فرض الاتحاد الأوروبي مؤخَّرًا بعض العقوبات، التي استهدفت ثلاثة كيانات حكومية إيرانية وثمانية مسؤولين أمنيين، بمن فيهم القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وذلك على خلفية حملة القمع «العنيفة»، التي شنَّتها إيران في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت على مستوى البلاد ضدّ ارتفاع أسعار الوقود في عام 2019م.
ووفقًا للأمم المتحدة، فقد أسفرت حملة القمع عن مقتل ما لا يقِلّ عن 304 أشخاص. من جانبه، صرَّح المبعوث الأمريكي الخاصّ لإيران، أنَّ عدد القتلى من المُحتمَل أن يصل إلى قرابة 1000 شخص، إزاء «الوحشية» التي تمارسها الحكومة الإيرانية. وتتزامن هذه العقوبات مع المحادثات التي تجري في فيينا، بُغية إحياء الاتفاق النووي. من جانب آخر، وصفت الحكومة الإيرانية العقوبات الأخيرة بأنَّها «خطوةٌ غير قانونية» و «عملٌ مُخجِل».
وعلى الرغم من سِجِلّ إيران في انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي، فقد تردَّد الاتحاد الأوروبي في فرض حظرٍ على السفر وتجميد الأُصول الإيرانية؛ حتى لا يثير غضب طهران بُغية الحفاظ على الاتفاق النووي. ومع ذلك، فإنَّ قرار الاتحاد الأوروبي الأخير ضدّ إيران هو الأوَّل منذ 2013م، ويعكس موقفًا أكثر صرامةً فيما يتعلَّق بانتهاكات إيران المستمرَّة لحقوق الإنسان. وللتعليق على هذا الوضع، قال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي: «يجب على المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة أنْ يعلموا أنَّ هناك عواقب». ومع ذلك، أكَّد دبلوماسي أوروبي أنَّ «العقوبات كانت قيد الإعداد لفترة طويلة»، وتقرَّر إعلان العقوبات، على الرغم من المحادثات النووية الجارية في فيينا. وردًّا على عقوبات الاتحاد الأوروبي، قال المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: إنَّ إيران «سوف تعلِّق جميع محادثات حقوق الإنسان والتعاون الناتج عن هذه المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، خاصَّةً في مجالات الإرهاب والمخدّرات واللاجئين».
وتأتي عقوبات الاتحاد الأوروبي في وقتٍ حرِجٍ في خِضَمّ محادثات فيينا، إذ قدَّم الجانبان مطالبَ عديدة، ولا تزال طهران مستمرَّةٌ بتشبُّثها برفض وقف تخصيب اليورانيوم، ما لم ترفع الولايات المتحدة عقوباتها عن البلاد. وعلاوةً على ذلك، وردًّا على الهجوم الأخير على المنشأة النووية الإيرانية الرئيسية في «نطنز»، بدأت طهران في تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ تصل إلى 60%، الأمر الذي سيسرِّع المدَّة الزمنية التي تحتاجها إيران لتصنيع قنبلة نووية. كما هدَّد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنَّ إيران قادرةٌ على «تخصيب اليورانيوم بنسبٍة تصل إلى 90%، إذا أرادت ذلك». ووفقًا لبعض التقارير، فقد أدَّى الهجوم الأخير على منشأة نطنز النووية، إلى إتلاف آلافٍ من الآلات والممتلكات، على الرغم من الروايات المتضاربة التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون، وتشير تصرُّفات إيران الأخيرة بوضوح إلى إستراتيجية طهران الأزلية المتمثِّلة بالتهديد بعسكرة قُدراتها النووية؛ حتّى تضغط على الولايات المتحدة، بينما تواجه «خلافات خطيرة» في محادثات فيينا. وقد ردَّت روسيا أيضًا على عقوبات الاتحاد الأوروبي الأخيرة، بقولها إنَّها من المُحتمَل أن تقوِّض أيّ تقدُّمٍ قد يتمّ التوصُّل إليه في محادثات فيينا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته الأخيرة لطهران: «إذا انعدم التنسيق في الاتحاد الأوروبي، ولا تعرف اليد اليُمنى ما تفعله اليد اليُسرى، فهذه كارثة». وأضاف أيضًا: «إذا اتُخِذ القرار عمدًا في خِضَمّ محادثات فيينا الهادفة إلى إنقاذ الاتفاق النووي، فهذا ليس مؤسِفًا، بل هو خطأ أفظع من جريمة». كما شدَّد لافروف على أنَّ على الولايات المتحدة رفع العقوبات عن إيران، بما في ذلك تلك التي تستهدف الشركات الأجنبية التي تتعاون مع طهران. ووفقًا للافروف، فإنَّ هذه الخطوة مهمَّة إذا كانت واشنطن تريد إحياء الاتفاق النووي، وقد عزَّزت إيران في السنوات الأخيرة علاقاتها مع موسكو، كثِقَلٍ إستراتيجيٍ موازٍ للولايات المتحدة. وتدعم روسيا طهران؛ حتّى لا يكون للولايات المتحدة اليد العُليا في وضع شروطها وأحكامها لإحياء الاتفاق النووي، وقد رفضت موسكو اقتراح إدارة بايدن الخاصّ بـ «خطَّة العمل الشاملة المشتركة الإضافية»، واصفةً إيّاه بأنَّه «خاطئ وغير ملائم». وترى روسيا أنَّ العودة الكاملة لقرار مجلس الأمن رقم 2231 دون أيّ تغييرات، تظلّ «المخرج المناسب من الوضع الحالي».
لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وانتهاكات القانون الدولي، مصدر قلق «خطير» للمجتمع الدولي. وعلى الرغم من هذا القلق، تكشف الردود الأخيرة من المسؤولين الإيرانيين عن عدم نيّة طهران تحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، لا سيما وسط تدهُور العلاقات بين النظام الحاكم والمجتمع. وفي السياق الحالي، فإنَّه من المُرجَّح أن تلجأ إيران إلى مزيدٍ من الأعمال العدائية والتهديدات في الأيّام المقبلة، لخلق أجواءٍ متوتِّرة في خضم المحادثات التي تجري في فيينا؛ للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015م.