طموحات إيران العسكرية.. يغذيها التهوُّر ويكشفها القصور

https://rasanah-iiis.org/?p=20843

أعلنت وسائل إعلام وحسابات بمواقع التواصل الاجتماعي وبعض نشطاء المواقع الرسمية الإخبارية الإيرانية، يوم الأحد 10 مايو 2020م، عن استهدافٍ خاطئٍ لسفينة إمداد إيرانية مِن قِبل فرقاطة حربية إيرانية، وهو ما أكّدته مصادر إيرانية رسمية لاحقًا، وذلك في أثناءِ تنفيذ مناورة بحْرية تُجريها القوّات البحْرية الإيرانية بالقرب من ميناء جاسك المطلّ على بحر عمان، الذي يفصله عن جنوب شرق طهران نحو 790 ميلًا، وتسبّب الحادث في أضرار بالسفينة، ومقتل وإصابة عدد من طاقمها.

وتناقَل مغرِّدون عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنّ الحادث نتيجة لإطلاق فرقاطة «جماران» صاروخا من فئة «كروز» المسمى «نور» باتجاه زورق «كُنارك»، مما أدّى إلى تضرُّرِه ومقتلِ عدد من طاقمه، بينما استمرَّ صمت الجهات الرسمية إلى اليوم التالي، إذ أصدر الجيش الإيراني بيانًا يؤكّد فيه الحادث والأخبار التي جرى تناقُلها.

أوَّلًا: عيب تقنيّ أم حرب إلكترونية؟

أشارت تقارير إعلامية ورسمية إيرانية إلى تفاصيل الحادث، ومن ذلك ما أوردته وكالة أنباء «تسنيم» المقرَّبة مِن الحرس الثوري الإيراني، التي أوضحت أنّ زورق «كنارك» قد استُهدف بصاروخ أطلقته فرقاطة «جماران» عن طريق الخطأ خلال مناورة بحْرية في منطقة جاسك وتشابهار.

وعلى الرغم من أنّ هذا الحادث قد أُحيط بصمت من قِبل الجهات الرسمية الإيرانية فور تداوله، فإنّ السلطات الإيرانية أعلنت صبيحة اليوم التالي عن الحادثة واعتبرتها خطأ في تحديد الأهداف من قِبل الفرقاطة «جماران» تجاه الزورق «كنارك»، وأسفر عن مقتل 19 وإصابة 15 من طاقم الزورق.

وفي بيانٍ لاحقٍ للجيش، أوضح أنّ سبب وقوع الحادث ينحصر بين وجود عيب تقنيّ في الصاروخ أو التعرُّض لحرب إلكترونية، وكلا الأمرين له تبعاته وانعكاساته على تقييم حجم وقدرة القوة الصاروخية الإيرانية، فإذا كان السبب عيبًا تقنيًّا في الصاروخ فهو أمر يشكِّك في قدرات الصواريخ الإيرانية من حيث دقة التصويب، بعد أن حاولت إيران خلال الفترة الماضية تأكيد إحرازها تقدُّمًا نوعيًّا في دقة تصويب صواريخها. أمّا إذا كانت حربًا إلكترونية، وإيران بالطبع عبر هذا الادّعاء توجِّه الاتهام إلى الولايات المتحدة، خصوصًا بعد حوادث تحرُّش الزوارق الإيرانية بقِطَع البحْرية الأمريكية الشهر الماضي، فإنّ هذا الادّعاء الإيراني يجعل واشنطن قادرة على التحكّم في الصواريخ الإيرانية وتحويلها إلى أسلحة ضدّ القوّات الإيرانية نفسها!

ثانيًا: قِطَع بحْرية تخطّى عمرها أربعين عامًا

كل من الفرقاطة «جماران» التي أُطلِق منها الصاروخ، والزورق «كنارك» الذي أُصيب، يرجع تاريخ تصنيعه إلى ما قبل عهد الجمهورية الإيرانية، أي ما قبل أربعين عامًا. وعلى الرغم من عمليات الصيانة المتكررة، فإنّ هذه القِطَع البحْرية باتت تشكِّل تهديدًا للقوّات العاملة عليها أكثر مما تشكل عامل حماية لإيران. وليست حادثة الفرقاطة «دماوند» التي غرقت في بحر قزوين في مطلع عام 2018م، مخلِّفةً وراءَها عددًا من الغرقى والمصابين من بين قوّات البحْرية الإيرانية العاملة، ببعيدة عن الحادثة التي نحن بصددها الآن، وإن كانت «دماوند»، المصنَّعة محليًّا، منتجًا حديثًا للترسانة الإيرانية لكنها لم تصمد أمام أمواج بحر قزوين المغلق في منطقة مياه ضحلة، مما يعكس رغبة إيران في الإعلان عن منجزات عسكرية بأيّ وسيلة، حتى وإن كانت تشكِّل مقبرة متحرِّكة لقوّاتها.

1-الفرقاطة «جماران»

فرقاطة إيرانية تابعة للقوّات البحْرية للجيش الإيراني النظامي (ليست تابعة للقوّات البحْرية للحرس الثوري)، وهي من طراز «موج» بريطانية الصُّنع، أُعلِن عنها لأول مرة أوائل عام 2010م في ميناء بندر عباس، إذ ذكرت القوّات البحْرية الإيرانية أنّ هذه الفرقاطة محلّية الصُّنع صنعها خبراء منظمة الصناعات البحْرية الإيرانية، واعتبرتها البحْرية الإيرانية من أهمّ إنجازاتها البحْرية، وبمثابة قفزة نوعيّة وتكنولوجيّة لصناعاتها البحْرية. وعلى الرغم من المزاعم الإيرانية عن هذه الفرقاطة، أو كما تبالغ في الدعاية لها وتسمّيها «المدمرة»، فإنّ المصادر تشير إلى أنّ سُفن القوّات البحْرية الإيرانية يعود تاريخ صناعتها إلى فترة ما قبل الثورة الإيرانية، وتحديدًا في عهد حكم الشاه لإيران، إذ تعاقدت حكومة شاه إيران محمد رضا بهلوي مع الحكومة البريطانية في الستينيات من القرن الماضي على شراء أربع سُفن حربية من فئة «vosper MK 5» من صُنع شركتي «فوزبر ثروني كروفت» و«فيكرز» البريطانيتين، والفرقاطات الأربع هي «سبلان» و«سهند» و«البرز» و«الوند». ثم أجْرَت إيران بعد الثورة كثيرًا من التعديلات وعمليات الصيانة على هذه السفن، ومنها ما سُمّي بالفرقاطة «جماران»، التي زُوِّدت بالأسلحة الصاروخية والطوربيدات البحْرية، وأُجريَت بعض أعمال الصيانة على بعض أجهزتها.

ويبلغ طول الفرقاطة «جماران» نحو 94.5م، وبعرض يزيد على 10 أمتار، وبسرعة بحْرية تصل إلى 30 عقدة، كما أنها قادرة على حمل 140 جنديًّا، وتمتلك كثيرًا من الأسلحة التي طوّرتها إيران وأعادت إدماجها على الفرقاطة، ومنها الصواريخ والطوربيدات والمدافع الرشاشة، إذ زُوِّدَت بصواريخ «كروز» المعروفة في إيران باسم «نور»، التي تُعتبَر نسخة معدّلة من صاروخَي ««C801 و««C802 الصينية، بالإضافة إلى صاروخ «فجر» ومدفع «أورليكون» عيار 20 ملم. كما أنّ الفرقاطة كذلك مزوَّدة برادارات ملاحية، ورادار التحكم في إطلاق النار. وإلى جانب ذلك تزعم إيران أن فرقاطة «جماران» هي أوّل الأسلحة البحْرية الإيرانية التي تمتلك مهبطًا للمروحيّات.

المواصفات الفنّية:

الطولالعرضالسرعةالحمولةالطاقم
94.5م10م30 عقدة بحْرية1500 طنّ140 جنديًّا

صورة رقم (1): الفرقاطة الإيرانية «جماران»

لفرقاطة الإيرانية جماران
المصدر: موقع «جنگاوران»
المصدر: موقع «جنگاوران»

زورق تابع للقوّات البحْرية للجيش الإيراني من فئة «هنديجان»، هولنديّ الصُّنع من إنتاج مصنع «damen» المتخصص في صناعة السفن، وقد حصلت عليه إيران في فترة ما قبل الثورة الإيرانية، ودخل الخدمة في القوّات البحْرية الإيرانية بعد إجراء عمليات تجديده في الثامن من أكتوبر عام 2018م، في المنطقة البحْرية الثالثة «نبوة»، بحضور القائد العام للبحْرية النظامية للجيش الإيراني.

2-زورق «كُنارك»

تكمُن مهمّته الأساسية في العمليات اللوجستية ومهامّ الإسناد، وكذلك مهامّ الدورية البحْرية، ويبلغ طوله نحو 47م، وبعرض 8.5م، وغاطس يُقدَّر بنحو 2.9م، كما أنه قادر على حمل 460 طنًّا، وبطاقم يصل تعداده إلى 100 جندي، كما أنّ الزورق مزوَّد بصاروخ من نوع «كروز» المسمى «نور»، وهو من نفس نوع الصاروخ الذي تعرَّض له الزورق من قِبل الفرقاطة «جماران»، إضافة إلى أنه مزوَّد بمدفع عيار 20 ملم، ومنصّات إطلاق لصاروخ «نور»، بالإضافة إلى القدرة على نشر الألغام البحْرية.

المواصفات الفنّية:

الطولالعرضالغاطسالحمولةالطاقم
47م8.5م2.9م460 طنًّا100 جنديّ

صورة رقم (2): زورق «كُنارك»

زورق كنارك
المصدر: موقع «نسيم أونلاين»

ثالثًا: «نور».. صاروخ إيرانيّ معدَّل من نسخة صينية

على الرغم من قِدَم وتهالُك القِطَع البحْرية الإيرانية أطراف الحادثة، فإنّ البيان الأخير للجيش رجع سبب وقوعها إلى عيب تقنيّ في الصاروخ، وتحديدًا في مُوجِّه الصاروخ، وأنّ دور الفرقاطة «جماران» لا يعدو كونها منصّة إطلاق للصاروخ ومِن ثَمّ لم تقع الحادثة نتيجة عيب في الفرقاطة.

وقد أعلن بيان الجيش الإيراني أنّ الصاروخ الذي أُطلق من الفرقاطة «جماران» كان من طراز «نور»، وهو صاروخ إيرانيّ طوّاف «كروز» مضادّ للسفن، عبارة عن نسخة معدَّلة من صاروخَي ««C801 و««C802 الصينيَّين، إذ يُعتبر صاروخ «نور» من بين أوّل النماذج في الصناعات العسكرية الإيرانية، التي استعرضتها القوّات المسلَّحة الإيرانية عام 1991م، ويتراوح مداه بين 40 و170كلم، بطول 6.38م، وقطر 36سم، كما يبلغ وزنه 715كغم، منها 165كغم للرأس الحربيّ، وهو مِن الصواريخ التي تعمل بالوقود الصُّلْب.

تُقدَّر سرعة الصاروخ بـ0.9 ماخ، وهو مخصَّص لاستهداف الزوارق أو المنصّات الساحلية، كما يُستخدَم على متن الحوامة BH-7»»، ونماذج أخرى زُوِّدَت بها مروحيّات «ميل-17»، ومقاتلات «إف-4» الفانتوم. ويُعتبر صاروخ «نور» من بين الصواريخ التي تزوِّد بها إيران جماعاتها الموالية لها مثل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، فقد سبق أن أعلنت قيادة قوّات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن عام 2016م عن تعرُّض إحدى السفن الإماراتية لهجوم صاروخيّ من قِبل الحوثيين، تبيَّن لاحقًا أنه صاروخ «نور» المضاد للسفن.

المواصفات الفنّية:

المدىالطولالقطرالسرعةالوزنالرأس الحربي
40-170 كلم6.38م36سم0.9ماخ715كغم165كغم
إطلاق صاروخ «نور» عبر المنصّات الساحلية المتحركة
إطلاق صاروخ «نور» عبر المنصّات الساحلية المتحركة
إطلاق صاروخ «نور» من إحدى الفرقاطات
إطلاق صاروخ «نور» من إحدى الفرقاطات

رابعًا: تسميات مُبالَغ فيها لتغطية القصور

يعمد المسؤولون الإيرانيون والوسائل الإعلامية الرسمية إلى اللجوء إلى استراتيجية التهويل والتسميات لإبراز قدرات إيران العسكرية، إذ دأب مسؤولو المؤسَّسة العسكرية الإيرانية، والوسائل الإعلامية الإيرانية، وخصوصًا تلك المقرّبة من النظام، على إحاطة قدراتهم العسكرية بهالة من التضخيم والقوّة والمبالغة في قدراتها، ومن ذلك على سبيل المثال وصف القِطَع البحْرية بأوصاف تخالف القدرات الحقيقية لتلك القِطَع، مثل إطلاق وصف «المدمِّرة» على الفرقاطة البحْرية «جماران»، واسم «الفرقاطة» على الزورق «كنارك»، على الرغم من أنّ تلك القِطَع لا تحظى بالإمكانيات التي يمكن وصفها وفق ما تذكره تلك التسميات. وكذلك فإنّ إيران لم تدخل في قائمة الدول العالمية التي تتفوَّق حربيًّا بأسلحتها البحْرية التي تملكها، كما أنّ صناعاتها العسكرية في الغالب تعتمد على تقليد أسلحة بعض الدول عن طريق الهندسة العكسية، وأيضًا الحظر الطويل على واردات إيران من الأسلحة وقِطَع الغيار، منذ بدء الثورة الإيرانية وحتى اليوم، لا يمكّن إيران من تصنيع أسلحة متطوّرة.

وبشكل عامّ فإنّ استراتيجية المبالغة التي تعمد إليها إيران في تضخيم قدراتها العسكرية، باتت مبدأً راسخًا في عقيدتها العسكرية لإظهار قدرتها على مجابهة العقوبات المفروضة عليها، وتأكيدًا لعزمها وقُدرتها على المضيّ بتطوير أسلحتها العسكرية بالاعتماد على نفسها في ما تسميه بـ«الاكتفاء الذاتي»، على الرغم من أنها تلجأ إلى استخدام أساليب متعدّدة للحصول على التقنيات العسكرية من السوق السوداء.

خامسًا: دلالات وأبعاد

اعتمادًا على ما صدر من بيانات عن الحادثة، ومقارنة ذلك مع التحليلات المنطقية في مثل هذه المناورات العسكرية، فإنّ هذه الحادثة تُظهِر وبشكل واضح أنّ في المؤسسة العسكرية الإيرانية خللًا بات يتسبّب في كوارث متتالية في الفترة الأخيرة، مثل حادث إسقاط طائرة الركّاب الأوكرانية بصاروخ دفاع جويّ إيرانيّ أطلقته عليها قوّات الحرس الثوري. ويمكن من خلال هذه الحوادث المتكررة استنتاج ما يلي:

1- وجود ضَعْف واضح في منظومة القيادة والسيطرة في الجيش الإيراني، ويمكن دعم هذا الافتراض حسب الرواية الإيرانية بأنه كان خطأ في تحديد الهدف عن كونه معاديًا أو صديقًا، وهذا يدل على عدم القدرة على التحكّم في الأسلحة، وعشوائية قواعد الاشتباك.

2- أكّد الحادث أنّ القوّات البحْرية الإيرانية (التابعة للجيش النظامي) غير مدرَّبة وغير احترافية، ورغم محاولة إيران إعادة تأهيلها فإنّ إهمال تطويرها لسنوات طويلة منذ بدء الثورة، وتركيز الاهتمام على بحْرية الحرس الثوري التي تعتمد على الزوارق السريعة فقط، قد أضرَّ بالقوّات البحْرية النظامية التابعة للجيش، وهذا يمكن تعميمه للتنبؤ بمدى ضعف قدرات الجيش النظامي بتشكيلاته البحْرية والبرّية والجوّية.

3- عدم تناسُب القدرات التي تحمّل على السفن مع قدراتها الفعلية على المناورة وإتمام المهامّ العملياتية.

4- عدم التزام القواعد المتبعة في أثناء المناورات، فغالبًا ما توضع الأسلحة (الذخيرة الحيّة) في المناورات العسكرية على وضع محظور، ولا تُستخدَم فعليًّا إلا على أهداف مخصَّصة للرماية، وهذا الحادث يُظهِر عكس ذلك.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير