أحدثت التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الثاني عشر من مارس 2016م أصداء واسعة في الصحافة الإيرانية، كما حظيت باهتمام كبير من مراكز الدراسات الاستراتيجية الإيرانية، لدرجة أن التحليلات بدأت تتوالى بعد ساعات من صدورها، الأمر الذي يُنبئ بأنها ستكون ذات أثر بالغ في رؤية متخذي القرار السياسي في إيران.
أمريكا لن تكون “باتمان” مرة أخرى
تدور رؤية أوباما لمستقبل الشرق الأوسط خلال هذه التصريحات حول استعارة قصة أحد أفلام باتمان (الليلة المظلمة)، حيث شبّه الشرق الأوسط بمدينة “جوتم” الغارقة في الفساد والتي تسيطر عليها عصابات من القتلة، ثم يأتي الجوكر ويحرق كل المدينة، ويرى أن داعش هو جوكر الشرق الأوسط الغارق في الفساد.
مع أن قصة الفيلم تدور حول ظهور باتمان الذي يتصدى للجوكر، إلا أن أوباما قال إن أمريكا لن تلعب دور باتمان مرة أخرى في الشرق الأوسط، وعلى حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط وأوروبا أن يتعلّموا الاعتماد على أنفسهم. وأضاف أن عدداً من حلفاء أمريكا في الشرق الوسط وأوروبا أيضاً يريدون إقحام الولايات المتحدة في النزاعات الطائفية التي لا علاقة للمصالح الأمريكية بها.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها أوباما عن استراتيجية الانعزالية في السياسة الخارجية الأمريكية، لكنه قلما كان يتحدث بمثل هذه الصراحة، حيث تحدث عن عدم التدخل العسكري في سوريا، وعدم الاشتباك مع موسكو في الشأن الأوكراني، وخطأ أمريكا في تأييد الهجوم على ليبيا، ثم عدم الرغبة في التدخل في الشرق الأوسط بشكل عام.
من جهتها، ركّزت الصحف الإيرانية في عناوينها الرئيسة على ما يخص المملكة العربية السعودية من هذه التصريحات، ورحّبت به ترحيباً بالغاً، حيث نقلت عن أوباما قوله: “على الرياض أن تتعلم كيف تتشارك مع إيران في المنطقة”، وعلّقت صحيفة عالم الصناعة الإيرانية بأن وجهة نظر أوباما تقول بأنه على إيران والسعودية أن تعطي كل منهما الآخر نصيباً بالمنطقة، لتصلا إلى نوع من التصالح، ثم نقلت قوله فيما يتعلق بدعم السعودية ضد إيران: “هذا لا يعني أننا سندخل قوتنا العسكرية إلى الميدان لتحقيق الأهداف المرجوة، فهذا الشيء ليس في صالح الولايات المتحدة، ولا في صالح الشرق الأوسط”.
على الرغم من أن رؤية أوباما لصراعات الشرق الوسط تركّز على أن الأداء الإيراني والسعودي هو الذي تسبب في إشعال الحرب المذهبية في الشرق الأوسط، إلا أنه مع ذلك يشجع ضمنياً أن تقوم الأطراف المتصارعة باستكمال نهجها حتى النهاية، لأنه لن يكون هناك تدخل دولي، وكأن أوباما نسي كل أشكال التدخل الدولي من سياسات فض النزاعات، والوساطة الدولية، أو حتى الاحتكام لمجلس الأمن والمحكمة الدولية، ولم يترجم ذهنه عبارة التدخل الدولي سوى بالتدخل المسلح.
بهذه التصريحات، فإن أوباما الذي يريد أن يجعل نفسه منصفاً وحيادياً بعدم التدخل في الصراعات المذهبية، هو في الحقيقة يُؤججها بتجاهله المزعوم لها، وما من شك أن هناك مسؤولية تاريخية وأخلاقية تقع على عاتق كبرى الدول المصنعة للأسلحة، وأن تنظر أي هدف تحققه أسلحتها التي صنعتها؟ وإلى من ألقت بها؟ وإذا أرادت أن تنكفئ على نفسها، وألا تدخل نفسها في صراعات خاسرة، فعليها من البداية ألا تقحم نفسها في الشرق الأوسط، لا أن تتمتع بثرواته، ولا أن تتدخل في إخماد نيرانه.
انصب الفهم الإيراني لتصريحات أوباما على سياسة عدم التدخل، أو بالأحرى إطلاق اليد الإيرانية في العراق تحديداً، لأن أوباما يراه منطقة نفوذ إيرانية، ثم سوريا بشكل جزئي. هذا ما فهمه الإيرانيون من اقتناع أوباما بأن أوكرانيا منطقة نفوذ روسية، ولا يجوز للقوى الكبرى وكذلك الإقليمية التدخل في نطاقات نفوذ الآخرين، إنها عودة جديدة للسياسات الاستعمارية تحكم بأن هناك دولاً لها حق التحكم في مصائر دول أخرى تدور في فلكها، وعلى الدول الأخرى القوية عدم التداخل مع مناطق نفوذ الدول الأخرى.
لعل ما أعلنته روسيا لاحقاً من انسحابها من سوريا هو تنفيذ لاتفاق مسبق مع الولايات المتحدة، عكسه ذلك الخطاب لأوباما قبل تنفيذ بنوده، وإن كان الأمر هكذا فما هو الدور الذي تم الاتفاق عليه لكي تلعبه إيران؟ وما هي حدود منطقة نفوذها؟ هل بالفعل العبارات التي ساقها أوباما عن ضرورة المشاركة السعودية – الإيرانية في الشرق الأوسط تعني تفاهماً مع كافة الأطراف حول طبيعة هذه المشاركة؟ ما قاله أوباما نصاً هو أن “على السعودية أن تتعلّم كيفية التشارك مع إيران”، وهذا يعني أن هناك اتفاقاً تم لم تكن المملكة حاضرة فيه، وعليها أن تتكيّف معه.
الإيرانيون في معرض حديثهم عن الانسحاب الروسي من سوريا قالوا إنهم جاؤوا متأخرين ورحلوا مبكرين، مما يعني ضمنياً أنهم باقون على الساحة السورية، ولن يتبعوا حلفاءهم.
إن الأمر يحتاج إلى مزيد من التوضيح والتفاهمات، ولعل زيارة الرئيس الأمريكي أوباما للرياض في نهاية شهر أبريل تضع الكثير من النقاط على الحروف، إذ لا ترسيم للشرق الأوسط من دون التشاور مع الرياض، مهما كان حجم التفاهم الأمريكي – الإيراني.
خبرگزاری تسنیم, اوباما: عربستان باید یاد بگیرد چگونه با ایران در منطقه سهیم شود
پایگاه خبری تخلیلی, روسیه دیر آمد زود رفت