ربط ميناء تشابهار الإيراني بنجاح بين أفغانستان وبحر العرب. وقد سافر الرئيس الأفغاني أشرف غني مع قافلة مكونة من 23 شاحنة مع حمولة تزن 570 طنًا إلى مدينة زارنج الحدودية، إذ أشاد بـ «التعاون السليم بين الهند وإيران وأفغانستان». وأرسل رسالة إلى الجارة والشريك التجاري الأكبر لبلاده باكستان قال فيها إن «أفغانستان أصبحت بلدًا ساحليًّا». في أكتوبر 2017، شحنت نيودلهي 1.1 مليون طن من القمح إلى كابول عبر ميناء تشابهار، الذي تديره شركة موانئ الهند العالمية المحدودة. وأنجزت حكومة مودي عملًا مذهلاً من خلال إقناع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإعفاء من العقوبات الأمريكية على ميناء تشابهار وواردات الهند النفطية من إيران، حيث ينتهي الإعفاء في أبريل ما لم تجدده الولايات المتحدة لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر أخرى.
يمكن أن تنجح نيودلهي بالحصول على موافقة ترامب لتمديد إعفاءها لثلاثة أسباب:
أولاً: هدف الولايات المتحدة هو مواجهة الانتشار الصيني في بحر العرب من خلال قيام بكين بتطوير ميناء جوادر وميناء تشابهار واللذان يعتبران الأنسب لتحقيق هذا الهدف. ثانيًا: تريد إدارة ترامب عزل باكستان وتقليص اعتماد أفغانستان الاقتصادي على إسلام أباد عن طريق تقوية الروابط الاقتصادية بين نيودلهي وكابول. ثالثًا: ستساعد الهند في بناء اقتصاد أفغانستان وربط كابول بالمنطقة، وهذا من شأنه أن يقلل بطبيعة الحال من اعتماد البلاد المنكوبة بالحروب على الولايات المتحدة، مع إرهاق واشنطن نفسها مالياً عبر العالم. على الرغم من هذه الأسباب، فمن غير المؤكد أن الهند ستحصل على إعفاء آخر من الولايات المتحدة بشأن إيران. لقد تحدث بعض المسؤولين الأمريكيين عن تخفيض فترة الإعفاء إلى ثلاثة أشهر بدلاً من ستة أشهر، بينما يعارض آخرون تمامًا أي تمديد.
يطرح طريق كابول إلى تشابهار للوهلة الأولى الكثير من المطامع. ويتمثل التحدي الرئيسي للتجار الأفغان في عدم قدرتهم على العمل مع البنوك الإيرانية، حيث أنها مدرجة في القائمة السوداء وتعامل التجار يمكن أن يعرضهم لخطر العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. أما التحديات الأخرى فهي أكثر لوجستية وبيروقراطية ومتعلقة بالناحية الأمنية. ويمكن أن تكون المشاكل الأمنية وحدها كابوسية ليس فقط بسبب الظروف الداخلية لأفغانستان ولكن أيضًا بسبب الظروف الإيرانية. في حين أن المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان مستمرة، لا يوجد وقف لإطلاق النار على الأرض. ومع انتعاش النشاط التجاري، لن يتجاهل المخربون العمال الأجانب وكذلك نقل البضائع بقيمة ملايين الدولارات. أضف الى ذلك النشاط المتصاعد للمسلحين البلوش في مقاطعة سيستان – بلوشستان الإيرانية يفرض تحذيرًا شديد اللهجة لمن يستخدمون هذا الطريق التجاري. كما أن الحدود الأفغانية الإيرانية التي تخضع لحراسة مشددة لا تزال قناة أساسية للسلع والمخدرات والأسلحة التي يتم تهريبها وكذلك لحركة المقاتلين.
قامت الهند ببناء الطريق المؤدي إلى زرنج والذي يحتاج إلى صيانة دورية بسبب حركة المرور الكثيفة والمناخ القاسي الذي تتعرض له المنطقة. كما أن الجسر الذي يربط بين إيران وأفغانستان لا يصلح لحركة المرور الكثيفة وهو أيضًا ضيق للغاية، ولم تفِ حكومة غني بتعهدها بإزالة العوائق اللوجستية على طريق زرنج – دلارام السريع.
وأفادت الأنباء أن الفساد متفشٍ عند نقطة العبور، مما يعزز الأعمال غير المشروعة ويقوض الغرض الأساسي المتمثل في تعزيز تجارة أفغانستان. لا توجد بنية تحتية عالية التقنية على طول هذا الطريق، مما يسمح بإمكانية تهريب المخدرات والأسلحة. وقد تزيد رسوم التأشيرات وعدم توفر مرافق الإقامة أو محطات الوقود من فشل التوقعات التجارية. بالنسبة لسائقي الشاحنات، فإن الطريق أكثر تعقيدًا من الطريق التاريخي لباكستان عبر تورخام وتشامان. في الآونة الأخيرة، أمر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مؤسساته باتخاذ الاجراءات اللازمة لتشغيل المعابر الحدودية مع أفغانستان على مدار الساعة. وبسبب التوترات الحدودية، يجب إغلاق الطريق التجاري مرة واحدة لمدة 50 يومًا. لم يقتصر الأمر على معاناة التجار من كلا الجانبين، فقد واجه المستهلكون في أفغانستان أيضًا نقصًا في الإمدادات. قاومت إيران حتى الآن الطلب الأفغاني بإبقاء المعبر مفتوحًا على مدار الساعة طوال الأسبوع.
ومع ذلك، لا تزال أفغانستان مرتبطة بإيران والصين وأوزبكستان وتركمانستان عبر السكك الحديدية. باستثناء الحالة الإيرانية التي تشوبها العقوبات، يمكن أن يصبح رابط السكك الحديدية شريان لوجستي بالغ الأهمية مع دول آسيا الوسطى. بغض النظر عن القيود التي فرضها الرئيس ترامب على إيران، تعمل الهند على مسار سكة حديد بقيمة 1.6 مليار دولار يربط زاهدان بتشابهار. وفي الوقت نفسه، تعمل الصين بشكل استباقي لإنجاز طريقها جوادر -كاشجار وخطوط السكك الحديدية بدلاً من الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني.
إن إعفاء الهند من العقوبات الأمريكية ضد إيران لم يترجم حقاً إلى أي تخفيف لأفغانستان باستثناء استفادة الهند من خلال تطويق باكستان وحظر الصين من الاستثمار في إيران. سوف تواجه التجارة بين الهند وإيران وأفغانستان عبر تشابهار تحديات خطيرة من ارتفاع التكاليف بالإضافة إلى عدم انتظام في قيمة وتواتر الشحنات. بينما طريق جوادر الأقصر والأكثر أمانًا لن يشمل فقط مشاركة باكستان ولكن أيضًا الصين، التي تمارس نفوذًا أكبر بكثير على أفغانستان من الهند بسبب سياستها الاستثمارية الكثيفة وسياسة عدم التدخل. وبعد اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وحركة طالبان واقتراب الانتخابات الأفغانية، يمكن أن تستخدم كابول بكين كوسيلة لمواجهة إسلام آباد وتسوية الخلافات الثنائية والمخاوف القائمة منذ فترة طويلة مع جارتها.
وعلى الرغم من توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران والاستثمارات الصينية والخليجية الضخمة في جوادر وكذلك في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، فإن الممر التجاري الثلاثي يحمل أهمية هائلة لأصحاب المصلحة. وبالنسبة للهند، تمتلك تشابهار إمكانية التوسع في أسواق آسيا الوسطى المربحة.
تلغي تشابهار جزئيًّا عزلة إيران الاقتصادية، وبالنسبة لأفغانستان، فإن السعي لإيجاد بديل للمياه الساحلية والعالم يتم من خلال ميناء تشابهار. وقد يبدأ قطف الثمار عندما تضع نيودلهي أموالها في مكانها الصحيح وتفرض كابول سلطتها على البلاد وتتخلص طهران من حالة العزلة التي تعاني منها.