهجير الفلسطينيين، وذلك لإدراكها أن التهجير يبقى من الأهداف الأساسية للخطوة الإسرائيلية، إضافًة للأهداف الأخرى الداخلية، كون الحكومة الإسرائيلية تنتهج مُعادلة صفرية في تعاطيها مع الأزمة الحالية؛ إذ عللت رفضها للمبادرة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة بعدم نصها على نزع سلاح حركة «حماس»؛ فضلًا عن حُكمها للقطاع، كما لم تَقبل فكرة عودة السلطة الفلسطينية لإدارته، ووجد نتنياهو في مشروع ترامب فرصًة تتناسق مع مطالب اليمين المتطرف. وبالتالي فإن التصعيد الإسرائيلي يفرض تحديات جديدة على الجهود العربية لمنع التهجير، فالتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة يعكس رفضًا عمليًا للخطة العربية التي أعلنت عنها مصر، وتمسك ترامب بمشروعه السابق، ومباشرة خطوات تنفيذية لتجسيده عبر دفع الفلسطينيين إلى النزوح ثم الهجرة.

تبقى الجهود العربية لمنع التهجير معلقة على مسارات الحرب من جهة، وقُدرة الفلسطينيين على الصمود في مواجهة العملية من جهة أخرى. فإذا كان الهدف الإسرائيلي يقتصر على تجاوز نتنياهو الأزمات الداخلية وتحسين الوضع التفاوضي بإجبار «حماس» على تقديم تنازلات أكبر عن طريق الحرب، وبالتالي إدخال تعديلات على الخطة العربية فيها استجابة ولو جُزئية لبعض المطالب الإسرائيلية، فهُنا يُمكن تجاوز مخاطر التهجير، أما إذا كان الهدف هو المضي قُدمًا في مشروع التهجير، فإن الدول العربية وفي مقدمتها مصر، قد تجد نفسها في مرحلة متقدمة طرفًا في الصراع، مما يُحتم عليها مُضطرة الانتقال بدورها إلى مستوى أعلى من الإجراءات لمواجهة التهجير وما يترتب عليه من مخاطر على أمنها القومي، ومن تحديات على القضية الفلسطينية قد تمتد للدول العربية الأخرى.

ثالثًا: مسار التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة

لم يوافق نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار منذ البداية، ولكنه وافق عليه استجابًة لضغوط ترامب قبل أن يتولى منصبه في 20 يناير 2025م، وفي المقام الثاني؛ تخفيف الضغوط الداخلية بشأن الدخول في صفقة من أجل إطلاق سراح الرهائن، وظل طوال الوقت يبحث عن الحجج من أجل العودة إلى الحرب، وطوال الوقت كانت هناك مماطلة في الالتزام ببنود الاتفاق، ومحاولة إلقاء المسؤولية على فصائل المقاومة في الالتزام بالاتفاق. لكن على ما يبدو أنه حَسم أمره بالعودة للحرب، وبالتالي فإن السؤال المهم: هو هل يستمر نتنياهو في التصعيد؟ أم أنه سيتراجع؟

1. المحفزات والاستمرار في التصعيد

تتضافر عِدة عوامل تجعل من التصعيد هو الإرادة الحقيقية للحكومة الإسرائيلية، فبدايًة عدم العودة للحرب يعني التزامات قد تقود إلى تنفيذ الاتفاق، والذي بموجبه تنسحب إسرائيل من قطاع غزة، ويتم تحديد اليوم التالي وفق رؤية غير إسرائيلية، ووفقًا لذلك ومن منظور استراتيجي، فإن نتنياهو وربما قطاع كبير من الإسرائيليين في مواقع صُنع القرار، يرون أن الحرب لم تُحقق هدفها بعد، وهو القضاء على حكم «حماس» في غزة، بل بعد وقف القتال كشفت التطورات عن أن «حماس» ما تزال تمتلك السيطرة على الأرض، وذلك على الرغم من حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على القطاع، وكشفت ربما المعلومات عن استعدادها لإعادة تنظيم صفوفها وقدراتها، وهو ما يعني فشل أهداف الحرب، بل استمرار تهديد أمن إسرائيل. وفي ظل رد فعل شعبي ورسمي عربي وإسلامي يبدو غير مؤثر أو مقيد، ومع دعم حقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة دون دعم حقه في الدفاع عن نفسه، لا يجد نتنياهو أي تحدٍ أو عائق أمام استئناف القتال والمُضي قُدمًا في تصعيد يهدف إلى تصفية القضية من خلال تصفية المدافعين عنها.

اتصالًا بذلك؛ يرى نتنياهو وفريقه، أن هُناك فرصًة تاريخيًة من أجل إحداث تغيير كامل وشامل في «ميزان القوى» لصالح إسرائيل بشكل حاسم، سواء في مواجهة فصائل المقاومة، أو ما يتعلق بإحداث تغيير استراتيجي في «ميزان القوى» في الشرق الأوسط ككل، وصولًا إلى تغيير التصورات بشأن مُستقبل القضية الفلسطينية، وفرض أمر واقع جديد يتم فيه تخطي كافة التصورات القديمة بشأن الوضع في الأراضي المحتلة، سواء ما يتعلق بالسلام الشامل أو حل الدولتين، وكذلك بالنسبة لسيادة إسرائيل على حِساب حدود دول جوارها الإقليمي.

بالإضافة إلى ذلك، يتلقى نتنياهو دعمًا غير مسبوق من الرئيس الأمريكي، حيث توفر الولايات المتحدة لإسرائيل الدعم المادي والعسكري، فضلًا عن الِغطاء السياسي والحماية الدولية، مما يجعل الحكومة الإسرائيلية بمنأى عن المساءلة عن جرائم الإبادة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في غزة والضفة على حد سواء، بل هي غير مسؤولة عن انتهاكها لسيادة سوريا ولبنان. في المقابل يتم اتهام المقاومة و «حماس» فقط بالمسؤولية، مع تجاهل أصل القضية، وهو «الاحتلال» وحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه المعترف بها دوليًا.

وأخيرًا؛ يُراهن نتنياهو على استئناف القتال كوسيلة لتنفيذ خطة التهجير، وتفريغ قطاع غزة من سُكانه. وقد تجلى ذلك بوضوح في عدم وفاء الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الاتفاق بتوفير بالمعدات والبيوت المتنقلة وكل ما يلزم لتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة في القطاع، بل أوقف دخول المساعدات وإحكام الحصار على القطاع بما في ذلك إمدادات الطاقة والمياه، كان واضحا أن هناك إصرارًا إسرائيليًا على دفع الفلسطينيين إلى مُغادرة أراضيهم، ولعل العودة للقتال تعكس الرغبة في «كتابة الموت» للخطة العربية من أجل إعادة إعمار غزة، والتي هي خطة هدفها تثبيت وجود سكان القطاع على أراضيهم، ومحاولة لوقف خطة ترامب نتنياهو لتهجير سكان القطاع.

2. القيود والتراجع عن مسار الحرب

على الرغم من الرغبة الجامحة لنتنياهو وحكومته لاستمرار القتال، إلا أنه ما تزال هناك تحديات قد تؤثر على مسار التصعيد، تأتي أولى هذه القيود من الحراك الداخلي الرافض لمسار الحرب، ولا سيما من جانب أُسر الأسرى وداعميهم الذين يرون أن نتنياهو يُضحي بذويهم لأهداف سياسية بحتة تخصه وتخص تحالفه «المتشدد»، فالمشهد الإسرائيلي قابل للانفجار في أي وقت وقد تنقلب محاولات نتنياهو توظيف الحرب من أجل دعم بقائه في السلطة، وفرض مزيد من السيطرة على المشهد السياسي والعسكري، وتجنب محاكمته وتمرير قانون الإصلاح القضائي، ضده بين عشية وضحاها.

ربما يُراهن نتنياهو من خلال العودة للقتال واستهداف أعداد كبيرة من المدنيين، على إرغام «حماس» وفصائل المقاومة من أجل تسليم بقية الرهائن، بل والضغط على الوسطاء من أجل الضغط على «حماس» لقبول شروط إسرائيل، لكن من المُستبعد أن تقبل الفصائل مهما زاد الضغط العسكري الانصياع لإرادة نتنياهو، ربما لأن الأسرى هي الورقة الأهم في يد المقاومة، فضلًا عن أن الواقع يُشير إلى أن الفصائل لديها الاستعداد للقتال رغم الظروف الصعبة، كذلك فإن هناك إجماع كبير لدى الاستراتيجيين، بأن هدف تحقيق نصر حاسِم ضد «حماس» أمر غير وارد وبعيد المنال.

من جهة ثانية، ما يزال ترامب صاحب سلوك غير مُتوقع، وفي ظل الضغوط الكبيرة الرافضة لاستئناف القتال، فضلًا عن رهان ترامب على دفع السلام العالمي قدمًا، وعدم رغبته في توسع الصراع في الشرق الأوسط، فإنه قد يسحب دعمه لاستمرار القتال، وقد يُمارس الضغوط على نتنياهو للعودة إلى مسار الهدنة، خصوصًا أن ترامب قد يجد ضغوطًا من جانب حلفائه الخليجيين الذين يُراهن عليهم في كثير من القضايا وتنفيذ العديد من أهدافه سواء على الجانب الاقتصادي، أو الوساطة في الصراع في أوكرانيا، كما أن الحرب الإسرائيلية على غزة تقوض نفوذ واشنطن وتزيد من معدلات الكراهية ضدها في المنطقة، كما قد توفر الحرب فرصة للمنافسة الجيوسياسية من جانب روسيا والصين، لتعطيل جهود ترامب لتحقيق هدف «أمريكا أولًا».

بالإضافة إلى ذلك، تواجه إسرائيل حملة انتقاد عالمية واسعة النطاق، ويجد وقف إطلاق النار تأييدًا كبيرًا على نِطاق واسع، والعودة للقتال تُسهم في تآكل صورة إسرائيل عالميًا، وتدمر سرديتها التي تكلفت الكثير من أجل الترويج لها منذ عقود، كما أن العودة للقتال وتجدد حرب الإبادة على غزة، يدعم السردية الفلسطينية وُيعيد إحياء مسار التسوية العادل المبني على الشرعية الدولية، وربما الاستمرار في ذلك قد يُغير ويضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل وقف التصورات السلبية المتنامية عالميا ضد إسرائيل.

وأخيرًا، لا شك أن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ليست قضية محلية، بل هي قضية لها دوافعها وارتداداتها الإقليمية والعالمية، وهو أمر قد يُشعل الصراع على نطاق واسع، وربما تعود جماعة «أنصار الله الحوثي»، إلى استئناف هجماتها على ممرات الشحن قرب حدود اليمن البحرية، وقد تستأنف الجماعة هجماتها على إسرائيل، وربما تجد إيران في التصعيد الراهن فرصًة من أجل إرباك المشهد الإقليمي، والإفلات من الضغوط الأمريكية بشأن ملفها النووي، وقد تتحرك عبر وكلائها بما في ذلك «حزب الله» الذي يتعرض لضغوط غير مسبوقة، الأمر الذي قد يدفعه لاستغلال الحرب ذريعة لإعادة تقديم نفسه. وربما لا يقتصر هذا الحراك على محور إيران، فسلوك إسرائيل الجنوني يُثير حفيظة القوى الإقليمية كالسعودية ومصر وتركيا وسوريا، والذين يستشعرون التهديد من النزعة التوسعية ونزعة الهيمنة الإقليمية التي يتبناها نتنياهو وفريقه، والذين يستمدون أفكارهم من أيديولوجيا عدائية بلا حدود، ووجود مقاومة من هذه الأطراف قد يُغير حسابات نتنياهو بشأن التصعيد.


 [ME1]أعادت الطائرات الإسرائيلية قصف غزة في 17 مارس الحالي، وهو بدء انهيار وقف إطلاق النار رسميًا

 [ME2]تم التوصل رسميًا للاتفاق 15 يناير.. و19 يناير تم تنفيذ المرحلة الأولى منه.

 [ME3]تم توحيد الاسم، فتارة كُتب نتانياهو وأخرى نتنياهو —

 [ME4]هناك اختلاف في عدد الرهائن..

مصادر تتحدث عن 61 رهينة منهم 35 رهينة حية 

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير