تصاعُد التوتُّرات في أفغانستان وانعكاساتها على أمن الحدود الإيرانية-الأفغانية

https://rasanah-iiis.org/?p=25816

نظرًا لأنَّ الوضع في أفغانستان لا يزال مُتقلِّبًا ومتغيِّرًا، فقد عزَّزت الدول المجاورة وجودها العسكري على طول الحدود المشتركة؛ بسبب المخاوف من تدفُّق اللاجئين الأفغان. وتبلغ الحدود المشتركة بين إيران وأفغانستان حوالي 900 كيلومتر، وقد ضاعفت الأحداث الأخيرة من المخاطر التي تواجه طهران على الحدود، إذ تشعر إيران بالقلق على أمن حدودها؛ لتولِّي حركة طالبان الحُكم، واحتمالية تدفُّق الأفغان إلى المنطقة الحدودية المشتركة. ووفقًا لبيانات المفوَّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادرة العام الماضي، فإنَّ حوالي مليوني أفغاني لا يحملون وثائق، وحوالي 600 ألف من حاملي جوازات السفر الأفغانية يقيمون في إيران. ووسط تصاعُد حالات الإصابة بفيروس كورونا في إيران، والوضع الاقتصادي المتدهور، تشعر طهران بالقلق من هذه الأوضاع المتفاقمة، لا سيما مع احتمالية تدفُّق المزيد من اللاجئين الأفغان، لذلك نشرت إيران المزيد من القوّات على طول الحدود المشتركة بين البلدين.

وأمرت وزارة الداخلية الإيرانية قوّات حرس الحدود باتّخاذ الخطوات اللازمة؛ لتجنُّب أي توتُّرات تنشأ على طول الحدود المشتركة مع أفغانستان. وقال مدير عام وحدة شؤون الحدود في وزارة الداخلية حسين قاسمي، للصحافة الإيرانية: إنَّ القوّات المنتشرة على طول المقاطعات الحدودية مع أفغانستان أصدرت أوامر لمنع اللاجئين الأفغان من دخول الأراضي الإيرانية. وعلاوةً على ذلك، أصدر مسؤولون إيرانيون في الأسابيع الأخيرة عدَّة بيانات لضمان أن يسود الهدوء في المحافظات الحدودية. وقال قائد المنطقة الشمالية الشرقية في الجيش الإيراني الجنرال رضا آذریان، أثناء تفتيشه لمدينة طيباد بمحافظة رضوي خراسان: «لم يكُن هناك أيّ مشكلة على طول الحدود، وكُلّ الناس بخير». وأضاف أنَّه على الرغم من أنَّ الظروف في أفغانستان ليست مواتية للأمن على طول الحدود الشرقية، إلّا أنَّ المزيد من الانتشار الإيراني أدَّى إلى تهدئة الوضع الأمني في المنطقة إلى حدٍّ كبير. كما أشارت عدَّة تقارير إلى أنَّ الجيش والحرس الثوري الإيرانييْن قد نشروا المزيد من القوّات، إلى جانب دبّابات قتال عسكرية وناقلات مدَّرعة وأنظمة مراقبة بالقرب من الحدود الشرقية لإيران. كما ورد أنَّ القوّات الجوِّية الإيرانية، وضعت انتشار طائراتها المقاتلة في حالة تأهُّب قصوى.

تتمثَّل إستراتيجية إيران بتقليل التوتُّرات وتأمين الحدود الشرقية؛ لمنع تدفُّق اللاجئين الأفغان. كما تشير الإجراءات الإيرانية الأخيرة إلى أنَّ ردع «طالبان» عن طريق تجنُّب المواجهة المباشرة، هو أولويةٌ إيرانية؛ وبالتالي حافظت طهران على التواصُل مع «طالبان»، خاصَّةً في مقاطعات هرات وفرح ونمروز الأفغانية. وكشفت عدَّة تقارير إخبارية محلِّية أنَّ الحرس الثوري ظلَّ على اتصالٍ وثيق مع «طالبان». وسبق أن أكَّد الملا عبد الرازق، أحد أهمَّ قادة طالبان بمقاطعتي هرات وفرح العلاقةَ بين الحرس الثوري الإيراني و«طالبان».

ونظرًا لأنَّ إيران أقامت بالفعل اتّصالاتٍ وثيقة مع «طالبان»، فمن المُرجَّح أن تستمِرّ طهران في التنسيق مع الحركة، فيما يخُصّ عدَّة جوانب. وتُدرِك إيران تمامًا أنَّ «طالبان» سيكون لها سيطرةٌ كاملة على عدَّة مواقع حدودية إستراتيجية. والتقى في وقتٍ سابق من هذا العام وفدٌ من «طالبان»، بقيادة الزعيم السياسي للحركة الملا عبد الغني برادار، مع سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني. وسلَّط برادار، على وجه التحديد، الضوء على حماية أمن الحدود بين إيران وأفغانستان، وتعهَّدت «طالبان» بأن تتعاون بشكلٍ كامل وتنسِّق بشأن هذه المسألة. وهناك جانبٌ آخر مهم، وهو الدور المُرتقَب لـــــ «لواء فاطميون». فيما أشارت عدَّة تقارير استخبارية إلى أنَّ «فيلق القدس» لعب دورًا رئيسيًا في تجنيد وتدريب الشيعة من طائفة الهزارة للقتال في سوريا. وتقيم هذه الطائفة بشكل كبير على طول المقاطعات الحدودية في أفغانستان. كما أقرَّ المسؤولون الإيرانيون بعلاقة الحرس الثوري الإيراني بهذه الميليشيات، على حدِّ قول وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف العام الماضي. وفي ضوء ما سبق، هناك احتمالٌ أن تفكِّر إيران في إستراتيجية لطالما اتّبعتها في المنطقة، وهي تعزيز الميليشيات بالوكالة؛ لتجنُّب التداعيات على أمنها القومي. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تنشر إيران بعض ميليشياتها من المنطقة على الحدود الشرقية مع أفغانستان؛ لإبعاد اللاجئين الأفغان.

ستبذُل طهران جهودًا مكثَّفة لتفادي التحدِّيات الآتية من حدودها الشرقية، وإبقاء قوّاتها الحدودية في حالة تأهُّب قصوى. وبتقييم التصريحات الأخيرة من المسؤولين العسكريين والحكوميين الإيرانيين، فإنَّه من المُرجَّح أن تستمِرّ إيران في تليين نهجها تجاه «طالبان»؛ للتخفيف من المخاطر والتحدِّيات الأمنية، على الرغم من الصراع السابق والخلافات الأيديولوجية بين الجانبين.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير