مقدِّمة
صدر قرار مجلس صيانة الدستور الخاص بتصفية المرشَّحين لانتخابات رئاسة الجمهورية على نحوٍ غير متوقَّع من حيث شخصيات المستبعدَين، والتيارات التي تمّ إقصاء رموزها، فضلًا عن عدم تقديم مبرّرات لعمليَّات الاستبعاد.
وعلى مدار الدورات الانتخابية الرئاسية الاثني عشر الماضية، دائمًا ما كانت تلقى قرارات مجلس صيانة الدستور معارضةً داخلية شديدة كان أشدها وقعًا ما عبَّر عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني عقِب تصفية المجلس لمرشَّحي الانتخابات البرلمانية 2020م بتصريحه: «هذه ليست انتخابات وإنَّما عمليَّة تعيينات لنواب البرلمان»، الأمر الذي تبعَهُ هجومٌ من المرشد الإيراني على خامنئي بقوله: «عندما تكذبون وتقولون إنَّ هذه الانتخابات شكليَّة ومجرد تنصيب، تجعلون الشعب يشعر بخيبة أمل من الانتخابات…عليكم ألَّا تتحدثوا بطريقة يستغلها العدو لإحباط معنويات الشعب». وامتدَّ نقد أداء مجلس صيانة الدستور إلى المستوى الدولي حتّى وصل الرفض في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الذروة عندما استصدر عقوباتٍ ضد أعضاء مجلس صيانة الدستور في فبراير 2020م؛ لإضرارهم بالعمليَّة الانتخابية للبرلمان الإيراني.
ومع هذا كانت قرارات مجلس صيانة الدستور دائمًا ما تُشفع بأسبابٍ من قبيل عدم الولاء لمبادئ الثورة أو عدم مواءمة عمر المرشَّح لمهام المنصب أو تجرؤ المرشَّح على أُسُس ومبادئ الثورة وهو ما اُستخدم من قبل في استبعاد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد والرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني من الانتخابات الرئاسية. في هذه المرة لم يشفع مجلس صيانة الدستور قرارهُ بمسبِّباتٍ لرفض صلاحية المرشَّحين، وهو ما يُعدُّ سابقةً في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
أولًا: حيثيَّات القرار وأصداؤه
أيّد مجلس صيانة الدستور أهليَّة سبعة مرشَّحين من أصل 590 مرشحًا تقدموا للتسجيل وهُم :
1. رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
2. رئيس مركز الأبحاث في البرلمان علي رضا زاكاني.
3. نائب رئيس البرلمان الإيراني أمير حسين قاضي زاده هاشمي.
4. أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي.
5. الأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي.
6. رئيس اتحاد رياضة «الزورخانة» وعضو مجلس إدارة منطقة كيش الاقتصادية الحرة محسن مهر عليزاده.
7. محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي.
واستبعد كلًّا من:
1. رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني.
2. النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة حسن روحاني إسحاق جهانغيري.
3. الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
4. نائب رئيس البرلمان السابق مسعود بزشكيان.
5. القائد السابق لمقر «خاتم الأنبياء» في الحرس الثوري الإيراني العميد سعيد محمد.
كأبرز المرشَّحين الذين لم يكُن متوقَّعًا استبعادهم.
بخلاف الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ارتضى الجميع خلال بياناتٍ بقرار مجلس صيانة الدستور، ودعوا الشعب للمشاركة في الانتخابات، لكن صيغة بيان النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة حسن روحاني، إسحاق جهانغيري اتّسمت بتجاوز الخطوط الحمراء. فقد حمَّل جهانغيري في بيانه مجلس صيانة الدستور التبعات السياسيَّة والاجتماعيَّة لعدم تأييده أهلية الترشّح. وقال إنه يخشى من أنَّ استبعاد الكثير من ذوي الاستحقاق يشكلُ تهديدًا خطيرًا على المشاركة العامَّة والتنافس العادل بين التيارات السياسيَّة وخاصة «الإصلاحيين». وهناك محاولاتٌ أعلن عنها رئيسي يجريها مع كبار قادة النظام (مصطلح يطلقُ عادةً على المرشد) لقبول أهليَّة بعض المرشَّحين.
وشق التلويح بالرفض عبَّر عنه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي أعلن يوم الأربعاء الموافق 26 مايو 2021م، عن مقاطعته الانتخابات الرئاسية إذا رُفضت أهليته، ولن يدعم أي مرشح. وتساءل نجاد: «ما هو سبب إقصائي أو بحسب قولكم ما هو سبب عدم التحقق من أهليتي؟ لقد توليتُ مسؤولية إدارة البلاد مرتين بأغلبية أصوات الشعب. فهل قصرتُ في أداء وظيفتي أم كنتُ ضعيفًا خلال إدارتي للبلاد؟». موضحًا أنَّ رفض أهليته، كان بمثابة إهانةٍ للشعب وانتهاكٍ للدستور، ووعد بتصديه للأمر.
لكن ومع الرفض الواسع للأهليَّات هذه تبرزُ أكثر فأكثر فكرة مقاطعة الانتخابات، خاصة أنَّ هناك رأيًا عامًا يقول إنَّ ما نحن أمامه ليس انتخاب وإنما استفتاء. كما اعترض أحد أبرز المستبعدين ورئيس السلطة القضائية السابق صادق لاريجاني، الأخ الشقيق لرئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني، على أداء مجلس صيانة الدستور مُلقيًا اللوم على من يقومون برفع تقارير أجهزة الاستخبارات الإيرانية لمجلس صيانة الدستور قائلًا لا يمكن الدفاع عن قرار مجلس صيانة الدستور هذه المرة، مُلمحًا إلى وجود تلاعبٍ داخل مجلس صيانة الدستور استهدف شقيقه وآخرين.
ثانيًا: قرار مجلس صيانة الدستور والتخلّي عن مواصفات الرئيس القادم المعلنة من قِبل خامنئي
خلال الأشهر القليلة الماضية تحدَّث المرشد الإيراني علي خامنئي، مرارًا وتكرارًا عن ملامح وصفات الرئيس المقبل لإيران، كان آخرها في مارس الماضي عندما تحدَّث صراحة عن ضرورة أن يكون الرئيس المقبل، ثوريًّا، شابًا، محاربًا للفساد ويعمل على تخليص إيران من أزماتها الاقتصادية، وداعمًا للإنتاج المحلي.
ربما فُهم حينها أنَّ هذه المواصفات الرئاسية التي أعلن عنها خامنئي يقصدُ بها القائد السابق لمقر «خاتم الأنبياء» العميد سعيد محمد، لكنها أيضًا تنطبق إلى حدٍّ كبير على رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
وقد جاءت القائمة النهائية لمجلس صيانة الدستور متوافقةً مع تطلعات خامنئي وقادة المعسكر المحافظ، الذين ظلوا يخططون منذ أشهر للفوز بمقعد رئاسة الجمهورية في انتخابات الثامن عشر من يونيو المقبل. وإذا تتبَّعنا اثنين من الشروط التي حدَّدها المرشد علي خامنئي والمتمثِّليْن في ثورية الرئيس القادم ومحاربته للفساد نجد أنَّ هذين الشرطين ينطبقان على رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي الذي لا يتمتَّع بشعبية كبيرة تؤهلهُ ليكون رئيسًا لإيران خلال الأربع سنوات القادمة لكنه ينال ثقة المرشد ويتمتَّع بالثورية التي يقصدها خامنئي، كما أنه قاد حملةً مكثَّفة بمباركة وتأييد من خامنئي لمكافحة الفساد المستشري في إيران وذلك بعد وصوله إلى رئاسة السلطة القضائية خلفًا لرئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وأحد أعضاء مجلس خبراء القيادة المعني بالإشراف على أداء المرشد علي خامنئي، صادق آملي لاريجاني، في مارس 2019م شريطة أن يقف عند الحدود التي يراها المرشد ولا يطال شخصه ولا ابنه مجتبى.
غير أنَّ شرطًا واحدًا على الأقل وهو أن يكون الرئيس القادم من طبقة الشباب ليس من الممكن أن يتحقَّق في ظل خارطة أعمار المرشَّحين. وبإلقاء نظرة على أعمار المرشَّحين السبعة الذين اجتازوا عقبة مجلس صيانة الدستور، نجد أنَّ أعمارهم تتفاوت بين خمسين سنة (نائب رئيس البرلمان الإيراني أمير حسين قاضي زاده) و65 سنة (القائد السابق للحرس الثوري والأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي). وعلى الرغم من أنَّ القائمة النهائية التي أعلنها مجلس صيانة الدستور تضمُ عناصر شابة مقارنةً بالدورات الانتخابية السابقة، إلَّا أنَّ المرشَّحيْن الأوفر حظًا والأكثر قربًا لخامنئي والقادة السياسيين في المعسكر المحافظ، مثل رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي الذي تجاوز الستين من عمره، وربما الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي الذي يبلغ عمره 56 سنة، ليسوا أكثر شبابًا من رؤساء سابقين مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي تولى منصب الرئاسة وعمره أقل من خمسين عامًا، أو محمد خاتمي الذي فاز برئاسة الجمهورية في 1997م وكان عمره حينها نحو 54 عامًا. ذلك يعني أنَّ الفاعلية والولاء والطاعة هي المعيار بالنسبة لخامنئي وليس إيمانه بضرورة إشراك الشباب في العمليَّة السياسيَّة وضخّ دماء جديدة في شريان الثورة المنهك بالعلل والأزمات.
ثالثًا: أبعاد إقصاء مرشَّحي «الحرس الثوري»
ربما كان من المتوَّقع أن يحظى مرشَّحو «الحرس الثوري» بحضور أكبر في انتخابات الرئاسة الإيرانية 1400هـ.ش، عطفًا على قرب قادته من المرشد الأعلى، إلَّا أنَّ نتائج الترشيحات النهائية لم تكُن حسب ما توقعهُ وتمناه مرشَّحو «الحرس الثوري»، وهُما مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون العسكرية اللواء حسين دهقان، ومستشار قائد الحرس الثوري الإيراني والقائد السابق لمقر «خاتم الأنبياء» العميد سعيد محمد، حيث تولى الأول في السابق منصب رئيس مؤسَّسة الشهيد في حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وأصبح وزيرًا للدفاع خلال الفترة من 2013-2017م؛ فيما تولى الثاني منصب قائد مقر «خاتم الأنبياء» التابع لـ«لحرس الثوري»، والمدرج على قائمة العقوبات الأمريكية، وقد وصل إلى هذا المنصب بعدما كان يرأس «مجموعة أطلس الإيرانية» التابعة للمؤسَّسة التعاونية للحرس. وقد أعلن استقالته من هذا المنصب في 07 مارس الماضي استعدادًا للانتخابات.
ربما يمكن تفسير المبرّرات -التي لم تُعلن-لإقصاء مرشَّحي الحرس الثوري، بأنها تأتي في إطار إحداث التوازنات التي يهدفُ المرشد الأعلى والأجهزة الاستخبارية، إلى فرضها من خلال مجلس صيانة الدستور؛ لاستمرار خط الثورة وبقاء الحرس الثوري حاميًا له، من دون الدخول في مزايدات واحتمالات سيطرة العسكريين على قرار المرشد.
من ناحيةٍ أخرى، قد يكون هناك مراعاة إلى احتماليَّة عدم قبول الشعب بدخول المرشَّحين العسكريين للسباق الرئاسي، إذ يرى البعض أنَّ انتخابات عسكريٍّ على سُدة السلطة له تبعات سلبية، حيث تتم المقارنة مع أنظمة عسكرية (مثلًا في تركيا وباكستان)، حيث ناضل شعب هذين البلدين من أجل التحرر من الهيمنة العسكرية. كما أنَّ الصورة الذهنية لا تزال تختزن إجراءات القمع العسكري التي تعرَّض لها المتظاهرون في عِدَّة مناسبات، بالإضافة إلى ما ظهر مؤخرًا من تسريباتٍ لوزير الخارجية حول سيطرة «الحرس الثوري» على القرار السياسي الإيراني.
إضافةً إلى ذلك، ربما هناك خشية من حدوث انقسامات في المؤسَّسة العسكرية وعدم توافق القادة العسكريين مع المرشَّحين العسكريين، الذين قوبل ترشيحهم باعتراضاتٍ من قِبل العديد من القادة، ولا سيَّما في ظل حداثة رتبة العميد سعيد محمد، مقارنةً مع قادة الحرس الآخرين مما يُخشى أن يكون له تبعات مستقبلية في ظل التراتبية التي تطغى على سلوك العسكريين؛ ولذلك ربما تم استبعاد المرشَّحين العسكريين، والاكتفاء بالمرشَّح أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، الذي يُعَدُّ محسوبًا إلى حدٍّ ما على المؤسَّسة العسكرية كونه عسكريًّا سابقًا. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ وصول مرشَّح من «الحرس الثوري» للرئاسة، فإنَّ ذلك ربما يؤدي إلى زيادةٍ في حدة الانقسام القائمة بين «الحرس الثوري» والجيش.
ومن خلال هذه النتائج بإبعاد مرشَّحي «الحرس الثوري» من السباق الرئاسي، فإنَّ الدور العسكري لـ«لحرس الثوري» سيحاول المحافظة على مكاسبه المتمثّلة في الأولوية في الدعم والمخصَّصات، لاستمرار دوره المهيمن في المنطقة، والذي ينظر له النظام الإيراني بأنه من أسباب الردع الواقي ضد التهديدات الخارجية.
رابعًا: المغامرة بمقاطعة «الإصلاحيين» للانتخابات
كان المتوقَّع أن يحظى «الإصلاحيون» بمرشَّح قوي يمثّلهُم في الانتخابات الرئاسية، لكن استبعاد النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة حسن روحاني إسحاق جهانغيري ونائب رئيس البرلمان السابق مسعود بزشكيان وعدم ترشَّح «الإصلاحي» الذي يترأس تكتُّل «أميد» (الأمل) في البرلمان الأخير محمد رضا عارف من الأساس، يشير ذلك وبقوة إلى أنَّ المرشد علي خامنئي لم يعُد راغبًا في استمرار ثنائية التوازن السياسي عبر تياري المحافظين و«الإصلاحيين». وأنه بات يسعى سعيًا حثيثًا نحو نظامٍ بلا أحزاب سياسيَّة، ربما يكون الدافع في ذلك هو توقّعه لارتفاع وتيرة التصادم في المحيطين الإقليمي والدولي وبالتالي رأى أنَّ توحيد الجبهة الداخلية وامتلاك «التيار المحافظ» لجميع منابر السلطة سوف يجعل إيران أكثر قوة في مواجهة الضغوط الغربية عليها. لكن هذا التصور سوف يزيد من عدم الرضا الجماهيري ويرفع من احتمالات اندلاع الاعتراضات الشعبيَّة وهو ما يؤدي إلى عكس النتيجة المرجوة من تلك السياسة على طول الخط.
«الإصلاحيون» بدورهم كانوا يرون في النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة حسن روحاني إسحاق جهانغيري دافعًا في اشتراكهم في العمليَّة الانتخابية، وعلى أقل تقدير وجود رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني الذي كان يمثّل لهم الحد الأدنى من مطالبهم في المشاركة السياسيَّة بوصفه «أصوليًّا» معتدلًا كان يتحالف دائمًا مع العناصر «الإصلاحية» في انتخابات الرئاسة البرلمانية ومن خلاله كان يحصل «الإصلاحيون» على بعض مقاعد اللجان الخاصة في البرلمان، لكن استبعاد كلًّا من النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة حسن روحاني إسحاق جهانغيري ورئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني جعل مشاركة «الإصلاحيين» في الانتخابات الرئاسية أمرًا لا طائل منه سوى إظهار العمليَّة الانتخابية بمظهر ديمقراطي بعيدٍ كل البعد عن الواقع.
لم ترغب جبهة «الإصلاحيين» في إعلان مقاطعتها رسميًّا للانتخابات وإنما أعلنت عن تأييدها لرئيس اتحاد رياضة «الزورخانة» وعضو مجلس إدارة منطقة كيش الاقتصادية الحرة محسن مهر عليزاده كمرشَّحٍ خاص لها، وهو خِيار من الصعب أن يكون كافيًا لجذب الناخبين «لإصلاحيين» لصناديق الاقتراع. على الرغم من امتلاك محسن مهر عليزاده تاريخًا يمكن أن يجعل منه حصانًا أسود للانتخابات الرئاسية القادمة بمعنى أنه «إصلاحي» يحظى بتأييد من المرشد وهو ما يكفل له دعمًا انتخابيًّا كبيرًا، وبالنظر إلى بعض المحطات الرئيسة في تاريخه، نجد أنه أحد المؤسِّسين لـ«اللجان الثورية» في مدينة مراغِة ووحدة «الحرس الثوري» بها، وله شعبية في عددٍ من المحافظات الإيرانية مثل أذربيجان الشرقية وبقيَّة المحافظات ذات الأغلبية الآذرية كونه أحد أبناء الأقليَّة الآذرية، وكذلك له شعبية في محافظتي أصفهان التي اُنتخب محافًظا لها لكن لم يتولّ المنصب لأمرٍ إداري، وتولى منصب محافظ خراسان في عهد محمد خاتمي، وتولى رئاسة عددٍ من المؤسَّسات الاقتصادية مثل المنطقة الحرة في كيش وشركة سايبا لصناعة السيارات وإدارة المفاعلات النووية ومشروعات تحلية مياه الخليج العربي ونقلها للمناطق الصناعية في جنوب شرق إيران ،كما ترشَّح في انتخابات 2009م الرئاسية ولم يُجزه مجلس صيانة الدستور لكن تقرَّر إجازته فيما بعد بتدخل من المرشد.
ومع كل هذا يصعب أن يكون وجود محسن مهر عليزاده كافيًا لجذب الناخب «الإصلاحي» لصناديق الاقتراع ومِن ثَمَّ ظهر هاشتاج «#لن أذهب للانتخابات» كأحد أبرز الهاشتاجات على مواقع التواصل الاجتماعي، منذرًا بمقاطعةٍ واسعة النطاق من قِبل الناخبين «الإصلاحيين» مالم يستطع محسن مهر عليزاده جذبهم لصناديق الاقتراع.
وعلى كلٍّ، فقد كانت القائمة المُعلنة من قِبل مجلس صيانة الدستور بمثابة صدمة كبرى للمعسكر «الإصلاحي» وكذلك لبعض الجماعات «الأصولية»، وقد ذكر العديد من النشطاء السياسيين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين أنَّ رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي هو الفائز المبكر في هذه الانتخابات.
خامسًا: توقعات حجم المشاركة الشعبيَّة
قبل الإعلان عن القائمة النهائية كانت كل التقديرات والتوقعات تشيرُ إلى احتماليَّة تكرار تجرِبة الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في فبراير 2020م، والتي فاز فيها «المحافظون» بأغلبية مقاعد البرلمان، حيث شهدت تلك الانتخابات أقل نسبة مشاركةٍ في تاريخ الانتخابات التي أجرتها إيران منذ انتصار ثورتها في 1979م، لكن القائمة النهائية التي أعلن عنها مجلس صيانة الدستور أثبتت مجدَّدًا حالة التخبط والتناقض التي يعيشها النظام الإيراني. فبعد أن ظل المرشد خامنئي يطالب بضرورة المشاركة القصوى في الانتخابات الرئاسية ها هو يغلق كل الأبواب التي كان من الممكن أن يفتحها لحثّ الناخب الإيراني وتشجيعه للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
ورغم أهمية المشاركة الواسعة في الانتخابات لإثبات شرعية النظام، لكن يبدو أنَّ خامنئي يدرك تراجع شعبية نظامه واحتماليَّة تسجيل نسبة مشاركة قد تكون أقل من الانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ ما اضطره إلى إيجاد تغيير في أولوياته لتكون بناء صفٍّ جديد من القيادة وحسم منصب رئاسة الجمهورية لصالح مرشَّحه المفضل رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي والذي يُتوقع أن يكون مطيعًا ومنقادًا لخامنئي في كل توجهاته وسياساته خلال السنوات الأربع القادمة، وليس مستبعدًا أن يكون المرشد قد خطَّط لتهيئته سياسيًّا وفكريًّا ليكون خليفته الذي يحمل توجهه الفكري والأيديولوجي.
ومع ذلك، فللمواءمة مع سياق الأجواء الانتخابية، أورد المرشد خلال لقائه الأخير مع نواب البرلمان حديثًا مهمًّا بشأن مجلس صيانة الدستور والقلق حول مشاركة الشعب، ودعمه الحاسم للنهج القانوني لمجلس صيانة الدستور، إذ اعتبر مشاركة المدراء الأقوياء وأصحاب القدرات في حل مشكلات الشعب الرئيسة، السبب في زيادة مشاركة أفراد الشعب في الانتخابات.
سادسًا: أثر قرار مجلس صيانة الدستور على عمليَّة التفاوض الدائر في فيينا
تيقُن الدول المفاوضة لإيران في فيينا أنَّ الرئيس القادم لإيران من «التيار المحافظ المتشدد»، وأنه على الأغلب سوف يكون رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي المدان بعقوباتٍ أوروبية وأمريكية صدرت بحقه في عام 2011م لمسؤوليته عن إعدامات 1988م، واشتراكه في قمع اعتراضات 2019م، سوف يجعلها أمام واحد من مسارين: إما الإسراع في التوصل لاتفاق نهائي قبل تسلّم الرئيس الجديد للسلطة حتّى وإن لم يتوصلوا للضمانات الكافية لعدم تحول إيران لدولةٍ نووية، أو تعثّر التفاوض مع إيران في حال وصول «المحافظين» الذين سوف يتمسكون بلاءات النظام الإيراني، وهي لا لاتفاقٍ جديد، لا تنازل عن البرنامج الصاروخي، لا تفاوض بشأن ميليشيات «فيلق القدس»، وبالتالي تعثّر المفاوضات بشكلٍ كامل.
حتّى الآن لم يصدر عن الإدارة الأمريكية تعليقٌ بشأن قرار مجلس صيانة الدستور ما يعني أنَّ الولايات المتحدة حريصة على التهدئة مع إيران لضمان مواصلة المفاوضات في فيينا وأنها لن توجّه انتقادات للعمليَّة الانتخابية مثلما فعل ترامب. وإذا استمر الوضع كذلك سوف يكون من المرجَّح إسراع الدول المفاوضة بالتوصل لاتفاق مع الحكومة الإيرانية الحالية، والذي لن يضمن سوى القليل من التنازلات الإيرانية.
سابعًا: توقعات مسارات الحياة السياسيَّة الإيرانية خلال السنوات الأربع القادمة
في ظل سير الترشيحات لتولي «المحافظ المتشدد» إبراهيم رئيسي لرئاسة الجمهورية؛ نظرًا لتوافق عددٍ من التيارات حول ترشيحه، وكونه أيضًا يمثّل خِيارًا مستقبليًّا ليحل محل المرشد الأعلى علي خامنئي، لتوافقه مع الخط الثوري للمرشد الإيراني؛ فإنَّ ملامح المستقبل تشير إلى عدم وجود تبدلاتٍ كثيرة في الخط الثوري الإيراني، وتوقع استمرار الاحتقان في العلاقات بين النظام الإيراني والشارع الإيراني، وبين الحكومة الإيرانية مع العالم الخارجي.
يشير وجود حكومة إيرانية متطرفة، إلى استمرار التشدّد للأربع سنوات القادمة، وربما إلى ثماني سنوات أخرى، كما يعني ذلك استمرار توتر العلاقات الإيرانية_الأمريكية، وإطالة أمد العودة إلى الاتفاق النووي، واستمرار الفوضى في اليمن وفي سوريا والعراق، والتوترات في الخليج العربي، واستمرار حالة العسكرة والتسلح في المنطقة.
ربما يشيرُ ذلك ضمنًا إلى صعوبة حدوث انفراجة في العلاقات السعودية_الإيرانية، التي رأى البعض أملًا في وصول حكومة إصلاحية تحاول بناء العلاقات مع الجوار الإيراني، كما حدث في فترة رئاسة محمد خاتمي، وفترة هاشمي رفسنجاني، وتستكمل ما بدا وكأنه وساطة عراقية لردم الهُوة في العلاقات بين السعودية وإيران، مِمَّا سينعكس على هدوء واستقرار المنطقة.
لا يعني ذلك بالضرورة أنَّ هناك سلوكًا إيرانيًّا محدَّدًا سيتم التعرف عليه من شخص الرئيس المحتمل، ولكن ذلك أيضًا تحكمه مقاربات عِدَّة، أهمها: الإجراءات التي ستتّخذها الحكومة الأمريكية الرامية لتعديل سلوك إيران، ومدى فعاليتها للضغط على النظام الإيراني، الذي عادةً ما يتّخذُ قرارات نفعية تتوافق مع حاجاته وقدراته؛ وكذلك مقاربات النظام الإيراني في حال استمرت حالة فرض العقوبات، وحظر التصدير النِّفطي الذي أدخل إيران في أزمةٍ خانقة، وهي كفيلة بأن تختبر مدى قدرة الرئيس المقبل على إدارتها.
خاتمة
عكس قرار مجلس صيانة الدستور الخاص باستبعاد عددٍ من المرشَّحين البارزين شملوا رموز «التيار الإصلاحي» وكذلك «التيار الأصولي» المعتدل وشخصيات التيارات الشعبوية، توجّه النظام نحو هيمنة «التيار المحافظ المتشدِّد» نحو السيطرة على جميع منابر السلطة في إيران، كما عكس كذلك عدم اكتراث النظام الإيراني بحجم المشاركة الجماهيرية في الانتخابات، واهتمام خامنئي بالحصول على رئيس أكثر طواعيَة لقراراته وتوجهاته دون أيّ صخب إعلامي. ولا غرو إن وصف مناخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية بالباردة للغاية والتي لا روح فيها بسبب المشكلات الاقتصادية الواسعة وتأثيرات «كورونا»، واحتفاظ الذاكرة الشعبية بالتأثيرات المتفاقمة لقمع مظاهرات يناير 2018م ونوفمبر 2019م فضلًا عن عدم تحقيق العدالة في العملية الانتخابية.
هذه التوجهات من قِبل النظام وشخص المرشد تشيرُ وبقوة إلى أنَّ النظام الإيراني يمر بمرحلة حرجة على جميع الأصعدة وأنه يسعى إلى إفراز زعاماتٍ ذات توجهات متشدِّدة في مرحلة اختيار مرشدٍ جديد للثورة الإيرانية، كما أنَّ حالة التنافس الشديد بين أقطاب قيادات الحرس الثوري حالت دون رفع أحد القادة لمقعد رئاسة الجمهورية لتترسخ زعامة رجال الدين للنظام الإيراني في تلك المرحلة الحرجة.
وعلى الرغم من مخاطر اندلاع الاعتراضات الشعبيَّة في المرحلة القادمة فضَّل المرشد توحيد منابر السلطة في يد «التيار المتشدِّد» على المشاركة الجماهيرية أو إرضاء الشعب، مع المخاطرة بعرقلة المفاوضات النووية الجارية في فيينا.