أضحى الانتحار محطَّ تركيز الصحف والمواقع الإخبارية في إيران يوميًّا، إذ انتشرت هذه الظاهرة في الأماكن العامة، إمّا بالقفز من فوق جسور المشاة أو البنايات السكنية أو المهاجع، وإمّا باعتراض سكك القطارات، وإمّا بالانتحار حرقًا أو شنقًا في المرافق المدرسية.
وينتحر البعض على مرأى من الناس بينما يختلي البعض الآخر بنفسه قبل انتحاره، ولكن في الحالتين يحصل الانتحار في الأماكن العامّة، ممّا يدل على أنّ المقدِمين على الانتحار يجاهرون بانتحارهم. وقد ارتفع معدَّل الانتحار في إيران في ربيع عام 2020م بنسبة 23% مقارنةً بعام 2019م، كما ارتفعت هذه النسبة إلى 60% في فترة السنوات الأربع من عام 2015م إلى 2019م بمعدل 15% سنويًّا، كما ازداد الانتحار شناعةً ورعبًا وانتشر في أنحاء مختلفة من البلاد، ممّا يطرح ثلاثة أسئلة هامّة:
ما الذي نعرفه ونجهله عن معدلات الانتحار المتزايدة في إيران؟ وما العوامل الاجتماعية-الاقتصادية الرئيسية التي أدّت إلى الانتحار؟ وما السياسة التي اتّبعتها الحكومة الإيرانية في مواجهة هذه الظاهرة؟
نُشر مؤخرًا تقريران يستعرضان قضية الانتحار، صدر أحدهما عن «المنظمة الوطنية للطبّ الشرعي» في إيران، وورد فيه أنه في الفترة منذ شتاء 2009م إلى شتاء 2010م نُقلت جثث 3513 شخصًا -يُقال إنهم انتحروا- إلى مراكز الطبّ الشرعي في إيران (بمعدل 10 أشخاص في اليوم). أمّا التقرير الآخر فوردَ فيه أنّ 111 طفلًا في إيران (59 صبيًّا و52 فتاةً تراوحت أعمارهم بين 8 إلى 13 عامًا) انتحروا بتسميم أنفسهم عمدًا بين عامَي 2002م و2004م.
وقد ازدادت حالات الانتحار في إيران على مدى العقود الأربعة الماضية، إذ كانت إيران في الثمانينيات ضمن البلدان التي سجلت أدنى معدل للانتحار، فقد ارتفع معدل الانتحار من 1.3 لكل 100 ألف نسمة عام 1984م إلى 6.0 لكل 100 ألف نسمة في عام 2004م، ثم ارتفع هذا المعدل إلى 6.23 لكل 100 ألف نسمة في عام 2018م. وفي 2015 كان معدل الانتحار 94 لكل 100 ألف نسمة، ثم ارتفع إلى 125.24 لكل 100 ألف نسمة في 2018م.
وفي بعض المحافظات الإيرانية تجاوز معدل الانتحار خطه الأحمر الذي كان يقف عنده لسنوات ووصل إلى مستوى مساوٍ للبلدان ذات معدلات الانتحار العالية، وسُجّلت أعلى زيادة في حالات الانتحار عند من تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 سنة، ووفقًا لبعض الإحصاءات فقد تجاوزت محاولات الانتحار (التي قاربت 100.000 في 2018م) حالات الانتحار الفعلية بمقدار 20 مرة، إذ زادت حالات الانتحار في إيران خلال السنوات الأخيرة من نحو 3.649 عام 2010م إلى نحو 4.992 عام 2017م، ولم تكشف تلك الإحصاءات عن تفاصيل تتعلق بالعُمر، والجنس، والمهنة، ومكان الإقامة، والحالة الاجتماعية. ويبدو أن معدل انتحار المتزوجين قد ازداد مقارنة بالعازبين، وأن سنّ الانتحار قد انخفضت، كما ظهرت ظاهرة جديدة للانتحار الجماعي بعد انتحار ثلاث شقيقات في طهران، وارتفعت نسبة الانتحار في ريف إيران من نحو 20% عام 2012م إلى نحو 30% عام 2015م، كما أن الانتحار في إيران مرهون بعوامل اجتماعية وثقافية وسياسية مختلفة، منها البطالة والفقر والقمع والضغط الاجتماعي إلى جانب عوامل نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
ووفقًا لدراسة غطّت الانتحار في إيران من عام 1981 إلى عام 2007م، فقد كان متوسط عُمر من يحاولون الانتحار 25 عامًا، إذ كانت نسبتهم آنذاك 41.8% منهم ذكور، و50.5% منهم عازبون، و70.0% من المناطق الحضرية معظمهم عاطلون عن العمل، بينما بلغت نسبة ربات المنازل المنتحرات 54.2% والطلاب 24.5% منهم طلاب، و21% منهم رجال عاطلون عن العمل، وأظهرت سجلاتهم الطبية أن 16.2% كانوا يعانون من إعاقة و42% منهم كانوا يعانون من اعتلالات نفسية.
ويرسل المنتحرون في الأماكن العامة رسائل معيّنة بانتحارهم مثل اليأس والخوف من أن يُنسوا والاحتجاج ضد الظلم، ولا يمكن وصف ما ذكر بـ«أسباب» الانتحار لأن سرد الأسباب يستوجب التحدث مع الراغب في الانتحار.
وباستثناء التقارير المشار إليها أعلاه لا توجد معلومات كافية لفهم أسباب الانتحار في إيران، فعلى سبيل المثال لا نعرف عدد المراهقين الذين يحاولون الانتحار سنويًّا وكيف تغيّر معدل الانتحار على مرّ السنين، ولا يوجد مركز وطني لجمع المعلومات المتعلقة بالانتحار ونشرها على أساس سنوي، إذ ترى الحكومة الإيرانية أن مسؤولية نشر المعلومات المتعلقة بالانتحار لا تقع على عاتقها. وفي عام 2015م قُدّم تقرير حول القضايا الاجتماعية إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ولا بد أنه ناقش الانتحار في أحد أجزائه، وأُخفيَ محتواه عن كبار المسؤولين والخبراء المستقلين وأساتذة الجامعات، إذ اتبعت الحكومة سياسة جمع الإحصائيات والاحتفاظ بها على الرغم من استخدامها الأموال والمراكز العامة بهدف جمع تلك الإحصائيات.