أعلنت الحكومة الألمانية مؤخرًا، حظر الجناح السياسي لـ «حزب الله» المدعوم من إيران، وقد يدفع هذا الحظر بعض دول أوروبا إلى اتّخاذ خطوات مماثلة. وعلى الرغم من الحظر الألماني للحزب، فإنّ النقاش لا يزال غير محسوم في أوروبا حول ما إذا كان «حزب الله» منظَّمة إرهابية أم لا، حتّى هذه اللحظة.
وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية الحظر يوم 30 أبريل، بعد أن داهمت الشرطة أربع جمعيات تُشرِف على مساجد يُشتبه في ارتباطها بـ«حزب الله».
وفي أغسطس الماضي، نشر مسجد تابع للحزب في مدينة مونستر الألمانية مقطع فيديو مروِّعًا على صفحته بموقع «فيسبوك»، أعلن فيه عن فخره بما صُنِّف أنشطةً إرهابيةً، وعن ولائه للمرشد الإيراني علي خامنئي.
وقد سبق خطوة حظر الحكومة الأمانية لـ «حزب الله» في البلاد، إقرار البرلمان الألماني مذكِّرة تطالب بحظر جميع أنشطة الحزب وذلك في ديسمبر 2019م، إذ كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظ) الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل قد أدار نقاشًا في البرلمان حول حظر «حزب الله»، وقد أيَّد حزب ميركل في هذا الصدد الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي ينتمي إلى يسار الوسط والحزب الديمقراطي الحُرّ والبديل من أجل ألمانيا، وهو حزب يمينيّ ومناهض للهجرة ومؤيِّد لحظر الجناح السياسي لـ «حزب الله» منذ يونيو الماضي.
وتنتقد الأحزاب الألمانية الأربعة أنشطة جمع الأموال التي يزاولها «حزب الله» في ألمانيا، وتجنيد الحزب لعناصر جُدُد فيه، ونشره الفكر الجهادي. وعلى الرغم من جميع الأسباب المذكورة، فقد عارض نيلز أنين وهو وزير دولة في وزارة الخارجية الألمانية وينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فرض الحظر على الحزب الموالي لإيران في عام 2019م، بتأييد حزب الخضر الألماني، والحزب اليساري، وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، وغيرها.
ويرى البعض أنّ قرار ألمانيا حظر «حزب الله» جاء متأخِّرًا جدًّا، وأنّه جاء بعد محاولاتٍ عديدة من الولايات المتحدة وإسرائيل للضغط على الحكومة الألمانية لحظر الحزب، إذ أصرَّت ألمانيا على إيجاد حلول سياسية قبل قرار الحظر.
وتقدِّر السلطات الألمانية من ينتمون إلى «حزب الله» ويعيشون على أراضيها بنحو 1050 شخصًا، وقد ارتفع عددهم ارتفاعًا كبيرًا في الفترة من 2017م إلى 2018م في ولاية شمال الراين – فستفالن، وتزامن هذا الارتفاع مع تنامي معاداة الساميّة في ألمانيا، وقد عمل المجلس المركزي ليهود ألمانيا منذ تلك الفترة على زيادة الوعي العام بضرورة حظر «حزب الله».
والسؤال الآن: هل سيقود القرار الألماني الاتحاد الأوروبي -نظرًا إلى زيادة عدد مجنّدي «حزب الله» في أوروبا- إلى حظر أنشطة الحزب السياسية؟ يبقى السؤال مطروحًا في ظلّ غياب نهج أوروبيّ موحّد تجاه هذا الموضوع.
ويُذكَر أنّ الاتحاد الأوروبي قد أضاف الجناح العسكري التابع لـ «حزب الله» إلى قائمة الإرهاب في عام 2013م، بعد الهجوم الدموي على حافلة كانت تُقِلّ سيّاحًا إسرائيليين في بلغاريا عام 2012م.
ويرى سفير الولايات المتحدة لدى ألمانيا ريتشارد غرينيل أنّ على الاتحاد الأوروبي أن يقتدي بألمانيا في حظر «حزب الله»، لا سيّما بعد مساهمته في زيادة عدد قتلى الحرب الأهلية السورية، التي أودت بحياة 400 ألف شخص.
وقد أيَّد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النوّاب الأمريكي إليوت إنجل القرار الألماني، بينما انتقد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله الحظر الألماني، قائلًا إنّه من المتوقَّع أيضًا أن تُقدِم دول أوروبية على عمل من نفس النوع، بسبب الضغوط الإسرائيلية عليها، إذ أدان نصر الله -في خطاب متلفز يوم الاثنين 4 مايو الجاري- الحظر الألماني، ونفى أن يكون حزبه قد خطَّط لعمليات في أوروبا أو أيّ دولة أخرى، كما عدّ نصر الله الحظر خضوعًا ألمانيًّا للضغوط الأمريكية، بينما رحَّبت المملكة العربية السعودية بالحظر الألماني، وأدانته سوريا وإيران.
ولم يتبيَّن بعدُ تأثير الحظر على علاقات ألمانيا مع لبنان، إذ تشغل الجماعات الموالية لـ «حزب الله» ثلاثة من أصل 30 منصبًا وزاريًّا في الحكومة، بالإضافة إلى عدد من المقاعد البرلمانية. وتصرّ إيران على أنّ «حزب الله» جزء أصيل شرعيّ من المجتمع اللبناني، وأنه قدَّم دورًا كبيرًا في محاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش». لذا عارض عديد من السياسيين الألمان فرض حظر شامل على «حزب الله»، ودعوا إلى عدم حظر جناحه السياسي.
ويرى غرينيل أنّ الحظر لن يضرّ قنوات التواصل مع لبنان، وسوف يسهم في زيادة الضغط المالي على «حزب الله».
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على «حزب الله» في مايو 2018م، شملت اثنين من ممثِّلي الحزب في إيران، بالإضافة إلى خمس شركات تابعة للحزب تعمل في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. وتُعَدّ كلٌّ من اليابان وأستراليا وكندا وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، «حزبَ الله» منظَّمةً إرهابيةً، فيما فرضت تلك الدول عقوبات على «حزب الله» مع الحفاظ على علاقات قوية مع لبنان.
وفي أعقاب الحظر الألماني، سيكون من الصعب على الحزب إقناع الدول الأوروبية الأخرى بعدم ضلوعه في أنشطة وعمليات قد تتسبَّب في اضطرابات مجتمعية أو تمسّ بأمن تلك الدول. ويبدو -حتّى الآن- أنّ تصريحات «حزب الله» ومؤيِّديه في إيران تحمل نبرة التحدِّي، إذ توعَّدوا بأن تتحمَّل ألمانيا تبعات قرارها، لذا فإنّ الحظر الأوروبي الكامل على «حزب الله» سوف يُمكِّن الدول الأوروبية الأخرى من الانضمام إلى ألمانيا في جهودها لإنهاء عمليات «حزب الله» على الأراضي الأوروبية.