عيَّن ديوان المحاسبة الإيرانية الأعلى (الذراع الرقابية في البرلمان الإيراني) مهرداد بذرپاش رئيسًا جديدًا له في أواخر يوليو، ويُعَدّ ديوان المحاسبة الأعلى – الذي يشرف على الإنفاق الحكومي- مؤسَّسة ضعيفة، كما لعب البرلمان دورًا محدودًا جدًّا في الإشراف على أعماله الداخلية، ومع ذلك وعد بذرپاش بإصلاح مشاكل إيران المالية، على الرغم من التحدِّيات وأوجه القصور الكبيرة في ديوان المحاسبة.
ويلقي بذرپاش باللوم على الرئيس حسن روحاني في مشاكل إيران الاقتصادية وفي دفع البلاد نحو الركود، ويعتقد بذرپاش أنّ تأثير العقوبات الأمريكية يُعَدّ ضئيلًا، عند مقارنته بالمشاكل الاقتصادية التي كان سببها سوء إدارة روحاني.
وقبل أشهر من تعيين بذرپاش، اكتشف ديوان المحاسبة الأعلى فجوةً في السجلّات المالية الإيرانية، إذ تبيَّن إختفاء 4.8 مليار دولار من ميزانية الدولة. وذكر ديوان المحاسبة أنّ روحاني خصَّص 31.4 مليار دولار لاستيراد البضائع في عام 2018م، بينما لم يُنفِق على السلع المستوردة سوى 26.6 مليار دولار، فيما أصرّ مسؤولو إدارة روحاني على عدم وجود أموال لا يُعرَف مصيرها، غير أنّ التقرير السنوي الصادر عن ديوان المحاسبة في أبريل والذي قُدِّم إلى روحاني، دعا إلى مراجعة سياساته المالية. ويُعَدّ بذرپاش مقرَّبًا من الرئيس الإيراني السابق المتشدِّد محمود أحمدي نجاد، ويشير تعيينه إلى وجود تسوية بين التيّارات الموالية لأحمدي نجاد في البرلمان ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف. ويواجه كلٌّ من أحمدي نجاد وقاليباف تُهمًا بالفساد، ويُعتقَد أنّ أحمدي نجاد كان يوجِّه بذرپاش، وقد دعا قاليباف بذرپاش إلى القيام بدور أكثر فاعلية كرئيس لديوان المحاسبة.
وذكر بذرپاش أنّه سيحارب الفساد على الرغم من أنّه يواجه اتهاماتٍ خطيرٍة بالفساد، ورفض التُهم الموجَّهه إليه، ووصفها بالهجمات السياسية عليه. وتشير السجلات إلى أنّه قد يحمل شهادات مزوَّرة، وأنّه كذب في سيرته الذاتية، وأنه يفتقر إلى المؤهِّلات الكافية، وأنّه دفع لنفسه راتبًا مبالغًا فيه وباع أرضًا بشكل غير قانوني. ويُعتقد أيضًا أنّه حصل على مبنى مكوَّن من 10 طوابق مجانًّا على سبيل الهبة، عندما كان يعمل في «سايبا»، وهي شركة إيرانية لتصنيع السيارات.
وقد فُصِل بذرپاش سابقًا من مناصبَ حكومية، إثر تُهمٍ تتعلَّق بتزوير وثائق والاستيلاء على أراضٍ بشكل غير قانوني والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، من خلال الضغط على رُؤوساء الجامعات، وتشكِّك منظَّمة مراقبة الشفافية والعدالة في إيران في صحَّة مؤهِّلاته. وقد شنَّ بذرپاش حملة مناهضة لروحاني بهدف صرف الانتباه عن الاتهامات الموجهة له، إذ ذكر بذرپاش أنّ روحاني منح 260 ألف مليار تومان سرًّا لجماعات المصالح الخاصّة على شكل إعانات، ويعتقد أنّ بعض مسؤولي إدارة روحاني يستلَّمون 53 مليون تومان شهريًّا على شكل رواتب، أي ما يزيد 10 أضعاف عن متوسِّط الراتب الحكومي.
واتّهم بذرپاش حكومة روحاني أيضًا بزيادة معدَّلات البطالة، ونقص العمالة في إيران، وتحطيم الأرقام القياسية في عدم الكفاءة. ولقد وعد بذرپاش بحماية العمال والمتقاعدين، وتعهَّد بإصلاح التدهوُر العلمي والفنِّي والتعليمي لإيران في عهد روحاني.
ومن خلال ترأُّسه لديوان المحاسبة، فمن المحتمل أن يتولَّى بذرپاش مناصب رفيعة في المستقبل، بما فيها منصب الرئاسة، إذ أنّه ليس جديدًا على الحملات الانتخابية، وقد موَّل – حين كان يعمل في «سايبا» – حملة إعادة انتخاب أحمدي نجاد الرئاسية في عام 2009م.
ومن الواضح أنّ بذرپاش يحسِّن من صورته أمام الرأي العام قبل السباق الرئاسي في إيران العام المقبل، من خلال الإصرار على أنّ البلاد لا يمكن إدارتها كما كانت تُدار في السابق، وأنّها بحاجة إلى تغيير إداري، وقال إنّه يجب السيطرة على معدَّل التضخُّم ومستويات السيولة، إذ ارتفع سعر الفاكهة العام الماضي في إيران بنسبة 36%ـ وسعر الأرز بنسبة 27%، والخضروات الطازجة بنسبة 54%، والتفاح بنسبة 70%، والطماطم بنسبة 127%.
ويقول بعض النُقّاد إنّ بذرپاش يبلغ من العمر 39 عامًا فقط، وإنّه ينتقل من وظيفة إلى أخرى، ففي السابق كان يدير صحيفة «وطن أمروز» المتشدِّدة، وقبل ذلك شغل منصب نائب في المنظمة التعاونية التابعة للحرس الثوري الايراني وقد عمل أيضًا في خاتم الأنبياء، وهي شركة بناء واستثمار تابعة للحرس الثوري الإيراني، كما يفتخر بخبرته البحثية في جامعة شريف المرموقة في إيران.
وفي عام 2012م، حصل بذرپاش على مقعد في البرلمان، ونال عددًا كافيًا من الأصوات البرلمانية تؤهِّله لمنصب سكرتير مجلس الإدارة البرلمانية، وبعد ذلك أصبح عضوًا في اللجنة الخاصّة التي أشرفت على الاتفاق النووي الإيراني، ووصف اتفاق روحاني النووي مع القوى العالمية بـ«المحرقة النووية».
وفي عام 2016م، فشل بذرپاش في محاولة إعادة انتخابه، ويشير تعيينه الأخير في ديوان المحاسبة الأعلى إلى أنّه لا يزال يتمتَّع بدعم جماعات ذات نفوذ داخل إيران، على الرغم من أنّ ماضيه قد يكون عقبة أمام خوضه السباق الرئاسي الإيراني.