بعد عام فريد من نوعه

https://rasanah-iiis.org/?p=11258

بواسطةمرتضى كاظميان

يُعتبر كلّ عام في حد ذاته فريدًا من نوعه، إلا أن العام الماضيّ كان عامًا غير مسبوق، ورغم أن عدد السنوات المختلفة التي تميزّت من غيرها في تاريخ إيران بعد الثورة ليست كثيرة كـ1979 و1981 و1988 و1997 و2009، فإنهُ بإلقاء نظرة سريعة على أهمّ أحداث العام الماضي السياسية والاجتماعية نرى كم كان هذا العام مختلفًا، بل وقد يكون مؤثِّرًا على مضمون العام القادم. 

وبغض النظر عن الأحداث المريرة للغاية التي وقعت، مثل انهيار منجم يورت في أبريل، وزلزال كرمانشاه في أكتوبر، واحتراق وغرق الناقلة سانتشي في ديسمبر، وسقوط طائرة شركة “آسمان” في يناير الماضي التي تسببت في مقتل مئات من المواطنين وإلحاق الضرر بآلاف الأُسر، فإن الإشارة إلى الأحداث التالية خلال العام الماضي أمرٌ لا يمكن اجتنابه:

1 مايو 2017: الانتخابات الرئاسية التي أحدثت ثنائية في الأقطاب بالدولة، وذهبت أبعد من اختيار رئيس السلطة التنفيذية، وتناولت على نحو ما موضوع خليفة المرشد الحالي، إذ إن حسن روحاني وإبراهيم رئيسي كليهما من ضمن الخيارات المطروحة لمنصب “المرشد الثالث” في تاريخ النظام، بعد موت المرشد الحالي بالطبع، وقد كان لحضور رئيسي في هذه الانتخابات أهمية خاصَّة، إذ ارتبط اسمه بملفّ مذبحة المعارضين السياسيين التي حدثت عام 1988، ورافق ذلك كثير من الأحداث الجانبية.

2- يونيو 2017: هجوم عناصر داعش على مبنى البرلمان، وهي حادثة تَسبَّبَت في تشديد الحالة الأمنية المسيطرة على الأجواء السياسية في الداخل الإيراني، وأصبحت ذريعة لمزيد من التدخُّل العسكري والأمني من النظام الإيراني في سوريا.

3- ديسمبر 2017: الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في عشرات المدن، التي أُطلقت فيها شعارات حادّة تُندِّد بالنظام السياسي، وجرى قمعها، وكانت حصيلتها عشرات القتلى وآلاف المقهورين والمعتقَلين.

4- شتاء 2017: الاحتجاج على الحجاب الإجباري وظهور حركة اجتماعية ذات مغزًى واضح محتجة على النظام والأوضاع القائمة السيئة.

5- يناير 2018: القمع الجماعي والدامي لفرقة “دراويش غنابادي” وفرض الإقامة الجبرية بشكل غير رسمي على قُطبهم الدكتور نور علي تابنده.

6- يناير 2018: الاعتقال بالجملة لجماعة من النشطاء البيئيين من خلال استخبارات الحرس الثوري، وتوجيه تهمة التجسُّس لهم، ووفاة الدكتور كاووس سيد إمامي في الحبس الانفرادي.

7- فبراير 2018: مواجهات غير مسبوقة بين أهالي مدينة ورزنه في محافظة أصفهان، وقوات الأمن والقوات الخاصة، على خلفية الاحتجاج على نقل مياه نهر زاينده رود إلى مدينة يزد.

8- يناير 2018: رسالة مهدي كروبي المفتوحة والمهمة إلى المرشد علي خامنئي من مقرّ إقامته الجبرية غير القانونية التي دخلت عامها الثامن.

9- رسالة محمود أحمدي نجاد المفتوحة إلى المرشد الإيراني واحتجاجه الحادّ هو وأنصاره (بقائي ومشائي) على كبار المسؤولين في السلطة القضائية ووكالة استخبارات الحرس الثوري والإذاعة والتليفزيون.

10- انتشار استخدام موقع “تليغرام” إلى جانب رواج بعض الشبكات الاجتماعية الأخرى، ودورها المؤثّر في حياة الإيرانيين الاجتماعية والسياسية، ومحاولات اليمين المتطرف إنهاء دور هذه الشبكات والبرامج داخل إيران.

هذه الأحداث المهمة والخاصة المذكورة، حوَّلت ذلك العام إلى عام مُتخَم بالقلق والأحداث السياسية والاجتماعية الجديرة بالتأمّل، وجعلته يختلف عن غيره من الأعوام التي مرت من عمر النظام الإيراني بعد الثورة.

لكن ما نرمي إليه، وما هو أبعد من سرد هذه الأحداث، هو التبعات المترتبة عليها في العام الجديد، فبالإضافة إلى المراقبين والمحللين السياسيين المستقلِّين أو الموجودين داخل المجتمع المدني، فإن كثيرًا من المسؤولين في النظام أو المقربين من السلطة في إيران أكّدوا احتمالية استمرار الاحتجاجات واتساع رقعتها خلال العام الجديد.

ولو انتفت فكرة “موت المرشد الإيراني”، وحتى لو لم تظهر أي تحديات جديدة في علاقات الغرب مع إيران، بخاصة الولايات المتحدة (بينما في الحقيقة تشير الدلائل إلى خلاف ذلك، وإلى احتمال اتساع الأزمة في العلاقات الإيرانية مع الغرب ونتائجها التي لا مفرّ منها على الاقتصاد والسياسة في إيران)، فإنه لا يمكن تجاهل التبعات الاجتماعية-السياسية المترتبة على الأحداث المذكورة خلال العام الجديد.

لقد اتّسعت الفجوات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في إيران، إذ تَحوَّلَت الاحتجاجات الخفية الهامسة على السياسات الأساسية للنظام وحالة الاستياء من سلوكيات مؤسَّساته إلى رسائل مفتوحة وصرخات علنية في الشارع وحتى في أثناء صلاة الجمعة، وانتشرت على مستوى الدولة بأكملها، أما المحتجُّون فلم يعودوا يُصابون بالرعب في أثناء مواجهاتهم مع قوات الشرطة والأمن، بل أصبحوا يُظهِرون مقاومة وشجاعة في هذا الأمر، وكل هذا يحدث في “مجتمع حركي” أصبح يعيش حالة من توالي الأزمات إلى جانب وعي سياسي، بحيث أصبح لدى كلّ حادثة اجتماعية واقتصادية القدرة على التحوُّل إلى احتجاج سياسي، وإظهار حالة الاتّساع المتنامي في صدع انعدام الثقة بين المجتمع والحكومة.

وبناءً على ما ذُكر، وبالنظر إلى الأحداث المهمة والخاصة والنادرة التي حدثت خلال العام الماضي، فإنهُ يبدو أن العام الجديد سيكون عامًا مختلفًا للغاية في تاريخ النظام الإيراني وحياة الإيرانيين السياسية-الاجتماعية، أما التطورات الهامَّة التي حدثت، فهي منوطة بمقدار وكيفية قدرة التأثير الإيجابي لنشطاء المجتمع المدني واللاعبين والقوى السياسية داخل إيران على العملية برمّتها.

مادة مترجمة عن موقع زيتون


 الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد
مرتضى كاظميان
مرتضى كاظميان
كاتب و محلل سياسي