مع احتدام الأزمة الأوكرانية، تواجه الولايات المتحدة وأوروبا معضلات عديدة تتعلق بعدة ملفات أخرى، لا سيما تلك المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني ومحادثات فيينا.
ولا تزال المخاطر قائمة إلى حدٍّ كبير، بعد ما يقرب من عامين من المحادثات، ويبدو أن كلًّا من إيران والولايات المتحدة أقرب إستراتيجيًا في اتجاهاتهما نحو المرحلة النهائية من المحادثات النووية. وأشارت بعض التقارير إلى أن نهج إيران أصبح أكثر تشدُّدًا، إذ تُصِرّ على رفع العقوبات عن الحرس الثوري، وتريد «فتح القضايا التي اتُّفق عليها». وفي وسط الأزمة المستمرة في أوكرانيا، تعتزم إيران استغلال الموقف، والضغط على إدارة جو بايدن، للقبول بجميع مطالبها. وفي ظلّ الوضع السياسي الداخلي للولايات المتحدة، تواجه إدارة بايدن ضغوطًا من الحزب الجمهوري، ففي الآونة الأخيرة كتب أكثر من 160 عضوًا جمهوريًّا من مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الرئيس بايدن، وهدَّدوا بإحباط أي اتفاق نووي محتمَل مع إيران، وحذَّروا من أن أي اتفاق نووي يُبرَم بلا موافقة من مجلس الشيوخ سيُعارَض ويُلغَى، إذا استعاد الجمهوريون السلطة. كما أعرب النواب عن قلقهم الشديد من اعتماد واشنطن على روسيا وسيطًا في محادثات فيينا، خصوصًا في ظلّ عدوانها على أوكرانيا. وشكا رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور بوب مينينديز، من أن الملف الأوكراني صرف انتباه زملائه عن المحادثات مع إيران. وقال مينينديز إنه «غير مرتاح» لقلة الاهتمام بإيران، مضيفًا أنه «غير متأكد من أن زملاءه منهمكون جدِّيًّا في تحديات إيران في هذه الاثناء، كما يريدهم ]هو[ أن يكونوا».
ولقد ردَّد هذه المخاوف أيضا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، خلال زيارته إسرائيل. ويشير بعض النقاشات الداخلية في إيران إلى أن الأزمة الأوكرانية قد تصبّ في مصلحة طهران، إذ من المُرجَّح أن تتقارب طهران وموسكو ضد «عدوِّهما المشترك»، لا سيما بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات على روسيا. وقد يؤدِّي ذلك إلى إعلان كلا البلدين رسميًّا لوسائل الإعلام عن صفقة إستراتيجية منتظَرة، مثل تلك الموقَّعة بين إيران والصين.
ويُعَدّ برنامج إيران النووي مصدر قلق لروسيا والولايات المتحدة، ولكل منهما مصلحة مشتركة في الحد من طموحات إيران النووية. وقال دبلوماسيون وممثِّلون مطَّلعون على المعلومات الداخلية المتعلقة بمحادثات فيينا، إن الأحداث في أوكرانيا عجَّلت جهود التوصُّل إلى اتفاق.
وقال مسؤول إيراني كبير لـ«رويترز»، إن «الوقت ينفد، ومع ما يحدث في أوكرانيا قد تنشغل روسيا بالأزمة، ومن ثمَّ سيكون الغرب مسؤولًا عن فشل هذه المحادثات». وقالت إيران مؤخرًا إنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق، إلا إذا وافقت الولايات المتحدة على قبول مطالب طهران المتبقية. وحدَّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده المطالب الرئيسية المتبقية، وهي رفع جميع العقوبات، وإلغاء تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية خارجية، وضمان واشنطن عدم خروجها من أي صفقة محتمَلة مرةً أخرى، وحلّ المشكلات المتعلقة بآثار اليورانيوم التي عُثِر عليها في مواقع غير مُعلَن عنها في إيران. وأيَّدت طهران حتى الآن الموقف الروسي، وألقت باللوم على حلف شمال الأطلسي في تصعيد الأزمة الأوكرانية. وامتنعت إيران عن التصويت لقرار الأمم المتحدة، الذي يُدين غزو موسكو لأوكرانيا، وامتنعت عن المشاركة في محاولات عزل موسكو دبلوماسيًّا في الساحة الدولية.
وتؤثِّر الأزمة الأوكرانية في محادثات فيينا بأربع طرق رئيسية: أولًا، أسواق الطاقة أصبحت متقلبة في الأسابيع القليلة الماضية، ووصلت أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية جديدة في أوروبا. وفي حالة إحياء الاتفاق النووي مع تلبية المطالب الإيرانية، ستُرفَع القيود المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني، وسيكون قادرًا على التجارة والمساعدة على تعويض انقطاع إمدادات الطاقة الناجم عن الأزمة الأوكرانية. ثانيًا، لا تزال إيران عنيدة بشأن مطالبها، وتُصِرّ على أن تقدِّم واشنطن ضمانات مُلزِمة بأنها لن تنسحب من أي صفقة محتمَلة في المستقبل. وبالنظر إلى الأزمة السياسية الأمريكية الحالية والتوترات بين الديمقراطيين والجمهوريين، فمن غير المُرجَّح أن تكون إدارة بايدن في وضع يمكِّنها من تقديم مثل هذه الضمانات. من هنا، ولإجبار واشنطن، تنوي إيران ممارسة الضغط وسط محادثات فيينا لرفع العقوبات الأمريكية، واستغلال انشغال واشنطن بالأزمة الأوكرانية.
ثالثًا، طالبت روسيا بأن لا تؤثر العقوبات الأمريكية المفروضة مؤخرًا على موسكو، في التعاون بينها وبين وطهران، وقالت إن أي تحرُّكات لعرقلة هذا التعاون ستؤثِّر سلبًا في آفاق إحياء الاتفاق النووي. وتربط روسيا الأزمة الأوكرانية بمحادثات فيينا، وعليه تستفيد من موقفها في التفاوض مع الغرب. رابعًا، ألقت إيران وروسيا باللوم على الغرب في الأزمة الأوكرانية المستمرَّة، وأكد القادة الإيرانيون مرارًا أن الولايات المتحدة ليست شريكًا أمنيًّا موثوقًا به، وذلك لتقليص عدد حلفاء واشنطن الإقليميين، وزعزعة الثقة الأوروبية بالولايات المتحدة.