وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد فترة وجيزة من توليه السلطة أمرًا تنفيذيًا يُعيد به تصنيف جماعة «الحوثي» في اليمن «منظمة إرهابية أجنبية»، مُستشهدًا بهجماتهم على أفراد أمريكيين وسفن تجارية في البحر الأحمر؛ فمنذ العام الماضي، صعّدت جماعة «الحوثي» هجماتها في البحر الأحمر ردًا على الحرب الإسرائيلية على غزة.
وعلى إثر هذا التصنيف، من المتوقع أن تتوقف جهود الوساطة بين جماعة «الحوثي» والحكومة الشرعية في اليمن وستتعقد العلاقات الدبلوماسية، لاسيما أن التصنيف يهدف إلى «نزع الشرعية» عن جماعة «الحوثي» وزيادة الضغوطات عليهم من خلال العقوبات. ناهيك أن هذا القرار يأتي مع استمرار «الحوثيين» في اختطاف واحتجاز الأفراد من موظفي الأمم المتحدة وعمال الإغاثة، مما دفع الأمم المتحدة إلى تعليق رحلات السفر إلى المناطق التي يُسيطر عليها «الحوثيون» في اليمن. وفي هذا الصدد، تُشير تقارير إلى أن 70 موظفًا يعملون في هيئات إقليمية ودولية احتجزتهم جماعة «الحوثي»، مما أثر سلبًا على العلميات الإنسانية، ودفع هذه الهيئات إلى نقل مقراتهم من صنعاء إلى عدن في ظِل تصاعُد المخاطر الأمنية، ولاسيما عمليات الخطف والاحتجاز على يد «الحوثيين». وفي هذا الصدد، وضح مسؤولو الأمم المتحدة أن «الحوثيين» يربطون عمليات الاحتجاز هذه بالولايات المتحدة وإسرائيل رغم أن المحتجزين لا تجمعهم أي صلة بالسفارة أو الحكومة الأمريكية. ولقد استغل «الحوثيون» حرب غزة لتعزيز نفوذهم وصرف الانتباه عن إخفاقاتهم وما يواجهونه من ضغوطات داخلية؛ إذ كشفت تقارير متعددة، أن حكمهم موصوم بالفساد وسوء الإدارة، الذي زاد العراقيل أمام تقديم المساعدات إلى اليمن، وفاقم الأزمة الإنسانية الحادة في البلاد.
وقد رفع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن جماعة «الحوثيين» من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بهدف معالجة الأزمة الإنسانية في اليمن، لكن في أعقاب هجمات «الحوثيين» على خطوط الشحن أدرجت إدارة بايدن العالمية في يناير 2024م، «الحوثيين» على لائحة «الإرهابيين العالميين المحددين بشكل خاص «SDGT». وسيؤدي إعادة تصنيف إدارة ترامب «الحوثيين» منظمةً إرهابية إلى تجميد أموالهم وأصولهم مع حظر أي شكل من أشكال الدعم لهم، كما ستواجه الكيانات والدول التي تتعامل مع «الحوثيين» عقوبات أيضًا. وتفرض هذه الخطوة تدابير أكثر صرامةً، وتُجرم حتى الدعم غير المباشر أو التعامل مع «الحوثيين». على النقيض من ذلك، كان التصنيف السابق الذي صدر عن إدارة بايدن أكثر محدوديًة، حيث ركز في المقام الأول على فرض عُزلة مالية وعقوبات على «الحوثيين» دون تجريم التعامل معهم بالمطلق.
ولطالما انتقد ترامب نهج سلفه بايدن تُجاه الشرق الأوسط ووصفه بـ «الضعيف»، ولاسيما تُجاه «الحوثيين» وإيران، مُشيرًا إلى أن تردُد إدارة ترامب سمحت لكِلاهما بتوسيع نفوذهما واستهداف أصول الولايات المتحدة. وقد مَكن هذا الموقف مَصحوبًا بضغوطات من الحزبين، من أجل اتباع نهج أكثر صرامًة للتصدي للتهديدات الإيرانية، ترامب من تنفيذه أجندته بسرعة. وتعكس دعوات ترامب إلى «السلام من خلال القوة» اعتقادًا مفاده أن الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نهج عسكري أكثر حزمًا، لاسيما أن إيران ووكلائها الآن في أضعف مراحلهم. ومن خلال إعادة ضبط السياسة الأمريكية، فإن الهدف هو تأكيد هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة وإرسال رسالة واضحة إلى أولئك الذين يدعمون الحوثيين وإيران بأن أفعالهم لن تمر دون رادع. ويعكس هذا التحول في السياسة استراتيجيةَ ترامب الأوسع تحت شعار «أمريكا أولًا»، التي تجمع بين العمل العسكري الحازم والتركيز على عقد الصفقات وتجنب التورط في القضايا الخارجية لوقت طويل.
ومن المحتمل أيضًا أن تستغل إدارة ترامب المصالح المُتقاربة والمخاوف المُشتركة مع حلفائها وشركائها الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمعالجة تحديات الأمن الإقليمي المستمرة. وقد يتضمن هذا استراتيجيًة عسكريًة حازمًة ومنسقة بدعم من الحُلفاء الإقليميين لإعادة إرساء الردع وضمان الاستقرار الذي يبقى ذا أهمية بالغة للتجارة العالمية. وفي هذا الصدد، قال نائب الرئيس اليمني عيدروس الزبيدي: إن «الضربات الجوية ليست كافية لردع التصعيد (الحوثي) ويجب أن يصحبُها عمليات برية»، كما دعت الحكومة اليمنية مرارًا وتكرارًا إلى تحييد القدرات العسكرية لـ «الحوثيين»، مستشهدًة بالمخاطر التي تُهدد الاستقرار الإقليمي والازدهار الوطني، خاصًة مع استمرار «الحوثيين» في السيطرة على صنعاء. الجدير بالذكر هنا، أن استراتيجية إدارة ترامب ستطال الكيانات الصينية والإيرانية التي تُسهل توريد الأسلحة لـ «الحوثيين»، مما يعرضهم للعقوبات وغيرها من التدابير العقابية.
وبدورها، رحبت الحكومة الشرعية اليمنية بقرار ترامب، وستدعمه دول المنطقة أيضًا، لاسيما وأن هجمات «الحوثيين» تسببت في اضطرابات في التجارة العالمية وفاقمت المخاطر البحرية في نِقاط العبور الاستراتيجية مثل مضيق باب المندب. ومن جانب آخر، شهدت تكاليف الشحن عبر البحر الأحمر ارتفاعًا كبيرًا بسبب ارتفاع التأمين ضد مخاطر الحرب؛ إذ يتردد العديد من شركات التأمين الآن في أن تُشمل السفن في المنطقة في نطاق تأمينها، مما يترك السفن المهددة بمخاطر عالية تكافح من أجل إيجاد حماية لها. وقد دفع هذا بعض الشركات إلى تجنب المرور عبر البحر الأحمر تمامًا وتغيير الطرق لتجاوز قناة السويس، على الرغم أن الطرق البديلة تأخذ مدة أطول. ووفقًا للتقارير، تسببت الاضطرابات في البحر الأحمر في انخفاض بنسبة 60% في عائدات قناة السويس مما كلف مصر أكثر من 7 مليارات دولار العام الماضي. يُسلط هذه التأثير الاقتصادي لهذه الاضطرابات الضوء على أهمية تنسيق الجهود لضمان الاستقرار في المنطقة.
وأخيرًا، يُعزز إعادة تصنيف «الحوثيين» منظمةً إرهابيةً التعاون الإقليمي والتنسيق العسكري مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، كما أن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من الضغوطات على «الحوثيين». ولكن في مثل هذه الظروف، قد يصعد «الحوثيون» هجماتهم انتقامًا، مما يزيد من زعزعة الأمن باستخدام تكتيكات الحرب غير المتكافئة. وقد أشار ترامب إلى أن إدارته ستسن تدابير أقوى ضد إيران ووكلائها الإقليميين، مع التركيز على احتواء نفوذ إيران الإقليمي والحد من قدرتها على استخدام جماعات مثل «الحوثيين».