تداعيات التعريفات الجمركية المتبادلة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

https://rasanah-iiis.org/?p=37256

قد تفرض إدارة ترامب تعريفات جمركية متبادلة ابتداءً من 02 أبريل 2025م، مما يُسرَّع المساعي الدائرة في جميع عواصم العالم، ولاسيما أوروبا، لبدء المفاوضات مع واشنطن، بهدف ثنيها عن تنفيذها. وفي هذا الصدد، وجه الرئيس الأمريكي كلمات لاذعة للاتحاد الأوروبي، واصفًا هذا الحليف القديم للولايات المتحدة بــأنه »بغيض للغاية«، وانتقد الاتحاد بسبب نظام ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الخدمات الرقمية والإجراءات القانونية ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية، قائلًا: «لقد كان الاتحاد الأوروبي صارمًا للغاية تجاه شركاتنا»، مُضيفًا «لقد قاضوا أبل، وغوغل، والفيس بوك، وغيرها من الشركات الأمريكية… إن نظام القضاء هناك ليس عادلًا جدًا معنا». ومن جانبه تعهد الاتحاد الأوروبي بأن يرد بــ «حزم وفورًا» على إعلان ترامب حول التعريفات الجُمركية المتبادلة على كافة الواردات الأمريكية، مُشيرًا إلى احتمالية اتخاذ موقف تفاوضي أكثر صرامةً تجاه الإدارة الأمريكية. وبدا الصدام بين وجهات النظر بين أوروبا والولايات المتحدة جليًا في مؤتمر ميونيخ في 14 فبراير 2025م؛ حيث اتهم نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس بنبرة تصادمية السياسيين الأوروبيين أنهم «يرهبون شعوبهم»، وحذر من أن «التهديد الأعظم لديمقراطياتهم لا يأتي من روسيا أو الصين». وقال فانس: «التهديد الذي يقلقني أكثر عندما يتعلق الأمر بأوروبا ليس روسيا، ولا الصين، ولا أي جهة خارجية أُخرى، ما يُقلقني أكثر هو التهديد من الداخل؛ تراجُع أوروبا عن بعض قيمها الأساسية، والقيم التي تتقاسمها مع الولايات المتحدة الأمريكية». وفي ظل هذه الأجواء السياسية المتوترة، قد يكون لإعادة فرض التعريفات الجمركية في ظل إدارة ترامب عواقب وخيمة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مما يؤثر على العلاقات الاقتصادية والثقة السياسية والتعاون الإستراتيجي بين الجانبين.

يُعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكبر شريكين تجاريين لبعضهما البعض؛ إذ تتجاوز التجارة الثنائية في السلع والخدمات تريليون يورو سنويًا، ومن شأن التعريفات الجمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي، مثل السيارات والآلات والمستحضرات الصيدلانية، أن تعطل سلاسل التوريد القائمة، وتزيد من التكاليف على الشركات والمستهلكين على جانبي الأطلسي، وقد تُحفز التعريفات الجُمركية المطولة الشركات على فتح سلاسل توريد جديدة، بهدف تجنُب التكاليف المرتبطة بالتعريفات الجمركية. على سبيل المثال، قد تحول الشركات الأوروبية الإنتاج إلى الولايات المتحدة أو دول أخرى، في حين قد تسعى الشركات الأمريكية إلى موردين بديلين خارج الاتحاد الأوروبي. وفي حين أن هذا قد يُقلل من التعرض للتعريفات الجمركية، من شأنه أيضًا أن يُعطل العلاقات الاقتصادية الطويلة الأمد، وُيقلل من الكفاءة، وخاصة في الصناعات التي تعتمد على سلاسل توريد معقدة تسير عبر الأطلسي، مثل قطاعي السيارات والفضاء. على سبيل المثال، قد تؤثر تهديدات ترامب السابقة بفرض تعريفات بنسبة 25% على السيارات الأوروبية بقوة على شركات صناعة السيارات الألمانية مثل «فولكس فاجن» و «بي إم دبليو»، لاسيما وأن هذه الشركات تعتمد اعتمادًا كبيرًا على السوق الأمريكية.

كما قد تواجه سياسات ترامب حول الرسوم الجمركية معارضةً من جانب الشركات والمستهلكين والمشرعين في الولايات المتحدة، وقد تُشكل ضغطًا على الصناعات التي تعتمد على الواردات الأوروبية، مثل التصنيع والبيع بالتجزئة، وقد تتحد هذه المعارضة في جبهة واحدة مُستندة على ارتفاع التكاليف وانخفاض القدرة التنافُسية، وقد تُساهم الضغوط السياسية داخليًا في الحد من نطاق ومدة الإجراءات الجمركية المحتملة.

وعلى الجانب الأوروبي، طوّر الاتحاد الأوروبي أدوات للرد على النزاعات التجارية، مثل «أداة مكافحة الإكراه | Anti-Coercion Instrument»، التي تسمح له بالرد على الإكراه الاقتصادي، كما تُشكل التجارة المتنوعة للاتحاد الأوروبي والسوق الداخلية، التي تضم 450 مليون مستهلك حاجزًا ضد الصدمات الخارجية، ويمكن أن تُساعد هذه العوامل الاتحاد الأوروبي على تحمُّل تأثير التعريفات الجمركية الأمريكية.

وفرضت إدارة ترامب تعريفات جُمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي الرئيسة، خلال فترة ولاية ترامب الأولى (2017-2021م)، شملت الصلب والألمنيوم، وعزت ذلك إلى أهميتها في الحفاظ على أمنها القومي، لكن أشعلت هذه التدابير التوترات في العلاقات عبر الأطلسي، ودفعت الاتحاد الأوروبي إلى فرض تعريفات جُمركية انتقامية على سلع أمريكية مثل: «ويسكي البوربون والدراجات النارية والمنتجات الزراعية». وطوال تاريخ علاقاتهم، كان الاتحاد الأوروبي يرد على التعريفات الجمركية الأمريكية بإجراءات انتقامية، وفي عام 2018م، فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على سلع أمريكية بقيمة 3 مليارات دولار، ردًا على التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم.

وفي ضوء هذه التطورات، قد تدفع موجة جديدة من الرسوم الجمركية الأمريكية إلى تدابير مُضادة مماثلة، مما قد يتفاقم إلى حرب تجارية أوسع نطاقًا، وتمس هذه التدابير الانتقامية المتبادلة إطار عمل «منظمة التجارة العالمية»، حيث قد يتجاوز الجانبان آليات حل النزاعات المتعددة الأطراف، وقد تشجع هذه الحالة دولًا أُخرى على تبني تدابير حمائية، مما يؤدي إلى بيئة تجارية عالمية أكثر تفتتًا واضطرابًا.

لطالما كانت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة راسخة، بفضل القيم الديمقراطية المشتركة، والترابط الاقتصادي، والتعاون الأمني ​​من خلال حلف «شمال الأطلسي»، لكن التعريفات الجمركية قد تُؤدي إلى تفاقُم التوترات القائمة، ولاسيما إذا اعتبرها الاتحاد الأوروبي «غير قانونية». وخلال فترة ولايته الأولى، كان ينُظر إلى سياسات إدارة ترامب أنها تُقوض التكاتف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث شكك بعض قادة الاتحاد الأوروبي في موثوقية الولايات المتحدة كشريك؛ لذا مع تكرار مثل هذه السياسات ستتفاقم حالة انعدام الثقة بين الطرفين.

وتتسم العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تاريخيًا أنها «علاقات تعاونية»، لكن النزاعات التجارية قد تؤدي إلى توتر العلاقات الدبلوماسية؛ لذا فمن المرجح أن يرى القادة في أوروبا إصدار واشنطن حزمةً جديدةً من التعريفات الجمركية أنها خطوة «أحادية الجانب»؛ مما يقوض الثقة والتعاون بين الجانبين في قضايا أوسع نطاقًا مثل: «تمويل حلف شمال الأطلسي، وسياسة المناخ، والتنظيم فيما يتعلق بالتكنولوجيا».

لقد عزز الاتحاد الأوروبي من جهوده لتجسيد مفهوم «الاستقلال الإستراتيجي المفتوح»، وذلك بسعيه نحو تقليل الاعتماد على الشركاء الخارجيين من خلال إبرام اتفاقياتٍ تجاريةٍ متنوعةٍ وتعزيز الصناعات المحلية، قد تُساعد هذه التعريفات الجمركية في تسريع التحول نحو هذا الهدف، وبالتالي سيتجه الاتحاد الأوروبي إلى تعميق العلاقات التجارية مع مناطق أخرى في العالم، مثل: «منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية». على سبيل الذكر لا الحصر، وقع الاتحاد الأوروبي بالفعل اتفاقيات تجارية مع اليابان وكندا وميركوسور (السوق المشتركة الجنوبية)، التي يمكن أن تكون بديلة للأسواق الأمريكية، ناهيك عن أن الاتحاد الأوروبي سعى منذ انتخاب ترامب، إلى توسيع آفاق علاقاته التجارية، إذ أعلن اتفاقية لتعزيز التجارة مع المكسيك، واستئناف المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع ماليزيا.

وقد تُعزز التعريفات الجمركية من غير قصد عزم الاتحاد الأوروبي على السعي إلى تحقيق مزيدٍ  من الاستقلال الإستراتيجي؛ مما يقلل من اعتماده على الولايات المتحدة في تلبية الاحتياجات الاقتصادية والأمنية،  وقد يكون لهذا التحول آثارٌ طويلةُ الأجل على حلف «شمال الأطلسي»؛ فقد يُعطي الاتحاد الأوروبي الأولوية للاستثمارات في قدراته الدفاعية، مثل «صندوق الدفاع الأوروبي»، على الاعتماد على المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة، رغم أن هذا قد يُعزز سيادة الاتحاد الأوروبي، لكنه قد يُضعف الوحدة عبر الأطلسي في وقت تحتدم فيه المنافسة الجيوسياسية مع الصين وروسيا.

قد تخلق العلاقة المتدهورة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فُرصًا للصين لتوسيع نفوذها في أوروبا، حيث سعت بكين إلى توطيد علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي عبر مشاريع مثل: «مبادرة الحزام والطريق، واستثمارات في قطاعات مهمة للبنية التحتية»، وقد تدفع التعريفات الجمركية الاتحاد الأوروبي إلى التعامل مع أسواق وموردي أخر، مما قد يُعزز العلاقات الاقتصادية مع الصين، لكن هذا التحرك قد يُعقد مساعي الغرب في التصدي لطموحات الصين العالمية.

سيكون لإعادة فرض التعريفات الجمركية في ظل إدارة ترامب آثارًا بعيدة المدى على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ستمس العلاقات الاقتصادية والثقة السياسية والتعاون الإستراتيجي. وفي حين أن التأثير الاقتصادي الفوري قد يُعطل سريان التجارة ويفاقم من التكاليف، فإن العواقب طويلة الأجل قد تكون أكثر شدة، مما قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تسريع المسار نحو الاستقلال الإستراتيجي، وبالتالي تدهور الوحدة عبر الأطلسي. وفي الوقت نفسه، لدى الجانبين دوافع لتجنب التصعيد، نظرًا لمصالحهما المشتركة في معالجة التحديات العالمية، ومواجهة المنافسين في الساحة الجيوسياسية. وللاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تاريخ في حل النزاعات التجارية من خلال المفاوضات. على سبيل المثال، في عام 2021م، اتفق الجانبان على تعليق التعريفات الجمركية المتعلقة بنزاع «إيرباص وبوينج»، مما يُشير إلى الاستعداد لتهدئة التوترات. ومن الممكن أن تُخفف الجهود الدبلوماسية المماثلة من تأثير التعريفات الجمركية الجديدة، خاصة إذا أعطى الجانبان الأولوية للمصالِح الإستراتيجية الأوسع، مثل مواجهة نفوذ الصين، وسوف تختبر السنوات القادمة مدى صمود الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع سعي الجانبين إلى تحقيق التوازن الدقيق بين المنافسة الاقتصادية والتحالف الإستراتيجي.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير