زيادة أعضاء الاتحاد الأوروبي أمرٌ حاسم بالنسبة لمستقبل القارة الأوروبية؛ فقد غدت من أهمّ المسائل الجدلية، التي تخوضها الدول الأوروبية في العقد المقبل. وهذا لا يقِلّ أهمِّية عن الجدل الدائر حول السيادة الاقتصادية الأوروبية، والمصالح الأوروبية المتنامية فيما يتعلَّق بقضايا الأمن والدفاع. لذا؛ على بروكسل أن تعِي كيف ستُصبِح ذات ثِقَل جيوسياسي مُعتبَر، دون أن تفقدَ تماسُكها الداخلي، وفي الوقت نفسه، أن تُظهِر نفسها على أنَّها صاحبة مشروع سياسي مهم للمرشَّحين الجُدُد المُحتمَلين؛ لكي يُصبِحوا أعضاءً كاملي العضوية في الاتحاد الأوروبي.
من أجلِ بناء مكانته كفاعلٍ جيوسياسي رئيسي، لا سيّما في مجال الأمن والدفاع، يتعيَّن على الاتحاد الأوروبي إنهاء التناقض الظاهر بين عملية زيادة عدد أعضاء المجلس في الجوانب التكنوقراطية والبيروقراطية رفيعة المستوى من ناحية، والبُعد السياسي لأيّ قرارٍ أوروبي للترحيب بعضوٍ جديد كاملِ العضوية من ناحيةٍ أخرى. وسيكون قرار قبول أو عدم قبول عضوية أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا في العقد المقبل عاملاً أساسيًا؛ لكي تتمكَّن أوروبا من تجنُّب عدم الاستتباب الأمني على طولِ حدودها الشرقية. وفي هذا الصدد، يدعو العديد من المراقبين الأوروبيين إلى اتّخاذ قرار سريع إزاء الأعضاء الجُدُد، ويحثُّون على إجراء إصلاحات داخل الاتحادِ الأوروبي؛ لتجنُّب أزمة في الحُكم.
يُعَدُّ قرار زيادة أعضاء مجلس الأمن نقطة تحوُّلٍ تاريخية، وهُنا تجدر الإشارة إلى أنَّ توسيع الاتحادِ الأوروبي قد جُمِّدَ منذ انضمام كرواتيا في عام 2013م. وفي يونيو 2022م، تقرَّر منْح مولدوفا وأوكرانيا وضْع المُرشَّح لعضوية الاتحاد الأوروبي، والاعتراف بجورجيا كمرشَّحٍ مُحتمَل، وكان هدف الاتحاد الأوروبي من وراء ذلك، التعبير عن رفْض الاتحاد إقامة روسيا منطقة نفوذٍ على حدودها الشرقية.
كما أنهى هذا القرار فكرة «الجوار المشترك» بين الاتحاد الأوروبي وموسكو. ومع ذلك، تُختبَر الحدود الجيوسياسية، التي رُسِمَت معالمها مُؤخَّرًا نظرًا لخطر الصراعِ المتزايد بين الدول الأوروبية، التي تدعم المجهود الحربي الأوكراني ضد روسيا، مع الافتراض القائل إنَّ أمد الصراع سوف يطول. وعلاوةً على ذلك، يُوجَد جدل بين الدول الأوروبية إزاء فكرة منْح أوكرانيا عضويةً كاملة في الاتحاد الأوروبي؛ ويمكن تفسير هذا الجدل بعاملين: أولًا، من وجهة نظر مؤسَّسية، من الصعب التخلَّي عن المعايير الأوروبية من أجل منْح عضوية الاتحاد الأوروبي مرَّةً أخرى، كما كان الحال بالنسبة لزيادةِ عدد أعضاء الاتحادِ الأوروبي في المرّات السابقة، ثانيًا، يجب أن يسبِق تعميق التكامل الأوروبي توسُّعٌ جغرافي لهذا الاتحاد.
تُوصَف الحدود الشرقيةِ على أنَّها قضيةٌ أمنية أوروبية، يمكن معالجتها من خلال الفكرة الفرنسيةِ المُتمثِّلة في وجود «المجتمع السياسي الأوروبي/ European Political Community (EPC)». هذا المجتمع مقترحٌ فرنسي قديم؛ لكي يكون لأوروبا العديد من الدوائر، لكن لكُلٍّ منها درجاتٍ متفاوتة من التكامل. وقد قدَّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكرتَه؛ «المجتمع السياسي الأوروبي» لتجنُّب «معضلة الخيار الصعب بين مجموعة من الخيارات الصعبة»، أو ما تُعرَف اصطلاحًا بـــ«Corneliandilemma»، التي تواجه الدول الساعية إلى أن تُصبِح أعضاء كاملي العضوية. وهذه أيضًا طريقة لمعالجة خطر مشاهدة تصاعُد الانقسامات الداخلية، بخصوصِ مسألة الترحيب بأعضاءٍ جُدُد كاملي العضوية في الاتحاد الأوروبي في وقت الحرب. ومن ناحية أخرى، لا تتماشى تمامًا فكرة التكامل ذات المستويات المختلفة مع الهدف السياسي الأوكراني وراء طلب البلاد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي: إنَّ هذا الأمر أكثر من مجرَّد محاولة للانضمام إلى الاتحاد، فهو بالنسبة لكييف، مسألة بقاء.
من تاريخ 23 يونيو إلى 24 يونيو 2022م، اتُّخِذ قرار المجلس الأوروبي بإضافة أعضاءٍ جُدُد إلى قائمة الدول الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ نظرًا لعدم إحرازِ تقدُّم في ترشيحات دولٍ أخرى، مثل بعض دول البلقان وتركيا. ومن المثير للاهتمام، ملاحظة أنَّه في يوليو 2022م، قرَّر الاتحاد إضافة ألبانيا ومقدونيا الشمالية إلى قائمة المرشَّحين، بعد ثماني سنوات لألبانيا و17 عامًا لمقدونيا الشمالية من الانتظار.
تُوجَد مجموعتان من الدول، التي ترغب في أن تُصبِح أعضاءً كاملي العضوية في الاتحادِ الأوروبي، وهي دول غرب البلقان الست (ألبانيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا). أمّا أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا، فقد أصبحت مرشَّحة بعد بداية حرب 2022م بين روسيا وأوكرانيا. يُثير هذا العدد الكبير من الدول، بعض الشكوك حول قُدرة الاتحاد الأوروبي على معالجة كل هذه الترشيحات، دون إصلاح معايير الانضمام إلى الاتحاد. ومن أجل تجنُّب إثارة مثل هذا النقاش، تتقدَّم باريس بطرح شكلٍ جديد من التعاون خارج إطار الاتحاد الأوروبي، وذلك لخلق مجال نفوذ أوروبي باتجاه الشرق، دون الحاجة إلى زيادة أعضاء الاتحاد الأوروبي. وبعيدًا عن النقاش التكنوقراطي، الذي سوف يُثار حول الشكل الإداري للتوسُّع الأوروبي، يتعيَّن علينا النظر في التكاليف المهمَّة لإعادة بناء أوكرانيا ودمجها، بالتزامن مع فرضيةٍ قائمة على إنهاء الحرب مع روسيا. وهُنا تُراهن أوروبا على تضاؤل قوة روسيا وهيمنتها في المنطقة، فيما بعد فترة الاتحاد السوفيتي، وأنَّها سوف تتضاءل على المدى الطويل، كما شهِدنا خلال المواجهة الأخيرة بين باكو ويريفان. ويُفسِّر هذا التحليل، لماذا يسعى الاتحاد الأوروبي إلى توسيع سياسة الجوار الشرقي لتشمل القوقاز وآسيا الوسطى. يُعَدُّ هذا الأمر أيضًا نهجًا أكثر واقعية من التعهُّد بإعطاء العضوية الكاملة لدولٍ جديدة، دون إصلاح الحُكم الداخلي للاتحاد الأوروبي، ودون تغيير معايير الانضمام.
الصحوة الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي، هي التحدي الأمني الماثل أمام الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومع ذلك، ومن أجل تجنُّب أن يضعف الاتحاد في حال توسُّعه، قد ترتأي بروكسل حلًا وسطًا بين فتح الباب من جديد لانضمام أعضاء جُدُد في الاتحاد، وتجاهل تطلُّعات دول أوروبا الشرقية من هذا الانضمام؛ فما يحتاج الاتحاد الأوروبي إليه الآن هو شراكات مَرِنة، بدلًا من تأجيله المستمر فتْحَ باب الانضمام له، حتى في وقت الحرب.