تداعيات منع إسرائيل وزراء عرب من زيارة الضفة الغربية

https://rasanah-iiis.org/?p=37782

في خطوة أثارت استياءً واسعًا في العالم العربي، منعت إسرائيل مؤخًّرًا وفدًا من وزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن، إلى جانب تركيا، من زيارة الضفة الغربية؛ حيث كان من المقرَّر أن يلتقوا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. وجاءت هذه الزيارة في توقيتٍ حسّاس وسط تصاعُد الهجمات الإسرائيلية على غزة، وقرارات تل أبيب المثيرة للجدل بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية. وكان الهدف من وراء هذه الزيارة دعْم السُلطة الفلسطينية، وتنسيق الجهود الرامية إلى خفْض التصعيد والعمل على مبادرات ما بعد الحرب.

وقد قُوبِل القرار الإسرائيلي بإداناتٍ واسعة؛ إذ وصفت المملكة العربية السعودية الموقف الإسرائيلي بأنَّه تطرُّف ورفْض لمبادرات السلام، وهذا ما ورَدَ على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قائلًا: «رفْض إسرائيل زيارة هذه اللجنة إلى الضفة هو تجسيد وتأكيد لتطرُّفها، ورفضها أيّ محاولات جَدِّية لمسلك السلام الدبلوماسي»، مضيفًا: «هذا لا يزيدنا إلا عزيمة، لمضاعفة الجهود الدبلوماسية لمواجهة هذه العنجهية». إنَّ المنع الإسرائيلي لزيارة الوفد الوزاري دلالة على تجاهُل إسرائيل القوانين الدولية، ورفضها المُضي في حلٍّ دبلوماسي للقضية.

وفي ظل انسداد الأُفُق السياسي، تبرز دول الخليج قناةً دبلوماسية محورية لا غنى عنها لأيّ تحرُّك جاد نحو التسوية؛ فقد كثَّفت هذه الدول في الشهور الأخيرة تنسيقها مع القُوى الإقليمية والدولية، ولعِبَت دورًا محوريًا في جهود حل القضية الفلسطينية. واضطلت الرياض بدورٍ قيادي في هذه الجهود الدبلوماسية الإقليمية بتنسيق مساعي القُوى الدولية ولإسلامية؛ لإدانة الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث أكَّدت قمَّة فبراير في الرياض على أهمِّية تكاتُف الجهود العربية لإعادة إعمار غزة، والدفع نحو إقامة حُكم فلسطيني شرعي. وتُوجّت تلك الجهود بالقمَّة العربية في مارس، التي قدَّمت مقترحات تركِّز على إعادة إعمار القطاع وضمان حقوق الفلسطينيين وسلامة أراضيهم.

وكان من المتوقَّع أن تتكثَّف هذه المبادرات مع اقتراب مؤتمر أُممي رفيع المستوى دعت إليه السعودية وفرنسا في نيويورك بين 17 و20 يونيو 2025م؛ بهدف الدفع نحو حل الدولتين، إلّا أنَّ المؤتمر أُجِّل إثر الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو. وتُشير هذه التحرُّكات مجتمعةً إلى تموضُع لرياض الاستراتيجي كلاعبٍ محوري في إعادة تشكيل المشهد السياسي والإنساني ما بعد الحرب، مستندةً إلى تحقيق توافُق إقليمي ومواجهة أيّ تدخُّلات أُحادية تهدد الاستقرار.

وفي المقابل، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة على الصعيدين الدولي والداخلي؛ فقد فرضت المملكة المتحدة وكندا وحلفاؤهما الغربيون عقوبات على وزيري الأمن القومي والمالية في إسرائيل، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بتُهمة التحريض على العُنف وتبنِّي سياسات متطرِّفة ضدّ الفلسطينيين، وهو ما يعكس اتّساع رقعة الانتقادات الغربية لسياسات إسرائيل وتزايُد الدعم لحل الدولتين. كما بدأت دول أوروبية، بينها فرنسا، بالتحرُّك نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ناهيك عن الموقف العام في الجنوب العالمي، الذي أصبح أكثر معارضةً لإسرائيل خلال العامين الماضيين.

داخليًا، تتراجع شعبية بنيامين نتنياهو بفعل سياساته التصعيدية العنيفة، إذ اتّهمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت بارتكاب جرائم حرب. وأكَّد المتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في مقابلة إعلامية، أنَّ إسرائيل ترتكب بالفعل جرائم حرب؛ ما أثار موجة غضب واسعة عبر الإنترنت. وتمُرّ حكومة نتنياهو بتوتُّرات متصاعدة بسبب الخلافات حول إعفاء المتديِّنين من الخدمة العسكرية، بينما تشهد الشوارع الإسرائيلية احتجاجات تطالب بإعطاء الأولوية لتحرير الأسرى الإسرائيليين في غزة بدلًا من استمرار العمليات العسكرية. وعلى الرغم من هذه الضغوط، يتمسَّك نتنياهو بهدفه الأساسي «القضاء على حماس»، في وقتٍ تتّهمه فيه عائلات الرهائن بتغليب نجاته السياسية على حساب المفاوضات.

إنَّ منْع زيارة الوزراء العرب ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة قرارات نتنياهو النمطية، التي تعكس اضطرابًا سياسيًا وبُعدًا عن الدبلوماسية البنّاءة؛ ما يزيد من عُزلة إسرائيل عن محيطها الإقليمي ويفقدها مصداقيتها. ويُعَدُّ هذا القرار تصعيدًا خطيرًا يقوِّض جهود التهدئة ويُضعِف فُرَص التوصُّل إلى الدخول في مفاوضات ذات جدوى أو التوصُّل لوقف إطلاق النار.

 كما أنَّ هذه الخطوة تُعيق بشكلٍ مباشر مسارَ الحوار الإقليمي، وتضع الدول العربية التي طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل في موقفٍ سياسي صعب، إذ بات لزامًا عليها إعادة النظر في طبيعة هذا التطبيع في ظل رفْض إسرائيل التام لأيّ وساطة عربية. وتدُلّ هذه التصرُّفات على أنَّ تل أبيب تتصرَّف من واقع طموحاتها في الهيمنة وتغليب الاعتبارات السياسية الداخلية الآنية، على حساب التعاون والاستقرار الإقليمي بعيدة المدى.

تواصل إسرائيل محاولاتها الممنهجة لمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتُبقي قبضتها مشدودةً على حركة الوصول الدولي إلى الأراضي الفلسطينية، وهي سياسات أثارت إدانات واسعة من المجتمع الدولي. ويُنظَر إلى تعطيل زيارة الوزراء العرب، ضمن هذا السياق، كامتدادٍ لنهج الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتعامل مع أيّ دعْم خارجي كتهديد ينبغي إقصاؤه. هذا التوجُّه يتجلَّى بوضوح في تصريحات صادرة مؤخَّرًا عن مسؤولين إسرائيليين؛ حيث علَّق أحدهم على خلفية الزيارة المقرَّرة للضفة الغربية، بالقول: «مثل هذه الدولة لن تكون سوى دولة إرهابية في قلب أرض إسرائيل، ولن تتعاون إسرائيل مع تحرُّكات تستهدف الإضرار بها وبأمنها». ومع تزايُد الضغوط الدولية لإنهاء الحرب والسماح بدخول المساعدات، قصفت إسرائيل مؤخَّرًا موقع لتوزيع المساعدات جنوب غزة، ذهب ضحيته أكثر من 20 فلسطينيًا وإصابة ما يزيد عن 100 آخرين. وأفاد «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» بأنَّ إسرائيل تمنع دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة، باستثناء القليل منها، حيث لا يدخل أيّ طعام جاهز للأكل تقريبًا للقطاع، الذي وصفه بـــ«أكثر بقاع الأرض جوعًا»، محذِّرًا من مجاعة تهدِّد مليوني غزّي في ظل الحصار المستمرّ منذ 11 أسبوعًا.

أمّا مفاوضات التهدئة غير المباشرة مع حركة حماس، فقد أصبحت أكثر تعقيدًا في ظل السياسات الإسرائيلية الأُحادية وتجاهلها تحذيرات الدول العربية. وفي حين أبدت «حماس» استعدادها للعودة إلى محادثات غير مباشرة بعد رفضها لعرض هُدنة مدعوم أمريكيًا، تواصل إسرائيل اشتراط نزْع سلاح الحركة وتسليم الرهائن قبل أيّ اتفاق لوقف الحرب. وفي المقابل، تطالب «حماس» بهُدنة دائمة وانسحاب إسرائيلي كامل دون تغيير شروطها. وتستمرّ المحاولات وسط انعدام الثقة وتبايُن المطالب حول نزْع السلاح والانسحاب وترتيب الإفراج عن الرهائن، بينما تحاول إسرائيل وقْف تدويل القضية الفلسطينية واحتواء الضغوط الخارجية مع السيطرة على رواية الحرب. يعكس قرار إسرائيل بمنع زيارة الوزراء العرب رفضًا صريحًا للجهود الإقليمية الرامية إلى خفْض التصعيد، في المقابل، تقود السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تنسيقًا دبلوماسيًا محوريًا مع فرنسا للدفع نحو اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، في ظل زخمٍ عربي متزايد وتأييد ملحوظ من عدَّة دول أوروبية. هذا التحرُّك يعكس بروز قيادة عربية موحَّدة ترى في حل الدولتين أولوية استراتيجية. وفي الوقت نفسه، تستمرّ إسرائيل في تبنِّي سياسات تصعيدية تُعمِّق الانقسامات، وتُقوِّض فُرَص التوصُّل إلى سلام جاد، بينما تزداد الضغوط الدولية المطالِبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتتوسَّع دائرة إدانة السياسات الإسرائيل

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير