لن يناقش عديدٌ من المسؤولين في باكستان علانيةً برنامجَ إيران النووي ومشكلات طهران المتعلقة بالاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية، وهم محقّون في ذلك، فهو لا يهمّنا. ولكن باكستان تراقب عن كثبٍ الدبلوماسيةَ الدولية بشأن هذا الاتفاق. فالاتفاق جيّد في حدّ ذاته، ولكن المشكلة تنبع من خيارات السياسة الخارجية الإيرانية التي دفعت عديدًا من الدول إلى استغلال الاتفاق المبرم في زيادة الضغط على إيران، بينما تراقب باكستان ما يجري لسببين، الأول: كونها جارة لإيران، وبصرف النظر عن الاستقرار الإقليمي فإن لهذه القضية تداعيات على انتشار الأسلحة النووية. وعلى الرغم من أنه لا يمكن المقارنة بين التاريخ النووي لإيران وباكستان فإن باكستان ترغب في تحاشي أن تكون في موقف إيران. وقد يكون السبب الثاني باعثًا على القلق بشكل أكبر، فقبل أكثر من عقد من الزمان أبلغت إيران، وليبيا (إلى حدّ ما تحت حكم القذافي) الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن باكستان قدمت لهما المساعدة في البرنامج النووي لكل منهما، مما سلط أنظار العالم نحو باكستان، وحين أجرت إسلام آباد تحقيقًا داخليًّا لم يجد المحققون أي دليل على تورّط رسمي باكستاني بهذا الأمر، إلا أن العالِم البارز الدكتور عبد القدير خان قَبِل أن يتحمّل المسؤولية الشخصية في نقل التكنولوجيا النووية الباكستانية إلى إيران ودول أخرى.
إيران وليبيا استغلّتا باكستان في استمالة الوكالة الدولية للطاقة الذرّية والقوى الغربية، وربما ظنّ البلدان أنهما سيخرجان من هذا المأزق من خلال تقديم حجّة دامغة بأن باكستان متورّطة. وبغضّ النظر عن وضعهما وصمة عارٍ على سجلّ الأمن النووي الباكستاني، فإنّ الحادثة لم تكلّف باكستان الكثير في رأس المال الدبلوماسي. والأهم من ذلك أنها لم تصرف الاهتمام الدولي عن ليبيا وإيران، إذ تم تفكيك البرنامج النووي الليبي بينما لا يزال البرنامج النووي الإيراني يواجه المصاعب بعد 14 عامًا. أحد مجالات الاهتمام بالنسبة إلى باكستان في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي هو مدى ارتباط هذه القضية ارتباطًا وثيقًا بسياسات طهران الخارجية، بينما تضع القوى الغربية بهدوءٍ قاعدة جديدة وهي أن خيارات السياسة الخارجية لبلدٍ ما تؤثر تأثيرًا مباشرًا على صورتها كقوة نووية مسؤولة، ومثال ذلك إيران وكوريا الشمالية. فقد منح الاتفاق النووي إيران قبولًا على الصعيد الدولي، ورفع عنها العقوبات التي قوضت تجارتها، وسمح لها باستعادة 100 مليار دولار من الأصول المجمدة. وكان المنطق الذي استند إليه الاتفاق أن التطبيع سيساعد القيادة الإيرانية على تغيير بعض سياساتها الإقليمية وتحويلها من عقلية ثورية إلى أخرى طبيعية. وهنا تبرز الصلة بين أي دولة مسلحة نوويًّا وسياستها الخارجية، فبعد مرور ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق لم تبدِ إيران أي إشارات لإنهاء حروبها في اليمن وسوريا وفي بلدان متعددة في المنطقة التي تتدخل فيها بمستويات متباينة.
وخلال الأسبوع الماضي وبينما كان النقاش يحتدّ حول الاتفاق النووي، كان آخر ما يحتاج إليه الدبلوماسيون الإيرانيون المُجهَدون هو وقوع أزمة دبلوماسية مع المغرب، وهي عضو مؤسس في منظمة التعاون الإسلامي، إذ قطعت المغرب العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطردت السفير الإيراني. واتهمت وسائل الإعلام المغربية الحرس الثوري الإيراني بتزويد جماعة انفصالية تقاتل الحكومة بالسلاح. المغرب حليفة للولايات المتحدة، وخلال العام الماضي اتهمت ثلاث دول أخرى على الأقل (الكويت وطاجيكستان ونيجيريا) إيران باتهامات مماثلة. ووفقًا لما ذكره بعض الخبراء فعلى الرغم من أن الاتفاق النووي يأخذ مجراه، فإنه لم يغيّر من سلوك إيران الإقليمي. وإن طرأ أي تغيير فهو أن إيران تبدو اليوم أكثر ثقة وعدوانية. ويعتقد بعض الخبراء أن هذا يعني أن إيران قد تستأنف برنامجها النووي في المستقبل، وقد لا يتمكن الرئيس ترامب من الاعتماد على ألمانيا والمملكة المتحدة لإعادة التفاوض على بنود الاتفاق النووي أو تغيير السياسات الإيرانية، بينما تستطيع هذه الدولتان وغيرهما من دول أوروبا أن تعرقل ترامب وأن تقدم لإيران قدرًا من المساعدة الدبلوماسية. ولكن واشنطن تبدو مستعدّة للاستبدال بحلفائها الأوروبيين في هذه المسالة تحالفًا ناشئًا في الشرق الأوسط يعارض السياسات التي تتبعها إيران، ومن المؤكد أن المغرب ستنضم إليه، بينما قد أشارت مصر إلى أنها منفتحة على فكرة نشر جيوش عربية في سوريا، كما أن كلًّا من المملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل يحملون تظلمات خاصة ضد سياسات إيران.
إلى أي درجة يمكن أن تعتمد إيران على دعم الصين وروسيا؟ فبصرف النظر عن كل هذا الصخب فإن موسكو وبكين تسعيان لتحقيق المصالح وليس الآيديولوجيات. فقد رفضت روسيا توفير غطاء للأسد أو القوات الإيرانية في سوريا من الهجمات الصاروخية التي شنتها إسرائيل ودول الغرب، وقامت موسكو بحماية قواتها فقط، كما تساعد الصين الولايات المتحدة في كوريا الشمالية بينما تدير حربًا تجارية مع الولايات المتحدة، وقدمت فيها مؤخرًا بعض التنازلات. وستدعم روسيا والصين إيران إلى درجة معينة، ولكن من غير المرجح أن تخوضا حربًا مع الولايات المتحدة من أجل الدفاع عن سياسات إيران الخارجية.
لذا، فالنقطة المهمة هي أن امتلاك الأسلحة النووية يستلزم اتخاذ سياسة خارجية مسؤولة، وبينما تتعثر إيران في هذه النقطة فإن باكستان قد تعلّمَت الدرس مبكرًا، فإسلام آباد تمتلك أحد أفضل نظم القيادة والسيطرة النووية في المنطقة، وهذا لا يعني أن باكستان محصنة تمامًا من القوى الكبرى كالولايات المتحدة، إذ إنها قد تستغلّ المسألة الأمنية المتعلقة بالأسلحة النووية الباكستانية لتحصل على تنازلات في أماكن أخرى مثل أفغانستان، فقد قامت واشنطن بما يشبه هذا الأمر مؤخرًا، عندما فرضت عقوبات على عديد من الشركات الباكستانية التي يُشتبه بتورطها في التجارة النووية. وليست هذه العقوبات بالخانقة، فهي تطلب من الشركات الأمريكية الحصول على تراخيص خاصة قبل التعامل مع تلك الشركات، ولا ترقى إلى مستوى حظر الأصول أو تجميدها. ويعتقد عديد من المحللين أن الأمر يتعلق بأفغانستان أكثر من التجارة النووية.
وللأسف فإن الهجوم الانتحاري الذي وقع خلال الأسبوع الماضي واستهدف حافلة كانت تقلّ عاملين بالوكالة الباكستانية للطاقة الذرّية، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية، عاملان دعما المشكّكين في الإشارة إلى مشكلة عدم الاستقرار المزمن في البلد الذي يغذي النظريات الجامحة عن الترسانة النووية.
باكستان ليست دولة هشة، غير أنها بحاجة إلى مشاركة عالمية أكثر قوة على مستوى يتلاءم مع القوة النووية المستقرة والناضجة والمزدهرة التي تتمتع بها باكستان.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد